المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 20 عاماً على الانطلاقة العلنيّة لـ "حزب اللـه"



مقاتل
08-25-2005, 10:34 PM
[1 من 2]

المقاوم الرئيسي لإسرائيل لم يتمكن من تجنّب التصادم الأخوي

القبول بالطائف لم يبدّد هواجس الآخرين من سلاحه

تحقيق عباس الصباغ

قبل منتصف الثمانينات كانت عبارة "انا مع حزب الله" تدل على عدم الانتماء الحزبي، ولكن النداء الشهير ألغاها: "اننا ابناء أمة حزب الله في لبنان، نحييكم ونخاطب من خلالكم العالم بأسره ولا نستثني احدا، لاننا حريصون على ان يسمع صوتنا الجميع(...) اننا ابناء امة "حزب الله" التي نصر الله طليعتها في ايران(...) نلتزم اوامر قيادة واحدة حكيمة وعادلة، تتمثل بالولي الفقيه (...)".


هذا ما ورد في مستهل "الرسالة المفتوحة" التي اعلنت الانطلاقة الرسمية لـ"حزب الله" في لبنان في 16 شباط 1985. واليوم، وبعد 20 عاما، تبدلت امور كثيرة في لبنان والعالم انعكست على كل الاحزاب والقوى، وكان من الطبيعي ان تشمل الحزب. لذا هذه المراجعة لتاريخ الحزب الحافل بالانجازات والتحديات... وربما الاخفاقات.



ظروف النشأة

وصلت ترددات انتصار الثورة الاسلامية في ايران (1979) الى معظم الدول العربية، ومنها لبنان، الذي شعرت فيه الطائفة الشيعية بالاطمئنان لما في ذلك التغيير من اثر ايجابي على موقعها في الخريطة السياسية الداخلية.

ورغم ان الامام موسى الصدر كان اسس حركة المحرومين في العام 1974 من اجل الحصول على حقوق المحرومين وفي طليعتهم الشيعة، فإن عددا من رجال الدين الشيعة كانوا يدعون الى ضرورة قيام تيار آخر يزيد من الضغط على "النظام اللبناني لانتزاع الحقوق المشروعة للطائفة". ولكن تسارع الاحداث الاقليمية، وخصوصا اندلاع الحرب العراقية الايرانية (1980) ومن ثم الاجتياح الاسرائيلي للبنان (1982)، ساهما في تأخير الاعلان عن ذلك التيار. ودفعت اولوية مواجهة الاسرائيليين بعناصر شيعية من خارج الانتماءات السياسية المعروفة آنذاك، الى المشاركة في التصدي للاسرائيليين، وخصوصا على مثلث خلدة.

وبعد اندحار القوات الاسرائيلية من معظم الاراضي اللبنانية وتمركزها عند ما عرف بـ"الحزام الامني"، وتحديدا في السادس عشر من شهر شباط عام 1985 وفي الذكرى السنوية الاولى لاستشهاد الشيخ راغب حرب (من قرية جبشيت)، اعلن النائب السابق السيد ابرهيم امين السيد ما عرف بـ"الرسالة المفتوحة" والتي اصبحت في مثابة الاعلان الرسمي عن تأسيس "حزب الله" في لبنان، الذي اتخذ من "الثورة الاسلامية في لبنان" شعارا استراتيجيا له، ثم غيّره لاحقا الى "المقاومة الاسلامية في لبنان"، ولكن الحزب كان قد اتخذ قرارا بعدم المشاركة في الحرب الداخلية، واعلن التزامه مقاومة اسرائيل وظهرت "المقاومة الاسلامية" بشكل منظم في منتصف الثمانينات، وترافق ذلك مع تراجع عمليات "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" و"حركة امل". ولم تمض سنوات قليلة حتى اضحت المقاومة الاسلامية القوة شبه الوحيدة على الساحة الجنوبية واستمرت في عملياتها حتى انجاز التحرير في 24 ايار 2000. لكن هذا لا يقلل البتة من تضحيات "المقاومة اللبنانية" و"امل"(...) ورغم ان "حزب الله" لم ينخرط في الحرب الداخلية لكنه دخل في مواجهة قاسية مع "امل" في الضاحية الجنوبية واقليم التفاح على خلفية الصراع على النفوذ بين ايران وسوريا، ولم تنحسر المواجهات الا في منتصف عام 1990، ومن ثم انتخاب السيد عباس الموسوي امينا عاما للحزب لخلافة الامين العام الاول الشيخ صبحي الطفيلي الذي يصفه البعض بالمتشدد(...).



قاسم: لم ندخل في الزواريب

نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم يشرح ظروف النشأة والعمل السري للحزب منذ عام 1982 وحتى اعلان "الرسالة المفتوحة"، يقول: "تزامنت فترة التأسيس بشكل مباشر مع الاجتياح الاسرائيلي (1982)، ولم يكن على الساحة الا عنوان المواجهة العسكرية مع العدو؛ واخترنا كحزب، رغم نشأتنا الحديثة، دائرة المواجهة، وترافق ذلك مع اتجاه عند البعض لالقاء البندقية واقفال ملف الواقع الفلسطيني المسلح في لبنان(...) ولم نكن نعلن مسؤوليتنا عن العمليات التي نفذها مقاتلونا(...) وفي الذكرى الاولى لاستشهاد الشيخ راغب حرب اعلن السيد ابرهيم امين السيد (نائب سابق ورئيس المجلس السياسي في الحزب) في 16 شباط 1985 "الرسالة المفتوحة"، وكانت في مثابة الاطلالة الرسمية الاولى لنا، وثابرنا على مقاومة الاحتلال ولم ندخل في زواريب الحرب الاهلية".

