زوربا
08-24-2005, 07:16 AM
كتب:خليل علي حيدر
انفصل التصوف عن التشيع بالجهد الذي بذله «شيخ الاسلام محمد باقر المجلسي» (1627 ـ 1679) إلا ان العديد من المدارس الفكرية العرفانية، التي مزجت الدين السائد بالتصوف والفلسفة، برزت في ايران منذ العهد الصفوي.
ويقول الباحث «محمد رضا وصفي» في كتابه «الفكر الاسلامي المعاصر في ايران»، ان من بين من اشتهروا صدر الدين الشيرازي وميرداماد والملا محسن فيضي الكاشاني، وعبدالرزاق اللاهيجي، ورجب علي التبريزي وعددا آخر من تلاميذهم.
ولم يكن وضع هؤلاء الفلاسفة مريحا كالفقهاء الذين توطدت علاقتهم بالسلطة السياسية، وكانوا اصحاب النفوذ الاجتماعي والسياسي وقد اضطر صدر الدين الشيرازي الى العيش عقدا من الزمن منعزلا في ضاحية صغيرة بالقرب من «قم» بسبب شدة عداء الفقهاء له، وموقفهم المنغلق تجاه كل ما يسمى حكمة وعرفانا.. ويضيف الباحث محمد وصفي:
«لقد وجدت الحكمة والعرفان الشيعي نفسيهما، مع نجاح التشيع الدنيوي الصفوي، في مواجهة نوع جديد من الابتلاء بعدما اجتاز التشيع، منتصرا، قرونا من الاضطهاد والتخفي، لتأتي الصفوية بتشدد تشريعي متزايد الاهتمام ومحصور بالمسائل العملية الشرعية والاجتهادية والزعامة من كلا الاتجاهين، الاخباري والاصولي، شديد الحذر ازاء كل ما هو فلسفة وحكمة الهية وعرفان. وهذا الحذر استمر داخل المؤسسة الدينية حتى العقد السابع من القرن العشرين ـ اي بدايات الثورة الايرانية ـ وتبعات ذلك الحذر ما زالت محسوسة حتى أيامنا» (ص40).
ويقول الباحث ان الامام الخميني يذكر في كتاب «علماء الحوزات العلمية» واحدة من معاناته التي تحملها من سن العشرين، ويقول: «في المدرسة الفيضية بقم. شرب ابني مصطفى ماء من ابريق فقام البعض وطهروا الابريق لكونه قد تنجس لانني كنت ادرس الفلسفة»! فانظر مدى التعصب ضد الفلسفة.
وقد حاول آية الله الخميني ان يشجع فيما بعد حتى القيادة السوفياتية على قراءة الفلسفة الاسلامية، فدعاها، كما يقول الباحث، الى قراءة «كتب الفارابي وابن سينا وحكمة المشائين وشهاب الدين السهروردي وحكمته الاشراقية وملا صدرا وحكمته المتعالية ومحيي الدين بن عربي وعرفانه» (ص271).
ومن قبل الخميني برز في مجال الفلسفة الاسلامية في ايران «العلامة الطباطبائي»، صاحب تفسير للقرآن في عشرين مجلدا، اضافه بالطبع إلى كتب فلسفية اخرى.
وقد تتلمذ على يد الطباطبائي اهم الشخصيات الفكرية الحديثة في ايران، رغم ان شخصيته لم تكن تنسجم مع العمل الثوري، وكان، كما يقول عنه وصفي، «اول فيلسوف ألف العيش خارج محيط الحكم في المؤسسة الدينية والسلطة، اذا كان يلجأ الى احد المتنزهات في ضاحية طهران ويقضي ساعات طويلة بحثا عن العرفان والفلسفة الاسلامية مع المستشرق الفرنسي هنري كوربان، وكان اول عالم دين في ايران حاول نقد الفلسفة المادية في كتابه «أصول الفلسفة والنظرة الواقعية» وكان العلامة الطباطبائي يؤمن «بأن الدين الالهي لا يختلف مع الفلسفة الالهية» وكان منهجه الفكري يشبه منهج الفيلسوف العرفاني الملا صدرا، المتوفى عام 1050هـ في العصر الصفوي، حيث كان يقول: «تبا لفلسفة تكون قوانينها غير مطابقة للكتاب والسنة». (وصفي، ص234).
