مراقب
07-10-2003, 03:31 AM
الأسلحة الإسرائيلية: سجل الإبادة المسكوت عنه / فهمي هويدي
حين تنكشف أمام الرأي العام الغربي في الظروف الراهنة حقائق أسلحة الدمار الشامل التي تكدّسها إسرائيل، فإننا في لحظة كهذه ينبغي ألا نكتفي بموقف المتفرّجين او المراقبين. ببساطة لأن هذه الأسلحة موجّهة ضدنا، ونحن ضحاياها المرشحون. من ثمّ فنحن بإزاء فرصة لا تضيع ولا تعوّض، تتيح لنا أن نسلّط الضوء على فصل الإبادة في السجل الإسرائيلي الوحشي، الذي يحفل بجرائم ضد الإنسانية مدفونة ومسكوت عليها منذ نصف قرن.
أهمية الظرف الراهن ليست خافية على أحد. فالفيلم والوثائقي المثير الذي بثه التلفزيون البريطاني (بي. بي. سي) على شبكته العالمية، حول <<سلاح إسرائيل السري>>، وضع الرأي العام الغربي امام أزمة ضمير، من حيث انه أعلن على الملأ حقيقة اسلحة الدمار الشامل التي تخفيها اسرائيل عن الأعين، وتنام فوقها مطمئنة ومرتاحة البال. في حين ان بلدا آخر هو العراق تعرّض للتدمير والاحتلال بحجة الشك في حيازته لبعض تلك الاسلحة، في ادعاء ثبت كذبه حتى الآن.
اهتزت اسرائيل لانكشاف المستور، فاحتجت على بث الفيلم الوثائقي الذي فضح أمرها. ولجأت الى شن حملة اعلامية ضد ال <<بي. بي. سي>>، حيث ادعت ان الفيلم الوثائقي جزء من <<التغطية المنهجية المعادية لها والمنحازة للفلسطينيين>>، كما ذكر داني سليمان مدير الصحافة في الحكومة الاسرائيلية، الذي قال ان الفيلم <<يظهر اسرائيل كدولة جديرة بالانخراط في دول محور الشر>>. وهاجم المحطة قائلا ان <<نهجها مسكون بالعداء للسامية>>، وان ذلك النهج يشكل خطرا على وجود اسرائيل بسبب ما تبثه من تشويه، يوفر ذرائع للتنظيمات <<الإرهابية>> لمهاجمتها (!) (<<هآرتس 1/7).
ذهبت اسرائيل في الانفعال والغضب الى ما هو أبعد، فأعلنت عن مقاطعة ال <<بي. بي. سي>>. وأصبحت بذلك الدولة الثانية بعد زيمبابوي التي لجأت الى مثل هذه الخطوة غير المألوفة. وليس مصادفة ان أعلنت اسرائيل وسط هذه الاجواء في بيان رسمي صدر عن وزارة الخارجية عن إيفاد 11 مندوباً الى العديد من دول العالم، في إطار حملة دعائية واسعة النطاق هدفها <<تحسين صورة إسرائيل>>. التي أصابها التشوّه وكان لافتاً للنظر ان من بين تلك الدول التي سيزورها المبعوثون الاسرائيليون خمس دول عربية هي: قطر وعمان والبحرين والمغرب وموريتانيا.
