المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كاسترو .. رئيس بسبعة أرواح



مجاهدون
08-25-2005, 07:41 AM
http://www.asharqalawsat.com/2005/08/19/images/hassad.318382.jpg


جاء للوجود مع الرقم 13 الخلافي ليصمد وينجو من التصفية ويتجاوز العوارض الصحية




لندن: حسن ساتي


* ذو الرياستين كثرت مطالبة الدائنين له فصعد الى حائط الأزهر وألقى نفسه من هناك ومات.. الإنسان موقف..! الكاتب المصري محمود أمين العالم

* هو رجل ساذج وليس بالضرورة شيوعيا.

الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون بعد لقاء مع كاسترو بالبيت الأبيض عام 1959 ونيكسون يومها نائب للرئيس أيزنهاور تبدو كوبا ذاتها متفردة عن بقية العالم كما رئيسها فيدل كاسترو، فلكوبا وخلافا لدول كثيرة أكثر من يوم استقلال واحد، فهي تحتفي بـ 10 ديسمبر (كانون الأول) كيوم لتاريخ استقلالها عن اسبانيا عام 1898، فيما تحتفي بـ 20 مايو كيوم لاستقلالها عن أميركا عام 1902، علاوة على 26 يوليو الذي تعتبره منذ 1953 يوما للثورة. أما حين يأتي الحديث عن الزعيم الكوبي فيدل كاسترو الذي احتفل بعيد ميلاده الـ 78 يوم السبت الماضي، ففي الرجل حزمة من التناقضات الممزوجة بحالة من الثبات على العقيدة والمواقف، أقرب ما يكون الى جبل سياسي لا تهزه الرياح، أو الى مدمن لتلك النظرية الشيوعية، والى حد قال معه حزينا يوم إعلان سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1989: «لقد رحلت الشمس عن الأفق مع سقوط الاتحاد السوفياتي»، فيما كان قد استبق ذلك السقوط أيام بروسترويكا غورباتشوف بالقول: «نحن نشهد الآن أشياء تدعو للحزن في دول اشتراكية أخرى». ومن هنا لم يكن من المستغرب تأييده الصريح لغزو حلف وارسو لتشيكوسلوفاكيا أيام ربيع براغ عام 1968.

حزمة التناقضات يفرضها ذلك الاحتشاد الكثيف في تجربة حكم امتدت لـ 47 عاما ناقصة بضعة أشهر، (كاسترو من مواليد 13 أغسطس 1926)، الرقم الذي يتشاءم منه البعض برؤى التنجيم ، فيما لا يبدو معه كذلك. ودخل العاصمة هافانا منتصرا في 8 يناير 1959 لينصب نفسه بعد 38 يوما في 16 فبراير رئيسا لما أسماه حكومة كوبا الثورية بعد استقالة الليبرالي جوز مايرو الذي وضع لبنة الحكم الثوري الأولى في أعقاب احتلال قوات كاسترو للعاصمة هافانا وهروب باتستا والرئيس المنتخب كارلوس ريفيرو يوم 31 ديسمبر 1958 الى جمهورية الدومنيكان.

وفوق ذلك فتجربة كاسترو مع الحكم تختلف عما عداها، إذا قلنا ان الجغرافيا قد وضعت الرجل بنظام حكمه الشيوعي على مرمى حجر من القوة العظمى الأولى أميركا في عالم ثنائي القطبية مع الاتحاد السوفياتي السابق، ثم القوة العظمى الأولى في عالم اليوم أحادي القطبية منذ سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1989، دعك عن رحيل جميع الزعامات التي عاصرها عن الوجود بدءا من الرئيس المصري جمال عبد الناصر والهندي جواهر لال نهرو (كاسترو التقاهما في نيويورك في زيارة غير رسمية لمدة 12 يوما قام بها لأميركا في 15 أبريل 1959 بعد انتصار ثورته بـ 105 أيام وأقام في فندق شديد التواضع بحي هارلم المعروف بنيويورك، ومن هناك طلب مقابلة الرئيس الأميركي أيزنهاور فاعتذر لانشغاله بممارسة رياضة الغولف وأحاله الى نائبه نيكسون، وهناك من يقول الآن ان ذلك الاستفزاز ربما أثر على الأقل في وتيرة عدائه لأميركا الممتد الى اليوم). ونهاية بالرؤساء أيزنهاور ونيكسون وجونسون وريغان من أميركا، وخروتشوف وبرجنيف، وتشرننكو وأندروبوف من الاتحاد السوفياتي، وماوتسي تونغ وشوان لاي ودينغ هيساو بينغ من الصين، دعك عن تيتو وشاوسسكو وديجول في المحيط الأوروبي، وقد عاصر كاسترو جميع هؤلاء، ومن عجب أن طبيبه وفي غضون أحاديث ممتدة بعيد عدد من الوعكات والإصابات البدنية التي تعرض لها الزعيم الكوبي خرج ليعلن أنه بصحة جيدة الآن وسيعيش الى سن الـ 140 عاما.