وكان مرتضى مطهري، احد ابرز مفكري الثورة الايرانية، وقد اغتيل في بدايتها، يرى «ان احد أسباب ضعف الاسلام هو ضعف الاهتمام بالعلوم العقلية بين المسلمين، لذلك حاول الدفاع عن الحكمة والفلسفة الاسلامية واثبات استقلاليتهما. وعلى هذا الصعيد قام، وبعد مقدمات تمهيدية باثبات حقيقة ان القرآن الكريم، والسنة، شكلا المصدر الاساسي والاول في تدوين العلوم العقلية بحيث ان اعادة النظر في هذه المسألة تساعد على فكرة إحياء الاسلام في العصر الحديث» (ص200). ويمكن القول اختصارا ان المرحلة الصفوية قد سهلت لفترة ازدهار الفلسفة في بعض الاوساط الفقهية، قبل ان تنقض عليها المؤسسة الفقهية الرسمية وتهمشها، وكانت المدارس الفلسفية الرائجة آنذاك هي فلسفة ارسطو وافلاطون والافلاطونية الجديدة. ولما كانت ايران مسقط رأس بعض كبار الفلاسفة الاسلاميين مثل ابن سينا ونصير الدين الطوسي وغيرهما، كما كان التفكير الشيعي بطبيعته اكثر اعتمادا على علم الكلام وأقرب للتراث المعتزلي، المتأثر بدوره بالفلسفة اليونانية والمنطق، استطاعت الفلسفة ان تبقى في ايران رغم قمع الفقهاء لها فترة طويلة حتى العصرالحالي، حيث لاقت اهتماما واسعا خلال القرن العشرين عموما وبعد الثورة خصوصا.
ويؤكد مؤلف كتاب «قصص وخواطر من اخلاقيات علماء الدين»، عبدالعظيم البحراني، 1996، ان دراسة الفلسفة كانت ضمن الدراسات التي اقبل عليها المرجع الاكبر الحالي للشيعة، والمقيم بالعراق، السيد علي السيستاني في سنوات دراسته. وينقل المؤلف عن احد تلاميذ المرجع الشيعي البارز انه خرج ذات مرة مع استاذه «السيستاني» من محل الدرس في مدينة النجف الاشرف متجهين الى المنزل، فقال له السيستاني: «لما كنت في 18 من العمر أنهيت دراسة الفلسفة بفهم دقيق لمفاهيمها المعقدة حتى اصبت بعض الاحيان بشيء من العُجب والغرور، وكنت لذلك ايضا معجبا بالفلاسفة ومشدودا الى افكارهم، ومع هذا حضرت في حوزة مشهد المقدسة دروس آية الله العظمى الشيخ الحاج ميرزا مهدي الاصفهاني قُدس سره، وكان ناقدا للفلسفة وشديدا على الفلاسفة، ومازال صوته يدوي في أذني حيث كان يخطب فينا، وهو يهاجم انصار علم الفلسفة قائلا: هل انكم تريدون صنع مذهب في وجه مذهب اهل البيت عليهم السلام؟ من انتم وما شأنكم، ارتدعوا، عودوا الى رشدكم، دعوا هذه الفلسفة الممتزجة بالآراء الغريبة عن منهج الائمة الطاهرين. ولكني رغم ذلك لم اناقشه باساءة ادب، فاستنصر لفلاسفة كنت أؤيدهم، واستمر حضوري لدروسه حتى اقنعني تدريجيا باعادة النظر في التأييد المطلق لعلم الفلسفة وحبي المبالغ فيه للفلاسفة. فصرت محايدا في الامر لا مؤيدا ولا منددا، وهناك اكتشفت فائدة التواضع والادب وضرر العجب والغرور».
وقد روى السيد السيستاني هذا لتلميذه لان طالبا من المتحمسين لآراء آية الله الخوئي، حضر درس السيد السيستاني ذلك اليوم، واجرى معه نقاشا حاميا حول مسألة فقهية، فصدرت منه تجاه السيستاني اساءة أدب اثناء الرد والنقد، حيث كان الطالب يحاول الاستنصار لرأي المرجع الاعلى زعيم الحوزة العلمية آنذاك السيد الخوئي.
