مقاتل
08-25-2005, 10:34 PM
[1 من 2]
المقاوم الرئيسي لإسرائيل لم يتمكن من تجنّب التصادم الأخوي
القبول بالطائف لم يبدّد هواجس الآخرين من سلاحه
تحقيق عباس الصباغ
قبل منتصف الثمانينات كانت عبارة "انا مع حزب الله" تدل على عدم الانتماء الحزبي، ولكن النداء الشهير ألغاها: "اننا ابناء أمة حزب الله في لبنان، نحييكم ونخاطب من خلالكم العالم بأسره ولا نستثني احدا، لاننا حريصون على ان يسمع صوتنا الجميع(...) اننا ابناء امة "حزب الله" التي نصر الله طليعتها في ايران(...) نلتزم اوامر قيادة واحدة حكيمة وعادلة، تتمثل بالولي الفقيه (...)".
هذا ما ورد في مستهل "الرسالة المفتوحة" التي اعلنت الانطلاقة الرسمية لـ"حزب الله" في لبنان في 16 شباط 1985. واليوم، وبعد 20 عاما، تبدلت امور كثيرة في لبنان والعالم انعكست على كل الاحزاب والقوى، وكان من الطبيعي ان تشمل الحزب. لذا هذه المراجعة لتاريخ الحزب الحافل بالانجازات والتحديات... وربما الاخفاقات.
ظروف النشأة
وصلت ترددات انتصار الثورة الاسلامية في ايران (1979) الى معظم الدول العربية، ومنها لبنان، الذي شعرت فيه الطائفة الشيعية بالاطمئنان لما في ذلك التغيير من اثر ايجابي على موقعها في الخريطة السياسية الداخلية.
ورغم ان الامام موسى الصدر كان اسس حركة المحرومين في العام 1974 من اجل الحصول على حقوق المحرومين وفي طليعتهم الشيعة، فإن عددا من رجال الدين الشيعة كانوا يدعون الى ضرورة قيام تيار آخر يزيد من الضغط على "النظام اللبناني لانتزاع الحقوق المشروعة للطائفة". ولكن تسارع الاحداث الاقليمية، وخصوصا اندلاع الحرب العراقية الايرانية (1980) ومن ثم الاجتياح الاسرائيلي للبنان (1982)، ساهما في تأخير الاعلان عن ذلك التيار. ودفعت اولوية مواجهة الاسرائيليين بعناصر شيعية من خارج الانتماءات السياسية المعروفة آنذاك، الى المشاركة في التصدي للاسرائيليين، وخصوصا على مثلث خلدة.
وبعد اندحار القوات الاسرائيلية من معظم الاراضي اللبنانية وتمركزها عند ما عرف بـ"الحزام الامني"، وتحديدا في السادس عشر من شهر شباط عام 1985 وفي الذكرى السنوية الاولى لاستشهاد الشيخ راغب حرب (من قرية جبشيت)، اعلن النائب السابق السيد ابرهيم امين السيد ما عرف بـ"الرسالة المفتوحة" والتي اصبحت في مثابة الاعلان الرسمي عن تأسيس "حزب الله" في لبنان، الذي اتخذ من "الثورة الاسلامية في لبنان" شعارا استراتيجيا له، ثم غيّره لاحقا الى "المقاومة الاسلامية في لبنان"، ولكن الحزب كان قد اتخذ قرارا بعدم المشاركة في الحرب الداخلية، واعلن التزامه مقاومة اسرائيل وظهرت "المقاومة الاسلامية" بشكل منظم في منتصف الثمانينات، وترافق ذلك مع تراجع عمليات "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" و"حركة امل". ولم تمض سنوات قليلة حتى اضحت المقاومة الاسلامية القوة شبه الوحيدة على الساحة الجنوبية واستمرت في عملياتها حتى انجاز التحرير في 24 ايار 2000. لكن هذا لا يقلل البتة من تضحيات "المقاومة اللبنانية" و"امل"(...) ورغم ان "حزب الله" لم ينخرط في الحرب الداخلية لكنه دخل في مواجهة قاسية مع "امل" في الضاحية الجنوبية واقليم التفاح على خلفية الصراع على النفوذ بين ايران وسوريا، ولم تنحسر المواجهات الا في منتصف عام 1990، ومن ثم انتخاب السيد عباس الموسوي امينا عاما للحزب لخلافة الامين العام الاول الشيخ صبحي الطفيلي الذي يصفه البعض بالمتشدد(...).
قاسم: لم ندخل في الزواريب
نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم يشرح ظروف النشأة والعمل السري للحزب منذ عام 1982 وحتى اعلان "الرسالة المفتوحة"، يقول: "تزامنت فترة التأسيس بشكل مباشر مع الاجتياح الاسرائيلي (1982)، ولم يكن على الساحة الا عنوان المواجهة العسكرية مع العدو؛ واخترنا كحزب، رغم نشأتنا الحديثة، دائرة المواجهة، وترافق ذلك مع اتجاه عند البعض لالقاء البندقية واقفال ملف الواقع الفلسطيني المسلح في لبنان(...) ولم نكن نعلن مسؤوليتنا عن العمليات التي نفذها مقاتلونا(...) وفي الذكرى الاولى لاستشهاد الشيخ راغب حرب اعلن السيد ابرهيم امين السيد (نائب سابق ورئيس المجلس السياسي في الحزب) في 16 شباط 1985 "الرسالة المفتوحة"، وكانت في مثابة الاطلالة الرسمية الاولى لنا، وثابرنا على مقاومة الاحتلال ولم ندخل في زواريب الحرب الاهلية".