هذه العصبية لها تفسير واحد، هو أنهم في تل أبيب يدركون جيداً ان فتح ملف أسلحة الدمار الشامل من شأنه أن يفجّر العديد من القضايا الشائكة، التي حرصت اسرائيل على تجنّب الخوض فيها، مع إخفاء معالمها وطمس آثارها. وهي التي ظلت لعدة سنوات تتملص وتكذب، مدعية ان ما في منطقة <<ديمونة>> ليس سوى مصنع للنسيج. وهي المعلومة التي اوردها الفيلم الوثائقي، الذي بدأ بعرض قصة المواطن اليهودي مردخاي فعنونو الذي كان اول من أفشى سر القدرات النووية الاسرائيلية. فقد كان الرجل احد العاملين في المفاعل، وفوجئ بما شاهده، وفي لحظة صحوة ضمير نجح في تصويره من الداخل، حتى أصبح الوحيد الذي يملك دليلا يثبت تصنيع اسرائيل للقنابل الذرية. وكان الشاب ذو الأصول المغربية الذي درس الفلسفة قد قرر تغيير مجرى حياته كلها فترك العمل في المفاعل وهاجر الى استراليا وتحوّل الى المسيحية. وقد سمع بأمره احد محرري صحيفة <<صنداي تايمز>> البريطانية، بيتر هونام، الذي التقاه ودعاه الى لندن لكي يبوح بما عنده، ويكشف حقيقة القدرات النووية التي تكتمها اسرائيل. وهو ما حدث حيث قال فعنونو ان اسرائيل قامت بتطوير ما بين 100 و200 قنبلة نووية (كان ذلك قبل 16 عاما) وأنها تقوم بتطوير قنبلة النيترون وأسلحة نووية كافية لتدمير منطقة الشرق الاوسط بكاملها. وكان تسريب تلك المعلومات (في العام 1986) سبباً في قيام المخابرات الاسرائيلية بنصب كمين له، واستدراجه الى روما، ثم اختطافه الى اسرائيل وصدور حكم بسجنه مدة 18 عاما.
من المعلومات المهمة التي ذكرت في سياق الفيلم الوثائقي التي ذكرها خبراء الانتشار النووي ان اسرائيل تمتلك سادس اكبر ترسانة نووية في العالم، من بينها اسلحة نووية تكتيكية صغيرة، والغام نووية. علاوة على صواريخ نووية متوسطة المدى، يمكن إطلاقها من البر والبحر والجو. وقد تمّ تصنيع البلوتونيوم الخاص بهذه الاسلحة في ديمونة. كما يتم تجميع الاسلحة النووية في <<عوديفات>>، ويجري تخزينها في زاكاريا ولابون، فيما ترسو ثلاث سفن نووية في حيفا. أما المعامل الاسرائيلية الخاصة بإنتاج الاسلحة البيولوجية والكيميائية فهي قابعة في <<نيستيونا>>.
البرنامج النووي الاسرائيلي عمره اربعون عاما، وبدايات تصنيع القنبلة الذرية الاسرائيلية ترجع الى العام 1962م. وهي المعلومة التي جاءت على لسان نفر من الأحياء الذين عملوا في المفاعل آنذاك (اكثر من مئة منهم أُصيبوا بالسرطان من جراء التعامل مع المواد المشعّة).
وكان شمعون بيريز رئيس حزب العمل الحالي هو <<الشاب>> الذي عقد مع الفرنسيين صفقة شراء المفاعل. وحين تسربت المعلومات الى واشنطن (أثناء حكم جون كيندي)، فانه استدعى رئيس الوزراء الاسرائيلي (دافيد بن غوريون) وحذره من حدوث سباق للتسلح في الشرق الاوسط، وطالب بإخضاع المفاعل للتفتيش. لكن الرجل احتال على المفتشين وخدعهم حين زاروا مقر المفاعل. إذ تم اصطحابهم الى غرفة تحكّم مزيفة في الطابق الارضي من المبنى، في حين حجب عنهم ان ثمة ستة طوابق اخرى تحته، تصنّع فيها مادة البلوتونيوم. وحسب المعلومات التي وردت في الفيلم، فإنه بعد وفاة الرئيس كيندي خفّ الضغط على اسرائيل في هذا الصدد، الى ان تمكنت غولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل، من عقد اتفاق مع الرئيس نيكسون في العام 69 لا يزال معمولاً به حتى الآن، يقضي انه بوسع اسرائيل ان تمضي قدما في برنامجها النووي كيفما شاءت، طالما بقي الأمر طي الكتمان، وهو ما سُمّي بسياسة <<الغموض النووي>>.
