المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مخاوف من ظاهرة "العراقيون العرب" واتساع مخاطرها إقليميا ودوليا



هاشم
08-24-2005, 12:13 AM
تساؤلات حول إمكانية تكرار حالة الأفغنة في العراق


تجددت مخاوف خبراء الإرهاب من نشأة ظاهرة جديدة في العراق يمتد تأثيرها إقليميا ودوليا مماثلة لظاهرة الأفغنة في عقدي الثمانينيات والتسعينيات، وذلك بعد الهجوم الصاروخي الذي وقع في الأسبوع الماضي على سفينتين حربيتين أمريكيتين في ميناء العقبة على البحر الأحمر، وقالت الأردن إن مجموعة إرهابية تتكون من ثلاثة أشخاص ترتبط بإحدى المنظمات الإرهابية قدمت من العراق لتنفيذ تلك الجريمة، وقام سوري يقيم في عمان بمساعدتهم.

وكان مسؤولون أمنيون أردنيون أعلنوا في وقت سابق اعتقال عشرات من العرب المشتبه بهم في إطار التحقيقات بشأن الهجوم الصاروخي على سفينتين حربيتين أمريكيتين في ميناء العقبة، مشيرين إلى أن من بين المعتقلين عراقيين ومصريين وأردنيين ومواطناً سورياً.

بعد ذلك أطلق لبيد عباوي وكيل وزارة الخارجية العراقية لشؤون التخطيط السياسي، مصطلح "العراقيون العرب" ووصفها بأنها ظاهرة أصبحت موجودة في العراق أسوة بظاهرة "الأفغان العرب"، وأن "هناك إرهابيين داخل العراق ينتقلون إلى دول الجوار لضرب أمنها واستقرارها"، وحذر من ذلك داعياً إلى التعاطي معه بمزيد من التضامن الأمني بين العراق ودول الجوار.

وحذر من أن أي تأخير في التعامل مع خطر الإرهاب في العراق، سيؤدي إلى عواقب وخيمة على كل دول المنطقة حتى البعيدة في حدودها عن العراق، وقال إن "هجمات العقبة الإرهابية جرس إنذار للجميع يجب أن نفهم أبعاده ونتعاطى معه بجدية وشمولية".

ليست هذه أول مرة يتم استعارة المصطلح الشهير "الأفغان العرب" ليطلق على بؤر عنف وحروب في مناطق جغرافية أخرى، فبعد حرب البوسنة والهرسك التي شارك فيها عدد كبير من المقاتلين الأجانب خصوصا العرب، أطلقت لفظة "البوسنيون العرب" وجرى التحذير منها على نطاق واسع، واعتبرت البوسنة كأفغانستان قاعدة تدريب عملي لمتشددين عرب سيعودون إلى بلادهم أو سينتقلون إلى مناطق أخرى ليهددوا استقرارها ويحاولوا فرض إيديولوجيتهم.

وكان هذا المصطلح في حينه مقبولا على أساس أنه امتداد لجيل الأفغان العرب الأول، فقد كانت الحرب البوسنية قريبة زمنيا من الحرب الأفغانية، وبالتالي كان معظم الجيل الأول قادرا على التحول إلى البوسنة للقتال هناك بعد انسحاب الروس من أفغانستان وشعورهم بأن دورهم قد انتهى وأنهم يجب أن ينتقلوا إلى أماكن أخرى يستمرون من خلالها في قتال "العدو البعيد" وفقا لإيديولوجيتهم التي تكونت في أفغانستان، والتي تعدهم عمليا للمرحلة الأهم وهي قتال "العدو القريب" متمثلا في حكومات بلادهم، ومن ثم عولمة "الدولة الإسلامية" التي يحلمون بها.




الأفغان العرب يملكون نظرية فكرية جعلتهم ظاهرة لا تتكرر

ومع انتهاء مشكلة البوسنة، انطفأ سريعا مصطلح "البوسنيون العرب" ولم يستطيعوا البقاء هناك بسبب الرفض السياسي في البلقان لوجودهم، فانتقلوا إلى محطات أخرى ألصقتهم بنسبها الجغرافي، فمنهم من ذهب إلى ألبانيا فصاروا "الألبان العرب" وقد استخدم هذا المصطلح في المحاكمات القضائية المصرية للعائدين من ألبانيا في النصف الثاني من عقد التسعينيات. كما ذهب بعضهم إلى الشيشان فعرفوا بالشيشان العرب، ونفس الأمر ينطبق على من ذهب إلى داغستان "جمهورية مسلمة تتمتع بالحكم الذاتي ضمن روسيا الاتحادية".