منذ تأسيسه رفع الحزب شعار "الثورة الاسلامية في لبنان"، وبالتالي اعتبر قيام الجمهورية الاسلامية هدفا استراتيجيا، ولكن على اساس الاختيار الحر وليس الالزام، وجاء في "الرسالة المفتوحة": "لا نريد ان نفرض الاسلام على احد، ونكره ان يفرض الآخرون اقتناعاتهم وانظمتهم علينا، ولا نريد ان يحكم الاسلام في لبنان بالقوة، كما تحكم المارونية السياسية الآن (1985)، واذا ما اتيح لشعبنا ان يختار بحريته شكل نظام الحكم في لبنان، فانه لن يرجح على الاسلام بديلا(...)".
ولكن طبيعة النظام اللبناني التوافقية وضعت حدا لكل الافكار المنادية بترجيح صيغة طائفية على اخرى، وبالتالي تراجع كل فريق – ولو موقتا – عن بعض الشعارات والاهداف غير المنسجمة مع التركيبة الطائفية اللبنانية.
ويوضح قاسم: "لكننا نؤكد اننا مقتنعون بالاسلام عقيدة ونظاما، فكرا وحكما، وندعو الجميع الى التعرف اليه والاحتكام الى شريعته، وبالتالي تبنيه والتزام تعاليمه على المستوى الفردي والسياسي والاجتماعي، واذا ما اتيح لشعبنا ان يختار بحرية شكل نظام الحكم في لبنان، فانه لن يرجح على الاسلام بديلا، ومن هنا ندعو الى اعتماده على قاعدة الاختيار الحر والمباشر من الناس، لا على قاعدة الفرض بالقوة كما يُخيّل للبعض(...)".
العَلَم والمراحل
اختار المؤسسون لعلم الحزب اللون الأصفر الذي تتوسطه كلمتا: "حزب" و"الله" وتعلوهما البندقية لتغطي مساحة لا بأس بها منه، وتذيله عبارة "الثورة الاسلامية في لبنان".
ويعلّق قاسم على الشعار والعلم: "كان هذا شعارنا لاننا اتخذنا من البندقية ضد اسرائيل اساسا لعملنا(...) ونحن لا نُحمّل رب العزة شيئا (بندقية). وقلنا منذ البداية ان هذا الحزب ينتمي الى شرع الله تعالى، ونؤمن بما شرّعه الله على الارض ولا ندّعي احتكاره (...).
لكن الحزب مر بمراحل عدة منذ تأسيسه وحتى اليوم، كان اولاها مع تولي الشيخ صبحي الطفيلي الامانة العامة. يومها ظهر الحزب وكأنه "الحزب المتشدد"، وتغيرت الامور مع وصول الشهيد السيد عباس الموسوي الى رأس الحزب لتظهر رؤية جديدة تكرست مع الامين العام الحالي السيد حسن نصرالله.
ويرفض قاسم تقسيم المراحل التي مر بها "حزب الله" تبعا لشخص الامين العام الذي تولى قيادة الحزب ويقول: "لا اوافق اولئك الذين يصنفون الحزب تبعا لصفات الاشخاص، لان القرارات السياسية تتخذ جماعيا ويعبر عنها الامين العام، والاشخاص هم جزء من ادارة جماعية تتمثل بالشورى. من هنا فإن الحديث عن مرحلة مرتبطة بشخص امر خاطئ، لان ثمة ظروفا خاصة بكل مرحلة. ولو نظرنا الى الواقع اللبناني لوجدنا انه قبل توقيع اتفاق الطائف كان هناك اختلاف كبير مع المرحلة التي تلت الطائف".
وينفي قاسم الاتهامات التي يوجهها البعض للحزب حول خطف الاجانب في الثمانينات ويوضح: "لقد اعلنت اكثر من جهة مسؤوليتها عن تلك العمليات وانه لا علاقة للحزب بها".
مصدر في السفارة الاميركية علق على الذكرى العشرين لتأسيس الحزب: "ان "حزب الله" له وجوه عدة، منها سياسي وآخر مسلح وثالث مقاوم(...) حسب بعض المراقبين اللبنانيين(...) وايضا هناك وجه سري للحزب، ومن امثلته عماد مغنية وغيره، ولكننا، رغم تعدد تلك الوجوه، لا نفرق البتة بينها، ونعتقد ان قيادة الحزب لا تفرق ايضا بينها بل تعتبرها وجها واحدا(...)". ويضيف: "لقد كان للحزب نشاط سابق خصوصا في الثمانينات تلخص في عدة عمليات اختطاف طائرات TWA اميركية وتفجير السفارة الاميركية، اضافة الى خطف الاساتذة الاجانب في بيروت".
وعن لقاءات مع الحزب يقول: "ليس من لقاءات بين مسؤولين اميركيين و"حزب الله" والاخير لا يهتم بأي علاقة معنا(...) ونعتقد ان السبب مرتبط بارادة الحرس الثوري الايراني".
