المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مذكرات حردان عبد الغفار التكريتي



فاطمي
08-20-2005, 12:49 AM
الفصل الاول

بقلم: محمد كاظم الجادري

( املاها وهو مقال من مناصبه في الجزائر وكانت احدى اسباب اغتياله وتصفيته في الكويت من قبل المخابرات العراقية ) انشر هذه المذكرات لما تحتويه من فوائد, واسرار تاريخية حول ارهاب, ومؤامرات البعث الاسود من جرائم قتل, وتعذيب, وتهجير جماعي قل نظيرهما في الحكومات, و الانظمة السالفه, و على لسان احد اقرب الناس انذاك من الرئيس المقبور احمد حسن البكر واحد رموز وقادة ,ومؤسسين هذا الحزب الاسود. املا في استفادة الشعب العراقي وغيره من هذا الحقبة التاريخية الهامة من تاريخ العراق. ...... ( محمد كاظم الجادري ) ..... ابوميثم الحياوي المقدمه :- 1/ اب / 1971 عبدالله طاهر التكريتي تعرفت على المرحوم حردان الحاج عبد الغفور التكريتي في المدرسة الابتدائية الوحيدة التي كانت في تكريت حتى مدينة سامراء الاثرية الشهيرة لقد كان المرحوم الطفل الاذكى بين كل اولاد الصف وكنا نهابه لبطشه وقوته …

واذكر انني كنت منذ الطفولة من اصدقائه والمقربين اليه فقد كانت المدرسة مقسمة بين حردان الحاج كما كنا نسميه – والمرحوم عبد الله السوفي وكان كل واحد منا يجمع (( زلمته )) ويريد ان يفرض سيطرته على المدرسة كلها وكانت علاقات حردان غير طيبة مع المعلمين وقد تلقيت مرة صفعة شديدة منه عقب مبارات بكرةالقدم اجرينها مع جماعة عبد الله جعلتني انسحب لمدة شهر كامل من(( زلامة)) حردان وانخرط في جماعة عبد الله ولكن الخوف ظل يلازمني طوال ذلك الى ان ((تبت )) الى حردان ودخلت مرة اخرى تحت (( بيرقه )).

لا اريد هنا التحدث عن تلك الفترة ولا عن الفترة التي تلتها في المدرسة الثانوية في سامراء ثم دخولنا الكلية في بغداد انما فقط اريد ان اكشف عن الصداقة المتينة التي كانت تربطني منذ الطفولة بالمرحوم حردان الحاج عبد الغفور والتي امتدت الى زمان رئاسته للاركان في عهد عبد السلام عارف ورئاسته للاركان في سنة 68 ثم توزيره بعد ذلك … وقد تنقلت في عدة مناصب هامة سنة 63 احلت بعدها الى التقاعد بعد الاطاحة بالبعث على يد عبد السلام عارف في 18 / تشرين الثاني 1963 . من ذلك اليوم عرفت ان مصيري يرتبط – شئت ام ابيت – بمصير المرحوم حردان الحاج عبد الغفور التكريتي فتوثقت صداقتي معه عندما كان انسانا عاديا خلال الفترة بين 63 الى 68 وفي الايام العصيبة التي عشناها بعد الاطاحة بالبعث كان المرحوم ياخذني الى بيت (( ابو هيثم )) احمد حسن البكر الواقع في محلة علي الصالح في بغداد وكان احمد حسن البكر يتظاهر اذ ذاك بانه بياع الحليب حيث كان قد اشترى بقرة – (( هايشة )) حسب التعبير العراقي الدارج – واعلن انه اعتزل السياسة نهائيا بعد قضاء 9 اشهر في رئاسة الوزراة العراقية في حكومة عبد السلام عارف . ولكن (( هايشه )) لم تكن الا تغطية للاجتماعات السرية التي كانت تتم في بيته ويتدارس فيها الامور ))

وفي احدى الاجتماعات التي حضرتها بدوري تقرر : - تنظيم اكبر عدد ممكن من الشباب العراقي واللبناني لانه كان قد حصل على (( مال )) من بيع احدى ممتلكاته كما تقرر اجراء اتصالات مع السياسين السابقين لاجل تدبير انقلاب عسكري ضد عبد الرحمن الذي قال عنه ابو هيثم انه (( اجبن )) رئيس يراه العراق في تاريخه . في غضون الايام الاولى من سنة 1965 ارسل صدام الى لبنان ليقوم بتنظيم الشباب اللبناني وليجري اتصالات مع بعض الدول بشان الانقلاب كما كلف بالتنسيق مع عفلق الذي كان انذاك يقيم في فرنسا وياتي الى بيروت بجواز سوري مزور باسم (( انطوان طعمة )) ولقد عرفت خلال اتصالاتي بابو هيثم الكثير من صفاته وعقده النفسية وترجع معرفتي به الى ايام المرحوم (( مولود مخلص التكريتي )) الذي كان يخطط لعشائر تكريت الاربعة الرئيسية لكي تصل الى مستوى السيطرة على العراق كله وكان لذلك ينظم شباب تكريت الذين كانوا يتلقون دروسهم في بغداد ينظمهم في الاحزاب السياسية بمختلف اتجاهاتها السياسية : اثنان في الحزب الشيوعي … اربعة في حزب البعث خمسة في الحزب الوطني الدمقراطي .. الخ ليضمن لنا الوصول الى الحكم عن اي طريق يحتمل . وفي الواقع فان الرئيس لم يكن ذكيا الى درجة ان يولي المرحوم مولود مخلص اهتماما كثيرا به ولكنه كان خبيثا الى درجة كبيرة ولانني لا اكتب مذكراتي الخاصة فانني لا اكشف عن مدى خباثة ابو هيثم وساكشفها في مذكراتي انشاء الله .

