سمير
08-21-2005, 08:48 AM
تجربة ثلاثة كتاب مغاربة
تشبه القراءة «قهوة الصباح» التي لا يشعر الكتاب بالراحة تسري إلى خلايا جسدهم، إلا بعد ارتشافها، لكن نشوتهم تتضاعف عندما يرون المحيطين بهم يحتسون من نفس الفنجان بلذة عارمة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بفلذات أكبادهم.
يرى حسن نجمي، رئيس اتحاد كتاب المغرب السابق، أن الكتب التي صار يدمن قراءتها مرتبطة بمجال البحث الأكاديمي الذي ينجزه، كما أنه يعشق قراءة الروايات في فصل الصيف وترك الكتب الفكرية الدسمة إلى شهر رمضان الذي تفرض أجواؤه طقوسا خاصة في القراءة، مضيفا «الكتاب المحترفون يقرأون في كل الأزمنة والأمكنة تبعا لمشاريع القراءة التي يخططون لها مسبقا، لكن بعضهم يترك فصل الصيف للقراءات الخفيفة مثل الروايات التي يميل اليها المثقفون من أجل تقوية أسلوب كتابتهم والتلاؤم مع الأجواء الصيفية التي لا تحتمل كثيرا من التفكير».
ورغم أن الهم الأكاديمي بات يجثم بكامل ثقله على تفكير نجمي، بيد أن ادمانه على القراءة يدفعه إلى سرقة الوقت من مفكرته لاكتشاف الجديد، قائلا «اقتنيت روايتين لكاتبين ايطاليين غير معروفين، اكتشفهما لأول مرة، بدافع الفضول ورغبة في اكتشاف الجديد وتكسير طوق الروتين الذي يكبل الكاتب بأغلاله طيلة شهور السنة، إضافة إلى بعض الدواوين الشعرية التي اعتدت اقتناءها».
لا تكتمل سعادة المثقف فقط برؤية مئات الكتب الموزعة على رفوف مكتبته كل صباح، بل أيضا بمشاهدة أبنائه يقرأون. وتختلف طريقة كل كاتب في الدفع بأبنائه والمحيطين به صوب عوالم الكتب، فحسن النجمي اختار توجيه ابنته الكبرى، طالبة في المعهد العالي للإعلام والاتصال، إلى قراءة كل ما يقع بين يديها من كتب مرتبطة بالفكر السياسي وكل ما يتعلق بالنسق السياسي المغربي، مثل كتابات محمد معتصم وعبد الله ساعف ومختلف كتب القانون الدستوري المغربي.
آثر نجمي مسايرة رغبات ابنته الوسطى التي لمس لديها ميولا لقراءة الرواية البوليسية والتأثر بالبرامج القانونية التي يبثها التلفزيون المغربي حيث ان ولعها بهذا الجنس الروائي جعلها تلتهم جميع روايات الميلودي الحمدوشي، روائي بوليسي مغربي، وتتابع كتاباته وأخباره بنهم شديد، وحاول نجمي تنمية رغباتها في قراءة الرواية البوليسية بالشكل الذي يراه مغذيا لرغبات القراءة لدى الأطفال في مثل سنها.
أما الابنة الصغرى، لرئيس اتحاد كتاب المغرب السابق، فقد فرضت على والدها ايقاعا جديدا يمتح من ثقافة «سيرفانتيس» حيث انها انغمست في قراءة اللغة الإسبانية والتحدث بها، معاكسة بذلك جميع التوجهات الثقافية الموجودة في منزل العائلة.
يتوقف زمن القراءة عند عبد الوهاب الرامي، شاعر وكاتب مغربي، في فصل الصيف، لتبدأ فترة النقاهة البيولوجية التي يغير فيها الكثير من أنماطه اليومية، محاولا اعادة ترتيب وتمثل ما قرأه طول فصول السنة، ويقول الرامي «يفرض علي التدريس الجامعي في مجال الإعلام والاتصال رسم مساراتي الشخصية بناء على اهتماماتي في هذا المجال، بينما تجنح قراءتي في فصل الصيف إلى التتبع العميق، لكل ما تكتبه الصحف الوطنية في محاولة لرصد التطورات المهنية، بالموازاة مع ملء فراغات الروح بقراءة مجموعة من الدواوين الشعرية لمحمود درويش ونزار قباني».