الحزب والحرب الاهلية
رغم وجوده في الضاحية الجنوبية وبيروت الغربية وعلى "خطوط التماس" فإن الحزب اتخذ قرارا مركزيا بعدم المشاركة في الحرب الاهلية، مفضلا التوجه جنوبا لمحاربة اسرائيل وعملائها. لكن تعقيدات الوضع الداخلي ارغمته على الدخول في معارك جانبية عنيفة مع حركة "امل" منافسه التقليدي (السابق) على الساحة الشيعية. وبعد دخول القوات السورية الى بيروت في 22 شباط 1987، حصلت مجزرة فظيعة في منطقة البسطا في بيروت ذهب ضحيتها اكثر من 20 عنصرا من الحزب وبقيت اسبابها مجهولة. وبعد حوالى عام اندلعت اشتباكات عنيفة بين الحزب و"امل" في معظم احياء الضاحية الجنوبية التي احكم الحزب سيطرته عليها، ولم تتوقف المعارك الا بعد دخول القوات السورية الى الضاحية في منتصف عام 1988. وبعد اشهر اندلعت الاشتباكات في الجنوب، وخصوصا في منطقة اقليم التفاح وساندت الاحزاب الموالية لسوريا وبعض التنظيمات الفلسطينية "امل" في مواجهة "حزب الله" ورفض الحزب الشيوعي آنذاك الدخول في حرب ضد "حزب المقاومة". واسفرت المواجهات الدامية عن سقوط مئات الضحايا بين الاطراف المتحاربة، ولم تتوقف المعارك الا بعد تسلّم السيد عباس الموسوي قيادة الحزب (اغتالته اسرائيل في 16 شباط 1992).
وتعتبر المواجهات مع "امل" نقطة سوداء في تاريخ التنظيمين الشيعيين، ولكنها جاءت نتيجة تشابك المصالح الاقليمية وخصوصا الايرانية والسورية اضافة الى اسباب داخلية لبنانية. ويأتي الشيخ نعيم قاسم في كتابه "حزب الله، المنهج، التجربة، المستقبل" على ذكر تلك المواجهات بشكل موجز، حيث كتب: "(...) لم ينفع الاتفاق الاول بين "امل" و"حزب الله" في شباط 1989 في ايقاف المعارك، فكانت حرب الاقليم في منتصف تموز 1990، والحصار الشديد الذي سدت فيه المنافذ على مقاتلي الحزب من كل الجهات واستمر لاكثر من مئة يوم، والذي انتهى باتفاق الطرفين في 9/11/1990(...) وابرز نتائج المواجهات كانت ضعف العمل المقاوم مما جعل عدد العمليات محدودا(...)".
الحزب والطائف
لم يشارك الحزب في الطائف مباشرة لان الاجتماعات هناك اقتصرت على النواب، ولكنه رحب بالاتفاق، علما ان بعض بنوده نصت على ضرورة حل الميليشيات وسحب سلاحها، اضافة الى ضرورة بسط سيادة الدولة على الاراضي اللبنانية كلها، عبر نشر الجيش وصولا الى الحدود (بعد التحرير الكامل). وفي الوقت عينه استثني سلاح "حزب الله" باعتباره مقاومة ضد الاحتلال (علما ان هناك احزابا عدة مقاومة شملها الاتفاق وسلمت اسلحتها). وبعد التحرير عاد سلاح الحزب ليشكل الحيز الاكبر في النقاش الداخلي – وما زال – وتعداه الى الخارج عبر القرار 1559. ولكن الحزب اعتبر ان اجزاء من لبنان لا تزال محتلة، وخصوصا في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، حيث يصر على لبنانيتها – وكذلك مختلف الاطراف اللبنانية – الا ان الامم المتحدة تعتبرها اراضي سورية ويشملها القرار 242.
ويشرح قاسم موقف الحزب من الطائف: "لم يكن ذلك الاتفاق حلا جذريا للازمة اللبنانية، بل كان مرحلة انتقالية من الحرب الى السلم، ومن الخلل في بنية النظام السياسي الى تصحيح محدود، اضافة الى عدم استكماله الغاء الطائفية السياسية ونحن من دعاة الغائها(...) لذا نعتبره خطوة الى الامام ولا نراه نهاية المطاف، وعلينا تطوير الاوضاع وفق الآليات المعتبرة ورفض اي صيغة تعديلية تأتي من الخارج او الاستقواء به(...) ويجب ان تناقش الفاعليات والقوى تلك التفاصيل لاننا لسنا وحدنا على الساحة، ولكنه يتم فقط عبر الحوار من اجل النجاح".
وعن سلاح المقاومة يقول: "لو ان الشعب اللبناني لم يجرب الحزب لكان بالامكان وضع هواجس البعض من سلاح المقاومة في مكانها. لكن اللبنانيين خبروا وجربوا الحزب الذي لم يوجه سلاحه الا ضد اسرائيل، واثبت ذلك خلال 23 عاما(...) ونؤكد ان مهمتنا الاساسية هي قتال اسرائيل ولم نكن يوما جزءا من "الادارة المدنية" او الصراع بين "الشرقية" و"الغربية"، ولم ندخل في حروب الزواريب، وهذا ما جعل اللبنانيين يثقون بنا ويؤيدون مقاومتنا التي لم تتخذ يوما طابعا فئويا او مذهبيا، ولم نعمل لاستخدام السلاح في الداخل حتى ولو ظلمنا (...)".