اما هذه المذكرات فهي تعتبر بحق تحليلا صادقا عن جزء متقلب من تاريخ العراق الدامي وانا وان كنت اختلف مع المرحوم صاحب المذكرات في بعض وجهات نظره ولكنني لن اغير فيها لان ضمير الذي ظل مستقظا رغم الركام الكبير الذي يتحمله ويحملني على ان لا اخون كلمة واحدة من المذكرات التي لم اكن اعزم على نشرها بعد ان عرفت السلطات العراقية بها فاخذت تلاحقني وذلك حفظا على عائلتي التي تتالف من زوجتي وابنتي (( هدى )) و (( ابتسام )) وابني الصغير (( شاكر )) غير ان اقدام السلطات العراقية باغتيال اخي (( محمد طاهر التكريتي )) واعتقال رفاقي والملازم اول اسماعيل عبد الجبار غزاوي والعقيد هادي خماس والعقيد عبد العزيز احمد هو الذي دفعني الى نشرها رغم انني اعرض حياتي وحياة عائلتي لخطر جدي بذلك كما عرض المرحوم حياته للخطر وقدمها هدية متواضعة للشعب العراقي الذي لا اضن انه يكن كثيرا من العداء للمرحوم وقصة هذا المذكرات تبتدا من اليوم الذي وصل فيه المرحوم الى الجزائر العاصمه بعد اعفائه من مناصبه وترحيله الى هناك بعد رجوعه من جولة استجمامية في اسبانيا ..

فقد بدا المرحوم يكتبها فور وصوله الى الجزائر ويسجل رؤوس نقاط المواضيع وعندما التحقت به بعد ابعادي من العراق واعفائي من جميع مناصبي بسبب صداقتي الخاصة معه اخذ المرحوم يملي علي بعضها ويكتب هو القسم الاخر … انني في هذه المذكرات وان كنت اخون صداقتي الشخصية مع كبار قيادة البعث ولكنني حقا لا اخون ضميري الذي يعرفني ان السكوت على الجريمة جريمة كبرى لا يغفرها التاريخ . وطبعا ان هذا القسم هو جزء من ثلث المذكرات التي ستنشر تباعا وهي عبارة عن مجموعات احداث جرى تسجيلها بصورة متفرقة . (( 1 / اب / 1971 عبد الله طاهر التكريتي )) . حردان عبد الغفار التكريتي :-

فاطمي
08-20-2005, 12:51 AM
المذكرات


بعد اسبوع واحد من حركة 30/ تموز / 68 ذهبت الى (( ابو هيثم )) احمد حسن البكر وقلت له بالحرف الواحد - : انا لا اشك في اننا يجب ان نبذل الكثير لكي نستمر في الحكم وقد يتم لنا ذلك ولكن الذي اشك فيه هو ان نظل مخلصين لبعضنا البعض ولهذا فان علينا- ان نحصل على ضمان لاستمرار صداقتنا الحاضرة … اجاب : - الا يكفي ان القوات المسلحة كلها تحت تصرفك الان ؟

. قلت - : ان الذي اخافه هو ان تطغني انا القوات المسلحة انت تعلم ان الزمان متغير . قال - : لا باس .. هل انت توافق على (( الحلف )) ؟ قلت موافق بمن تؤمن ؟ قال -: بمن تؤمن انت . قلت - : ابو حنيفة كيف ترى ان نحلف عنده ؟ قال اؤمن كثيرا بابو حنيفة ولكن اظن ان (( ابو الفاضل العباس ) بن علي المدفون في مدينة كربلاء خير من يمكن ان يشد تحالفنا كيف ترى ان نذهب اليه الليلة ؟ قلت ليس لدي مانع . الحقيقة فان ابو هيثم كان يبحث هو الاخر عن ضمان يحافظ على ولائنا له بعد ان تمت الخيانه برفيق انقلابنا الدكتور عبد الرزاق النايف وعلى ايدينا : انا وعماش والشيخلي . وفي تمام الساعة الثامنة من نفس الليلة ركبنا سيارة عادية متجهين نحو كربلاء وكنا اربعة :

الرئيس ونا واحد المرافقين والسائق ولكي لا ينكشف الرئيس وانا فقد حملنا تابوتا فارغا على سقف السيارة باعتبارها جنازة عادية نحملها لدفنها في النجف . وكنا نلبس اذ ذاك (( الكوفية والعقال )) على الطريقة البدوية . وصلنا مدينة كربلاء في اللحظة التي كان خدام روضة العباس يشتغلون باقفال ابواب الصحن, ولذلك فقد حاولوا منعنا من الدخول وبعد اصرار جدي من قبلنا على اساس اننا بصراويون نريد التوجه الى النجف ليلا لدفن جنازتنا فتحوا لنا الابواب فتوجهنا نحو الراس ووضعنا الجنازة امامنا وبدانا نحلف وكانت العملية مخالفة للاعراف القائمة عند الشيعة في زيارة الجنائز لمرقد العباس مما اثار الشكوك لدي بعض الخدم فتقدم الينا قالا - : هل تريدزن شيئا ؟.