كل هذه المجموعات تنتسب للجيلين الأول والثاني من الأفغان العرب، وبالتالي كانوا يعودون عندما تضيق بهم السبل إلى عنوانهم الرئيسي "أفغانستان" وكانت الظروف الدولية قبل 11 سبتمبر مناسبة لذلك.. فهناك قاعدة فكرة "عولمة الدولة الإسلامية" التي يحلمون بها، وهي الإيديولوجية التي تطورت لاحقا لتلحقهم بتنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن.

وبالتالي فان الأخطر في ظاهرة الأفغنة أنها ظاهرة أيديولوجية فكرية أكثر تمددا وانتشارا من فكرة المقاومة الوطنية، وتعتمد على عولمة فكرتها ونشرها في مناطق جغرافية واسعة من العالم، فهي ليست عسكرية وقتالية فقط شأن ما يجري في العراق حاليا، إضافة إلى أن الذين ذهبوا للقتال في العراق لا يمثلون امتدادا للجيلين الأول والثاني من المقاتلين العرب في أفغانستان، وإن كان يقود إحدى مجموعاتهم "أبومصعب الزرقاوي" الذي يمكن نسبته للجيل الثاني من الأفغان العرب.

ومن هنا لا يعتقد الدكتور كمال حبيب الخبير في الجماعات والحركات الإسلامية أنه يمكن نشأة ظاهرة جديدة باسم "العراقيون العرب" تعادل أو تكافئ ظاهرة الأفغان العرب التي هي حالة متكاملة لها أيديولوجيتها، ولهم خبرات كبيرة جدا تكونت في أفغانستان أثناء الحرب الأفغانية وما بعدها، وشاركوا بعد ذلك في مناطق ثغور أخرى كالشيشان وكشمير والبوسنة، ثم تحول قطاع كبير من هؤلاء الأفغان العرب ليكون جزءا رئيسيا في تنظيم القاعدة.

"لا أرى أن ما يسمى بالعراقيين العرب، يمكن لها أن تكون بمثابة أفغنة جديدة لمقاتلين من دول عربية ذهبوا إلى هناك لينضموا إلى المقاومة العراقية، وإذا كان البعض أطلق هذا المصطلح بسبب ما تردد أن الذين شاركوا في الهجوم بالصواريخ على السفينتين الأمريكيتين في العقبة بالأردن، بينهم عراقيون ومصريون وغيرهم، فانه يجب ألا يغيب عنا أن ذلك قاصر على الأردن فقط لوجود حدود مشتركة له مع العراق، وعليه فلا يمكن أن تمتد فكرة "العراقيون العرب" إذا سلمنا بها إلى أبعد من الأردن، لأن هناك بعدا استراتيجيا لهذه الفكرة ومن الصعب للغاية أن يمتد إلى أكثر من ذلك، بينما المذهب الأيديولوجي الذي يتبناه الأفغان العرب لديه القوة والقدرة لأن ينتشر في مناطق جغرافية بعيدة تغطي العالم كله".

ويضيف: "أما ظاهرة العراقيين العرب فأنا أرى أنها ظاهرة جغرافية أكثر منها فكرية، بمعنى أنها تعتمد على الحدود الجغرافية بين العراق والأردن، وعلى علاقات قرابة بين قبائل في الدولتين، ومن ثم ليست هناك شرعية يمكن إعطاؤها وإضفاؤها على هذا المصطلح الجديد بحيث يمكن أن يتحول إلى ظاهرة كتلك التي شكلها الأفغان العرب، والتي شغلت العالم كله من منتصف الثمانينيات تقريبا حتى اليوم. وقدر لها التكوين والكمال، في ظل أجيال كانت تعتبر رائدة في وقتها، مما أعطاها ثقلا يتيح لها الانتشار الواسع".