تضمّن الفيلم عرضاً لما تنتجه اسرائيل من اسلحة اخرى غير تقليدية، واستعاد قصة طائرة الشحن الاسرائيلية التي سقطت في امستردام في هولندا في العام 1992، ما أدى الى مصرع 43 شخصاً. وادعت اسرائيل في حينه انها كانت تحمل زهورا وعطورا. لكن الاعراض الغريبة التي ظهرت على بعض سكان المنطقة التي سقطت فيها الطائرة، دفعت البرلمان الهولندي الى إجراء تحقيق استمر ستة أعوام، اضطرت اسرائيل معه الى الاعتراف بأن طائرة <<الزهور والعطور>> كانت في الحقيقة تحمل مادة <<تي. ام. ان. بي>>، وهي مكوّن اساسي في تصنيع غاز الاعصاب السام <<سارين>>. وتبين ان الشحنة كانت لحساب المعهد الاسرائيلي للأبحاث البيولوجية في <<نيسيتونا>>، وهو أحد اكثر المواقع الدفاعية السرية في اسرائيل، الذي لا يخضع لأي عملية تفتيش خارجي، كما ان الحديث عن أنشطته ممنوع، وخاضع لرقابة عسكرية صارمة.
من المعلومات المهمة التي أوردها الفيلم ان وزارة الدفاع الاميركية وافقت للشبكة البريطانية على عقد لقاء مع مساعد وزير الدفاع دوغلاس فايث (يهودي ليكودي من الصقور)، لمناقشة الطموح النووي الاسرائيلي والاتهامات التي توجه الى الولايات المتحدة بأنها تكيل بمكيالين في التعامل مع ملف اسلحة الدمار الشامل. ولكن قبل موعد اللقاء بدقائق، تلقى مكتب ال <<بي. بي. سي>> في واشنطن رسالة بالبريد الالكتروني ألغت اللقاء، وقالت ان السيد فايث لا يرغب في الاجابة على الاسئلة المقدمة إليه بصدد موضوعات المناقشة، ويطلب إعداد اسئلة جديدة، متعلقة بالمسألة العراقية فقط!
في الفيلم توجّهت مندوبة الشبكة بسؤال الى شمعون بيريز عن قيام الولايات المتحدة بشن حرب على العراق بسبب الاسلحة المحظورة، وتجاهل اسرائيل، فردّ بيريز قائلا: كيف تقارنون اسرائيل بالعراق الذي هو عبارة عن مافيا وليس دولة؟!
الثابت ان الممارسات الاسرائيلية ليست جديدة. فقد اكتشف الباحث الفلسطيني الدكتور سلمان ابو ستة ان اسرائيل تشن ضد الفلسطينيين حرب الإبادة القذرة منذ عام 48. وعثر في ملفات الصليب الأحمر على العديد من الأدلة الدامغة التي تدينها في هذه الجريمة. وطبقا للمعلومات التي أوردها في بحث نشرته له <<الحياة>> اللندنية (في 1/2/2003) فإنه بعد سقوط حيفا في ايدي الصهاينة (في 22/4/48) تدفق آلاف المهاجرين منها الى عكا، التي كانت تحت الحماية البريطانية آنذاك. وهو ما أدى الى تكدس السكان في المدينة، وحين اراد الصهاينة تهجيرهم من عكا فانهم لجأوا الى الحيلة الشريرة: حقنوا القناة التي توصل المياه الى المدينة بجرثومة التيفوئيد، وهو ما ترتّب عليه انتشار الوباء بين الأهالي والجنود البريطانيين، مما أدى الى نزوح الفلسطينيين من عكا، وانخفاض عدد سكانها من 25 الف الى 8 آلاف فقط في غضون أيام قليلة. وهذه التفاصيل ثابتة وموثقة في تقارير ما زالت موجودة للصليب الأحمر.