كرم: الحوار لمعالجة مسألة السلاح
السفير السابق سيمون كرم يؤكد ضرورة نشر الجيش في الجنوب والتزام اتفاق الهدنة (1949) ويقول: "ثمة مصلحة لبنانية في نشر الجيش اللبناني على الحدود، وبالتالي توليه المسؤولية الامنية، وذلك تماشيا مع الطائف، وايضا ان تلتزم الحكومة اتفاقية الهدنة حتى انتهاء الصراع العربي – الاسرائيلي، على ان ينخرط لبنان في اي تطورات عسكرية يستدعيها ذلك الصراع جنبا الى جنب مع الدول العربية، وايضا يلتزم ما تُقْدِم عليه تلك الدول دون ان يتنازل عن سيادته(...)" ويضيف: "لسنا البلد الاول الذي اعتمد التشكيلات المقاتلة غير النظامية في سياق صراعه مع الأعداء، فثمة تجارب في دول عدة ومنها فرنسا وغيرها التي استوعبت تلك التشكيلات في سياق مؤسسات الدولة بعد انتهاء الحرب بما فيها المؤسسة العسكرية (...) وثمة بُعد آخر اكثر اهمية هو مسألة سيادة الدولة على ارضها والوظائف الناتجة منها واهمها وظيفة الدفاع الوطني التي لا يمكن التنازل عنها(...) ولعل ما حصل في لبنان في اواسط الستينات من القرن الماضي عندما فقدت الدولة احادية السيطرة على وظيفة الدفاع الوطني والمهمات المتفرعة عنها خصوصا في الجنوب، يتطلب اعادة بناء الدولة وعودة وظيفة الدفاع اليها حصرا".
ويعلق كرم على القرار 1559: "هذا القرار اصبح المكون الاساسي للقانون الدولي بالنسبة الى لبنان منذ صدوره (3/ايلول/2004)، اما في ما يخص البند الذي ينص على سحب سلاح المقاومة، فنحن ندعو الى ان تتم معالجة مسألة هذا السلاح عبر الحوار ووفق ما نص عليه اتفاق الطائف، حيث هناك مساحة مشتركة بين الاخير والبند المتعلق بـ"حزب الله" في القرار المذكور".
المشاركة النيابية... أولاً
منذ عام 1992 وحتى اليوم يحظى "حزب الله" بكتلة نيابية لا بأس بها (يراوح عددها بين 11 و14 نائبا)، وخاض المعارك الانتخابية متحالفا مع غريمه الشيعي التقليدي السابق (حركة "امل") على قاعدة وحدة الموقف من المقاومة وتحصين الساحة الداخلية اولا، والعلاقات المميزة مع سوريا(...) وفي الانتخابات الاخيرة اضيفت مواجهة القرار الدولي 1559، ما دفع الحزب الى نسج اوسع التحالفات مع مختلف القوى والاحزاب السياسية (باستثناء الحزب الشيوعي والنائب السابق طلال ارسلان) من اجل رفض ذلك القرار (...). وعلى صعيد آخر حقق الحزب نجاحات كبيرة في الانتخابات البلدية، وخصوصا في العام الماضي، حيث "اجتاح" غالبية البلديات الشيعية في الجنوب والبقاع وجبل لبنان (الضاحية الجنوبية) على حساب "امل".
وعن قانون الانتخاب يوضح قاسم: "مهما كان شكل قانون الانتخاب (دائرة فردية او لبنان دائرة واحدة)، فان الحزب سيحافظ على حضوره النيابي". ويضيف: "اذا ناقشنا قدرة الحزب وعدد النواب بالنسبة الى القوانين المطروحة نجزم ان اي قانون انتخابي يقرر في لبنان سيعطينا حقنا بشكل كامل، ولسنا في حاجة الى قانون خاص بنا يرفع رصيدنا. لذا نقول ان كل القوانين تناسبنا. هذا على مستوى المصلحة الخاصة للحزب، ولكن عندما نناقش الامر من زاوية وطنية وننظر الى المصلحة العامة يمكن ان نرفض او نقبل هذا القانون او غيره، ونحن لا نرضى بقانون يسترجع الطائفية وسنعلن موقفنا من القانون وسنناقشه في مجلس النواب. ونحن مع قانون عادل يرتكز على معيار موحد لجهة التقسيمات، والاهم من ذلك ان يكون ذلك القانون حافزا لتعزيز الحس الوطني(...)".
