المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل يسير السيستاني على خطى الخميني؟



yasmeen
08-22-2005, 07:34 AM
د. خالد يونس خالد


الكل يفهم بجلاء أن الديمقراطية تعني أن السلطة للشعب، وأن الشعب مصدر السلطات، وأنه المرجع الأعلى في الحكم، وله الحق في حل البرلمان من خلال سحب الثقة عنه، وأن مجلس الوزراء مسؤول أمام البرلمان، وأن الدولة المدنية الدستورية يحكمها الدستور الدائم الذي أقره الشعب عبر الاستفتاء، وأن الدستور يضمن الحريات العامة والحريات الفردية وحقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، كما يضمن حقوق القوميات كافة.

ولكن مجرد تحليل بسيط للأحداث العراقية يقود المرء إلى قناعة أن السلطة الحاكمة اليوم في العراق لآية الله العظمى علي السيستناني، وهو إيراني، يجلس في صومعته كما كان يفعل آية الله العظمى الخميني. فالسيد السيستاني يمثل الإمام الثاني عشر محمد المهدي طبقا لنظرية (ولاية الفقيه) التي أبدعها آية الله الخميني. وأن إمتثال الشيعة لأوامره واجبة، بل فرض، وأن عصيان أوامره تكفير وذنب لا يُغتفر. فالإشكالية في العراق اليوم هي أن أجنبيا إيرانيا يحكم العراق من صومعته، كما كان آية الله الخميني يحكم إيران. لكن المعضلة أكبر حين تكون السلطة بيد رجل دين غير عراقي، ولا يفهم من تاريخ العراق السياسي أبجدياته، وأنه ينطلق من النصوص، ببناء عراقي على أساس ديني مذهبي تكون الشريعة الإسلامية (بالصيغة المعَرفة، الألف واللام) المصدر الأساس للتشريع. وأن آية الله الذي يعتبر نفسه الأب الروي للعراقيين، وكأن العراقيين لا يملكون عراقيا يصبح أبا روحيا لهم، يصدر فتاواه في الدستور والانتخابات وتحديد مرشحي رؤساء الوزراء والوزراء.

فأين هي الديمقراطية؟

هل ناضل العراقيون طوال هذه السنين، لأنهم كانوا يحتاجون لأب روحي أجنبي؟
ينبغي للعراقيين أن يحترموا آية الله السيستاني باعتباره المرجع الشيعي الأعلى، وأنا شخصيا أحترمه وأقدره أن يكون مرجعا أعلى للشيعة، مثلما أحترم كل المذاهب الإسلامية والأديان الأخرى. ولكنني كعراقي واثق كل الوثوق، وعن قناعة، أن احترام هذا المرجع الديني يزداد أكثر فأكثر لو ابتعد عن السياسة، ولا يدَّنس الدين بالسياسة. فالسياسة صراع على السلطة الدنيوية، أما الدين فيستمد قوته من قوانين إلهية يجب أن لا تنزل إلى مستوى العمل البشري. والعراق فسيفساء خاص من عدة قوميات وأديان، لذلك لا يمكن لرجل دين ينتمي لمذهب ديني معين أن يحكم العراق.

ما يخشاه العراقيون أن تتحول التجربة الديمقراطية العراقية إلى نفس مستنقع التجربة الديمقراطية الإيرانية. وما يخاف منه العراقيون أن ممارسات آية الله السيستاني صورة طبق الأصل لممارسات آية الله الخميني في التدخل في السياسة خطوة خطوة بشكل يتعود العراقيون بهذا التدخل. وما يحلله المرء من أن الانتخابات العراقية والممارسات السياسية تحت مظلة الديمقراطية صورة مطابقة أخرى لما كانت تجري في إيران آية الله الخميني. فلا يتحرك السياسيون الشيعة إلا بعد مباركة آية الله السيستاني. ولا يمكن لأي شيعي أن يفوز بالانتخابات إلاّ بتوصية من الأب الروحي.

