المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وزير الخارجية السوداني يكشف وقائع آخر لقاء مع قرنق قبل سفره إلى كمبالا



yasmeen
08-21-2005, 08:21 AM
«الشرق الاوسط»

كشف الدكتور مصطفى عثمان وزير الخارجية السوداني عما دار بينه وبين النائب الأول الراحل الدكتور جون قرنق قبل سفره الى أوغندا، وعن البرنامج الذي كان يعتزم تنفيذه لدى عودته من رحلته الاخيرة، وانه وجه بالتنسيق والتعاون بين السفارات ومكاتب الحركة الشعبية في كافة العواصم لصالح السودان، ووصف جون قرنق بأنه رجل دولة مثقف يجيد الإصغاء واتخاذ القرار.

واستبعد مصطفى اسماعيل، استنادا للمعلومات والتقارير التي تلقتها الحكومة نظرية التآمر لإسقاط الطائرة المروحية الاوغندية واغتيال النائب الاول قرنق، وقال ان الحكومة سلمت كل ما لديها للجنة القانوني ابيل الير الخاصة بالتحقيق في حادث سقوط الطائرة، ووصف الفريق سلفا كير، خليفة قرنق، بأنه «خير خلف لخير سلف»، وقال انه قيادي ورجل دولة، ولكن بأسلوب وأداء مختلف عن جون قرنق. وكشف مصطفى اسماعيل عن نجاح مهمته في تشاد لتطويق التوتر بين تشاد وليبيا، وترقب انعقاد قمة ثلاثية لمعالجة التوتر ودعم التعاون الثلاثي بين السودان وليبيا وتشاد.

وتوقع ان يشهد نهاية العام الحالي معالجة قضية دارفور، كما عبر عن الامل في ان تسهم جهود محمد عثمان الميرغني رئيس التجمع الوطني الديمقراطي في عودة العلاقات الاخوية لطبيعتها «بحكم مكانته الدينية في اريتريا وشرق السودان»، وشرح اسباب ودواعي تخليه عن موقعه كوزير للخارجية، وقال انه «لصالح عملية السلام»، ولكنه لن يتخلى عن العمل السياسي وخدمة الوطن. وفيما يلي حواره مع «الشرق الأوسط» في الخرطوم:

محمد سعيد محمد الحسن

* هل صحيح أنك كنت آخر الذين التقوا الدكتور جون قرنق قبل مغادرته الخرطوم في رحلته الاخيرة؟

ـ نعم، كنت آخر الذين التقوا الدكتور جون قرنق قبل مغادرته لرمبيك ثم اوغندا، التقيته بوجود زوجته السيدة ربيكا، وتناولنا السياسة الخارجية، وقدمت اليه كنائب اول لرئيس الجمهورية شرحا لمجمل قضايا الشأن الخارجي، وما تحقق على المستوى الثنائي والاقليمي والدولي، والمحطات التي تنتظرنا خاصة ما يتصل بالعلاقة مع الولايات المتحدة واريتريا.

وبدأ الدكتور قرنق حديثه بالاشادة بما تحقق في مجال العلاقات الخارجية، وقال لي: اننا كنا في الحركة الشعبية نجهز أنفسنا لملاحقة نشاطك، ونحرص على متابعة خطواتك حتى نستطيع ان نمحو آثارها، ثم قال: ان لدينا ـ أي الحركة الشعبية ـ علاقات خارجية واسعة. وقلت له اعلم ذلك. واستمر الدكتور قرنق في الحديث، مضيفا انه بعد التوقيع على اتفاقية السلام، نريد ان نستخدم هذه العلاقات لمصلحة السودان. وذكر انه بعد زيارته للجنوب (رمبيك) فانه سيقوم بزيارات غير رسمية لبعض دول الجوار بدءا من اوغندا، ثم بعد ذلك ترتب له زيارات رسمية، ونقلت اليه: هناك زيارات رسمية للخرطوم، وهم طلبوا ترتيب لقاء مع النائب الاول ورئيس حكومة الجنوب، وذكرت له: زيارة وزير خارجية فرنسا، ورئيس وزراء إثيوبيا ملس زيناوي، الذي كان يفترض وصوله للخرطوم يوم 4 من الشهر الحالي. وعقب الدكتور قرنق انه سيعود للخرطوم يوم 3 أغسطس (آب)، وسيلتقي رئيس الوزراء الاثيوبي زيناوي في اليوم التالي.