لكن الحزب بقي خارج السلطة التنفيذية طيلة الاعوام السابقة (1992 – 2004)، ولم يدخل الحكومات السابقة، كذلك حجب الثقة عنها باستثناء حكومة الرئيس سليم الحص (1998 – 2000)، لكن اعتبارا من العام الحالي غيّر الحزب من مواقفه السابقة، ودخل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي للمرة الاولى في تاريخه، ويشكل جزءا من الحكومة الحالية(...) فما الذي تبدّل ودفع الحزب للدخول الى مستنقع السلطة من بابها الواسع؟ وكيف واجه الحزب حصار الخدمات الاجتماعية والصحية والتربوية؟
(يتبع حزء ثان)
المقاوم الرئيسي لإسرائيل لم يتمكن من تجنّب التصادم الأخوي
القبول بالطائف لم يبدّد هواجس الآخرين من سلاحه
تحقيق عباس الصباغ
قبل منتصف الثمانينات كانت عبارة "انا مع حزب الله" تدل على عدم الانتماء الحزبي، ولكن النداء الشهير ألغاها: "اننا ابناء أمة حزب الله في لبنان، نحييكم ونخاطب من خلالكم العالم بأسره ولا نستثني احدا، لاننا حريصون على ان يسمع صوتنا الجميع(...) اننا ابناء امة "حزب الله" التي نصر الله طليعتها في ايران(...) نلتزم اوامر قيادة واحدة حكيمة وعادلة، تتمثل بالولي الفقيه (...)".
هذا ما ورد في مستهل "الرسالة المفتوحة" التي اعلنت الانطلاقة الرسمية لـ"حزب الله" في لبنان في 16 شباط 1985. واليوم، وبعد 20 عاما، تبدلت امور كثيرة في لبنان والعالم انعكست على كل الاحزاب والقوى، وكان من الطبيعي ان تشمل الحزب. لذا هذه المراجعة لتاريخ الحزب الحافل بالانجازات والتحديات... وربما الاخفاقات.
ظروف النشأة
وصلت ترددات انتصار الثورة الاسلامية في ايران (1979) الى معظم الدول العربية، ومنها لبنان، الذي شعرت فيه الطائفة الشيعية بالاطمئنان لما في ذلك التغيير من اثر ايجابي على موقعها في الخريطة السياسية الداخلية.
ورغم ان الامام موسى الصدر كان اسس حركة المحرومين في العام 1974 من اجل الحصول على حقوق المحرومين وفي طليعتهم الشيعة، فإن عددا من رجال الدين الشيعة كانوا يدعون الى ضرورة قيام تيار آخر يزيد من الضغط على "النظام اللبناني لانتزاع الحقوق المشروعة للطائفة". ولكن تسارع الاحداث الاقليمية، وخصوصا اندلاع الحرب العراقية الايرانية (1980) ومن ثم الاجتياح الاسرائيلي للبنان (1982)، ساهما في تأخير الاعلان عن ذلك التيار. ودفعت اولوية مواجهة الاسرائيليين بعناصر شيعية من خارج الانتماءات السياسية المعروفة آنذاك، الى المشاركة في التصدي للاسرائيليين، وخصوصا على مثلث خلدة.
وبعد اندحار القوات الاسرائيلية من معظم الاراضي اللبنانية وتمركزها عند ما عرف بـ"الحزام الامني"، وتحديدا في السادس عشر من شهر شباط عام 1985 وفي الذكرى السنوية الاولى لاستشهاد الشيخ راغب حرب (من قرية جبشيت)، اعلن النائب السابق السيد ابرهيم امين السيد ما عرف بـ"الرسالة المفتوحة" والتي اصبحت في مثابة الاعلان الرسمي عن تأسيس "حزب الله" في لبنان، الذي اتخذ من "الثورة الاسلامية في لبنان" شعارا استراتيجيا له، ثم غيّره لاحقا الى "المقاومة الاسلامية في لبنان"، ولكن الحزب كان قد اتخذ قرارا بعدم المشاركة في الحرب الداخلية، واعلن التزامه مقاومة اسرائيل وظهرت "المقاومة الاسلامية" بشكل منظم في منتصف الثمانينات، وترافق ذلك مع تراجع عمليات "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" و"حركة امل". ولم تمض سنوات قليلة حتى اضحت المقاومة الاسلامية القوة شبه الوحيدة على الساحة الجنوبية واستمرت في عملياتها حتى انجاز التحرير في 24 ايار 2000. لكن هذا لا يقلل البتة من تضحيات "المقاومة اللبنانية" و"امل"(...) ورغم ان "حزب الله" لم ينخرط في الحرب الداخلية لكنه دخل في مواجهة قاسية مع "امل" في الضاحية الجنوبية واقليم التفاح على خلفية الصراع على النفوذ بين ايران وسوريا، ولم تنحسر المواجهات الا في منتصف عام 1990، ومن ثم انتخاب السيد عباس الموسوي امينا عاما للحزب لخلافة الامين العام الاول الشيخ صبحي الطفيلي الذي يصفه البعض بالمتشدد(...).
قاسم: لم ندخل في الزواريب
نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم يشرح ظروف النشأة والعمل السري للحزب منذ عام 1982 وحتى اعلان "الرسالة المفتوحة"، يقول: "تزامنت فترة التأسيس بشكل مباشر مع الاجتياح الاسرائيلي (1982)، ولم يكن على الساحة الا عنوان المواجهة العسكرية مع العدو؛ واخترنا كحزب، رغم نشأتنا الحديثة، دائرة المواجهة، وترافق ذلك مع اتجاه عند البعض لالقاء البندقية واقفال ملف الواقع الفلسطيني المسلح في لبنان(...) ولم نكن نعلن مسؤوليتنا عن العمليات التي نفذها مقاتلونا(...) وفي الذكرى الاولى لاستشهاد الشيخ راغب حرب اعلن السيد ابرهيم امين السيد (نائب سابق ورئيس المجلس السياسي في الحزب) في 16 شباط 1985 "الرسالة المفتوحة"، وكانت في مثابة الاطلالة الرسمية الاولى لنا، وثابرنا على مقاومة الاحتلال ولم ندخل في زواريب الحرب الاهلية".