ويستطرد: "لذلك أنا أشك في أن ما صار البعض يطلق عليه العراقيين العرب يمكن أن يشكل حالة تمتد إلى دول عربية أخرى خارج منطقتها الجغرافية الحالية المتمثلة في العراق، فكما قلت هم لا يملكون نظرية أيديولوجية مثل تلك التي امتلكها الأفغان العرب، إنهم مجرد مقاتلين ذهبوا إلى هناك ليقاتلوا الاحتلال الأمريكي.. فإذا نظرنا لشخصية أبومصعب الزرقاوي على سبيل المثال نجد أنه يمثل الجيل الثاني من الأفغان العرب، أما الجيل الأول فآخره كان أسامة بن لادن من مواليد 1957 وأوله أيمن الظواهري من مواليد 1951.

والفرق بين الجيلين، جيل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وجيل الزرقاوي عشر سنوات وهي فترة زمنية طويلة، فإذا أضفنا إلى الزرقاوي الجيل الثالث الذي يقاتل معه حاليا، سنستنتج أن الفرق العمري كبير، بالإضافة إلى أن ذلك الجيل الثالث يغلب عليه الطابع الحركي، وهذا الطابع لا يملك قوة الامتداد على عكس الجانب الفكري والايديولوجي الذي يشكل الخطر كله".




نظرية العولمة لا تتوفر للحالة العراقية بعكس الأفغانية

ويرى بعض المحللين أن الشباب السعودي الذي يشكل حاليا نسبة كبيرة من المقاتلين العرب في العراق، لعب دورا كبيرا في حالة الأفغان العرب، وعليه فقد يكون ذلك مؤشرا على صحة مصطلح العراقيين العرب، لكن الدكتور حبيب يؤكد خطأ هذه الرؤية، لعدم توفر نظرية العولمة في الحالة العراقية، بينما كانت هي الغالبة على الحالة الأفغانية، ومثلت أيديولوجية للمجموعات الأولى التي ذهبت إلى أفغانستان بشكل لا يمكن تكراره مرة أخرى.. بحيث تجد فيها كل أطياف الاتجاهات الإسلامية الموجودة في العالم كله، ولا نستثني من هذا حتى المسلمين الموجودين في الغرب.

"في الحالة العراقية.. نعم يوجد شباب سعودي وبعض السوريين والمصريين وغيرهم من دول عربية أخرى، لكن ليس بذات الزخم في أفغانستان، ولا يتمتعون بنفس الحضور الأيديولوجي.. فسياق السعودي الذاهب للعراق مرتبط بالجانب الوطني، حتى لو كان في هذا السياق جانب إسلامي، فهو يعتبر العراق قاعدة متقدمة للدفاع عن بلاده، إنه محصور في هذه الجغرافيا ولا يمكن أن ينتقل منها إلى أماكن أخرى..

اذن وجود قطاع كبير من السعوديين مع المقاومة العراقية يتم في إطار محلي، وإذا شئنا التوسعة يمكن أن يكون إقليميا، لكن فكرة العولمة ليس حاضرة بقوة ضمن أيديولوجية الذين يقاتلون في العراق".

ويواصل كمال حبيب قائلا: "يبقى أن الظاهرة الأفغانية قدر لها أن تعيش وتتمدد في نطاق دولي وإقليمي في فترة كانت توصف بأنها فترة "إحياء إسلامي".. لقد تكاملت بهذا النحو وكانت تتعاطى مع ثغور أخرى، بالإضافة إلى أن الظروف الدولية حينئذ كانت تسمح بذلك، أما تمدد حالة العراق فالظروف الحالية لا تسمح به إطلاقا، وأكرر أنها حالة إقليمية للدفاع عن الأوضاع الاستراتيجية في المنطقة، ولن تزيد على ذلك لأن أي امتداد أكبر ليس ضمن أيديولوجية المقاومين في العراق، بينما استراتيجية الأفغان العرب كانت تهدف إلى إعادة بناء العالم كله وفق رؤية هذه المجموعة الجهادية".




تكرار ظاهرة الأفغان العرب وارد تماما في العراق

أما الصحفي السعودي فارس بن حزام وهو صحفي مختص في شئون تنظيم القاعدة فيعترض على المصطلح ذاته بقوله: إن الأفغان غير عرب فلما جاءهم مقاتلون عرب أطلق عليهم ذلك المصطلح المعروف "الأفغان العرب".. بينما العراق دولة عربية ومن غير المستساغ أن نعرف من ذهب للقتال هناك بأنهم عراقيون عرب.