يعتبر الرامي أن القراءة يجب أن ترتدي زيا نقديا لا يخلو من مساءلة على أساس أن النصوص المكتوبة ليست نصوصا مكتملة، بل هي نسبية، وبالتالي فإنه يرفض أن يكون أبنائه مجرد مستهلكين للكتب أو مكتنزين للمعرفة، بل أن يقوموا باستثمارها بشكل تداولي، بمعنى ألا يكون الطفل موسوعيا على مستوى تلمسه للغة والمعرفة فقط، بل أن يوظفها في تعامله مع الواقع حتى لا يتحول إلى مجرد قاموس جامد، مؤكدا أن ما ينقصنا في العالم العربي هو تحويل فعل القراءة إلى فعل انتاج مساءل وحداثي، مع الاهتمام بالجوانب التواصلية وهذا ما يشغله على مستوى تعامله مع أبنائه، فيما يحاول، دائما، توجيه محيطه القريب الى قراءة بعض الكتابات الرصينة مثل كتب ميلان كونديرا.
أما عبد القادر الشاوي، روائي وكاتب، فيذهب إلى أن القراءة طقس يلازمه طيلة فصول السنة، فهو لا يغير في غالب الأحيان شيئا كثيرا من البرنامج أو الكتب التي يفكر في قراءتها والمرتبطة بمجال البحث أو الاهتمام الثقافي بشكل عام، معلقا «أقرأ، حاليا، رواية ناقصة للأديب الفرنسي ألبير كامي نشرت عام 1994، لكنني لم أقرأها في تلك الفترة وصدرت في طبعة مفسرة في بداية العام الجاري، وهي رواية جميلة بعنوان «الرجل الأول» الذي يقصد به والد الأديب، إذ تحاول الرواية بناء جينولوجيا المسار الفردي والعائلي والتاريخي لهذا الأديب الفرنسي منذ ولادته في الجزائر والتطورات التي عرفتها حياته بعد وفاة والده في الحرب العالمية الأولى والمشاكل التي ترتبت عن هذا الحادث»، ويضيف الشاوي بنبرة مرحة «لا أقرأ شيئا باللغة العربية في هذه الفترة بسبب انشغالي في انجاز عمل للترجمة من العربية الى الفرنسية الذي استغرقني كثيرا، فجنس الكتاب المنشغلين بالبحث الأكاديمي تكون قراءتهم «متمواجة» أي أن بها نوعا من الاستبدال بحكم الظروف المناخية».
ويرى الشاوي أن الكتاب يفضلون دائما أن يكون أبناؤهم من نفس طينتهم أو مرآة تنعكس عليها اهتماماتهم الفكرية والثقافية في مختلف المجالات، إذ أن هذا يمثل أمنية منطقية وطبيعية، لذلك يحبذ بعض الكتاب أن يصادفوا ميولاتهم الذاتية لدى أبنائهم سواء كانوا أطفالا أو مراهقين، لكن يبقى للأبناء عوالمهم الخاصة واهتماماتهم التي لا ترتبط بالأسرة فقط، وإنما بالتلفزيون والشارع، إذ أنها مؤثرات، ربما، تطغى على التأثير المفترض الذي يمكن أن يمارسه الوالدان، موضحا أن المجال الضيق الذي تستطيع الأسرة توجيه الأبناء يظل هو ساعات الليل أو بين حصتين دراسيتين، قصد توجيههم إلى ما فيه فائدة، خصوصا أن الأبناء يعشقون المغامرة ويتلصصون على مواضيع الجنس.
ولا يختلف الكاتب العربي الحارثي مع الطرح الذي قدمه عبد القادر الشاوي، قائلا «تشجيع الأطفال على القراءة يبدأ منذ نعومة أظفارهم حيث يتطلب هذا الأمر وجود علاقة وطيدة بين الأب والابن، ويبدأ التلقين الموجه داخل الاطار الشفاهي من خلال سرد الحكايات الموروثة عن الأجداد، وشخصيا لي برنامج لتشجيع القراءة مع أبنائي حيث أتلو عليهم صفحتين كل ليلة قبل النوم، لأن القراءة عادة يجب ان تفهم حاجيات الطفل وميوله عبرها».