منذ تأسيسه رفع الحزب شعار "الثورة الاسلامية في لبنان"، وبالتالي اعتبر قيام الجمهورية الاسلامية هدفا استراتيجيا، ولكن على اساس الاختيار الحر وليس الالزام، وجاء في "الرسالة المفتوحة": "لا نريد ان نفرض الاسلام على احد، ونكره ان يفرض الآخرون اقتناعاتهم وانظمتهم علينا، ولا نريد ان يحكم الاسلام في لبنان بالقوة، كما تحكم المارونية السياسية الآن (1985)، واذا ما اتيح لشعبنا ان يختار بحريته شكل نظام الحكم في لبنان، فانه لن يرجح على الاسلام بديلا(...)".
ولكن طبيعة النظام اللبناني التوافقية وضعت حدا لكل الافكار المنادية بترجيح صيغة طائفية على اخرى، وبالتالي تراجع كل فريق – ولو موقتا – عن بعض الشعارات والاهداف غير المنسجمة مع التركيبة الطائفية اللبنانية.
ويوضح قاسم: "لكننا نؤكد اننا مقتنعون بالاسلام عقيدة ونظاما، فكرا وحكما، وندعو الجميع الى التعرف اليه والاحتكام الى شريعته، وبالتالي تبنيه والتزام تعاليمه على المستوى الفردي والسياسي والاجتماعي، واذا ما اتيح لشعبنا ان يختار بحرية شكل نظام الحكم في لبنان، فانه لن يرجح على الاسلام بديلا، ومن هنا ندعو الى اعتماده على قاعدة الاختيار الحر والمباشر من الناس، لا على قاعدة الفرض بالقوة كما يُخيّل للبعض(...)".
العَلَم والمراحل
اختار المؤسسون لعلم الحزب اللون الأصفر الذي تتوسطه كلمتا: "حزب" و"الله" وتعلوهما البندقية لتغطي مساحة لا بأس بها منه، وتذيله عبارة "الثورة الاسلامية في لبنان".
ويعلّق قاسم على الشعار والعلم: "كان هذا شعارنا لاننا اتخذنا من البندقية ضد اسرائيل اساسا لعملنا(...) ونحن لا نُحمّل رب العزة شيئا (بندقية). وقلنا منذ البداية ان هذا الحزب ينتمي الى شرع الله تعالى، ونؤمن بما شرّعه الله على الارض ولا ندّعي احتكاره (...).
لكن الحزب مر بمراحل عدة منذ تأسيسه وحتى اليوم، كان اولاها مع تولي الشيخ صبحي الطفيلي الامانة العامة. يومها ظهر الحزب وكأنه "الحزب المتشدد"، وتغيرت الامور مع وصول الشهيد السيد عباس الموسوي الى رأس الحزب لتظهر رؤية جديدة تكرست مع الامين العام الحالي السيد حسن نصرالله.
ويرفض قاسم تقسيم المراحل التي مر بها "حزب الله" تبعا لشخص الامين العام الذي تولى قيادة الحزب ويقول: "لا اوافق اولئك الذين يصنفون الحزب تبعا لصفات الاشخاص، لان القرارات السياسية تتخذ جماعيا ويعبر عنها الامين العام، والاشخاص هم جزء من ادارة جماعية تتمثل بالشورى. من هنا فإن الحديث عن مرحلة مرتبطة بشخص امر خاطئ، لان ثمة ظروفا خاصة بكل مرحلة. ولو نظرنا الى الواقع اللبناني لوجدنا انه قبل توقيع اتفاق الطائف كان هناك اختلاف كبير مع المرحلة التي تلت الطائف".
وينفي قاسم الاتهامات التي يوجهها البعض للحزب حول خطف الاجانب في الثمانينات ويوضح: "لقد اعلنت اكثر من جهة مسؤوليتها عن تلك العمليات وانه لا علاقة للحزب بها".
مصدر في السفارة الاميركية علق على الذكرى العشرين لتأسيس الحزب: "ان "حزب الله" له وجوه عدة، منها سياسي وآخر مسلح وثالث مقاوم(...) حسب بعض المراقبين اللبنانيين(...) وايضا هناك وجه سري للحزب، ومن امثلته عماد مغنية وغيره، ولكننا، رغم تعدد تلك الوجوه، لا نفرق البتة بينها، ونعتقد ان قيادة الحزب لا تفرق ايضا بينها بل تعتبرها وجها واحدا(...)". ويضيف: "لقد كان للحزب نشاط سابق خصوصا في الثمانينات تلخص في عدة عمليات اختطاف طائرات TWA اميركية وتفجير السفارة الاميركية، اضافة الى خطف الاساتذة الاجانب في بيروت".
وعن لقاءات مع الحزب يقول: "ليس من لقاءات بين مسؤولين اميركيين و"حزب الله" والاخير لا يهتم بأي علاقة معنا(...) ونعتقد ان السبب مرتبط بارادة الحرس الثوري الايراني".
