زوربا
08-22-2005, 07:07 AM
خليل علي حيدر
هل كان الوسط الشيعي والفقهاء الشيعة على وجه العموم أحر استقبالا واشد ترحيبا بالفلسفة مقارنة بالوسط السني وفقهائه؟
هل استخدم مجتهدو الشيعة كذلك سلاح التكفير في وجهها، كما رأينا في سائر انحاء العالم الاسلامي؟ امتزجت الفلسفة في المجتمعات الاسلامية، كما هو معروف، وبخاصة في ايران، بالتصوف وما يسمى بالعرفان. وقد دار جدل طويل حول ما اذا كان التشيع قد اثر بالتصوف أو تأثر به أو شجع على انتشاره أو وفر له الحماية أو استفاد منه.
فالباحث «إنعام قدوح»، يرى ان للتشيع موقفا من التصوف عامة، «يمكن تلخيصه بأنه موقف اهل الشريعة التقليدي. وهو موقف تاريخي يمتد الى عصر الائمة، واذا كنا نجد من بين فقهائه من حمل نزعة صوفية، فإن هذا لا يتجاوز ان يكون اتجاها زهديا فرديا، لم يرد له ان ينتهي أو ينتمي الى مدرسة في التصوف، أو يدور حول فلسفة معينة شأن الاتجاهات الصوفية الكاملة. بل ظل ابطاله منهم فقهاء في اعماقهم.. واذا اختطت مسيرة المسلمين الشيعة هذا الخط مع التصوف فإن ذلك لا يعني عدم بروز بعض الطرق الصوفية التي اخذت طابعها الشيعي، ومن جملتها «الطريقة النور بخشية»، التي برزت في ايران قبيل العهد الصفوي». (التشيع والتصوف، ص80)
وينقل عن «القمي» في كتاب سفينة البحار، ان «الامام جعفر الصادق»، حين سئل عن قوم ظهروا في زمان يقال لهم صوفية قال: «انهم اعداؤنا، فمن مال اليهم فهو منهم ويحشر معهم، وسيكون اقوام يدعون حبنا ويميلون اليهم ويتشبهون بهم ويلقبون انفسهم بلقبهم واقوالهم، ألا فمن مال اليهم فليس منا، وانا منه براء، ومن تنكر لهم وردّ عليهم، كان كمن جاهد الكفار بين يدي رسول الله».
وعندما سُئل الامام الصادق عن بعض ائمة التصوف ابان عهده، مثل ابي هشام الكوفي اجاب: «انه كان فاسد العقيدة جدا، وهو الذي ابتدع مذهبا يقال له التصوف، وجعله مقرا لعقيدته الخبيثة - ومقرا لـ - اكثر الملاحدة، وجنة - أي ترس أو وقاية - لعقائدهم الفاسدة». (قدوح، 136)
واذا ما ترصد الباحث جذور اتهام التشيع بالتصوف، من الناحية التاريخية والعقدية، يقول نفس الباحث، فإنه يعثر على اربعة آراء: الاول، للسراج الطوسي في كتابه «اللمع في التصوف»، والثاني للمؤرخ ابن خلدون، والثالث لصاحب كتاب ضحى الاسلام المؤرخ احمد امين، والرابع لمؤلف كتاب الصلة بين التصوف والتشيع د.كامل مصطفى الشيبي. ويرجع «الطوسي» نشأة التصوف الى منبع الاسلام والعهد النبوي، فيعتبر صهر الرسول الامام علي بن ابي طالب، «رأس الاسناد الصوفي، والاخذ المباشر بعلم الباطن عنه وسيد الفتوة الصوفية».
ويربط ابن خلدون بين التصوف والتشيع، ويشير الى بعض العناصر المشتركة بين الاثنين. و«كانت عقيدة الشيعة بالامامة من اخصب الموضوعات التي دخل من خلالها ابن خلدون لربط الهرم الشيعي الامامي بالهرم التدريجي الصوفي».