(كاسترو عاش أكثر من حالة إغماء وهو يخطب وهو صاحب أعلى رقم عالميا في طول خطاباته السياسية، ودحض أكثر من إشاعة حول إصابته بمرض عضال برغم تعرضه لنوبة قلبية، فيما كان قد سقط من احدى المنصات يوم 20 أكتوبر 2004 فتفتت ركبته الى ثماني قطع ليوالي علاجه الى أن أتى مؤخرا وهو يسير متكئا على كتف طالبة في احدى المناسبات القومية هذا العام وسط تصفيق الحاضرين).

بين حزمة التناقضات أن الزعيم الشيوعي ابن أسرة ثرية تمتهن الزراعة ومتدينة، فيما لم يمارس هو طقسا كنسيا منذ طفولته ولم يخف إلحاده، ولطالما اختلف مع أكثر من بابا بالفاتيكان على خلفية منعهم للكنيسة الكاثوليكية من تأييد الحكومات الشيوعية وموقفه الصريح من السماح بالإجهاض، فيما عاد وتصالح مع البابا جون بول السابق واستقبله زائرا عام 1998 وحضر قداس تأبينه ودخل الكنيسة في أبريل القادم ببدلة سوداء ليفاجئ الحضور بحديث كانت ضمن مفرداته أن القلوب لتحزن على فقد أبينا المقدس جون بول الثاني.

إنها 47 عاما عاصفة من الحكم، شغل فيها العالم يوم أوقف العالم على شفا حرب عالمية ثالثة عام 1962 فيما عرف بأزمة الصواريخ الكوبية التي استدرجت الأتحاد السوفياتي وأميركا الى حافة المواجهة الى أن نزع الرئيسان كينيدي وخروتشوف فتيل الأزمة في اللحظة الأخيرة فيما لم يستجب خروتشوف لطلب كاسترو كتابيا في 27 اكتوبر 1962، بتوجيه ضربة نووية لأميركا من قواعد كوبية على خلفية مقايضة من موسكو مع واشنطن ضمن صفقة تلتزم فيها واشنطن بعدم غزو كوبا وأن ترحل واشنطن صواريخها الموجهة ضد موسكو في تركيا وايطاليا.

وهي47 عاما عاصفة شغل فيها محيط أميركا الجنوبية منذ إرسائه لأول نظام شيوعي فيها، ليوالي بعده محاولات نجح بعضها وفشل البعض الآخر لتصدير الثورة، وهو الذي بدأ الإعداد لها من المكسيك وفي بعض المراحل من أميركا ذاتها، مثلما شغل أفريقيا التي دخلها بآلاف من جنوده دفاعا عن أنغولا ومساندة للثورة في الكونغو ومن بعد دعما لنظام منغستو هيلي ماريام الشيوعي في أثيوبيا.

سيرة متخمة بالكثير من الوقائع والتأويلات لرجل يصارع في العقوبات الأميركية منذ 1961، ومعها آثار حجب المساعدات التي كان يقدمها الاتحاد السوفياتي السابق على اقتصاده ( تتراوح بين 6 ـ 9 مليارات دولار في العام مع اقتصاد يبلغ ناتجه الإجمالي المحلي 34 مليار نسمة مع تعداد سكان يتخطى 11 مليون نسمة بقليل، ومع ذلك لم تزد نسبة البطالة فيه عن 2.5 في المائة .

كاسترو مدمن الصراع دخل عامه الـ 79 وهو أعزب، فقد طلق شريكة حياته منذ زمن بعيد وهو في السجن الذي دخله محظوظا وناجيا من تصفية أكيدة، وفي محاكمته ترافع عن نفسه كخريج قانون، أقرب ما يكون الى إنسان بسبعة أرواح كما يقال.