منذ تأسيسه رفع الحزب شعار "الثورة الاسلامية في لبنان"، وبالتالي اعتبر قيام الجمهورية الاسلامية هدفا استراتيجيا، ولكن على اساس الاختيار الحر وليس الالزام، وجاء في "الرسالة المفتوحة": "لا نريد ان نفرض الاسلام على احد، ونكره ان يفرض الآخرون اقتناعاتهم وانظمتهم علينا، ولا نريد ان يحكم الاسلام في لبنان بالقوة، كما تحكم المارونية السياسية الآن (1985)، واذا ما اتيح لشعبنا ان يختار بحريته شكل نظام الحكم في لبنان، فانه لن يرجح على الاسلام بديلا(...)".

ولكن طبيعة النظام اللبناني التوافقية وضعت حدا لكل الافكار المنادية بترجيح صيغة طائفية على اخرى، وبالتالي تراجع كل فريق – ولو موقتا – عن بعض الشعارات والاهداف غير المنسجمة مع التركيبة الطائفية اللبنانية.

ويوضح قاسم: "لكننا نؤكد اننا مقتنعون بالاسلام عقيدة ونظاما، فكرا وحكما، وندعو الجميع الى التعرف اليه والاحتكام الى شريعته، وبالتالي تبنيه والتزام تعاليمه على المستوى الفردي والسياسي والاجتماعي، واذا ما اتيح لشعبنا ان يختار بحرية شكل نظام الحكم في لبنان، فانه لن يرجح على الاسلام بديلا، ومن هنا ندعو الى اعتماده على قاعدة الاختيار الحر والمباشر من الناس، لا على قاعدة الفرض بالقوة كما يُخيّل للبعض(...)".



العَلَم والمراحل

اختار المؤسسون لعلم الحزب اللون الأصفر الذي تتوسطه كلمتا: "حزب" و"الله" وتعلوهما البندقية لتغطي مساحة لا بأس بها منه، وتذيله عبارة "الثورة الاسلامية في لبنان".

ويعلّق قاسم على الشعار والعلم: "كان هذا شعارنا لاننا اتخذنا من البندقية ضد اسرائيل اساسا لعملنا(...) ونحن لا نُحمّل رب العزة شيئا (بندقية). وقلنا منذ البداية ان هذا الحزب ينتمي الى شرع الله تعالى، ونؤمن بما شرّعه الله على الارض ولا ندّعي احتكاره (...).

لكن الحزب مر بمراحل عدة منذ تأسيسه وحتى اليوم، كان اولاها مع تولي الشيخ صبحي الطفيلي الامانة العامة. يومها ظهر الحزب وكأنه "الحزب المتشدد"، وتغيرت الامور مع وصول الشهيد السيد عباس الموسوي الى رأس الحزب لتظهر رؤية جديدة تكرست مع الامين العام الحالي السيد حسن نصرالله.

ويرفض قاسم تقسيم المراحل التي مر بها "حزب الله" تبعا لشخص الامين العام الذي تولى قيادة الحزب ويقول: "لا اوافق اولئك الذين يصنفون الحزب تبعا لصفات الاشخاص، لان القرارات السياسية تتخذ جماعيا ويعبر عنها الامين العام، والاشخاص هم جزء من ادارة جماعية تتمثل بالشورى. من هنا فإن الحديث عن مرحلة مرتبطة بشخص امر خاطئ، لان ثمة ظروفا خاصة بكل مرحلة. ولو نظرنا الى الواقع اللبناني لوجدنا انه قبل توقيع اتفاق الطائف كان هناك اختلاف كبير مع المرحلة التي تلت الطائف".

وينفي قاسم الاتهامات التي يوجهها البعض للحزب حول خطف الاجانب في الثمانينات ويوضح: "لقد اعلنت اكثر من جهة مسؤوليتها عن تلك العمليات وانه لا علاقة للحزب بها".

مصدر في السفارة الاميركية علق على الذكرى العشرين لتأسيس الحزب: "ان "حزب الله" له وجوه عدة، منها سياسي وآخر مسلح وثالث مقاوم(...) حسب بعض المراقبين اللبنانيين(...) وايضا هناك وجه سري للحزب، ومن امثلته عماد مغنية وغيره، ولكننا، رغم تعدد تلك الوجوه، لا نفرق البتة بينها، ونعتقد ان قيادة الحزب لا تفرق ايضا بينها بل تعتبرها وجها واحدا(...)". ويضيف: "لقد كان للحزب نشاط سابق خصوصا في الثمانينات تلخص في عدة عمليات اختطاف طائرات TWA اميركية وتفجير السفارة الاميركية، اضافة الى خطف الاساتذة الاجانب في بيروت".

وعن لقاءات مع الحزب يقول: "ليس من لقاءات بين مسؤولين اميركيين و"حزب الله" والاخير لا يهتم بأي علاقة معنا(...) ونعتقد ان السبب مرتبط بارادة الحرس الثوري الايراني".



