سمير
08-21-2005, 08:59 AM
http://www.asharqalawsat.com/2005/08/17/images/art.318037.jpg
الأميركية جوديث ويستون تقدم خبرة عمرها الطويلة
القاهرة: نهاد إبراهيم
هناك عدة مميزات تخص هذا الكتاب، أولا قلة الكتب السينمائية المتخصصة المتبسطة التي تتناول حرفية أداء فن الممثل من الناحية النظرية والعملية على حد سواء، ثانيا إنه يستهدف تدريب الممثل ذاته، بل تدريب المخرج على كيفية تدريب الممثل، أي أنه تدريب للمدربين ذاتهم. ثالثا وقوف هذا الكتاب على الكثير من الأسرار العملية التي تجري بالفعل على أرض الواقع في مواقع التصوير دون أن تتعامل مع المتلقي أو القارئ بمبدأ التخمين.
قليلا ما نجد كتابا ممتعا متميزا مثل هذا الكتاب الذي بين أيدينا «توجيه الممثل في السينما والتليفزيون» تأليف الباحثة الأميركية جوديث ويستون، وإصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب سلسلة الألف كتاب الثاني. فيما يبدو أن المؤلفة كانت مستمتعة تماما بتأليف هذا الكتاب وقدمته بلغة غاية في السلاسة والترابط والإقناع والمنطقية بعيدا عن أي نوع من أنواع الاستعراض أو التعالي، وهي نفس الملامح التي انتقلت تماما للمترجم المؤرخ السينمائي أحمد الحضري الذي صاغه هو الآخر في سلاسة متهادية من اللغة العربية الفصحى المترابطة السهلة المتعمقة في فهمها للفن وحبها له. كل المادة المقدمة في الواقع تجميع لمجموعة محاضرات ألقتها المؤلفة جوديث ويستون على طلابها في دورات تدريب المخرجين على تدريب الممثلين، بالإضافة إلى ما جمعته من قراءاتها المستفيضة أو خبراتها العملية التي سمعت عنها أو عاصرتها بنفسها بين مخرجين وممثلين كبارا وصغارا قبل وأثناء وبعد التصوير أي ممارسة فن التمثيل.
والمنهج الذي انتهجته المؤلفة على صفحات الكتاب، بفعل سابق خبرة في مجالي التمثيل والإخراج، لا يقوم على التعامل مع مستقبل آرائها وخبراتها بمنطق أنه التوجه الصحيح ولا يوجد غيره، بل على العكس فالمؤلفة ترحب بأقل وأكبر مساحات الاختلاف التي تتخيلها حتى وإن وصلت للتمرد على كل ما تقوله. وهذه علامة إيجابية خاصة إذا كانت معتقداتك تقوم على أساس علمي سليم. وقد أكدت جوديث أكثر من مرة أن هذه المواقف العملية التي تشرحها بلغة تتجاذب أطراف الحديث مع الطالب أو القارئ وليس بلغة المدرس العليم بكل شيء، ليست وصفات للطعام تحمل صياغة نهائية لنتائج محددة.
اعتمدت المؤلفة طوال الوقت على طرح مفهومها لمصطلح بعينه أو حالة أو مشكلة بعينها، وبعدها تقوم بتوضيح وشرح أبعادها داخل المخرج والممثل في آن واحد، ثم تطرح عدة محاولات للحلول مع إدراك لماذا لم يصلح هذا الإجراء للوصول الى نتيجة إيجابية مما أدى إلى تغيير الإجراء ذاته أو ربما تعديله. ونلاحظ أن الكتاب يشير في عنوانه إلى فعل التوجيه وليس التعليم، مدركا سيكولوجية التعامل بين المخرج مايسترو العمل الفني والممثل الذي يحمل موهبة خاصة جدا، لهذا كان اختيار غلاف الكتاب موفقا حيث جمع بين المخرج الكبير جوزيف مانكوفيتش وبين النجمة اليزابيث تايلور وهو يوجهها بين اللقطات أثناء تصوير الفيلم الشهير «كليوباترا»
الكتاب مزدحم بالمعلومات والمواقف المترابطة من هنا وهناك، حتى كادت تبعث على التشتت، لهذا حرصت المؤلفة على تقسيم صفحات هذا الكتاب الى عناوين رئيسة ثم يندرج تحتها عناوين فرعية تستكمل خيوط غزل المنظومة التدريبية التمثيلية كاملة. يضم هذا الكتاب بخلاف المقدمة والخاتمة عشرة فصول هي (التوجيه الى نتيجة والحصول السريع على شكل / لحظة تلو اللحظة / الإصغاء والكلام / اختيارات الممثل / البناء : التحولات والأحداث والخطوط المستمرة / موارد الممثل وتدريبه / تحليل السيناريو / توزيع الأدوار / التدريبات / التصوير)، ثم ألحقت في الخاتمة عدة ملاحق تتناول الأطفال والممثلين غير المحترفين / قائمة قصيرة بأفعال الحركة / نماذج من الأهداف البسيطة / مزيد من أفعال الحركة. ولنأخذ مثالا بسيطا على واحدة فقط من آراء المعلمة والمدربة جوديث ويستون، وتتعلق بكيفية توصيل المخرج وجهة نظره للممثل.
