المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفقه والفتوى ومجلس الامة



مقاتل
08-25-2005, 10:44 PM
فاخر السلطان


نواب الإسلام السياسي في مجلس الأمة في الكويت، سواء المستقلون منهم أو المنتمون إلى التنظيمات، مرتبطون بالنهج الداعي إلى أن الفتوى قادرة على أن تشكل حلا رئيسيا ـ وفي كثير من الأحيان الحل الأوحد ـ لمشكلات الحياة الراهنة، حيث يدعو خطابهم الديني إلى حرمة الثقافة الحديثة (الثقافة العلمانية) كطريق للخلاص من تلك المشكلات، رغم ان الخطاب بصورة عامة يستعين بتلك الثقافة وبوسائلها حينما تقتضي المصلحة ذلك حيث لا يعتبر تلك الاستعانة أخذا من العلمانية وتعاونا معها بل يعتبرها إعمالا للعقل الذي يحث عليه الدين!!.

وموقف نواب الإسلام السياسي المستند إلى الفتوى هو موقف مرتبط بعلم الفقه الديني الذي ينبع من كون الفقه قادرا على وضع حلول لجميع مشكلات الحياة استنادا إلى الشعارات القائلة بأن الدين الإسلامي هو دين ودنيا. لذلك بما أن الإسلام هو دين ودنيا فلا بد أن يضع فقهاؤه تصورات للحياة وحلولا لجميع مشاكلها، وبالتالي ليس علم الفقه إلا بوابة ذلك الموضوع، وليس الفقهاء إلا واضعي تلك الحلول. إلا أننا نقف هنا أمام سمات يتصف بها علم الفقه تمنعه من أن يكون نهجا متكاملا للدنيا وحلا شاملا لمشكلات الحياة، وكل ما يستطيع فعله هو أن يكون حلا، وإن وجد، جزئيا لها.

أولى تلك السمات هي أنه علم يصدّر القوانين، وكما نعلم فإنه لا يمكن للقانون وحده أن يكون حلا للمشكلات وإنما يمكنه أن يكون جزءا من الحل.

ثاني تلك السمات ان ذلك القانون (أي علم الفقه الديني الراهن) يستند في مناهج بحثه وفي تصديره للمعرفة إلى ثقافة ليست حديثة إنما إلى ثقافة مرتبطة بالتاريخ، وبالتالي فإن تلك الثقافة سوف لن تكون علاجا لمشكلات الحياة الحديثة الراهنة وإنما علاج لمشكلات الحياة القديمة، وعليه فإن القانون المستند إلى ثقافة تاريخية لا يمكن أن يتعايش مع الحياة الراهنة، كما لا يستطيع أيضا أن يكون حلا جزئيا للحياة، باعتبار ان ثقافته المرتبطة بالتاريخ وليس بالحاضر هي ثقافة ماضوية، في حين ان الحياة الحديثة تشكلت في ظل مفاهيم جديدة وفي إطار حلول مختلفة كليا عن الماضي.

فالإسلام السياسي الفقهي لا يرتبط ـ مثلا ـ بالمفهوم الحديث لحقوق الإنسان الفرد بل جل ما يمكن أن يفعله هو أن يتفاعل معه، وهناك فرق كبير بين الارتباط وبين التفاعل. فالمفهوم هو بشري وحديث وليس مفهوما دينيا تاريخيا لكي يساهم الفقه في خلقه وصناعته أو يسعى للتعلق به، أي أنه أحد مغانم تطور الحياة البشرية الحديثة ونتيجة مباشرة للثقافة العلمانية الجديدة، لذلك يعتبر من أبرز موضوعات العصر وأكثرها أهمية بالنسبة للإنسان الحديث، في حين لا يعتبر ـ في المقابل ـ الموضوع الرئيسي للإسلام السياسي.