الحزب والحرب الاهلية

رغم وجوده في الضاحية الجنوبية وبيروت الغربية وعلى "خطوط التماس" فإن الحزب اتخذ قرارا مركزيا بعدم المشاركة في الحرب الاهلية، مفضلا التوجه جنوبا لمحاربة اسرائيل وعملائها. لكن تعقيدات الوضع الداخلي ارغمته على الدخول في معارك جانبية عنيفة مع حركة "امل" منافسه التقليدي (السابق) على الساحة الشيعية. وبعد دخول القوات السورية الى بيروت في 22 شباط 1987، حصلت مجزرة فظيعة في منطقة البسطا في بيروت ذهب ضحيتها اكثر من 20 عنصرا من الحزب وبقيت اسبابها مجهولة. وبعد حوالى عام اندلعت اشتباكات عنيفة بين الحزب و"امل" في معظم احياء الضاحية الجنوبية التي احكم الحزب سيطرته عليها، ولم تتوقف المعارك الا بعد دخول القوات السورية الى الضاحية في منتصف عام 1988. وبعد اشهر اندلعت الاشتباكات في الجنوب، وخصوصا في منطقة اقليم التفاح وساندت الاحزاب الموالية لسوريا وبعض التنظيمات الفلسطينية "امل" في مواجهة "حزب الله" ورفض الحزب الشيوعي آنذاك الدخول في حرب ضد "حزب المقاومة". واسفرت المواجهات الدامية عن سقوط مئات الضحايا بين الاطراف المتحاربة، ولم تتوقف المعارك الا بعد تسلّم السيد عباس الموسوي قيادة الحزب (اغتالته اسرائيل في 16 شباط 1992).

وتعتبر المواجهات مع "امل" نقطة سوداء في تاريخ التنظيمين الشيعيين، ولكنها جاءت نتيجة تشابك المصالح الاقليمية وخصوصا الايرانية والسورية اضافة الى اسباب داخلية لبنانية. ويأتي الشيخ نعيم قاسم في كتابه "حزب الله، المنهج، التجربة، المستقبل" على ذكر تلك المواجهات بشكل موجز، حيث كتب: "(...) لم ينفع الاتفاق الاول بين "امل" و"حزب الله" في شباط 1989 في ايقاف المعارك، فكانت حرب الاقليم في منتصف تموز 1990، والحصار الشديد الذي سدت فيه المنافذ على مقاتلي الحزب من كل الجهات واستمر لاكثر من مئة يوم، والذي انتهى باتفاق الطرفين في 9/11/1990(...) وابرز نتائج المواجهات كانت ضعف العمل المقاوم مما جعل عدد العمليات محدودا(...)".



الحزب والطائف

لم يشارك الحزب في الطائف مباشرة لان الاجتماعات هناك اقتصرت على النواب، ولكنه رحب بالاتفاق، علما ان بعض بنوده نصت على ضرورة حل الميليشيات وسحب سلاحها، اضافة الى ضرورة بسط سيادة الدولة على الاراضي اللبنانية كلها، عبر نشر الجيش وصولا الى الحدود (بعد التحرير الكامل). وفي الوقت عينه استثني سلاح "حزب الله" باعتباره مقاومة ضد الاحتلال (علما ان هناك احزابا عدة مقاومة شملها الاتفاق وسلمت اسلحتها). وبعد التحرير عاد سلاح الحزب ليشكل الحيز الاكبر في النقاش الداخلي – وما زال – وتعداه الى الخارج عبر القرار 1559. ولكن الحزب اعتبر ان اجزاء من لبنان لا تزال محتلة، وخصوصا في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، حيث يصر على لبنانيتها – وكذلك مختلف الاطراف اللبنانية – الا ان الامم المتحدة تعتبرها اراضي سورية ويشملها القرار 242.

ويشرح قاسم موقف الحزب من الطائف: "لم يكن ذلك الاتفاق حلا جذريا للازمة اللبنانية، بل كان مرحلة انتقالية من الحرب الى السلم، ومن الخلل في بنية النظام السياسي الى تصحيح محدود، اضافة الى عدم استكماله الغاء الطائفية السياسية ونحن من دعاة الغائها(...) لذا نعتبره خطوة الى الامام ولا نراه نهاية المطاف، وعلينا تطوير الاوضاع وفق الآليات المعتبرة ورفض اي صيغة تعديلية تأتي من الخارج او الاستقواء به(...) ويجب ان تناقش الفاعليات والقوى تلك التفاصيل لاننا لسنا وحدنا على الساحة، ولكنه يتم فقط عبر الحوار من اجل النجاح".

وعن سلاح المقاومة يقول: "لو ان الشعب اللبناني لم يجرب الحزب لكان بالامكان وضع هواجس البعض من سلاح المقاومة في مكانها. لكن اللبنانيين خبروا وجربوا الحزب الذي لم يوجه سلاحه الا ضد اسرائيل، واثبت ذلك خلال 23 عاما(...) ونؤكد ان مهمتنا الاساسية هي قتال اسرائيل ولم نكن يوما جزءا من "الادارة المدنية" او الصراع بين "الشرقية" و"الغربية"، ولم ندخل في حروب الزواريب، وهذا ما جعل اللبنانيين يثقون بنا ويؤيدون مقاومتنا التي لم تتخذ يوما طابعا فئويا او مذهبيا، ولم نعمل لاستخدام السلاح في الداخل حتى ولو ظلمنا (...)".



