المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ملايين المرضى يواجهون المشاكل بسبب الآثار السيئة للأدوية المخففة للألم



لمياء
08-27-2005, 07:27 AM
إثباتات على سوء تأثيرها على القلب
وتحذيرات طبية على ضرورة التأني في وصفها وتناولها


الرياض: د. حسن محمد صندقجي

طغت أخبار المحاكمة الشهيرة لدواء «فايوكس» على غيرها من الأخبار الطبية الأسبوع الحالي، بعد اعلان نتائج حكم لجنة المحلفين بمحكمة في ولاية تكساس الأميركية القاضية بإلزام الشركة المنتجة له دفع تعويضات تتجاوز 253 مليون دولار لأرملة أحد المرضى المتوفين ممن كانوا يتناولونه. وألقى هذا بظلال قاتمة على مستقبل ثالث شركات الدواء الأميركية من ناحية القوة والانتشار بعدما قضي على مستقبل أحد أهم إنتاجها من مجموعة الأدوية المخففة للألم ووضع أمثاله من فرع أدوية «كوكس 2» على كف عفريت كما يقال.

كما زادت مشاكل الأدوية المخففة للألم تعقيداً، بعدما صدرت في العدد الأخير لمجلة ضغط الدم الأميركية نتائج دراسة قوية تؤكد أن بعضاً من هذه الأدوية يزيد في معدل الإصابة بارتفاع ضغط الدم وشمل التحذير أصنافاً لم ينظر إليها بعين الريبة من قبل كالباندول أو التايلينول. وقبل أسابيع أكدت دراسة أخرى تبناها مجمع السرطان الأميركي أن تناول الحبوب المخففة للألم يزيد من عرضة إصابة النساء بسرطان الثدي. والشهر الماضي حذرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية من استخدام ملصقة الفنتنايل المخففة للألم وأكدت ارتفاع معدلات الوفيات نتيجة لها. وهذه الأيام تنهال علينا هذه الدراسات المحذرة من الإفراط في تناول واستخدام الأدوية المخففة للألم دون ضوابط كأن هذه الأدوية لم تخل يوماً من المشاكل التي ما فتئ الأطباء يحذرون منها ولم يكف المرضى عن الشكوى لأطبائهم منها. غربلة الطب عملية لن تتوقف والنتائج المخالفة لما كان يعتقد ستظل رفيقة درب تطوره وعنوان ذلك.

أدوية مخففة للألم

* الأدوية المخففة للألم مصطلح طبي يضم في طياته مجموعات كبيرة عدة كل منها يحتوي عدداً من الأدوية ومنتجاتها المطورة بغية زيادة مفعولها وتقليل ضررها، وهي تنقسم إلى مجموعتين كبيرتين الأولى هي الأدوية المخدرة والثانية غير المخدرة. وهناك تعبير آخر لمجموعات الأدوية المخففة للألم غير المخدرة وهو الأدوية المضادة للالتهاب باعتبار أن إحدى نتائج حصول عملية الالتهاب في الجسم هو الألم بالإضافة إلي مظاهر الالتهاب الأخرى كانتفاخ المنطقة الملتهبة واحمرارها وارتفاع حرارتها.

كي يتم إيقاف عملية الالتهاب فإن هناك مجموعتين من الأدوية تقومان بذلك كل منها يعمل على إيقاف هذه العملية عبر منع حصول إحدى المراحل العديدة من سلسلة التفاعلات الكيميائية، فتنقسم إلى مجموعتين الأولى مجموعة الستيرويد والثانية غير الستيرويد. وبشكل عام وتقريبي فإن الأدوية غير المخدرة والمستخدمة لتخفيف الألم هي مجموعة غير الستيرويد من الأدوية المضادة للالتهاب وتشمل أربع مجموعات رئيسة الأولى الأسبرين والثانية الباراسيتامول أو البانادول أو التايلينول والثالثة مجموعة كوكس 2 مثل فايوكس وسلبريكس والرابعة هي الباقية وتشمل أنواعاً متباينة مثل البروفين والدكلوفيناك أو الفولتارين والنابروكسين أو البونستان وغيرها.

الآثار الجانبية

* الآثار الجانبية لدواء ما يختلف تعريفه من مكان إلى آخر ففي الولايات المتحدة تنظر إدارة الغذاء والدواء إلى تعريف التفاعل المعاكس لدواء ما بأنه تفاعل يظهر في الجسم بشكل غير متوقع من ناحية النوع والشدة غير ما هو متوقع ومعروف عن هذا الدواء من آثار جانبية، بينما ترى الوكالة البريطانية للإشراف الطبي أنه يشمل التفاعل غير المعروف والآثار الجانبية المعروفة. وعموما هي آثار تنجم عن تناول الدواء حينما يفرط الدواء في أداء عمله كالنزيف عند تناول الأدوية المسيلة للدم أو حينما لا يفرط الدواء في أداء عملة كالقيء نتيجة أخذ أدوية السرطان. والشركة المصنعة للدواء ملزمة بذكر كامل الآثار الجانبية للدواء في تقرير مرفق بعبوة الدواء عند بيعه. كل هذه الأدوية المتقدمة لها آثار جانبية ولاستعمالها مضاعفات قد تصل خطورتها إلى ما يهدد حياة الإنسان، ولذا فإن الأصل المنطقي والعملي مما دلت عليه الدراسات هو وجوب اتباع الحكمة في تناولها والتعامل معها، والحكمة تشمل ثلاثة أمور هي: الأول تناولها عند الضرورة وفق نصيحة الوصف الطبي المباشر لعلاج مرض محدد، والثاني أخذ الحيطة واتباع الحذر حين وجود أمراض مزمنة أو عارضة مصاحبة لدى الإنسان، والثالث التوقف عنها حتى مراجعة الطبيب عند ظهور أي أعراض مرضية أو غريبة.