ذكر الدكتور ابو ستة ان الوثائق أثبتت انه بعد اسبوع واحد من <<النجاح>> الذي حققه الصهاينة في عكا، ضبطت القوات المصرية في غزة اثنين من اليهود يحاولان تسميم مصادر المياه التي يعتمد عليها الجيش والأهالي بميكروب التيفوس والدوسنتاريا. واعترف الرجلان بالجريمة وأُعدِما بسببها. وبعد ذلك (في 22/7/48) قدمت الهيئة العربية العليا الى الأمم المتحدة تقريرا من 13 صفحة، اتهم اليهود بشن حرب إبادة العرب، باستخدام الجراثيم والبكتريا. كما اتهم اسرائيل بالمسؤولية عن نشر الكوليرا في مصر، في خريف عام 48 وفي سوريا في فبراير من العام ذاته، وقد نشر هذا التقرير الصحافي الاميركي توماس هاملتون في صحيفة <<نيويورك تايمز>> (عدد 24/7/48).
في بحث الدكتور ابو ستة معلومات اخرى مهمة عن مركز اسرائيل للبحوث البيولوجية المقام في مكان منعزل في يافا، وعن تطور أبحاث فنون الإبادة في اسرائيل، من استخدام الفيروسات والبكتريا الى استخدام السموم القاتلة، التي جرّب أحدها في المحاولة الفاشلة لاغتيال السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس (عام 1997). واستند الى مراجع عدة في الإشارة الى اهتمام اسرائيل باستخلاص المواد التي تسبب الشلل والتشنّج والهلوسة وعدم القدرة على التحكم في الحركة والتفكير، منبهاً الى ان العمل في هذه المجالات يتمّ في إطار برنامج <<للتعاون>> مع الولايات المتحدة.
لا أعرف لماذا لا يتم تجميع مثل هذه المعلومات في كتاب او فيلم وثائقي واحد، يوصل المعلومات الخطيرة والوفيرة فيه الى العالم الخارجي بمختلف لغاته. وهي مهمة تمنّيت أن ينهض بها مؤتمر وزراء الاعلام العرب الذي انعقد في القاهرة بعد ايام قليلة من بث ال <<بي. بي. سي>> للفيلم التسجيلي، وتعامل مع الموضوع بدرجة لافتة للنظر من اللامبالاة وعدم الاكتراث.
حين تنكشف أمام الرأي العام الغربي في الظروف الراهنة حقائق أسلحة الدمار الشامل التي تكدّسها إسرائيل، فإننا في لحظة كهذه ينبغي ألا نكتفي بموقف المتفرّجين او المراقبين. ببساطة لأن هذه الأسلحة موجّهة ضدنا، ونحن ضحاياها المرشحون. من ثمّ فنحن بإزاء فرصة لا تضيع ولا تعوّض، تتيح لنا أن نسلّط الضوء على فصل الإبادة في السجل الإسرائيلي الوحشي، الذي يحفل بجرائم ضد الإنسانية مدفونة ومسكوت عليها منذ نصف قرن.
أهمية الظرف الراهن ليست خافية على أحد. فالفيلم والوثائقي المثير الذي بثه التلفزيون البريطاني (بي. بي. سي) على شبكته العالمية، حول <<سلاح إسرائيل السري>>، وضع الرأي العام الغربي امام أزمة ضمير، من حيث انه أعلن على الملأ حقيقة اسلحة الدمار الشامل التي تخفيها اسرائيل عن الأعين، وتنام فوقها مطمئنة ومرتاحة البال. في حين ان بلدا آخر هو العراق تعرّض للتدمير والاحتلال بحجة الشك في حيازته لبعض تلك الاسلحة، في ادعاء ثبت كذبه حتى الآن.
اهتزت اسرائيل لانكشاف المستور، فاحتجت على بث الفيلم الوثائقي الذي فضح أمرها. ولجأت الى شن حملة اعلامية ضد ال <<بي. بي. سي>>، حيث ادعت ان الفيلم الوثائقي جزء من <<التغطية المنهجية المعادية لها والمنحازة للفلسطينيين>>، كما ذكر داني سليمان مدير الصحافة في الحكومة الاسرائيلية، الذي قال ان الفيلم <<يظهر اسرائيل كدولة جديرة بالانخراط في دول محور الشر>>. وهاجم المحطة قائلا ان <<نهجها مسكون بالعداء للسامية>>، وان ذلك النهج يشكل خطرا على وجود اسرائيل بسبب ما تبثه من تشويه، يوفر ذرائع للتنظيمات <<الإرهابية>> لمهاجمتها (!) (<<هآرتس 1/7).