كرم: الحوار لمعالجة مسألة السلاح

السفير السابق سيمون كرم يؤكد ضرورة نشر الجيش في الجنوب والتزام اتفاق الهدنة (1949) ويقول: "ثمة مصلحة لبنانية في نشر الجيش اللبناني على الحدود، وبالتالي توليه المسؤولية الامنية، وذلك تماشيا مع الطائف، وايضا ان تلتزم الحكومة اتفاقية الهدنة حتى انتهاء الصراع العربي – الاسرائيلي، على ان ينخرط لبنان في اي تطورات عسكرية يستدعيها ذلك الصراع جنبا الى جنب مع الدول العربية، وايضا يلتزم ما تُقْدِم عليه تلك الدول دون ان يتنازل عن سيادته(...)" ويضيف: "لسنا البلد الاول الذي اعتمد التشكيلات المقاتلة غير النظامية في سياق صراعه مع الأعداء، فثمة تجارب في دول عدة ومنها فرنسا وغيرها التي استوعبت تلك التشكيلات في سياق مؤسسات الدولة بعد انتهاء الحرب بما فيها المؤسسة العسكرية (...) وثمة بُعد آخر اكثر اهمية هو مسألة سيادة الدولة على ارضها والوظائف الناتجة منها واهمها وظيفة الدفاع الوطني التي لا يمكن التنازل عنها(...) ولعل ما حصل في لبنان في اواسط الستينات من القرن الماضي عندما فقدت الدولة احادية السيطرة على وظيفة الدفاع الوطني والمهمات المتفرعة عنها خصوصا في الجنوب، يتطلب اعادة بناء الدولة وعودة وظيفة الدفاع اليها حصرا".

ويعلق كرم على القرار 1559: "هذا القرار اصبح المكون الاساسي للقانون الدولي بالنسبة الى لبنان منذ صدوره (3/ايلول/2004)، اما في ما يخص البند الذي ينص على سحب سلاح المقاومة، فنحن ندعو الى ان تتم معالجة مسألة هذا السلاح عبر الحوار ووفق ما نص عليه اتفاق الطائف، حيث هناك مساحة مشتركة بين الاخير والبند المتعلق بـ"حزب الله" في القرار المذكور".



المشاركة النيابية... أولاً

منذ عام 1992 وحتى اليوم يحظى "حزب الله" بكتلة نيابية لا بأس بها (يراوح عددها بين 11 و14 نائبا)، وخاض المعارك الانتخابية متحالفا مع غريمه الشيعي التقليدي السابق (حركة "امل") على قاعدة وحدة الموقف من المقاومة وتحصين الساحة الداخلية اولا، والعلاقات المميزة مع سوريا(...) وفي الانتخابات الاخيرة اضيفت مواجهة القرار الدولي 1559، ما دفع الحزب الى نسج اوسع التحالفات مع مختلف القوى والاحزاب السياسية (باستثناء الحزب الشيوعي والنائب السابق طلال ارسلان) من اجل رفض ذلك القرار (...). وعلى صعيد آخر حقق الحزب نجاحات كبيرة في الانتخابات البلدية، وخصوصا في العام الماضي، حيث "اجتاح" غالبية البلديات الشيعية في الجنوب والبقاع وجبل لبنان (الضاحية الجنوبية) على حساب "امل".

وعن قانون الانتخاب يوضح قاسم: "مهما كان شكل قانون الانتخاب (دائرة فردية او لبنان دائرة واحدة)، فان الحزب سيحافظ على حضوره النيابي". ويضيف: "اذا ناقشنا قدرة الحزب وعدد النواب بالنسبة الى القوانين المطروحة نجزم ان اي قانون انتخابي يقرر في لبنان سيعطينا حقنا بشكل كامل، ولسنا في حاجة الى قانون خاص بنا يرفع رصيدنا. لذا نقول ان كل القوانين تناسبنا. هذا على مستوى المصلحة الخاصة للحزب، ولكن عندما نناقش الامر من زاوية وطنية وننظر الى المصلحة العامة يمكن ان نرفض او نقبل هذا القانون او غيره، ونحن لا نرضى بقانون يسترجع الطائفية وسنعلن موقفنا من القانون وسنناقشه في مجلس النواب. ونحن مع قانون عادل يرتكز على معيار موحد لجهة التقسيمات، والاهم من ذلك ان يكون ذلك القانون حافزا لتعزيز الحس الوطني(...)".

لكن الحزب بقي خارج السلطة التنفيذية طيلة الاعوام السابقة (1992 – 2004)، ولم يدخل الحكومات السابقة، كذلك حجب الثقة عنها باستثناء حكومة الرئيس سليم الحص (1998 – 2000)، لكن اعتبارا من العام الحالي غيّر الحزب من مواقفه السابقة، ودخل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي للمرة الاولى في تاريخه، ويشكل جزءا من الحكومة الحالية(...) فما الذي تبدّل ودفع الحزب للدخول الى مستنقع السلطة من بابها الواسع؟ وكيف واجه الحزب حصار الخدمات الاجتماعية والصحية والتربوية؟

(يتبع حزء ثان)

مقاتل
08-26-2005, 08:41 AM
20 عاماً على الانطلاقة العلنية لـ"حزب الـله" [2 من 2]

تقديماته التربوية والصحيّة الوجه الاجتماعي المكمِّل للشق العسكري

المشاركة في الحكومة هل تفقده جزءاً من شعبيته؟

تحقيق عبّاس الصبّاغ



"سنخدمكم بأشفار عيوننا" شعار اطلقه الامين العام السابق لـ"حزب الله" الشهيد عباس الموسوي والتزمه الحزب عبر تقديماته الاجتماعية والصحيّة والتربوية. ولكن هل كان ذلك كله بلا مقابل؟ وما الذي دفعه الى المشاركة في الحكومة بعد طول انتظار؟



بعد امتناع طويل، ورفض "متبادل"، قرر "حزب الله" المشاركة في الحكومة الحالية بشكل صريح وواضح للمرة الاولى في تاريخه، وان كان شارك في الحكومة السابقة عبر الوزير طراد حماده، لكن مشاركته المباشرة في هذه المرحلة عبر الوزير محمد فنيش تعتبر على قدر من الاهمية، وخصوصا بعد الانسحاب السوري والتطورات الداخلية والخارجية التي صبغت المرحلة الانتقالية وعلى رأسها التحديات الخارجية للحزب عبر القرار 1559 (...).