وتلك النتيجة لا يمكن إلا أن تكون دليلا على أن الفقه، باعتباره ينبع من ثقافة قديمة، لن يهتم بموضوع حقوق الإنسان الفرد إلا إذا تفاعلت مصلحة معينة من مصالحه مع الموضوع. وبالتالي فإن همّ الإسلام السياسي لن يكون منصبا على المحاور المرتبطة بالمشكلات العامة لحقوق الإنسان بل على المشكلات التي تحقق مصالحه وتنجز أهدافه الخاصة والضيقة المرتبطة بمشاريعه وثقافته الفئوية، باعتبار ان موضوع حقوق الإنسان بشكل عام، وليس الإنسان المسلم والفئوي والطائفي، لا يشكل ثقافته ولا مصدر فتاواه.

لذا من الطبيعي ان نلمس تراجعا مخيفا في قضايا الدفاع عن حقوق الإنسان الفرد لدى جماعات الإسلام السياسي وتناقضا مرعبا في تشخيص موضوعاته.

فالعلاقة الوحيدة التي تربط الإسلام السياسي بمفهوم حقوق الانسان هي علاقة فعل ورد فعل. أي ان الإسلام السياسي، بسبب استناد فقهه الى الثقافة التاريخية التي لم تكن تعرف المفهوم وفق صورته الراهنة، لا يستطيع أن يخلق ثقافة عامة لحقوق الانسان، بل جل ما يستطيع فعله هو أن يرد على الأسئلة الفقهية والقانونية لموضوعات حقوق الإنسان، أي انه يمارس علاقة تفاعل لا علاقة ارتباط.
فالمعضلة الكبرى لفقه الإسلام السياسي تكمن في هذا الجانب، أي عدم قدرته على خلق مفاهيم حديثة كمفهوم حقوق الانسان.

لذا من الطبيعي ألا نجد في مشاريع قوى الإسلام السياسي اهتماما رئيسيا بقضايا حقوق الإنسان الفرد وإنما اهتمام ثانوي تقتضيه المصلحة أكثر من المبدأ. فلا نجد من تنظيمات الإسلام السياسي أوحتى من أفراده المستقلين في الكويت مثلا اهتماما بخلق وإنشاء مؤسسات للدفاع عن حقوق عامة البشر وفي مختلف مجالات الحياة. فلا نجد نائبا من نواب الإسلام السياسي في مجلس الأمة الكويتي أو من المنتمين إلى لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان (التي يهيمن عليها الاسلاميون) قد قام بتبني قضية إنسانية مجردة من صفتها الإسلامية أو الطائفية بما لا ترتبط بمصالح خاصة أو تتعارض مع فتوى منبثقة من الفقه، وهو ما يترتب عليه كم كبير من التناقضات في مواقف هؤلاء النواب.

فرسم نواب الإسلام السياسي لمواقفهم المستندة إلى أساس فقهي والتي أفرزت هذا النوع من التناقض والتذبذب تجاه قضايا حقوق الانسان الفرد ينبع من كون ثقافتهم التاريخية غير مؤسسة لمفاهيم حديثة، باعتبار ان هم تلك الثقافة والحياة القديمة لم يكن هم حقوق الانسان بل كان هما مرتبطا بموضوعات أخرى متعلقة بشكل تلك الحياة وطبيعتها، وهو ما يجرنا إلى الدعوة لإعادة النظر في الثقافة الإسلامية الراهنة وبالذات ثقافة الإسلام السياسي. وما المعارضة الفقهية الشديدة لمنع إقرار حقوق المرأة السياسية في مجلس الأمة ومن ثم منع توزير المرأة إلا مثالان صارخان في هذا الإطار.

فالثقافة الإسلامية الراهنة، رغم تفاعلها مع مفهوم حقوق الإنسان الفرد، إلا أنها لا تزال في خصومة معه. فمن غير المعقول إدعاء تلك الثقافة احترامها لمفهوم حقوق الإنسان ودفاعها عن قضاياه في حين انها لا تزال تنتهك حقوق الفكر والتفكير تحت مسمى الارتداد، وحقوق المرأة تحت مسمى قوامة الرجل وولايته، وحقوق غير المسلم تحت مسمى الذمي والكافر، وتمارس الإرهاب وقتل المدنيين تحت مسمى الجهاد. فإلى حين إعادة النظر في تلك الثقافة والسعي إلى إصلاحها وتغييرها لا يمكن التوصل إلى صلح بين الطرفين.



كاتب كويتي

ssultann@hotmail.com