الحزب والحرب الاهلية
رغم وجوده في الضاحية الجنوبية وبيروت الغربية وعلى "خطوط التماس" فإن الحزب اتخذ قرارا مركزيا بعدم المشاركة في الحرب الاهلية، مفضلا التوجه جنوبا لمحاربة اسرائيل وعملائها. لكن تعقيدات الوضع الداخلي ارغمته على الدخول في معارك جانبية عنيفة مع حركة "امل" منافسه التقليدي (السابق) على الساحة الشيعية. وبعد دخول القوات السورية الى بيروت في 22 شباط 1987، حصلت مجزرة فظيعة في منطقة البسطا في بيروت ذهب ضحيتها اكثر من 20 عنصرا من الحزب وبقيت اسبابها مجهولة. وبعد حوالى عام اندلعت اشتباكات عنيفة بين الحزب و"امل" في معظم احياء الضاحية الجنوبية التي احكم الحزب سيطرته عليها، ولم تتوقف المعارك الا بعد دخول القوات السورية الى الضاحية في منتصف عام 1988. وبعد اشهر اندلعت الاشتباكات في الجنوب، وخصوصا في منطقة اقليم التفاح وساندت الاحزاب الموالية لسوريا وبعض التنظيمات الفلسطينية "امل" في مواجهة "حزب الله" ورفض الحزب الشيوعي آنذاك الدخول في حرب ضد "حزب المقاومة". واسفرت المواجهات الدامية عن سقوط مئات الضحايا بين الاطراف المتحاربة، ولم تتوقف المعارك الا بعد تسلّم السيد عباس الموسوي قيادة الحزب (اغتالته اسرائيل في 16 شباط 1992).
وتعتبر المواجهات مع "امل" نقطة سوداء في تاريخ التنظيمين الشيعيين، ولكنها جاءت نتيجة تشابك المصالح الاقليمية وخصوصا الايرانية والسورية اضافة الى اسباب داخلية لبنانية. ويأتي الشيخ نعيم قاسم في كتابه "حزب الله، المنهج، التجربة، المستقبل" على ذكر تلك المواجهات بشكل موجز، حيث كتب: "(...) لم ينفع الاتفاق الاول بين "امل" و"حزب الله" في شباط 1989 في ايقاف المعارك، فكانت حرب الاقليم في منتصف تموز 1990، والحصار الشديد الذي سدت فيه المنافذ على مقاتلي الحزب من كل الجهات واستمر لاكثر من مئة يوم، والذي انتهى باتفاق الطرفين في 9/11/1990(...) وابرز نتائج المواجهات كانت ضعف العمل المقاوم مما جعل عدد العمليات محدودا(...)".
الحزب والطائف
لم يشارك الحزب في الطائف مباشرة لان الاجتماعات هناك اقتصرت على النواب، ولكنه رحب بالاتفاق، علما ان بعض بنوده نصت على ضرورة حل الميليشيات وسحب سلاحها، اضافة الى ضرورة بسط سيادة الدولة على الاراضي اللبنانية كلها، عبر نشر الجيش وصولا الى الحدود (بعد التحرير الكامل). وفي الوقت عينه استثني سلاح "حزب الله" باعتباره مقاومة ضد الاحتلال (علما ان هناك احزابا عدة مقاومة شملها الاتفاق وسلمت اسلحتها). وبعد التحرير عاد سلاح الحزب ليشكل الحيز الاكبر في النقاش الداخلي – وما زال – وتعداه الى الخارج عبر القرار 1559. ولكن الحزب اعتبر ان اجزاء من لبنان لا تزال محتلة، وخصوصا في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، حيث يصر على لبنانيتها – وكذلك مختلف الاطراف اللبنانية – الا ان الامم المتحدة تعتبرها اراضي سورية ويشملها القرار 242.
ويشرح قاسم موقف الحزب من الطائف: "لم يكن ذلك الاتفاق حلا جذريا للازمة اللبنانية، بل كان مرحلة انتقالية من الحرب الى السلم، ومن الخلل في بنية النظام السياسي الى تصحيح محدود، اضافة الى عدم استكماله الغاء الطائفية السياسية ونحن من دعاة الغائها(...) لذا نعتبره خطوة الى الامام ولا نراه نهاية المطاف، وعلينا تطوير الاوضاع وفق الآليات المعتبرة ورفض اي صيغة تعديلية تأتي من الخارج او الاستقواء به(...) ويجب ان تناقش الفاعليات والقوى تلك التفاصيل لاننا لسنا وحدنا على الساحة، ولكنه يتم فقط عبر الحوار من اجل النجاح".
وعن سلاح المقاومة يقول: "لو ان الشعب اللبناني لم يجرب الحزب لكان بالامكان وضع هواجس البعض من سلاح المقاومة في مكانها. لكن اللبنانيين خبروا وجربوا الحزب الذي لم يوجه سلاحه الا ضد اسرائيل، واثبت ذلك خلال 23 عاما(...) ونؤكد ان مهمتنا الاساسية هي قتال اسرائيل ولم نكن يوما جزءا من "الادارة المدنية" او الصراع بين "الشرقية" و"الغربية"، ولم ندخل في حروب الزواريب، وهذا ما جعل اللبنانيين يثقون بنا ويؤيدون مقاومتنا التي لم تتخذ يوما طابعا فئويا او مذهبيا، ولم نعمل لاستخدام السلاح في الداخل حتى ولو ظلمنا (...)".