من جهة ثانية اثبتت تجارب مشاركة معظم الاحزاب في الحكومات المتعاقبة حالات استياء سادت اوساط قواعدها الشعبية، حيث ظهرت تلك القوى وكأنها عاجزة عن تلبية طموحات جماهيرها او متواطئة عليها، اضافة الى صراع على حقائب الخدمات من اجل مصالحها الخاصة.

ويشرح نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم الظروف التي افضت الى قرار المشاركة في الحكومة: "لم يضع "حزب الله" في سلم اولوياته المشاركة في الحكومة منذ الانتخابات النيابية الاولى بعد الطائف، لانه كان يعتبر ان الحكومات المتعاقبة لا تملك الصلاحيات الكافية ولا القرارات المناسبة من اجل اجراء تعديلات جوهرية على الصعيدين الداخلي والخارجي باعتبار ان السياسات العامة كانت تقرر عبر مشاورات مع سوريا من ناحية، ومع القيادات الفاعلة في لبنان من خارج اطار الحكومة من ناحية ثانية. وهذا ما جعل المشاركة في الحكومة، من وجهة نظرنا، مليئة بالسلبيات(...) ولكن بعد التطورات الاخيرة (القرار 1559 واستشهاد الرئيس رفيق الحريري وخروج السوريين) اصبحت الاولوية ان نشارك في الحكومة، لاننا نعتبر ان لمجلس الوزراء موقعا حساسا اكثر من ذي قبل، وانه قادر على انجاز مجموعة مواقف ستنعكس على الجميع، وبامكاننا ان نكون فاعلين عبر مساهمتنا فيها على المستويين السياسي والاصلاحي، وهذا بحاجة الى التعاون الفاعل بين مختلف الاطراف، ولذلك اقدمنا على هذه الخطوة للمرة الاولى بصراحة ووضوح".

ولا يخفي قاسم السلبيات التي قد تظهر عبر هذا القرار ولكنه يشيد بشفافية الحزب: "الدخول الى الحكومة قد يسبب احباطا او يأسا عند الناس بسبب طبيعة النظام الطائفي اللبناني وضعف النتائج المتوقعة بالمقارنة مع الآمال والطموحات وتحمّل اعباء السلطة التنفيذية التي قد تكون عاجزة عن الكثير، وخصوصا في الامور الحياتية والمعيشية(...) ولكن الحزب سيؤدي دوره بنظافة كف وبصدق وامانة كما هو معروف عنه(...) وسيكون واضحا للناس العقبات التي سنواجهها(...)".

السفير سيمون كرم يرى في تلك الخطوة تطورا ايجابيا في الحياة السياسية، معتبرا ان "دخول الحزب رسميا الى الحكومة للمرة الاولى هو تطور ايجابي في الحياة السياسية اللبنانية، ويجب ان يؤدي الى تولي الحكومة حصرا الوظائف السيادية الرئيسية العائدة لها وعلى رأسها وظيفة الدفاع الوطني وما ينتج منها على صعيد المهمات العسكرية والامنية(...) ولبنان محكوم بعد انقطاع دام عقود بأن يقرر بنفسه ولنفسه سياسته الخارجية النابعة من مصالحه الذاتية(...) ويجب ان يكون في اقصى درجات الانفتاح على المجتمع الدولي بكل تنوعاته، خلافا للعزلة التي كانت كلمة السر في السياسة الخارجية السابقة. كذلك على لبنان ان يتفاعل مع العالم الخارجي واصدقاء لبنان الدوليين، كما عليه ايضا الدفاع عن المصالح السياسية والاقتصادية للبنان، اضافة الى التفاعل مع الجاليات اللبنانية في الخارج التي شكلت العمود الفقري لتحقيق معركة الاستقلال، فلا يصار الى التنكيل بها ووضعها تحت المراقبة(...)".

النشاط الاجتماعي

شكل النشاط السياسي محور عمل الاحزاب في لبنان، لكن ذلك ترافق مع نشاط اجتماعي تنافست الاحزاب على القيام به لاهداف تخدم مشروعها السياسي، اضافة الى تقصير السلطة في تأمين الخدمات الاساسية لمواطنيها، وخصوصا في المناطق الفقيرة.

"حزب الله" حاول اسوة بغيره من الاحزاب، استمالة الجماهير عبر تقديماته الاجتماعية التي شملت مجالات التربية والتعليم والاستشفاء، وعمل على تأسيس المدارس وانشاء المستشفيات والمستوصفات في مناطق عدة من الضاحية الجنوبية والبقاع والجنوب وهي ذات الغالبية الشيعية، وذلك لان قاعدة الحزب محصورة الى حد كبير بهذه الطائفة.

في عام 1993 اطلق الحزب "المؤسسة الاسلامية للتربية والتعليم" من اجل العناية بالنشء وبناء جيل رسالي واع مثقف" من طريق تأسيس المدارس والمعاهد واعداد المعلمين. وشهدت بلدة الشرقية في قضاء النبطية اول الغيث عبر تأسيس "مدرسة المهدي" وكرّت السبحة لتصل الى البقاع والجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت ووصل عددها الى 14 مدرسة كان آخرها في مدينتي بنت جبيل في العام 2003 وبعلبك في العام 2004.