* ما هي ملاحظاتك وانطباعاتك خلال وجوده بالقصر الجمهوري بالخرطوم؟

ـ لفت انتباهي للدكتور قرنق ثقافته الواسعة، فهو مثقف بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، ولديه قدرة عالية على الاصغاء، والتحدث في اللحظة المطلوبة، وخلال لقاءاتي الاربعة وتعاملي معه كنائب اول، لفت انتباهي ايضا انه عميق التفكير ويتميز بالجاذبية القيادية، وله حضور قوي، هذا اضافة لكونه شخصية عسكرية، الى جانب ذلك فلديه علاقات خارجية واسعة، على المستوى الافريقي والاوروبي والاميركي، وهو لماح وذكي في عباراته وملاحظاته ولديه لمسات انسانية، وبحكم أني وزير الخارجية، كنت التقيه قبل زيارة اي مسؤول اجنبي كبير، وأقدم له تنويرا عن الدولة والعلاقة معها والقضايا التي يتوقع ان تطرح معه، وما من جلسة او لقاء او محادثات الا وابتدرها او تخللها لمسات انسانية لافتة، ولا شك ان الشعب السوداني تأثر كثيرا من خلال مشاهد تابعها او احاديث سمعها منه كقوله «ان احلام السلام، ليس حلما، فهو واقع»، وانه الآن يقف مع الرئيس البشير، في مكان واحد. لقد استطاع خلال فترته القصيرة في قصر الحكم التي لم تتجاوز الثلاثة اسابيع ان ينفذ الى عقول ونفوس الكثيرين، ولذلك لدى اعلان وفاته، فان السودانيين فقدوه كرجل دولة وكمفكر، وكنا نأمل عبر قدراته ان نقدم ابنا من ابناء السودان يسهم في حل المشكلات والقضايا الاقليمية.

* وصفته كرجل دولة، فما هو المعيار؟

ـ واضح، انه عميق التفكير، وكرجل دولة يتخذ القرار في توقيته المناسب، وهو الى جانب ذلك يمتلك كاريزما شخصية قيادية قادرة على اقناع الآخرين برأيها او وجهة نظرها، وغالبا ما يفلح في ذلك.

* ما مدى صحة التقارير التي قالت ان فترة وجوده في القصر بالخرطوم عمقت فيه الوحدة؟

ـ نعم، استطيع القول ان فترة وجوده وتعامله مع الرئيس عمر البشير، ونائب الرئيس علي عثمان طه، واللقاءات الواسعة مع المنظمات والهيئات والاحزاب عمقت فيه مسألة الوحدة، وكان دائما يذكر ان الملايين استقبلته بالحفاوة والبشاشة في الساحة الخضراء بالخرطوم، وكانت كلماته الاخيرة في عدة لقاءات جماهيرية ورسمية «الآن لا توجد حكومة شمال وحكومة جنوب، ويجب ان نتعامل بهذا الفهم، ويجب ان تبدأ مكاتب الحركة في الخارج في التعامل والتعاون مع السفارات، ويجب ان لا يكون هناك انفصال بين الجاليات السودانية في الخارج».

* وكيف يبدو لك الوضع بعد ان حل مكانه نائبه الفريق سلفا كير كنائب اول لرئيس الجمهورية؟

ـ اعتقد ان اجماع قيادات الحركة الشعبية على اختيار الفريق سلفا كير سهل كثيرا مرحلة الانتقال بعد رحيل الدكتور جون قرنق، رغم اننا سنحتاج لبعض الوقت حتى يملأ الفراغ الذي خلفه قرنق.