كرم: الحوار لمعالجة مسألة السلاح
السفير السابق سيمون كرم يؤكد ضرورة نشر الجيش في الجنوب والتزام اتفاق الهدنة (1949) ويقول: "ثمة مصلحة لبنانية في نشر الجيش اللبناني على الحدود، وبالتالي توليه المسؤولية الامنية، وذلك تماشيا مع الطائف، وايضا ان تلتزم الحكومة اتفاقية الهدنة حتى انتهاء الصراع العربي – الاسرائيلي، على ان ينخرط لبنان في اي تطورات عسكرية يستدعيها ذلك الصراع جنبا الى جنب مع الدول العربية، وايضا يلتزم ما تُقْدِم عليه تلك الدول دون ان يتنازل عن سيادته(...)" ويضيف: "لسنا البلد الاول الذي اعتمد التشكيلات المقاتلة غير النظامية في سياق صراعه مع الأعداء، فثمة تجارب في دول عدة ومنها فرنسا وغيرها التي استوعبت تلك التشكيلات في سياق مؤسسات الدولة بعد انتهاء الحرب بما فيها المؤسسة العسكرية (...) وثمة بُعد آخر اكثر اهمية هو مسألة سيادة الدولة على ارضها والوظائف الناتجة منها واهمها وظيفة الدفاع الوطني التي لا يمكن التنازل عنها(...) ولعل ما حصل في لبنان في اواسط الستينات من القرن الماضي عندما فقدت الدولة احادية السيطرة على وظيفة الدفاع الوطني والمهمات المتفرعة عنها خصوصا في الجنوب، يتطلب اعادة بناء الدولة وعودة وظيفة الدفاع اليها حصرا".
ويعلق كرم على القرار 1559: "هذا القرار اصبح المكون الاساسي للقانون الدولي بالنسبة الى لبنان منذ صدوره (3/ايلول/2004)، اما في ما يخص البند الذي ينص على سحب سلاح المقاومة، فنحن ندعو الى ان تتم معالجة مسألة هذا السلاح عبر الحوار ووفق ما نص عليه اتفاق الطائف، حيث هناك مساحة مشتركة بين الاخير والبند المتعلق بـ"حزب الله" في القرار المذكور".
المشاركة النيابية... أولاً
منذ عام 1992 وحتى اليوم يحظى "حزب الله" بكتلة نيابية لا بأس بها (يراوح عددها بين 11 و14 نائبا)، وخاض المعارك الانتخابية متحالفا مع غريمه الشيعي التقليدي السابق (حركة "امل") على قاعدة وحدة الموقف من المقاومة وتحصين الساحة الداخلية اولا، والعلاقات المميزة مع سوريا(...) وفي الانتخابات الاخيرة اضيفت مواجهة القرار الدولي 1559، ما دفع الحزب الى نسج اوسع التحالفات مع مختلف القوى والاحزاب السياسية (باستثناء الحزب الشيوعي والنائب السابق طلال ارسلان) من اجل رفض ذلك القرار (...). وعلى صعيد آخر حقق الحزب نجاحات كبيرة في الانتخابات البلدية، وخصوصا في العام الماضي، حيث "اجتاح" غالبية البلديات الشيعية في الجنوب والبقاع وجبل لبنان (الضاحية الجنوبية) على حساب "امل".
وعن قانون الانتخاب يوضح قاسم: "مهما كان شكل قانون الانتخاب (دائرة فردية او لبنان دائرة واحدة)، فان الحزب سيحافظ على حضوره النيابي". ويضيف: "اذا ناقشنا قدرة الحزب وعدد النواب بالنسبة الى القوانين المطروحة نجزم ان اي قانون انتخابي يقرر في لبنان سيعطينا حقنا بشكل كامل، ولسنا في حاجة الى قانون خاص بنا يرفع رصيدنا. لذا نقول ان كل القوانين تناسبنا. هذا على مستوى المصلحة الخاصة للحزب، ولكن عندما نناقش الامر من زاوية وطنية وننظر الى المصلحة العامة يمكن ان نرفض او نقبل هذا القانون او غيره، ونحن لا نرضى بقانون يسترجع الطائفية وسنعلن موقفنا من القانون وسنناقشه في مجلس النواب. ونحن مع قانون عادل يرتكز على معيار موحد لجهة التقسيمات، والاهم من ذلك ان يكون ذلك القانون حافزا لتعزيز الحس الوطني(...)".
لكن الحزب بقي خارج السلطة التنفيذية طيلة الاعوام السابقة (1992 – 2004)، ولم يدخل الحكومات السابقة، كذلك حجب الثقة عنها باستثناء حكومة الرئيس سليم الحص (1998 – 2000)، لكن اعتبارا من العام الحالي غيّر الحزب من مواقفه السابقة، ودخل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي للمرة الاولى في تاريخه، ويشكل جزءا من الحكومة الحالية(...) فما الذي تبدّل ودفع الحزب للدخول الى مستنقع السلطة من بابها الواسع؟ وكيف واجه الحزب حصار الخدمات الاجتماعية والصحية والتربوية؟
(يتبع حزء ثان)