والتزمت تلك المدارس مناهج وزارة التربية الوطنية وزودت بالمختبرات وكامل التجهيزات من اجل توفير افضل الشروط للطلاب، وطبعا في كل مدرسة يوجد مصلى يؤمه الطلاب الراغبون في اداء الصلاة في اوقاتها. ولكن السؤال: هل ان هذه المدارس تساهم فقط في اداء خدمة التعليم للطلاب ام ان للحزب اهدافا اخرى؟ علما ان من الطبيعي ان تكون له تلك الاهداف لانها مشروعة، وبالتالي لا يمكن له ان يقدم خدمات من دون الحصول على مكاسب سياسية.

ويعتبر قاسم انه رغم محاصرة الدولة للحزب بخدماتها خلال الفترة السابقة، فانه عمل على تقديم الخدمات الاجتماعية وغيرها الى الناس ووقف دائما الى جانبهم.

اما كرم فيعلق على الخدمات التي تؤديها الاحزاب والمنظمات: "هذا يقع في سياق حرية المنظمات الاهلية والسياسية في مباشرة كل انواع النشاطات الاجتماعية والخدماتية ضمن ما تتيحه لها وسائلها الخاصة ومصادر التمويل(...) ومن ضمن المهمات التي يجب ان تكون على "اجندة هذه الحكومة اضافة الى قانون عادل ومتوازن للانتخابات، اقرار قانون عصري للاحزاب، ويجب ان يتطرق الى مصادر تمويلها وتكون خاضعة للقانون اللبناني".

رئيس مجلس الادارة المركزي والمدير العام لـ"المؤسسة الاسلامية للتربية والتعليم" الشيخ مصطفى قصير يعرض للنشاط التربوي للحزب ويقول: "ان مدارس المهدي قد تأسست منذ العام 1993، والبداية كانت عبر 3 مدارس وزاد انتشارها حتى وصل عددها اليوم الى 14 مدرسة موزعة على الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، وآخر تلك المدارس كان في مدينة بنت جبيل، وصفوف المدارس من الابتدائي حتى الثانوي، ويناهز عدد طلابها اليوم على 13250 تلميذا وهي حققت نتائج مميزة في الامتحانات الرسمية وصلت الى 99%". اما عن المناهج المعتمدة فيوضح: "نحن نعتمد المناهج المقررة من وزارة التربية، اضافة الى تلك التي توافق عليها الوزارة. وبالنسبة الى كتاب التاريخ نحن نلتزم ما هو مقرر، وخصوصا في صفوف الشهادات الرسمية (البريفيه والبكالوريا)، ونحن ايضا نعتمد كتاب التربية الصادر عن الوزارة(...) وهناك توجه نحو اعتماد اللغة الانكليزية في مدارسنا".

لا شك في ان هدف كل حزب هو تعميم سياسته عبر مختلف الوسائل المشروعة قانونا.

وليس خافيا على احد ان لا شيء يقدم بلا مقابل، حتى لو تعلق بالمجالات الحيوية الضرورية للمواطنين. ومن هنا كان اهتمام الاحزاب بحشد اكبر قاعدة جماهيرية عبر تقديماتها الاجتماعية والتربوية. وعلى صعيد المدارس كان لا بد من ادخال بعض المواد (وان كانت غير الزامية) على المناهج التربوية المعتمدة في المدارس التابعة لها.

لكن قصير ينفي وجود اي مواد في المناهج تتعلق بسياسة "حزب الله": ليس لدينا اي نشاط مختلف عن بقية النشاطات في المدارس الاخرى. نحن ملتزمون المناهج المقررة من الوزارة. اما بالنسبة الى مادة الدين فنعتمد كتاب "الاسلام رسالتنا" المقرر من الوزارة، ولا وجود على الاطلاق لاي مادة تتعلق بالمقاومة الاسلامية لاننا لا نسعى الى مدارس عسكرية، بل نحن نلتزم ما ورد في الدستور والقوانين اللبنانية. تجدر الاشارة الى ان طلابنا ليسوا جميعهم من الطائفة الشيعية، فلدينا طلاب من طوائف اخرى وكذلك الهيئة التعليمية هي من مختلف الطوائف، وان كنا نفضل الاستاذ الملتزم دينيا وصاحب الكفاءة، لكن هذا لا يعني ان جميع الاساتذة ملتزمون دينيا، مع مراعاة آداب الاسلام وتعاليمه مثل ارتداء المعلمة الحجاب داخل المدرسة(...) وهدفنا ايضا ايصال القيم الاسلامية والانسانية الى طلابنا، ونعتمد في ذلك مبدأ الاقناع على القاعدة التي تقول ان لا اكراه في الدين. واذا رأينا ان نسبة الالتزام متدنية عندها نعيد النظر في اساليبنا المنيعة من اجل الوصول الى هدفنا المنشود".

اما عن انتساب الطلاب الى "كشافة المهدي" فيشرح: "لا توجد في مدارسنا اي تشكيلات كشفية. ولكن المدرسة هي جزء من المجتمع والطالب فيها هو نفسه خارجها، وبالتالي اذا اراد طالب الانتساب الى "كشافة المهدي" فهذا شأنه وكذلك اذا ارادت الكشافة اقامة بعض النشاطات في مدارسنا فنسمح لها ولا نمانع في ذلك".



دور وزارة التربية

معلوم ان وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي تساهم في دعم بعض المدارس الخاصة، وخصوصا المجانية او شبه المجانية، وتندرج بعض مدارس المهدي في هذه الخانة.