ذهبت اسرائيل في الانفعال والغضب الى ما هو أبعد، فأعلنت عن مقاطعة ال <<بي. بي. سي>>. وأصبحت بذلك الدولة الثانية بعد زيمبابوي التي لجأت الى مثل هذه الخطوة غير المألوفة. وليس مصادفة ان أعلنت اسرائيل وسط هذه الاجواء في بيان رسمي صدر عن وزارة الخارجية عن إيفاد 11 مندوباً الى العديد من دول العالم، في إطار حملة دعائية واسعة النطاق هدفها <<تحسين صورة إسرائيل>>. التي أصابها التشوّه وكان لافتاً للنظر ان من بين تلك الدول التي سيزورها المبعوثون الاسرائيليون خمس دول عربية هي: قطر وعمان والبحرين والمغرب وموريتانيا.
هذه العصبية لها تفسير واحد، هو أنهم في تل أبيب يدركون جيداً ان فتح ملف أسلحة الدمار الشامل من شأنه أن يفجّر العديد من القضايا الشائكة، التي حرصت اسرائيل على تجنّب الخوض فيها، مع إخفاء معالمها وطمس آثارها. وهي التي ظلت لعدة سنوات تتملص وتكذب، مدعية ان ما في منطقة <<ديمونة>> ليس سوى مصنع للنسيج. وهي المعلومة التي اوردها الفيلم الوثائقي، الذي بدأ بعرض قصة المواطن اليهودي مردخاي فعنونو الذي كان اول من أفشى سر القدرات النووية الاسرائيلية. فقد كان الرجل احد العاملين في المفاعل، وفوجئ بما شاهده، وفي لحظة صحوة ضمير نجح في تصويره من الداخل، حتى أصبح الوحيد الذي يملك دليلا يثبت تصنيع اسرائيل للقنابل الذرية. وكان الشاب ذو الأصول المغربية الذي درس الفلسفة قد قرر تغيير مجرى حياته كلها فترك العمل في المفاعل وهاجر الى استراليا وتحوّل الى المسيحية. وقد سمع بأمره احد محرري صحيفة <<صنداي تايمز>> البريطانية، بيتر هونام، الذي التقاه ودعاه الى لندن لكي يبوح بما عنده، ويكشف حقيقة القدرات النووية التي تكتمها اسرائيل. وهو ما حدث حيث قال فعنونو ان اسرائيل قامت بتطوير ما بين 100 و200 قنبلة نووية (كان ذلك قبل 16 عاما) وأنها تقوم بتطوير قنبلة النيترون وأسلحة نووية كافية لتدمير منطقة الشرق الاوسط بكاملها. وكان تسريب تلك المعلومات (في العام 1986) سبباً في قيام المخابرات الاسرائيلية بنصب كمين له، واستدراجه الى روما، ثم اختطافه الى اسرائيل وصدور حكم بسجنه مدة 18 عاما.
من المعلومات المهمة التي ذكرت في سياق الفيلم الوثائقي التي ذكرها خبراء الانتشار النووي ان اسرائيل تمتلك سادس اكبر ترسانة نووية في العالم، من بينها اسلحة نووية تكتيكية صغيرة، والغام نووية. علاوة على صواريخ نووية متوسطة المدى، يمكن إطلاقها من البر والبحر والجو. وقد تمّ تصنيع البلوتونيوم الخاص بهذه الاسلحة في ديمونة. كما يتم تجميع الاسلحة النووية في <<عوديفات>>، ويجري تخزينها في زاكاريا ولابون، فيما ترسو ثلاث سفن نووية في حيفا. أما المعامل الاسرائيلية الخاصة بإنتاج الاسلحة البيولوجية والكيميائية فهي قابعة في <<نيستيونا>>.