* هل تعتقد ان اداء واسلوب سلفا كير سيكون موازيا او مماثلا لقرنق؟

ـ لقد عرفت الفريق سلفا كير منذ ان كنت أقود مفاوضات السلام في أديس أبابا ونيروبي، ولمست تريثه ورصانته في انتقاء الكلمات، والتداول حول قضية وقف الحرب واحلال السلام، وتقديري ان سلفا كير سيكون خير خلف لخير سلف.

صحيح، قد يكون الاسلوب مختلفا ولا يتطابق مع اسلوب واداء الدكتور جون قرنق، ولكن في النهاية لكل قيادة اسلوبها واداؤها وتعاملها الخاص مع القضايا، وأتوقع ان تكون قيادة كير للحركة الشعبية بذات القوة، وذات الالتزام، ولكن بأسلوب مختلف.

* هل تعتقد بصحة تقارير قالت بوجود عمل تخريبي او مخطط لاغتيال الدكتور قرنق في الطائرة المروحية الاوغندية الرئاسية؟

ـ استنادا للمعلومات والتقارير التي تلقيناها، فإن الطائرة تحطمت وسقطت في حادث طبيعي، أي اصطدامها بالجبل في اجواء غير طبيعية، خاصة أن تلك المنطقة التي سقطت فيها الطائرة معروفة بسوء الاجواء الصعبة عند الغروب وبعد الغروب، وعلى أي حال، فان التحقيقات حول ملابسات سقوط الطائرة تتم باهتمام وحرص بالغين، وربما تقود نتائج التحقيقات الى المطلوب الوصول اليه في اسباب سقوط الطائرة ووفاة الدكتور جون قرنق، وربما تكشف عن سرعة اثناء قيادة الطائرة، او ان الوقود قد نفد او حدوث عطل مفاجئ في الطائرة، وهذه مسائل فنية دقيقة يعرفها أهل الاختصاص، كما ان «الصندوق الاسود» قد يفضي الى آخر محادثة تمت بين قائد الطائرة وبرج المراقبة منذ الاقلاع وإلى السقوط، ولكن لا أميل الى وجود مخطط وتآمر وراء اسقاط الطائرة، او استهداف لحياة الدكتور قرنق.

* ولكن ماذا عن التساؤلات التي طرحها خبراء حول قيام مروحية بالطيران في الغروب؟ ولماذا تأخرت فرق التفتيش لدى سقوط الطائرة؟

ـ هذه الاسئلة وغيرها تجيب عليها اللجنة التي كونت برئاسة شخصية مشهود لها بالامانة والدقة والكفاءة القانونية نائب رئيس الجمهورية الاسبق ابيل الير وعضوية ثلاثة شخصيات من الحكومة وثلاثة شخصيات من الحركة الشعبية، وقرار تشكيلها اعطى اللجنة صلاحيات بالاستعانة بمن تشاء، وهناك دول مثل الولايات المتحدة الاميركية واوغندا، وكذلك منظمات وعلى رأسها الامم المتحدة أبدت استعدادها للمعاونة والمساعدة في التحقيق في ملابسات سقوط الطائرة المروحية الاوغندية، وقد رحبنا بأي مساهمة ومساعدة تخدم للوصول الى الحقائق المطلوبة، وكل المعلومات التي لدينا سلمناها للجنة ابيل الير.

* أين وصلت قضية دارفور في غرب السودان؟

ـ قضية دارفور، أصبحت الآن على الاقل واضحة المعالم، ففي السابق تركز الاهتمام في احداث دارفور على التداعيات دون النظر الى جذور القضية.

هدوء الاوضاع الآن، اتاح الفرصة للمجتمع الدولي لكي يتفهم مشكلة دارفور وهي مشكلة اقتصادية سياسية.

والآن تبدو صورة الحل واضحة بالنسبة للسودان والمجتمع الدولي، ولديّ أمل كبير في ان يشهد نهاية هذا العام المعالجة المطلوبة لقضية دارفور.