وينقل «البحراني» عن صهر السيد «السيستاني» ان مواقف الفقهاء في الحوزات الدينية الشيعية منقسمة تجاه الفلسفة المتداولة «حيث يرى البعض حرمة تعلمها ويرى البعض الآخر اكثر الضرر فيها هو اتلاف الوقت اذ لا حاجة اليها في استنباط الاحكام الشرعية، ويرى بعض ثالث اهمية تعلمها القصوى لانها تفتح ذهن المتعلم» ص 521 ـ .522
وهكذا، في نهاية هذين المقالين عن موقف السنة والشيعة من تدريس الفلسفة في المعاهد الدينية وقراءة كتبها على وجه العموم، يتبين لنا ان الجبهة المعادية للفلسفة لاتزال قوية جدا في كل العالم الاسلامي.
وقد وجدنا الامام الذهبي، يقول من جانبه، ان الفلسفة في شق، وما جاء به الرسل في شق، وان دواء هذه العلوم وعلمائها والقائمين بها ما هو «إلا التحريق والاعدام من الوجود». ورأينا العلامة المجلسي في ايران يقول بان الفلسفة والتصوف والعرفان طوارئ دخيلة على الفقه والفكر الاسلامي، ويقوم بطرد المتصوفة والعرفانيين المتأثرين بمدارس الاغريق الكفرة من ايران، ورأينا الفقيه عثمان ابن الصلاح يحرم الفلسفة والمنطق، كما ويمنع السلطان، كما الرقابة الدينية اليوم، مطالعة كتبها في زمن الايوبيين، وينادي في مدارس دمشق: من ذكر غير التفسير والحديث والفقه، او تعرض لكلام الفلاسفة، اي اشار اليه مجرد اشارة.. نفيته!
ولكن هل يمكن للفكر الديني ان يكون متجددا، عميقا، مؤثرا، دون استيعاب التراث الفلسفي للبشرية؟ هذا ما نأمل ان ينال اهتمام الكتّاب والباحثين!
انفصل التصوف عن التشيع بالجهد الذي بذله «شيخ الاسلام محمد باقر المجلسي» (1627 ـ 1679) إلا ان العديد من المدارس الفكرية العرفانية، التي مزجت الدين السائد بالتصوف والفلسفة، برزت في ايران منذ العهد الصفوي.
ويقول الباحث «محمد رضا وصفي» في كتابه «الفكر الاسلامي المعاصر في ايران»، ان من بين من اشتهروا صدر الدين الشيرازي وميرداماد والملا محسن فيضي الكاشاني، وعبدالرزاق اللاهيجي، ورجب علي التبريزي وعددا آخر من تلاميذهم.
ولم يكن وضع هؤلاء الفلاسفة مريحا كالفقهاء الذين توطدت علاقتهم بالسلطة السياسية، وكانوا اصحاب النفوذ الاجتماعي والسياسي وقد اضطر صدر الدين الشيرازي الى العيش عقدا من الزمن منعزلا في ضاحية صغيرة بالقرب من «قم» بسبب شدة عداء الفقهاء له، وموقفهم المنغلق تجاه كل ما يسمى حكمة وعرفانا.. ويضيف الباحث محمد وصفي:
«لقد وجدت الحكمة والعرفان الشيعي نفسيهما، مع نجاح التشيع الدنيوي الصفوي، في مواجهة نوع جديد من الابتلاء بعدما اجتاز التشيع، منتصرا، قرونا من الاضطهاد والتخفي، لتأتي الصفوية بتشدد تشريعي متزايد الاهتمام ومحصور بالمسائل العملية الشرعية والاجتهادية والزعامة من كلا الاتجاهين، الاخباري والاصولي، شديد الحذر ازاء كل ما هو فلسفة وحكمة الهية وعرفان. وهذا الحذر استمر داخل المؤسسة الدينية حتى العقد السابع من القرن العشرين ـ اي بدايات الثورة الايرانية ـ وتبعات ذلك الحذر ما زالت محسوسة حتى أيامنا» (ص40).