لكن الوزارة، وتحت ضغط الازمة الاقتصادية التي تجتاح البلاد منذ اعوام عدة توقفت عن دفع مستحقات تلك المدارس او على الاقل اخرتها، مما يجعل مستقبل تلك المدارس مهددا وقد يصل احيانا الى الاقفال.

عن مساهمة وزارة التربية يقول قصير: "هناك تعاون مع الوزارة، وخصوصا ان لدينا مدارس شبه مجانية وبالتالي فان الوزارة تمول تلك المدارس، ولكننا حتى اليوم لم نتقاض الرسوم عن العام الدراسي 2001 – 2002!".

اما عن الاقساط فيؤكد: "لدينا هاجس يتمثل في مساعدة الطلاب، لذلك تعتبر اقساطنا متهاودة، وايضا نتكفل بتقديم المنح الى الايتام وابناء الشهداء وكذلك الى الطلاب المتفوقين، كما اننا نقدر ظروف الطبقات الفقيرة ومعظم طلابنا من هذه الطبقات وتراوح المنح التي نقدمها بين 25 و100%(...)"، ويضيف: "لقد كان لدينا عجز مالي، وخصوصا في المرحلة الاولى، ولكننا استطعنا تجاوز ذلك عبر اعتبار المدارس سلة واحدة اي عبر سد عجز مدرسة من فائض اخرى، ونسعى عبر سياستنا المالية الحالية للوصول الى مرحلة الاكتفاء الذاتي، ونعتمد ايضا على المساعدات والحقوق الشرعية لسد العجز في بعض الاحيان".

وعن مستقبل المدارس يشير قصير: "تبعا للاوضاع الاقتصادية يفضل الاهالي تسجيل اولادهم في المدارس الرسمية، وهذه ظاهرة متزايدة في البلاد وانعكس ذلك على المدارس الخاصة، وبالتالي على مدارس المهدي، وثمة تسرب في عدد الطلاب، واليوم تبلغ نسبة الطلاب في المدارس الخاصة حوالى ثلثي عدد الطلاب، اما الباقون فهم في المدارس الرسمية. وثمة مشكلة اخرى تضاف الى الوضع الاقتصادي وتتمثل في عدم دفع المستحقات من الوزارة مما يؤثر على مدارسنا، كما ان الدولة لا تراعي مبدأ العدالة في سياستها التربوية. ومثال ذلك عندما طرأت زيادات على الرواتب التزمنا بها، لكننا لم نستطع اقرار زيادة بدل النقل (6 آلاف ليرة لبنانية يوميا) ولم تف الوزارة بموجباتها... وفي الوقت عينه لم نتمكن من زيادة الاقساط لان ذلك يؤدي الى تسرب الطلاب وزيادة الاعباء على الاهالي(...)".

اضافة الى قطاع التربية والتعليم توجه "حزب الله" نحو تقديم الخدمات الصحية للفقراء والمحتاجين في المناطق ذات الغالبية الشيعية. ومن اجل ذلك انشأ "الهيئة الصحية الاسلامية" في العام 1984، وجاء في مقدمة رسالتها: "نشأت الهيئة بهدف رفع المستوى الصحي والاجتماعي لشرائح المجتمع اللبناني وتأمين السعادة والرفاهية للانسان بالاستناد الى القيم التي جاء بها الدين الاسلامي، ولاسيما ان الوضع الاقتصادي المنهك الذي يمر به لبنان يدفع بالمستضعفين للتردد الى "الهيئة الصحية الاسلامية" لما توفره مستشفياتها ومراكزها الصحية ومستوصفاتها من خدمة مجانية وشبه مجانية خاصة في المناطق النائية والبعيدة عن المدن الرئيسية".

مزج الحزب بين حاجة "المستضعفين" او الفقراء واهدافه السياسية، علما ان احزابا لبنانية كثيرة لجأت الى هذه الاساليب المشروعة في عملها ومنها الحزب الشيوعي اللبناني الذي اسس جمعية "النجدة الشعبية اللبنانية" وغيره من الاحزاب التي رأت في تقصير الدولة في المجال الصحي فرصة ذهبية لها من اجل كسب الجماهير.

ومع احتدام الحرب والقصف الاسرائيلي للقرى والبلدات اللبنانية ازداد نشاط "الهيئة الصحية" عبر مستوصفاتها النقالة، اضافة الى افتتاح عدد من المراكز الصحية من مستوصفات وعيادات ومستشفيات في معظم المناطق. والملاحظ ان الهيئة افتتحت مستوصفا في بلدة حبشيت قضاء عكار خارج الامتداد الشيعي التقليدي ويبلغ اليوم عدد المراكز الصحية 65 مركزا. وبحسب احصاء اجري في العام الفائت افادت الهيئة ان عدد المستفيدين من خدماتها وصل الى حوالى 750 الف مستفيد توزع القسم الاكبر منهم على المستوصفات والمستشفيات.