البرنامج النووي الاسرائيلي عمره اربعون عاما، وبدايات تصنيع القنبلة الذرية الاسرائيلية ترجع الى العام 1962م. وهي المعلومة التي جاءت على لسان نفر من الأحياء الذين عملوا في المفاعل آنذاك (اكثر من مئة منهم أُصيبوا بالسرطان من جراء التعامل مع المواد المشعّة).
وكان شمعون بيريز رئيس حزب العمل الحالي هو <<الشاب>> الذي عقد مع الفرنسيين صفقة شراء المفاعل. وحين تسربت المعلومات الى واشنطن (أثناء حكم جون كيندي)، فانه استدعى رئيس الوزراء الاسرائيلي (دافيد بن غوريون) وحذره من حدوث سباق للتسلح في الشرق الاوسط، وطالب بإخضاع المفاعل للتفتيش. لكن الرجل احتال على المفتشين وخدعهم حين زاروا مقر المفاعل. إذ تم اصطحابهم الى غرفة تحكّم مزيفة في الطابق الارضي من المبنى، في حين حجب عنهم ان ثمة ستة طوابق اخرى تحته، تصنّع فيها مادة البلوتونيوم. وحسب المعلومات التي وردت في الفيلم، فإنه بعد وفاة الرئيس كيندي خفّ الضغط على اسرائيل في هذا الصدد، الى ان تمكنت غولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل، من عقد اتفاق مع الرئيس نيكسون في العام 69 لا يزال معمولاً به حتى الآن، يقضي انه بوسع اسرائيل ان تمضي قدما في برنامجها النووي كيفما شاءت، طالما بقي الأمر طي الكتمان، وهو ما سُمّي بسياسة <<الغموض النووي>>.
تضمّن الفيلم عرضاً لما تنتجه اسرائيل من اسلحة اخرى غير تقليدية، واستعاد قصة طائرة الشحن الاسرائيلية التي سقطت في امستردام في هولندا في العام 1992، ما أدى الى مصرع 43 شخصاً. وادعت اسرائيل في حينه انها كانت تحمل زهورا وعطورا. لكن الاعراض الغريبة التي ظهرت على بعض سكان المنطقة التي سقطت فيها الطائرة، دفعت البرلمان الهولندي الى إجراء تحقيق استمر ستة أعوام، اضطرت اسرائيل معه الى الاعتراف بأن طائرة <<الزهور والعطور>> كانت في الحقيقة تحمل مادة <<تي. ام. ان. بي>>، وهي مكوّن اساسي في تصنيع غاز الاعصاب السام <<سارين>>. وتبين ان الشحنة كانت لحساب المعهد الاسرائيلي للأبحاث البيولوجية في <<نيسيتونا>>، وهو أحد اكثر المواقع الدفاعية السرية في اسرائيل، الذي لا يخضع لأي عملية تفتيش خارجي، كما ان الحديث عن أنشطته ممنوع، وخاضع لرقابة عسكرية صارمة.
من المعلومات المهمة التي أوردها الفيلم ان وزارة الدفاع الاميركية وافقت للشبكة البريطانية على عقد لقاء مع مساعد وزير الدفاع دوغلاس فايث (يهودي ليكودي من الصقور)، لمناقشة الطموح النووي الاسرائيلي والاتهامات التي توجه الى الولايات المتحدة بأنها تكيل بمكيالين في التعامل مع ملف اسلحة الدمار الشامل. ولكن قبل موعد اللقاء بدقائق، تلقى مكتب ال <<بي. بي. سي>> في واشنطن رسالة بالبريد الالكتروني ألغت اللقاء، وقالت ان السيد فايث لا يرغب في الاجابة على الاسئلة المقدمة إليه بصدد موضوعات المناقشة، ويطلب إعداد اسئلة جديدة، متعلقة بالمسألة العراقية فقط!