اما المؤرخ احمد امين، يقول قدوح، فكان من الاوائل الذين ربطوا عقيدة المهدية لدى الشيعة بعقائد الصوفية.
والرأي الرابع للدكتور «الشيبي» الذي يؤكد العلاقة بين التشيع والتصوف بدليل ايمان الشيعة بعصمة الائمة.
ويناقش الباحث هذه الآراء ويرد عليها بما لا مجال هنا لعرض تفاصيل الردود.
بدأت مرحلة جديدة في علاقة التشيع بالتصوف والعرفان والفلسفة مع انشاء الدولة الصفوية التي تأسست بفضل احدى الطرق الصوفية. فرواد الحركة الصفوية، يقول قدوح، «عاشوا في بيئة يغلب عليها التصوف، ولم تعرف التشيع فقها وكلاما، كما وان هذه الحركة في بداية عهدها، لم تحقق اتصالا بالمراكز العلمية الشيعية الاخرى».
اعتمد الصفويون في تأسيس مذهب الدولة، ضمن من اعتمدوا، على الفقهاء اللبنانيين الشيعة. ودار صراع بين التصوف الصفوي والتشيع اللبناني ثم الايراني كان النصر فيه لكبار الفقهاء والمجتهدين الشيعة، الذين وجدوا التصوف مناقضا للمذهب الامامي اتجاها وعقيدة. وعمد المجتهد الفقيه «الحر العاملي» الى وضع رسالته «الاثنا عشرية في الرد على الصوفية»، والتي اورد فيها ما يقارب الف حديث في الرد على الصوفية واظهار تناقض فكرهم مع الفكر الشيعي.
ويضيف قدوح ان رسالة العاملي هذه فاتحة لصدور كتب اخرى، مثل «عين الحياة»، الذي كتبه شيخ الاسلام في الدولة الصفوية آنذاك وهو «محمد باقر المجلسي»، الذي ادت جهوده الى طرد جميع الصوفية من اصفهان عاصمة الدولة، كما منعت اقامة الاذكار الخاصة بهم، واصدر المجلس كذلك فتواه الشهيرة بتكفير الصوفية، وعلى خطى الحر العاملي والمجلسي سار فقيه ثالث هو المقدس الاردبيلي. اما آية الله شهاب الدين النجفي المرعشي، فوضع كتاب «احقاق الحق»، الذي اعتبر فيه الصوفية «من اعظم المصائب التي تهدمت بها اركان الاسلام». ص148
ويقول د.الشيبي في كتابه «الصلة بين التصوف والتشيع»، ان حركة اسماعيل الصفوي، مؤسس الدولة الصفوية «كانت شيعية الاطار صوفية الجوهر» ويضيف ان التصوف كان منزع الطبقة الارستقراطية، كما ان الشيعة الذين اسهموا في نشر التشيع في ايران حقيقة، وذلك بترجمة كتب التشيع الرئيسية الى الفارسية، «كانوا ممن يميلون الى التصوف». (جـ2، ص374)
وقد استمر هذا الامتزاج بين التصوف والتشيع، كما يقول الباحث، الى ان اهتزت ايران بالاحداث من جديد، وصار طغيان المتصوفة، وتأليبهم للامراء الصفويين، خطرا على الدولة، وعندئذ انقلبت على التصوف، وبدأ صراع بين التشيع والتصوف انتهى بسقوط التصوف سياسيا واجتماعيا وثقافيا، وفي هذه الاثناء تقدم فقيه شيعي ايراني لينظم ايران على اسلوب شيعي خالص معاد للتصوف، وهكذا كان دور شيخ الاسلام محمد باقر المجلسي (1627 - 1679)، الذي هاجم شيوخ الزهد والتصوف، وانتقد لبس الصوف، و«فضل الغنى على الفقر، على غير عادة الفقهاء والزهاد، واخيرا كفر الصوفية».
وهكذا، بظهور المجلسي، «انفصل التشيع عن التصوف، وصار لكل منهما عالمه الخاص، وقلت اهمية الاخير في البيئات الشيعية، ولم يعد له ذلك الاثر الفعال».