ويقول الباحث ان الامام الخميني يذكر في كتاب «علماء الحوزات العلمية» واحدة من معاناته التي تحملها من سن العشرين، ويقول: «في المدرسة الفيضية بقم. شرب ابني مصطفى ماء من ابريق فقام البعض وطهروا الابريق لكونه قد تنجس لانني كنت ادرس الفلسفة»! فانظر مدى التعصب ضد الفلسفة.
وقد حاول آية الله الخميني ان يشجع فيما بعد حتى القيادة السوفياتية على قراءة الفلسفة الاسلامية، فدعاها، كما يقول الباحث، الى قراءة «كتب الفارابي وابن سينا وحكمة المشائين وشهاب الدين السهروردي وحكمته الاشراقية وملا صدرا وحكمته المتعالية ومحيي الدين بن عربي وعرفانه» (ص271).
ومن قبل الخميني برز في مجال الفلسفة الاسلامية في ايران «العلامة الطباطبائي»، صاحب تفسير للقرآن في عشرين مجلدا، اضافه بالطبع إلى كتب فلسفية اخرى.
وقد تتلمذ على يد الطباطبائي اهم الشخصيات الفكرية الحديثة في ايران، رغم ان شخصيته لم تكن تنسجم مع العمل الثوري، وكان، كما يقول عنه وصفي، «اول فيلسوف ألف العيش خارج محيط الحكم في المؤسسة الدينية والسلطة، اذا كان يلجأ الى احد المتنزهات في ضاحية طهران ويقضي ساعات طويلة بحثا عن العرفان والفلسفة الاسلامية مع المستشرق الفرنسي هنري كوربان، وكان اول عالم دين في ايران حاول نقد الفلسفة المادية في كتابه «أصول الفلسفة والنظرة الواقعية» وكان العلامة الطباطبائي يؤمن «بأن الدين الالهي لا يختلف مع الفلسفة الالهية» وكان منهجه الفكري يشبه منهج الفيلسوف العرفاني الملا صدرا، المتوفى عام 1050هـ في العصر الصفوي، حيث كان يقول: «تبا لفلسفة تكون قوانينها غير مطابقة للكتاب والسنة». (وصفي، ص234).
وكان مرتضى مطهري، احد ابرز مفكري الثورة الايرانية، وقد اغتيل في بدايتها، يرى «ان احد أسباب ضعف الاسلام هو ضعف الاهتمام بالعلوم العقلية بين المسلمين، لذلك حاول الدفاع عن الحكمة والفلسفة الاسلامية واثبات استقلاليتهما. وعلى هذا الصعيد قام، وبعد مقدمات تمهيدية باثبات حقيقة ان القرآن الكريم، والسنة، شكلا المصدر الاساسي والاول في تدوين العلوم العقلية بحيث ان اعادة النظر في هذه المسألة تساعد على فكرة إحياء الاسلام في العصر الحديث» (ص200). ويمكن القول اختصارا ان المرحلة الصفوية قد سهلت لفترة ازدهار الفلسفة في بعض الاوساط الفقهية، قبل ان تنقض عليها المؤسسة الفقهية الرسمية وتهمشها، وكانت المدارس الفلسفية الرائجة آنذاك هي فلسفة ارسطو وافلاطون والافلاطونية الجديدة. ولما كانت ايران مسقط رأس بعض كبار الفلاسفة الاسلاميين مثل ابن سينا ونصير الدين الطوسي وغيرهما، كما كان التفكير الشيعي بطبيعته اكثر اعتمادا على علم الكلام وأقرب للتراث المعتزلي، المتأثر بدوره بالفلسفة اليونانية والمنطق، استطاعت الفلسفة ان تبقى في ايران رغم قمع الفقهاء لها فترة طويلة حتى العصرالحالي، حيث لاقت اهتماما واسعا خلال القرن العشرين عموما وبعد الثورة خصوصا.