ففي الانتخابات العراقية الأخيرة التي جرت في 30 يناير/ كانون الثاني من العام الجاري كان العراقي الشيعي يقول إنه يصوت للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. وكانت المرأة الشيعية تقول إنها يجب أن تصوت للإمام وإلاّ فإن عقد قرانها بزوجها يصبح باطلا. هكذا تعلموا في التكيات السياسية المذهبية حين يصبح الإمام قائدا سياسيا وعسكريا ومرجعا دينيا عليا لا عصيان لأوامره. فهل يمكن بناء الديمقراطية المنشودة في العراق؟

الإتفاقات والبيانات التي وقعت عليها قادة الأحزاب الشيعية في المعارضة، ليس لها أي أساس قانوني، ولا تنفذ في المحك العملي، إذا لم يباركها آية الله السيستاني. والتراجع عنها، والإلتفاف حولها هي على شكل خطوات لا تختلف حتى في جزئياتها مما كانت تجري في إيران الخميني، وهذا هو ما يدعوه مبدأ "التقية" بالقول بشيْ ليحمي المرء حياته، ويعمل بشيْ آخر.

المراحل التي نُفذت في العراق طبقا للتجربة الإيرانية
لقد نجح الأخوة الشيعة لحد اليوم في العراق بتحقيق ثلاث خطوات مشابهة للتجربة (الديمقراطية) الإيرانية.

الخطوة الأولى: التعاون مع المعارضة العراقية والتوقيع على البيانات والإتفاقات، ابتداء من ميثاق دمشق للعمل الوطني المشترك في 27 ديسمبر 1990، ومرورا بمؤتمر المعارضة العراقية في لندن بين 14-15 ديسمبر 2002 وانتهاءا باجتماع لجنة التنسيق والمتابعة للمعارضة العراقية في صلاح الدين بين 26/ 2- 1/3 2003 (راجع الإتفات الموقعة في القسم الخامس من هذه الدراسة). وهذا ما حصل فعلا في إيران قبل سقوط نظام الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي.

الخطوة الثانية: التعاون مع الولايات المتحدة الامريكية بالإطاحة بنظام صدام حسين الدكتاتوري الدموي. وهذا ما حصل في إيران كما سبق وأن أوضحنا من خلال عرضنا لتجربة ثورة الشعوب الإيرانية.

الخطوة الثالثة: وصول الشيعة إلى الحكم بالتعاون مع القوى العراقية الأخرى ومنهم الكرد بجعل سيادة مام جلال رئيسا للجمهورية، والكردي هوشيار زيباري وزيرا للخارجية، ومن ثم انضمام الكرد والعرب السنة لاحقا إلى المعادلة السياسية العراقية. وهذا ما حدث في إيران ايضا، بانتخاب بني صدر الليبرالي رئيسا للجمهورية الإيرانية، وقطب زادة وزيرا للخارجية، والسماح للراديكاليين بالمشاركة في السلطة.

المراحل التي تنتظر تنفيذها في العراق طبقا للتجربة الإيرانية
المرحلة الرابعة: دستور عراقي "يكون الإسلام مصدرا أساسيا في التشريع وألاّ يسن قانون يتعارض مع الإسلام والشريعة الإسلامية" طبقا لتمنيات آية الله السيستاني التي نقلها رئيس الوزراء العراقي إبراهيم الجعفري بعد زيارته لآية الله السيستاني في منزله في النجف يوم الجمعة 5/8 من العام الجاري. (راجع صحيفة القدس العربي، العدد 5038 في 6/7 أغسطس 2005 ، ص1) . فإذا ما حللنا هذا التصريح نجد أن العراق سيصبح دولة دينية. أعتقد أن العراقيين يوافقون أن يكون الإسلام مصدرا من مصادر التشريع، بصيغة (غير المعرف) أي بدون ألف لام. أما القول بعدم سن قانون يتعارض مع الشريعة الإسلامية، يعني أن الشريعة الإسلامية سيكون المصدر الوحيد في التشريع. العبارة التي صاغها الجعفري بلسان آية الله السيستاني فيها كثير من المناورة والخداع، ويمكن تفسيرها على أساس أن العراق دولة دينية يحكمها الشريعة الإسلامية. وكما هو معلوم أن الشريعة الإسلامية للمذاهب الإسلامية لا تمثل دائما القرآن والسنة. وهناك فرق بين الإسلام المتمثل بالقرآن والسنة، وبين الشريعة التي أوجدها الفقهاء، ولا سيما الفقهاء المضلين الذين تسيسوا الدين، وتفننوا في فن التكفير لتحقيق أغراض سياسية أو شخصية. ففي هذه المرحلة يتم إفراغ الديمقراطية من محتواها، وتصبح المرأة مخلوقة تفقد حقها في المساواة بالرجل.