هل كان الوسط الشيعي والفقهاء الشيعة على وجه العموم أحر استقبالا واشد ترحيبا بالفلسفة مقارنة بالوسط السني وفقهائه؟
هل استخدم مجتهدو الشيعة كذلك سلاح التكفير في وجهها، كما رأينا في سائر انحاء العالم الاسلامي؟ امتزجت الفلسفة في المجتمعات الاسلامية، كما هو معروف، وبخاصة في ايران، بالتصوف وما يسمى بالعرفان. وقد دار جدل طويل حول ما اذا كان التشيع قد اثر بالتصوف أو تأثر به أو شجع على انتشاره أو وفر له الحماية أو استفاد منه.
فالباحث «إنعام قدوح»، يرى ان للتشيع موقفا من التصوف عامة، «يمكن تلخيصه بأنه موقف اهل الشريعة التقليدي. وهو موقف تاريخي يمتد الى عصر الائمة، واذا كنا نجد من بين فقهائه من حمل نزعة صوفية، فإن هذا لا يتجاوز ان يكون اتجاها زهديا فرديا، لم يرد له ان ينتهي أو ينتمي الى مدرسة في التصوف، أو يدور حول فلسفة معينة شأن الاتجاهات الصوفية الكاملة. بل ظل ابطاله منهم فقهاء في اعماقهم.. واذا اختطت مسيرة المسلمين الشيعة هذا الخط مع التصوف فإن ذلك لا يعني عدم بروز بعض الطرق الصوفية التي اخذت طابعها الشيعي، ومن جملتها «الطريقة النور بخشية»، التي برزت في ايران قبيل العهد الصفوي». (التشيع والتصوف، ص80)
وينقل عن «القمي» في كتاب سفينة البحار، ان «الامام جعفر الصادق»، حين سئل عن قوم ظهروا في زمان يقال لهم صوفية قال: «انهم اعداؤنا، فمن مال اليهم فهو منهم ويحشر معهم، وسيكون اقوام يدعون حبنا ويميلون اليهم ويتشبهون بهم ويلقبون انفسهم بلقبهم واقوالهم، ألا فمن مال اليهم فليس منا، وانا منه براء، ومن تنكر لهم وردّ عليهم، كان كمن جاهد الكفار بين يدي رسول الله».
وعندما سُئل الامام الصادق عن بعض ائمة التصوف ابان عهده، مثل ابي هشام الكوفي اجاب: «انه كان فاسد العقيدة جدا، وهو الذي ابتدع مذهبا يقال له التصوف، وجعله مقرا لعقيدته الخبيثة - ومقرا لـ - اكثر الملاحدة، وجنة - أي ترس أو وقاية - لعقائدهم الفاسدة». (قدوح، 136)
واذا ما ترصد الباحث جذور اتهام التشيع بالتصوف، من الناحية التاريخية والعقدية، يقول نفس الباحث، فإنه يعثر على اربعة آراء: الاول، للسراج الطوسي في كتابه «اللمع في التصوف»، والثاني للمؤرخ ابن خلدون، والثالث لصاحب كتاب ضحى الاسلام المؤرخ احمد امين، والرابع لمؤلف كتاب الصلة بين التصوف والتشيع د.كامل مصطفى الشيبي. ويرجع «الطوسي» نشأة التصوف الى منبع الاسلام والعهد النبوي، فيعتبر صهر الرسول الامام علي بن ابي طالب، «رأس الاسناد الصوفي، والاخذ المباشر بعلم الباطن عنه وسيد الفتوة الصوفية».
ويربط ابن خلدون بين التصوف والتشيع، ويشير الى بعض العناصر المشتركة بين الاثنين. و«كانت عقيدة الشيعة بالامامة من اخصب الموضوعات التي دخل من خلالها ابن خلدون لربط الهرم الشيعي الامامي بالهرم التدريجي الصوفي».
اما المؤرخ احمد امين، يقول قدوح، فكان من الاوائل الذين ربطوا عقيدة المهدية لدى الشيعة بعقائد الصوفية.