وهنا تؤكد تماما على أن إلغاز المخرج في شرح ما يطلبه من الممثل واستخدامه تفصيلات صغيرة كثيرة أو مجردات عامة ضخمة أو جملا معقدة مركبة في الشرح تعتمد على المتناقضات والتلاعب بالألفاظ، يؤدي دائما الى نفس النتيجة السيئة، وهي أن الممثل لا يفهم ما يقوله المخرج وبالتالي لا ينفذه مما يحدث ارتباكا شديدا لدى الاثنين وتخبطا في قدرتهما على التواصل سويا، مما يؤدي في النهاية الى فقدان الثقة المتبادلة بينهما وانهيار جسور التواصل وبقاء كل منهما في عالمه منعزلا فيتراجع العمل الفني كله الى الوراء عشرات المرات. وعلى سبيل المثال تتساءل ويستون عما يقصد المخرج بالتحديد عندما يطلب من ممثله في هذا الموقف أن يكون مثلا أكثر غضبا، مثل هذه النوعية من التوجيهات لا تجد لدى الممثل أفقا من الاستيعاب والإعراب باستثناء أنه يصاب بحالة من التوتر الشديد لأن أداءه لا ينال إعجاب المخرج، وبالتالي يتحول في لحظة واحدة الى مراقب لنفسه أثناء التمثيل مما يفقده التركيز والاندماج والبساطة والراحة أيضا.
وتطرح جوديث حلولا لمثل هذا النوع من المواقف حتى يحقق كل طرف أغراضه، فتؤكد أن استخدام المخرج صيغة الفعل في توجيهاته تحقق ما يريد تماما، أي أنه بدلا من أن يطلب من الممثل أن يكون أكثر غضبا في هذا الموقف مع زميله، يقول له «تحدث مع زميلك كما لو أنك تدينه في قرارة نفسك بسبب ارتكابه جريمة في حقك في الماضي». في هذه اللحظة وطبقا لخبرات المؤلفة العملية مع طلابها من المخرجين وما عاصرته مع كبار الممثلين، سيتوجه الممثل تلقائيا لتفريغ شحنة أكبر من الغضب لأنك ببساطة أهديته المفتاح بمنطق الفعل دون التعامل مع معان مجردة وباستخدام طريقة «كما لو» التي تؤدي الى فتح آفاق عديدة في التخيل والاستحضار.
الأميركية جوديث ويستون تقدم خبرة عمرها الطويلة
القاهرة: نهاد إبراهيم
هناك عدة مميزات تخص هذا الكتاب، أولا قلة الكتب السينمائية المتخصصة المتبسطة التي تتناول حرفية أداء فن الممثل من الناحية النظرية والعملية على حد سواء، ثانيا إنه يستهدف تدريب الممثل ذاته، بل تدريب المخرج على كيفية تدريب الممثل، أي أنه تدريب للمدربين ذاتهم. ثالثا وقوف هذا الكتاب على الكثير من الأسرار العملية التي تجري بالفعل على أرض الواقع في مواقع التصوير دون أن تتعامل مع المتلقي أو القارئ بمبدأ التخمين.
قليلا ما نجد كتابا ممتعا متميزا مثل هذا الكتاب الذي بين أيدينا «توجيه الممثل في السينما والتليفزيون» تأليف الباحثة الأميركية جوديث ويستون، وإصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب سلسلة الألف كتاب الثاني. فيما يبدو أن المؤلفة كانت مستمتعة تماما بتأليف هذا الكتاب وقدمته بلغة غاية في السلاسة والترابط والإقناع والمنطقية بعيدا عن أي نوع من أنواع الاستعراض أو التعالي، وهي نفس الملامح التي انتقلت تماما للمترجم المؤرخ السينمائي أحمد الحضري الذي صاغه هو الآخر في سلاسة متهادية من اللغة العربية الفصحى المترابطة السهلة المتعمقة في فهمها للفن وحبها له. كل المادة المقدمة في الواقع تجميع لمجموعة محاضرات ألقتها المؤلفة جوديث ويستون على طلابها في دورات تدريب المخرجين على تدريب الممثلين، بالإضافة إلى ما جمعته من قراءاتها المستفيضة أو خبراتها العملية التي سمعت عنها أو عاصرتها بنفسها بين مخرجين وممثلين كبارا وصغارا قبل وأثناء وبعد التصوير أي ممارسة فن التمثيل.