تشبه القراءة «قهوة الصباح» التي لا يشعر الكتاب بالراحة تسري إلى خلايا جسدهم، إلا بعد ارتشافها، لكن نشوتهم تتضاعف عندما يرون المحيطين بهم يحتسون من نفس الفنجان بلذة عارمة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بفلذات أكبادهم.
يرى حسن نجمي، رئيس اتحاد كتاب المغرب السابق، أن الكتب التي صار يدمن قراءتها مرتبطة بمجال البحث الأكاديمي الذي ينجزه، كما أنه يعشق قراءة الروايات في فصل الصيف وترك الكتب الفكرية الدسمة إلى شهر رمضان الذي تفرض أجواؤه طقوسا خاصة في القراءة، مضيفا «الكتاب المحترفون يقرأون في كل الأزمنة والأمكنة تبعا لمشاريع القراءة التي يخططون لها مسبقا، لكن بعضهم يترك فصل الصيف للقراءات الخفيفة مثل الروايات التي يميل اليها المثقفون من أجل تقوية أسلوب كتابتهم والتلاؤم مع الأجواء الصيفية التي لا تحتمل كثيرا من التفكير».
ورغم أن الهم الأكاديمي بات يجثم بكامل ثقله على تفكير نجمي، بيد أن ادمانه على القراءة يدفعه إلى سرقة الوقت من مفكرته لاكتشاف الجديد، قائلا «اقتنيت روايتين لكاتبين ايطاليين غير معروفين، اكتشفهما لأول مرة، بدافع الفضول ورغبة في اكتشاف الجديد وتكسير طوق الروتين الذي يكبل الكاتب بأغلاله طيلة شهور السنة، إضافة إلى بعض الدواوين الشعرية التي اعتدت اقتناءها».
لا تكتمل سعادة المثقف فقط برؤية مئات الكتب الموزعة على رفوف مكتبته كل صباح، بل أيضا بمشاهدة أبنائه يقرأون. وتختلف طريقة كل كاتب في الدفع بأبنائه والمحيطين به صوب عوالم الكتب، فحسن النجمي اختار توجيه ابنته الكبرى، طالبة في المعهد العالي للإعلام والاتصال، إلى قراءة كل ما يقع بين يديها من كتب مرتبطة بالفكر السياسي وكل ما يتعلق بالنسق السياسي المغربي، مثل كتابات محمد معتصم وعبد الله ساعف ومختلف كتب القانون الدستوري المغربي.
آثر نجمي مسايرة رغبات ابنته الوسطى التي لمس لديها ميولا لقراءة الرواية البوليسية والتأثر بالبرامج القانونية التي يبثها التلفزيون المغربي حيث ان ولعها بهذا الجنس الروائي جعلها تلتهم جميع روايات الميلودي الحمدوشي، روائي بوليسي مغربي، وتتابع كتاباته وأخباره بنهم شديد، وحاول نجمي تنمية رغباتها في قراءة الرواية البوليسية بالشكل الذي يراه مغذيا لرغبات القراءة لدى الأطفال في مثل سنها.
أما الابنة الصغرى، لرئيس اتحاد كتاب المغرب السابق، فقد فرضت على والدها ايقاعا جديدا يمتح من ثقافة «سيرفانتيس» حيث انها انغمست في قراءة اللغة الإسبانية والتحدث بها، معاكسة بذلك جميع التوجهات الثقافية الموجودة في منزل العائلة.
يتوقف زمن القراءة عند عبد الوهاب الرامي، شاعر وكاتب مغربي، في فصل الصيف، لتبدأ فترة النقاهة البيولوجية التي يغير فيها الكثير من أنماطه اليومية، محاولا اعادة ترتيب وتمثل ما قرأه طول فصول السنة، ويقول الرامي «يفرض علي التدريس الجامعي في مجال الإعلام والاتصال رسم مساراتي الشخصية بناء على اهتماماتي في هذا المجال، بينما تجنح قراءتي في فصل الصيف إلى التتبع العميق، لكل ما تكتبه الصحف الوطنية في محاولة لرصد التطورات المهنية، بالموازاة مع ملء فراغات الروح بقراءة مجموعة من الدواوين الشعرية لمحمود درويش ونزار قباني».