والرأي الرابع للدكتور «الشيبي» الذي يؤكد العلاقة بين التشيع والتصوف بدليل ايمان الشيعة بعصمة الائمة.
ويناقش الباحث هذه الآراء ويرد عليها بما لا مجال هنا لعرض تفاصيل الردود.
بدأت مرحلة جديدة في علاقة التشيع بالتصوف والعرفان والفلسفة مع انشاء الدولة الصفوية التي تأسست بفضل احدى الطرق الصوفية. فرواد الحركة الصفوية، يقول قدوح، «عاشوا في بيئة يغلب عليها التصوف، ولم تعرف التشيع فقها وكلاما، كما وان هذه الحركة في بداية عهدها، لم تحقق اتصالا بالمراكز العلمية الشيعية الاخرى».
اعتمد الصفويون في تأسيس مذهب الدولة، ضمن من اعتمدوا، على الفقهاء اللبنانيين الشيعة. ودار صراع بين التصوف الصفوي والتشيع اللبناني ثم الايراني كان النصر فيه لكبار الفقهاء والمجتهدين الشيعة، الذين وجدوا التصوف مناقضا للمذهب الامامي اتجاها وعقيدة. وعمد المجتهد الفقيه «الحر العاملي» الى وضع رسالته «الاثنا عشرية في الرد على الصوفية»، والتي اورد فيها ما يقارب الف حديث في الرد على الصوفية واظهار تناقض فكرهم مع الفكر الشيعي.
ويضيف قدوح ان رسالة العاملي هذه فاتحة لصدور كتب اخرى، مثل «عين الحياة»، الذي كتبه شيخ الاسلام في الدولة الصفوية آنذاك وهو «محمد باقر المجلسي»، الذي ادت جهوده الى طرد جميع الصوفية من اصفهان عاصمة الدولة، كما منعت اقامة الاذكار الخاصة بهم، واصدر المجلس كذلك فتواه الشهيرة بتكفير الصوفية، وعلى خطى الحر العاملي والمجلسي سار فقيه ثالث هو المقدس الاردبيلي. اما آية الله شهاب الدين النجفي المرعشي، فوضع كتاب «احقاق الحق»، الذي اعتبر فيه الصوفية «من اعظم المصائب التي تهدمت بها اركان الاسلام». ص148
ويقول د.الشيبي في كتابه «الصلة بين التصوف والتشيع»، ان حركة اسماعيل الصفوي، مؤسس الدولة الصفوية «كانت شيعية الاطار صوفية الجوهر» ويضيف ان التصوف كان منزع الطبقة الارستقراطية، كما ان الشيعة الذين اسهموا في نشر التشيع في ايران حقيقة، وذلك بترجمة كتب التشيع الرئيسية الى الفارسية، «كانوا ممن يميلون الى التصوف». (جـ2، ص374)
وقد استمر هذا الامتزاج بين التصوف والتشيع، كما يقول الباحث، الى ان اهتزت ايران بالاحداث من جديد، وصار طغيان المتصوفة، وتأليبهم للامراء الصفويين، خطرا على الدولة، وعندئذ انقلبت على التصوف، وبدأ صراع بين التشيع والتصوف انتهى بسقوط التصوف سياسيا واجتماعيا وثقافيا، وفي هذه الاثناء تقدم فقيه شيعي ايراني لينظم ايران على اسلوب شيعي خالص معاد للتصوف، وهكذا كان دور شيخ الاسلام محمد باقر المجلسي (1627 - 1679)، الذي هاجم شيوخ الزهد والتصوف، وانتقد لبس الصوف، و«فضل الغنى على الفقر، على غير عادة الفقهاء والزهاد، واخيرا كفر الصوفية».
وهكذا، بظهور المجلسي، «انفصل التشيع عن التصوف، وصار لكل منهما عالمه الخاص، وقلت اهمية الاخير في البيئات الشيعية، ولم يعد له ذلك الاثر الفعال».