المدير العام للهيئة الصحية الاسلامية المهندس عباس حب الله يشرح آلية عمل الهيئة وتقديماتها في مختلف المناطق اللبنانية: "لقد تأسست الهيئة الصحية في العام 1984 في الضاحية الجنوبية لبيروت، نظرا الى حاجة تلك المنطقة الى التقديمات الصحية، وخصوصا ان البلاد آنذاك كانت تشهد معارك عنيفة(...) يومها تداعى عدد من الاطباء وعملوا على تأسيس ما عرف بغرفة العمليات في منطقة بئر العبد. ومع مرور الوقت اتسع عمل الهيئة ليشمل الجنوب والبقاع والشمال، واستفاد من تقديمات الهيئة آلاف الفقراء والمستضعفين. ويرتكز عملنا على شقين: العلاجي والوقائي، ولدينا ثلاث مستشفيات في النبطية وبنت جبيل والهرمل وذلك نظرا الى غياب المستشفيات الحكومية، ولدينا 12 مركزا صحيا اضافة الى 20 مستوصفا واثنين نقالين (متحركين) وسبق ان عملت عدة مستوصفات نقالة ايام الاحتلال الاسرائيلي على خطوط المواجهة، وخصوصا عندما كانت تتعرض القرى والبلدات للقصف الاسرائيلي(...)، اما الشق الوقائي فيشمل برامج الصحة الاجتماعية ودورات صحية بالتعاون مع وزارة الصحة العامة وبعض المنظمات المحلية والعالمية، اضافة الى الكشف المدرسي الذي يشمل حوالى 100 مدرسة في المناطق اللبنانية المختلفة، هذا بالاضافة الى برنامج تلقيح على مدار السنة، وايضا حملات للكشف المبكر على بعض الامراض (مثل سرطان الثدي والبروستات وترقق العظم)".

ويضيف: "اما لجهة التنسيق والتعاون مع الوزارة، فاننا ننظم حملات مثل حملة مكافحة شلل الاطفال وتساعدنا الوزارة عبر تقديم اللقاحات، ونساهم نحن في تقديم لقاحات باسعار رمزية للمواطنين. وايضا نتعاون مع "جمعية الشبان المسيحيين" ومنظمات صحية نروجية، وكذلك مع البلديات في المدن والقرى".

تعجز الحكومات احيانا عن تمويل بعض المشاريع التربوية والصحية، وظهر ذلك عبر اقفال بعض المدارس الرسمية والمستشفيات الحكومية نظرا الى عدم توافر الاعتمادات الضرورية لاستمرارها. واذا كانت الدولة، عبر كل ما تملك من امكانات، عاجزة عن تسيير بعض مرافقها فكيف تستطيع الاحزاب القيام بهذه المهمات؟ من جهة ثانية كيف يؤمن "حزب الله" الاموال اللازمة لاستمرار مؤسساته التربوية والصحية، ولاسيما انها واسعة الانتشار مما يوجب رصد مبالغ مالية كبيرة لها؟

عن تمويل الهيئة يقول حب الله: "نحن نتقاضى رسوما رمزية من المواطنين. وعلى سبيل المثال ان كشف الطبيب على المريض في المستوصف او المستشفى يكلف المريض 6 آلاف ليرة فقط مقابل 30 الف ليرة خارج مؤسساتنا، وكذلك يكلف فحص الدم حوالى الفي ليرة مقابل 15 الف في المختبرات العادية. ونعتمد في عملنا على التبرعات التي يقدمها المواطنون، وكذلك على الاموال والحقوق الشرعية اضافة الى تقديمات بعض الهيئات الدولية والمحلية وهي عادة تشمل الادوية واللقاحات".

اما عن عدد المستفيدين من تقديمات الهيئة الصحية الاسلامية فيوضح حب الله: "ان عدد المستفيدين في العام الماضي بلغ حوالى 750 الف مستفيد في المناطق كافة، هم من مختلف الطوائف وان كان معظمهم من الطائفة الشيعية(...) وتبلغ ميزانية الهيئة حوالى مليون و200 الف دولار سنويا".

***

هكذا يكون "حزب الله"، وعبر نشاطه السياسي والاجتماعي، قد نجح في ان يصبح احد اكبر الاحزاب اللبنانية، وان لم نقل اكبرها على الاطلاق في زمن تراجع العمل الحزبي في البلاد، وخصوصا بعد انتهاء الحرب الاهلية و"حرب الآخرين على ارضنا"(...).

ويتميز "حزب الله" عن غيره من الاحزاب بأنه لم ينغمس الا نادرا في وحول الحرب الداخلية، اضافة الى دور العامل الديني والتزام التكليف الشرعي (اي الامر الذي يأتي من القيادة وتعتبر مخالفته ذنبا لا يغتفر في الدنيا والآخرة)، والاهتمام بالتثقيف المركزي والاعلام، اضافة الى تحقيق انجاز التحرير في 24 ايار 2000، في زمن الاخفاق والاحباط العربي والاسلامي.

وفي المقابل ما زال الحزب يشكل هاجسا عند قسم كبير من اللبنانيين، وخصوصا انه الوحيد الذي يملك جناحا عسكريا بعد توقيع اتفاق الطائف. ذاك ان السلطة، وبتوجه سوري واضح، آثرت الابقاء على سلاحه لان الاحتلال الاسرائيلي كان جاثما على الجنوب اللبناني والبقاع الغربي.

الا انه بعد انجاز التحرير، باستثناء مزارع شبعا، فان عددا كبيرا من اللبنانيين يرى ان موضوع سلاح المقاومة يجب ان يُحل عبر التفاوض وليس عبر التدخل الخارجي، وهذا ما عبرت عنه معظم القوى في الآونة الاخيرة.

هكذا، يبقى تأكيد الحزب انه لم يستعمل السلاح الا ضد العدو الاسرائيلي، وهواجس قوى عدة ان يلجأ الحزب الى السلاح في الصراع الداخلي، يبقى هذا الامر محط جدل واسع في البلاد.

... ويبقى سؤال: حزب الله حزب الثورة الاسلامية ثم المقاومة الاسلامية، اي شعار سيتبناه بعد التحرير الكامل؟!