المرحلة الخامسة: حول الانتخابات القادمة "رجح رئيس الوزراء العراقي إبراهيم الجعفري تبني الدوائر الانتخابية المتعددة بدلا من جعل العراق دائرة انتخابية واحدة كما حصل في الانتخابات العامة التي جرت في 30 كانون الثاني (يناير) الماضي". (راجع صحيفة القدس العربي، العدد 5038 في 6/7 أغسطس 2005 ، ص1). ونقل عن آية الله السيستاني قوله أن "هناك الكثير من الإيجابيات في هذا النظام". وطبيعي هذه الخطوة تحرم التنظيمات السياسية العراقية الضعيفة من المساهمة في السلطة في المدن العراقية. بينما تحتكر التنظيمات الكبيرة السلطة، ولا سيما التنظيمات التي تأتمر بأوامر المراجع الدينية من شيعية وسنية، فيصل العراق إلى ما يشبه الباب المسدود للديمقراطية، وتتحول الديمقراطية العراقية، إلى ديمقراطية "إجراءلت" تفقد دورها في الحياة الديمقراطية، وتقتل الديمقراطية، بحيث لا تبقى منها إلا الانتخابات والأغلبية والأقلية كما هو الحال في إيران اليوم.

المرحلة السادسة: تصفية القوى المعارضة كما حدثت في التجربة الإيرانية، فتبقى المنافسة بين أقطاب التوجه الأحادي الجانب، أما التوجهات الأخرى فلها حق التصويت، دون حق الترشيح كما هو في إيران اليوم، حيث يتم تشكيل لجنة دستورية توافق على المرشحين. فيرجع العراق إلى سابقة عهده، ولكن هذه المرة بسلاح الديمقراطية كما هو الحال في إيران.

المرحلة السابعة: تحويل نضالات الشعب العراقي ودور الولايات المتحدة إلى ثورة إسلامية، مثلما تم تحويل ثورة الشعوب الإيرانية بمساندة أمريكية إلى ثورة إسلامية. فقائد الثورة في حالة العراق يكون آية الله علي السيستاني. أما دور الولايات المتحدة فيضمحل. وقد قال السيد الحكيم مؤخرا أن أمريكا لم تساهم في إسقاط صدام بل هم أسقطوه، وهذا التصريح ديماجوجي محض. وتعلو الأصوات اليوم بضرورة انسحاب القوات الأمريكية من العراق. ولا ينسى الكرد تصريحات السيد مقتدى الصدر من أنه سيحول أقليم كردستان إلى بركة من الدماء بعد انسحاب القوات الامريكية.

السؤال الملح في هذه المرحلة هو، هل تنسحب القوات الأمريكية من العراق؟
والسؤال الأهم، هل حرر الأمريكيون العراق من دكتاتورية صدام حسين ليسلمها لجهة سياسية ودينية معينة، ولماذا؟

والسؤال الأكبر هو، هل أن الشعب الكردي ينتظر طول هذه المدة، يتفرج الأضواء والأحداث دون أن يتحرك، ويعلن الاستقلال، أو يطالب بضمانات دولية قبل أن تنفجر الوضع؟
المرحلة الثامنة: في حالة انسحاب القوات الأمريكية، وتخلي المجتمع الدولي عن الكرد، تبدأ هذه المرحلة، وهي تصفية القضية الكردية، وجعل الكرد بين خيارين، إما الإسلام أو الحكم الذاتي في صيغة (الفدرالية) . فإذا اختاروا الفدرالية (الحكم الذاتي مثلا) يعني أنهم ضد الإسلام. وإذا اختاروا الاسلام، فالإسلام لا يفرق بين المسلمين، وكلهم أخوة. والحكم لمن يفتى له المرجع الديني الأعلى.