أما عن إمكانية تكرار الحالة الأفغانية بالنسبة للعراق فيؤكد أن ذلك وارد مائة بالمائة، فالعراق يحتمل من الكوارث ما لا يمكن تداركه فيما بعد لتشابه الظروف إلى حد اليقين، فعلى سبيل المثال هناك سعوديون ذهبوا بدافع "الجهاد"، بعضهم انضم إلى المجموعة العراقية "الخالصة" المقاتلة، وبعض آخر التحق بـ"تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين".

هذا البعض الآخر، يلتقي مع "تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" فكرياً وتنظيمياً، متفرعاً من التنظيم الأم في أفغانستان، علماً أن معظم العناصر المتجهة إلى العراق، ليست مخيرة بين الالتحاق بمجموعة "القاعدة" أو مجموعة "عبد الله الجنابي" العراقية الخالصة.

لكنهم بصورة عامة قد لا يرون مشروعية نشاط تنظيم "القاعدة" في السعودية، ولكن حال التحاقهم بمجموعة "القاعدة" هناك، فإن إعادة إنتاجها فكرياً تجاه ما يحدث في السعودية أمر محتمل التحقق، وبنسبة تتخذ من القراءة الهادئة للمشهد الشبيه بما سبق مبرراً لكبرها، إذ تصل هذه النسبة إلى مرحلة الحذر الشديد من تناميها، وهذه العملية الفكرية التتابعية لتوارث ذات المنهج، لا ريب أنها ستمنح هذه العناصر رؤيتها المشرعة لجواز ما حدث في السعودية من نشاط للتنظيم أو ما سيحدث في خططها المستقبلية وفق منهجها المعلن، أمّا "مجموعة الجنابي" فهي مستبعدة عن حقل بلورة الفكر "القاعدي"، لأنها مجموعة تتبنى - حسب ادعائها - قضية وطنية بحتة.

هذه إذن هي رؤية فارس بن حزام وهو متابع جيد لشئون تنظيم القاعدة في تلك المنطقة الجغرافية التي تبدأ من العراق وتتوسع إقليميا عبر الدول الخليجية المجاورة لها، هي رؤية تفرق بين من يقاتل لأسباب وطنية خالصة، وبين من يقاتل مدعوما بأيديولوجية لا تنفصم عن أيديولوجية الأفغان العرب، وبالتالي فان الأيديولوجية موجودة، وتمتلك نفس فكرة عولمتها وتوسيعها جغرافيا.

هنا نعود إلى بن حزام الذي يضيف "هناك دلائل تشير إلى أن السعوديين في العراق قد يعودون لدعم بقايا عناصر التنظيم الذين يهيمون الآن في الشتات، سعياً لإحيائه بعد أن تفكك وتهاوى، وعودة هؤلاء حتمية التحقق نتيجة للتضييق الذي صار يخنقهم يوماً بعد يوم، وكذلك التقهقر الحاصل لهم في العراق، فمن لم يتهيأ له الموت حتماً سيعود، والعائدون ليسوا بالضرورة أن يكونوا أحياء، قد يعود الأموات أيضاً، فليس ملزماً ـ بالنسبة لي ـ الأخذ بتلك الأخبار التي تنقل مقتل سعوديين على أن جميعها صحيح، فقد يكون بينها ما هو مدسوس، إسوة بما حصل في الشيشان، حيث سبق أن تبلغت أسرتا عنصرين من قائمة الـ19 مطلوباً بنبأ وفاتهما في الشيشان، وهما خالد الجهني وحمد الشمري، ثم اتضح فيما بعد أنهما ضمن انتحاريي 12 مايو/أيار 2004 في الرياض.

وعلاوة على العناصر الفارة من هناك، فإن العناصر التي أعلن أنها قتلت من بين الذاهبين إلى العراق، يظلون هم الأكثر خطورة، إذ يحتمل وجودهم على قيد الحياة ومن ثم يتم في صمت إعادة تأهيلهم ليتسللوا إلى السعودية مشكلين خلايا جديدة، وهذه الخطورة قائمة، لأنهم بعيدون عن أعين الأمن، بما أن ذويهم سجلوا وفاتهم، وبالتالي تتولى هذه الخلايا المجهزة عملية إعادة بناء التنظيم المنهار".