ويؤكد مؤلف كتاب «قصص وخواطر من اخلاقيات علماء الدين»، عبدالعظيم البحراني، 1996، ان دراسة الفلسفة كانت ضمن الدراسات التي اقبل عليها المرجع الاكبر الحالي للشيعة، والمقيم بالعراق، السيد علي السيستاني في سنوات دراسته. وينقل المؤلف عن احد تلاميذ المرجع الشيعي البارز انه خرج ذات مرة مع استاذه «السيستاني» من محل الدرس في مدينة النجف الاشرف متجهين الى المنزل، فقال له السيستاني: «لما كنت في 18 من العمر أنهيت دراسة الفلسفة بفهم دقيق لمفاهيمها المعقدة حتى اصبت بعض الاحيان بشيء من العُجب والغرور، وكنت لذلك ايضا معجبا بالفلاسفة ومشدودا الى افكارهم، ومع هذا حضرت في حوزة مشهد المقدسة دروس آية الله العظمى الشيخ الحاج ميرزا مهدي الاصفهاني قُدس سره، وكان ناقدا للفلسفة وشديدا على الفلاسفة، ومازال صوته يدوي في أذني حيث كان يخطب فينا، وهو يهاجم انصار علم الفلسفة قائلا: هل انكم تريدون صنع مذهب في وجه مذهب اهل البيت عليهم السلام؟ من انتم وما شأنكم، ارتدعوا، عودوا الى رشدكم، دعوا هذه الفلسفة الممتزجة بالآراء الغريبة عن منهج الائمة الطاهرين. ولكني رغم ذلك لم اناقشه باساءة ادب، فاستنصر لفلاسفة كنت أؤيدهم، واستمر حضوري لدروسه حتى اقنعني تدريجيا باعادة النظر في التأييد المطلق لعلم الفلسفة وحبي المبالغ فيه للفلاسفة. فصرت محايدا في الامر لا مؤيدا ولا منددا، وهناك اكتشفت فائدة التواضع والادب وضرر العجب والغرور».
وقد روى السيد السيستاني هذا لتلميذه لان طالبا من المتحمسين لآراء آية الله الخوئي، حضر درس السيد السيستاني ذلك اليوم، واجرى معه نقاشا حاميا حول مسألة فقهية، فصدرت منه تجاه السيستاني اساءة أدب اثناء الرد والنقد، حيث كان الطالب يحاول الاستنصار لرأي المرجع الاعلى زعيم الحوزة العلمية آنذاك السيد الخوئي.
وينقل «البحراني» عن صهر السيد «السيستاني» ان مواقف الفقهاء في الحوزات الدينية الشيعية منقسمة تجاه الفلسفة المتداولة «حيث يرى البعض حرمة تعلمها ويرى البعض الآخر اكثر الضرر فيها هو اتلاف الوقت اذ لا حاجة اليها في استنباط الاحكام الشرعية، ويرى بعض ثالث اهمية تعلمها القصوى لانها تفتح ذهن المتعلم» ص 521 ـ .522
وهكذا، في نهاية هذين المقالين عن موقف السنة والشيعة من تدريس الفلسفة في المعاهد الدينية وقراءة كتبها على وجه العموم، يتبين لنا ان الجبهة المعادية للفلسفة لاتزال قوية جدا في كل العالم الاسلامي.
وقد وجدنا الامام الذهبي، يقول من جانبه، ان الفلسفة في شق، وما جاء به الرسل في شق، وان دواء هذه العلوم وعلمائها والقائمين بها ما هو «إلا التحريق والاعدام من الوجود». ورأينا العلامة المجلسي في ايران يقول بان الفلسفة والتصوف والعرفان طوارئ دخيلة على الفقه والفكر الاسلامي، ويقوم بطرد المتصوفة والعرفانيين المتأثرين بمدارس الاغريق الكفرة من ايران، ورأينا الفقيه عثمان ابن الصلاح يحرم الفلسفة والمنطق، كما ويمنع السلطان، كما الرقابة الدينية اليوم، مطالعة كتبها في زمن الايوبيين، وينادي في مدارس دمشق: من ذكر غير التفسير والحديث والفقه، او تعرض لكلام الفلاسفة، اي اشار اليه مجرد اشارة.. نفيته!
ولكن هل يمكن للفكر الديني ان يكون متجددا، عميقا، مؤثرا، دون استيعاب التراث الفلسفي للبشرية؟ هذا ما نأمل ان ينال اهتمام الكتّاب والباحثين!