المرحلة التاسعة: سلسلة الإغتيالات والتصفيات الجسدية والفكرية كما حدث في التجربة الإيرانية. وتوجد منذ اليوم ميليشيات عسكرية (قوات بدر) عائدة للمجلس الإسلامي الأعلى الذي يتزعمه السيد عبد العزيز الحكيم. كما توجد ميليشيات السيد مقتدى الصدر المجمدة شكليا طبقا لقرار من المرجع الديني الأعلى. وهناك بضعة آلاف من عناصر المخابرات الإيرانية التي إتخذت وزارة الداخلية العراقية اليوم مركزا لها.

المرحلة العاشرة: جعل العراق بعد استراتيجي لإيران، للسيطرة على المنطقة. وبذلك يبدأ نوع جديد من الصراع الأقليمي الدولي.

وأخيرا، أقول منذ اليوم يستلم عدد كبير من الكتاب العراقيين تهديدات بتكفيرهم أو تصفيتهم إذا ما استمروا في نشر كتاباتهم في الديمقراطية والفدرالية والتعددية والعلمانية. ومنذ اليوم تصدر الفتاوى من أن الديمقراطية لا توجد في القرآن الكريم، وأن الدعوة بفصل السياسة عن الدين كفر مباح. وأنا شخصيا لا أفهم كيف يفكر هؤلاء المتأسلمون السياسيون، أو السياسيون الإسلامويون في إيجاد دين إسلامي جديد، يجعل من الإسلام الحنيف النقي غريبا، بل ومنبوذا في أعين المجتمع الدولي، بتسممه بالإرهاب والتكفير والفتاوى العنترية الباطلة، والإسلام الحنيف بريْ من كل ذلك، والله لا يهدي مَن أضل السبيل. ((لله المشرق والمغرب يهدي مَن يشاء إلى صراط مستقيم)). صدق الله العظيم.

تطبيق التجربة الإيرانية في العراق ناقوس خطر لتقسيم العراق إلى دويلات
من خلال ما تقدم يمكن للقارئ أن يحكم أن تطبيق التجربة الإيرانية في العراق ناقوس خطر يؤدي إلى حرب أهلية لا تنتهي إلاّ بتقسيم العراق. وأعتقد أن فشل السياسة الأمريكية في العراق، وعدم نجاح تجربة الديمقراطية العراقية، يعني فشل مشروع الشرق الأوسط الكبير، والحل سيكون تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات. وما أستطيع أن أفهمه، أن بعض الدول العربية ستساهم في هذا التقسيم، لأن الخطوات التي ذكرتها أعلاه، إذا نجحت، طبقا للمعادلة الإيرانية، ستهدد الأمن القومي العربي والتركي والإسرائيلي على السواء. وأن تأسيس دولة كردستانية سيكون عامل إستقرار في الشرق الأوسط. وأن المجتمع الدولي سيفرض على الشعب الكردي مثل هذه الدولة لتشكيل محور أقليمي جديد تكون إسرائيل طرفا فيه.

أما إذا قاوم الشعب العراقي وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي خطة إيران بجعل العراق بعدا استراتيجيا لها، ونجاح العراقيين في بناء عراق ديمقراطي تعددي فدرالي موحد، فإنه يصبح نقطة إنطلاقة للديمقراطية في الشرق الأوسط، وهذا ما يلاقي معارضة من بعض دول المنطقة ولا سيما إيران وبعض الدول العربية ذات الأنظمة الشمولية. وهنا نصل إلى إستراتيجية مشروع الشرق الأوسط الكبير.

كاتب المقال باحث أكاديمي وكاتب صحفي مستقل
khalid_k2009@yahoo.se