والمنهج الذي انتهجته المؤلفة على صفحات الكتاب، بفعل سابق خبرة في مجالي التمثيل والإخراج، لا يقوم على التعامل مع مستقبل آرائها وخبراتها بمنطق أنه التوجه الصحيح ولا يوجد غيره، بل على العكس فالمؤلفة ترحب بأقل وأكبر مساحات الاختلاف التي تتخيلها حتى وإن وصلت للتمرد على كل ما تقوله. وهذه علامة إيجابية خاصة إذا كانت معتقداتك تقوم على أساس علمي سليم. وقد أكدت جوديث أكثر من مرة أن هذه المواقف العملية التي تشرحها بلغة تتجاذب أطراف الحديث مع الطالب أو القارئ وليس بلغة المدرس العليم بكل شيء، ليست وصفات للطعام تحمل صياغة نهائية لنتائج محددة.
اعتمدت المؤلفة طوال الوقت على طرح مفهومها لمصطلح بعينه أو حالة أو مشكلة بعينها، وبعدها تقوم بتوضيح وشرح أبعادها داخل المخرج والممثل في آن واحد، ثم تطرح عدة محاولات للحلول مع إدراك لماذا لم يصلح هذا الإجراء للوصول الى نتيجة إيجابية مما أدى إلى تغيير الإجراء ذاته أو ربما تعديله. ونلاحظ أن الكتاب يشير في عنوانه إلى فعل التوجيه وليس التعليم، مدركا سيكولوجية التعامل بين المخرج مايسترو العمل الفني والممثل الذي يحمل موهبة خاصة جدا، لهذا كان اختيار غلاف الكتاب موفقا حيث جمع بين المخرج الكبير جوزيف مانكوفيتش وبين النجمة اليزابيث تايلور وهو يوجهها بين اللقطات أثناء تصوير الفيلم الشهير «كليوباترا»
الكتاب مزدحم بالمعلومات والمواقف المترابطة من هنا وهناك، حتى كادت تبعث على التشتت، لهذا حرصت المؤلفة على تقسيم صفحات هذا الكتاب الى عناوين رئيسة ثم يندرج تحتها عناوين فرعية تستكمل خيوط غزل المنظومة التدريبية التمثيلية كاملة. يضم هذا الكتاب بخلاف المقدمة والخاتمة عشرة فصول هي (التوجيه الى نتيجة والحصول السريع على شكل / لحظة تلو اللحظة / الإصغاء والكلام / اختيارات الممثل / البناء : التحولات والأحداث والخطوط المستمرة / موارد الممثل وتدريبه / تحليل السيناريو / توزيع الأدوار / التدريبات / التصوير)، ثم ألحقت في الخاتمة عدة ملاحق تتناول الأطفال والممثلين غير المحترفين / قائمة قصيرة بأفعال الحركة / نماذج من الأهداف البسيطة / مزيد من أفعال الحركة. ولنأخذ مثالا بسيطا على واحدة فقط من آراء المعلمة والمدربة جوديث ويستون، وتتعلق بكيفية توصيل المخرج وجهة نظره للممثل.
وهنا تؤكد تماما على أن إلغاز المخرج في شرح ما يطلبه من الممثل واستخدامه تفصيلات صغيرة كثيرة أو مجردات عامة ضخمة أو جملا معقدة مركبة في الشرح تعتمد على المتناقضات والتلاعب بالألفاظ، يؤدي دائما الى نفس النتيجة السيئة، وهي أن الممثل لا يفهم ما يقوله المخرج وبالتالي لا ينفذه مما يحدث ارتباكا شديدا لدى الاثنين وتخبطا في قدرتهما على التواصل سويا، مما يؤدي في النهاية الى فقدان الثقة المتبادلة بينهما وانهيار جسور التواصل وبقاء كل منهما في عالمه منعزلا فيتراجع العمل الفني كله الى الوراء عشرات المرات. وعلى سبيل المثال تتساءل ويستون عما يقصد المخرج بالتحديد عندما يطلب من ممثله في هذا الموقف أن يكون مثلا أكثر غضبا، مثل هذه النوعية من التوجيهات لا تجد لدى الممثل أفقا من الاستيعاب والإعراب باستثناء أنه يصاب بحالة من التوتر الشديد لأن أداءه لا ينال إعجاب المخرج، وبالتالي يتحول في لحظة واحدة الى مراقب لنفسه أثناء التمثيل مما يفقده التركيز والاندماج والبساطة والراحة أيضا.
وتطرح جوديث حلولا لمثل هذا النوع من المواقف حتى يحقق كل طرف أغراضه، فتؤكد أن استخدام المخرج صيغة الفعل في توجيهاته تحقق ما يريد تماما، أي أنه بدلا من أن يطلب من الممثل أن يكون أكثر غضبا في هذا الموقف مع زميله، يقول له «تحدث مع زميلك كما لو أنك تدينه في قرارة نفسك بسبب ارتكابه جريمة في حقك في الماضي». في هذه اللحظة وطبقا لخبرات المؤلفة العملية مع طلابها من المخرجين وما عاصرته مع كبار الممثلين، سيتوجه الممثل تلقائيا لتفريغ شحنة أكبر من الغضب لأنك ببساطة أهديته المفتاح بمنطق الفعل دون التعامل مع معان مجردة وباستخدام طريقة «كما لو» التي تؤدي الى فتح آفاق عديدة في التخيل والاستحضار.