يعتبر الرامي أن القراءة يجب أن ترتدي زيا نقديا لا يخلو من مساءلة على أساس أن النصوص المكتوبة ليست نصوصا مكتملة، بل هي نسبية، وبالتالي فإنه يرفض أن يكون أبنائه مجرد مستهلكين للكتب أو مكتنزين للمعرفة، بل أن يقوموا باستثمارها بشكل تداولي، بمعنى ألا يكون الطفل موسوعيا على مستوى تلمسه للغة والمعرفة فقط، بل أن يوظفها في تعامله مع الواقع حتى لا يتحول إلى مجرد قاموس جامد، مؤكدا أن ما ينقصنا في العالم العربي هو تحويل فعل القراءة إلى فعل انتاج مساءل وحداثي، مع الاهتمام بالجوانب التواصلية وهذا ما يشغله على مستوى تعامله مع أبنائه، فيما يحاول، دائما، توجيه محيطه القريب الى قراءة بعض الكتابات الرصينة مثل كتب ميلان كونديرا.
أما عبد القادر الشاوي، روائي وكاتب، فيذهب إلى أن القراءة طقس يلازمه طيلة فصول السنة، فهو لا يغير في غالب الأحيان شيئا كثيرا من البرنامج أو الكتب التي يفكر في قراءتها والمرتبطة بمجال البحث أو الاهتمام الثقافي بشكل عام، معلقا «أقرأ، حاليا، رواية ناقصة للأديب الفرنسي ألبير كامي نشرت عام 1994، لكنني لم أقرأها في تلك الفترة وصدرت في طبعة مفسرة في بداية العام الجاري، وهي رواية جميلة بعنوان «الرجل الأول» الذي يقصد به والد الأديب، إذ تحاول الرواية بناء جينولوجيا المسار الفردي والعائلي والتاريخي لهذا الأديب الفرنسي منذ ولادته في الجزائر والتطورات التي عرفتها حياته بعد وفاة والده في الحرب العالمية الأولى والمشاكل التي ترتبت عن هذا الحادث»، ويضيف الشاوي بنبرة مرحة «لا أقرأ شيئا باللغة العربية في هذه الفترة بسبب انشغالي في انجاز عمل للترجمة من العربية الى الفرنسية الذي استغرقني كثيرا، فجنس الكتاب المنشغلين بالبحث الأكاديمي تكون قراءتهم «متمواجة» أي أن بها نوعا من الاستبدال بحكم الظروف المناخية».
ويرى الشاوي أن الكتاب يفضلون دائما أن يكون أبناؤهم من نفس طينتهم أو مرآة تنعكس عليها اهتماماتهم الفكرية والثقافية في مختلف المجالات، إذ أن هذا يمثل أمنية منطقية وطبيعية، لذلك يحبذ بعض الكتاب أن يصادفوا ميولاتهم الذاتية لدى أبنائهم سواء كانوا أطفالا أو مراهقين، لكن يبقى للأبناء عوالمهم الخاصة واهتماماتهم التي لا ترتبط بالأسرة فقط، وإنما بالتلفزيون والشارع، إذ أنها مؤثرات، ربما، تطغى على التأثير المفترض الذي يمكن أن يمارسه الوالدان، موضحا أن المجال الضيق الذي تستطيع الأسرة توجيه الأبناء يظل هو ساعات الليل أو بين حصتين دراسيتين، قصد توجيههم إلى ما فيه فائدة، خصوصا أن الأبناء يعشقون المغامرة ويتلصصون على مواضيع الجنس.
ولا يختلف الكاتب العربي الحارثي مع الطرح الذي قدمه عبد القادر الشاوي، قائلا «تشجيع الأطفال على القراءة يبدأ منذ نعومة أظفارهم حيث يتطلب هذا الأمر وجود علاقة وطيدة بين الأب والابن، ويبدأ التلقين الموجه داخل الاطار الشفاهي من خلال سرد الحكايات الموروثة عن الأجداد، وشخصيا لي برنامج لتشجيع القراءة مع أبنائي حيث أتلو عليهم صفحتين كل ليلة قبل النوم، لأن القراءة عادة يجب ان تفهم حاجيات الطفل وميوله عبرها».