في الفيلم توجّهت مندوبة الشبكة بسؤال الى شمعون بيريز عن قيام الولايات المتحدة بشن حرب على العراق بسبب الاسلحة المحظورة، وتجاهل اسرائيل، فردّ بيريز قائلا: كيف تقارنون اسرائيل بالعراق الذي هو عبارة عن مافيا وليس دولة؟!
الثابت ان الممارسات الاسرائيلية ليست جديدة. فقد اكتشف الباحث الفلسطيني الدكتور سلمان ابو ستة ان اسرائيل تشن ضد الفلسطينيين حرب الإبادة القذرة منذ عام 48. وعثر في ملفات الصليب الأحمر على العديد من الأدلة الدامغة التي تدينها في هذه الجريمة. وطبقا للمعلومات التي أوردها في بحث نشرته له <<الحياة>> اللندنية (في 1/2/2003) فإنه بعد سقوط حيفا في ايدي الصهاينة (في 22/4/48) تدفق آلاف المهاجرين منها الى عكا، التي كانت تحت الحماية البريطانية آنذاك. وهو ما أدى الى تكدس السكان في المدينة، وحين اراد الصهاينة تهجيرهم من عكا فانهم لجأوا الى الحيلة الشريرة: حقنوا القناة التي توصل المياه الى المدينة بجرثومة التيفوئيد، وهو ما ترتّب عليه انتشار الوباء بين الأهالي والجنود البريطانيين، مما أدى الى نزوح الفلسطينيين من عكا، وانخفاض عدد سكانها من 25 الف الى 8 آلاف فقط في غضون أيام قليلة. وهذه التفاصيل ثابتة وموثقة في تقارير ما زالت موجودة للصليب الأحمر.
ذكر الدكتور ابو ستة ان الوثائق أثبتت انه بعد اسبوع واحد من <<النجاح>> الذي حققه الصهاينة في عكا، ضبطت القوات المصرية في غزة اثنين من اليهود يحاولان تسميم مصادر المياه التي يعتمد عليها الجيش والأهالي بميكروب التيفوس والدوسنتاريا. واعترف الرجلان بالجريمة وأُعدِما بسببها. وبعد ذلك (في 22/7/48) قدمت الهيئة العربية العليا الى الأمم المتحدة تقريرا من 13 صفحة، اتهم اليهود بشن حرب إبادة العرب، باستخدام الجراثيم والبكتريا. كما اتهم اسرائيل بالمسؤولية عن نشر الكوليرا في مصر، في خريف عام 48 وفي سوريا في فبراير من العام ذاته، وقد نشر هذا التقرير الصحافي الاميركي توماس هاملتون في صحيفة <<نيويورك تايمز>> (عدد 24/7/48).
في بحث الدكتور ابو ستة معلومات اخرى مهمة عن مركز اسرائيل للبحوث البيولوجية المقام في مكان منعزل في يافا، وعن تطور أبحاث فنون الإبادة في اسرائيل، من استخدام الفيروسات والبكتريا الى استخدام السموم القاتلة، التي جرّب أحدها في المحاولة الفاشلة لاغتيال السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس (عام 1997). واستند الى مراجع عدة في الإشارة الى اهتمام اسرائيل باستخلاص المواد التي تسبب الشلل والتشنّج والهلوسة وعدم القدرة على التحكم في الحركة والتفكير، منبهاً الى ان العمل في هذه المجالات يتمّ في إطار برنامج <<للتعاون>> مع الولايات المتحدة.
لا أعرف لماذا لا يتم تجميع مثل هذه المعلومات في كتاب او فيلم وثائقي واحد، يوصل المعلومات الخطيرة والوفيرة فيه الى العالم الخارجي بمختلف لغاته. وهي مهمة تمنّيت أن ينهض بها مؤتمر وزراء الاعلام العرب الذي انعقد في القاهرة بعد ايام قليلة من بث ال <<بي. بي. سي>> للفيلم التسجيلي، وتعامل مع الموضوع بدرجة لافتة للنظر من اللامبالاة وعدم الاكتراث.