* هل كانت زيارتكم الاخيرة لتشاد بغرض احتواء التوتر بينها وبين ليبيا؟

ـ نعم، هذا كان واحدا من الاهداف المهمة بالنسبة للزيارة، لأن وجود توتر في العلاقات التشادية ـ الليبية يلحق الضرر بتشاد وليبيا والسودان، خاصة ان الدولتين; ليبيا وتشاد، تقومان بدور مهم في قضية دارفور، وأنا سعيد بأن الزيارة نجحت في محاصرة هذا التوتر، وقريبا نشهد انعقاد قمة تجمع رؤساء السودان وليبيا وتشاد، وليس فقط لمحاصرة التوتر، ولكن لتحقيق المزيد من التفاهم والتعاون في اطار تطوير العلاقات على كافة المستويات.

* وماذا عن العلاقات مع اريتريا وأين وصلت؟

ـ مهما كان الخلاف بين نظامي الخرطوم وأسمرة، ستظل عودة العلاقات الاخوية الى طبيعتها جزءا من اشواق الشعبين في البلدين، ونحن نشيد ونرحب بالخطوات والجهود التي يبذلها السيد محمد عثمان الميرغني، ليس بصفته رئيسا للتجمع الوطني الديمقراطي، ولكن بحكم ثقله الديني في البلدين، خاصة في منطقة شرق السودان واريتريا، ونحن نرحب ونثق في الجهود المخلصة التي يبذلها، ونأمل ان تكلل بالنجاح، ونعتبر هذه واحدة من القضايا التي نأمل ان يكون فيها تعاون ايجابي بين الحكومة والمعارضة لصالح البلدين والشعبين.

* لماذا عجلتم بتقديم استقالتكم من وزارة الخارجية رغم ما حققتموه من نجاحات؟

ـ من ناحية سياسية، ربما يكون الافضل للسياسي ان يتخذ قرار التخلي او التنحي في الوقت واللحظة المناسبين لترك الموقع، واذا نظرت لقراري لترك الموقع عبر هذه الزاوية، تجد ان النجاح الخارجي بلغ أوجه، وأنه موضع الرضى من الجميع، الحكومة والمعارضة باستثناء الذين يعارضون من اجل المعارضة، وأنا أترك الوزارة في هذه المرحلة لصالح السلام الذي هو اجماع كل السودانيين.

* ولكن لماذا لم تنتظر تشكيل الحكومة الموسعة التي نص عليها دستور الفترة الانتقالية؟

ـ من الدوافع السياسية للقرار، اننا نتجه نحو نظام جديد، يحرص على إرساء قواعد جديدة للعبة الحكم في السودان، حيث التحول الديمقراطي الذي يقوم على التعددية والانتخابات العامة والتداول السلمي للسلطة، فاذا استطعنا ان نضرب مثالا فيما بيننا داخل حزب المؤتمر الوطني في التخلي عن الموقع أو المنصب الوزاري، رغم النجاحات، فهذا يعطي نموذجا في اننا يمكن ان نترك الموقع في اطار عملية التداول السلمي للسلطة.

* هل معنى ذلك أنك تتجه للتخلي عن العمل السياسي؟

ـ قطعا، انني لن أهجر العمل السياسي، ولا العمل لمصلحة الوطن، وسأكون قريبا من قيادة العمل السياسي ممثلا في شخص المشير عمر البشير والذي عملت معه طيلة سنوات حكم الانقاذ الوطني، والتي بفضل ثقتها استطعنا ان نحقق هذه النجاحات الكبيرة. كما ان هناك علاقات ووشائج واسعة ربطت بيني وبين اهل السودان في الداخل والخارج، وعدد كبير منهم في المعارضة والقيادة، وسأحاول جهدي ان احافظ على هذه العلاقة فيما تبقى من ايام العمل، وأن تمتد هذه العلاقة خارج الاطر السياسية، فتشمل مجالات الحياة المختلفة.