ولعل أحدنا يتساءل لماذا في هذه السنوات وأخيرا بالذات يكثر الحديث عن الأدوية المخففة للألم وآثارها الجانبية التي عرفت منذ عقود والحديث بشكل مركز عن آثارها على القلب والأوعية الدموية، والواقع أن هناك ثلاثة أمور ساهمت في ما نحن فيه من غربلة لفوائد ومضار هذه الأدوية عموماً وفي القلب خصوصاً لعل أهمها هو التطور الحاصل في منهج البحث العلمي بشكل عام من خلال إجراء الدراسات الطبية وفق معايير أدق وأقوى مما كان عليه الحال في العقود الماضية فتكشفت بهذا الأسلوب العلمي حقائق ربما خالفت كثيراً مما اعتاد الناس سماعه في شؤون القلب لكن البحث يؤكده على أسس قوية، الثاني هو تطور المعرفة في كثير من آليات نشوء الأمراض المختلفة وبروز عمليات الالتهاب كأساس في العديد منها مثل أمراض شرايين القلب والدماغ فاتجه البحث إلى فهم دور مضادات الالتهاب في زيادة أو تخفيف حدة هذه الأمراض مما فتح فهماً أوسع وجعلنا نختبرها بصفة أدق في أمراض محددة وهو ما أطنبت رابطة القلب الأميركية إيضاحه أخيرا وخاصة حول كيفية تعارض تناول الأسبرين مع بعض منها وكيفية اختلاف الفايوكس والسلبركس عن باقي أنواعها، والثالث هو جانب تطور صناعة الدواء والسعي الذي لا يعرف الكلل من قبل الباحثين لأنواع جديدة من الأدوية ومقارنتها بسابقاتها مما كشف حقائق عن القديم بالتوازن مع دخول الجديد من الأدوية مجال الخدمة إن صح التعبير.

القلب وضغط الدم

* منذ فترة أشارت الدراسات إلى علاقة بين تناول الأدوية المخففة للألم وارتفاع ضغط الدم، لكن الدراسات الصادرة حديثاً من جامعة هارفارد للطب في بوسطن تناولت بالتحديد كمية الجرعة المؤثرة وسبب تناول هذه الأدوية. والبحث الذي نشر في العدد الأخير يوم الثأمن عشر في النسخة الإلكترونية (التي تسبق النسخة المطبوعة بأيام) لمجلة ضغط الدم التابعة لرابطة القلب الأميركية كان ضمن دراسة كبيرة وطويلة تدعى «دراسة صحة الممرضات»، الدراسة الأولى شملت حوالي 2000 امرأة ممن كانوا في عمر ما بين الثلاثين والخامسة والخمسين في عام 1976 والثانية شملت أكثر من 3000 امرأة ممن كن ما بين عمر الخامسة والعشرين والثانية والأربعين عام 1989.

النتائج كانت غاية في الغرابة ومذهلة لحد الصدمة، تقول الدراسة إن تناول جرعة يومية بمقدار أكبر من 500 مليغرام أي حبة واحدة من الباندول أو أي من مشتقات الأدوية التي تحتويه يؤدي إلى زيادة خطورة الإصابة بارتفاع ضغط الدم بنسبة 93%، وتناول بروفين أو سليبركس أو نبروكسين بكمية يومية تتجاوز 400 مليغرام أي حبة واحدة يزيد ذلك أيضاً بنسبة 78%، لكن تناول الأسبرين حتى بجرعة 400 مليغرام أي أكثر من أربعة حبات من أسبرين الأطفال أو «بيبي أسبرين» لا علاقة له بارتفاع الضغط. ويعلق الدكتور «جون فورمان» الباحث الرئيس قائلاً: هذه النتائج لها أهمية تطبيقية على درجة فائقة في مجال صحة الناس بما يوجب أخذ الحيطة أكثر مما هو ممارس اليوم حيال تناولها. هذه نتائج كل ما تحتاج إليه هو التأمل العميق.

رابطة القلب الأميركية أصدرت تقريراً «للنصيحة العلمية» حول الأدوية المخففة للألم وعلاقتها بالقلب والأوعية الدموية قالت ما ملخصه أن الأدلة العلمية الحالية تشير أن مجموعة «كوكس 2» التي لم يتبق في الأسواق الدوائية إلا السلبركس لها آثار عكسية ضارة بشكل بالغ على القلب وتزيد من نسبة جلطة القلب والدماغ وهبوط القلب وارتفاع ضغط الدم خاصة لدى مرضى القلب، لذا يجب الحد من وصف هذه الأدوية لتخفيف الألم إلا لمن لا يوجد بديل له وحينها يجب وصف أقل جرعة ممكنة ولأقل مدة. باقي مخففات الألم كالبروفين والنبروكسين تحتاج إلي مزيد من البحث لإعلان أمان تناولها لفترات طويلة. وعرضت الفارق بينها وبين الأسبرين ودللت على كيفية تأثير هذه الأدوية في زيادة ترسب الصفائح الدموية ومن ثم زيادة عرضة الإصابة بالجلطات القلبية والدماغية وأكدت أن تناول البروفين يقلل من فاعلية الأسبرين في حماية مرضى القلب. وأطالت في شأن السلبريكس والنصح بالحد من تناوله إلى درجة حث الأطباء على منع مرضى القلب من تناوله بناء على بحثها المستقل واستئناسا برأي إدارة الغذاء والدواء الأميركية. والملاحظ أن رابطة القلب الأميركية غلبت كعادتها جانب سلامة المرضى على أي اعتبار آخر.