قلنا - : لا .. نريد ان نحلف فقط . قال - : تسمحون ان (( احلفكم )) ؟ قلنا - : لا نحن نعرف ذلك . فتركنا حيث حلفت انا اولا – ان لا اخون ابو هيثم وان واجهت ملء الدنيا ذهبا وفضة , وحلف هو ثانيا ان لا يخون بي كذلك … ولقد ارتحت كثيرا عندما تمت عملية (( الحلف المقدس )) فقد ظننت بسذاجة انني كسبت صداقة (( ابو هيثم )) الى الابد والم اكن اعرف ان الحلف لم يكن الا خداعا جربته انا على نفسي واستسلت له بناءا على اقتراحي انا ...

والان اذ تعود الذاكرة الى تلك الليلة اتصور ان الحلف المقدس انما كان لخيانتي والا فلمادا سفرني الى هنا ؟ ولماذا بعد ذلك قتل زوجتي ؟ والطريف ان الرئيس حلف بعد اسبوعين فقط من بعد تلك الليلة مع صدام حسين للابقاء على الصداقة وجرى الحلف في نفس المكان الذي حلفنا فيه .. وعلى كل حال .. فقد انكشفت لعبتنا تلك الليلة وعرف احد الخدم ( ابو هيثم ) فتقدم اليه وطالبه ان يسمح له باعلان المحافظ ولكن ابو هيثم رفض ذلك باعتبار انه مستعجل للرجوع الى بغداد وفعلا فقد رجعنا الى بغداد ووصلنا الى القصر الجمهوري قبيل الفجر بلحظات . ويجدر بالذكر ان الرئيس رفض تلك الليلة ان يقوم بزيارة سيدنا الحسين رغم اصراري عليه مؤكدا بالحرف الواحد : انا لا اعتقد بالحسين فهو كان يستحق القتل بسبب تمرده على حكومة يزيد . وعندما قلت له - :

ولكن العباس كان مع الحسين في كربلاء وقد قتل معه . وربما في سبيله ؟ قال -: هذا صحيح ولكني اعتقد ان الحسين غرر باخيه العباس .. فقد جلبه معه على اساس ان يصبح وليا للعهد , ولم يكن اخلاصه الا للنخوة العربية التي كان يتمتع بها . ولا ادري بالضبط من اين كان ياتي بمثل هذه النظريات التي كان يتحفنا بها من حين لاخر ؟ . ان التاريخ يكشف عن تفاصيل قضية الحسين ولكن الرئيس كان يصر على مخالفة التاريخ وليس هنا فقط بل في كل تحليلاته التاريخية تقريبا , فقد كان يعتقد مثلا ان الخوارج كانوا يمثلون الروح الثورية العربية وكان يقول :

لو كنت في عصر علي ابن ابي طالب لما وسعني الا الانخراط في صفوف الخوارج . والواقع , فان الرئيس متاثر جدا بشخصية معاوية بن ابي سفيان , ولذلك فانه يحمل حقدا اسود لعلي بن ابي طالب وليس اهماله لمدينة النجف الا نتيجة هذا الحقد . واظن انه لا يعتقد بالعباس ايضا الا بمقدار ما يجلبه العباس له من ثقة اصدقائه ولا فما معنى قتل زوجتي وابعاد اولادي واعفائي من جميع مناصبي كلها بشخطة قلم ؟ . صحيح انني قلت لرفاقي بعد العودة مباشرة من القاهرة التي حضرتها لامثل الرئيس في تشيع جنازة جمال عبد الناصر - : انني لا استطيع التعاون معهم طويلا بسبب التصرفات الخارجية غير المسؤلة التي جلبت لنا عداء كل الدول العربية وسبب الفساد العريض الذي يلف العراق كله . ولكن هل كان على الرئيس ان يناقشني في ذلك ؟

ام ان يعاملني معاملة عدو ؟ ولو فرضنا انني اصبحت عدوا – كما اتهموني – اريد التقارب مع مصر فهل زوجتي اصبحت عدوة ايضا ؟ فلماذا قتلوها وهي حامل ؟ فبعد تسفيري الى هنا ( الجزائر ) اخبروها ان عليها ان تلتحق بي في الجزائر , وانها يجب ان تقضي عمرها كله هنا وامروها بمغادرة العراق خلال ثلاثة ايام فقط , وامتثلت للاوامر , وحجزت مكان في الطائرة العراقية التي كانت ستتوجه الى هنا وفي المطار طالبوها بشهادة التطعيم ضد الكوليرا ولم تكن هي تحمل مثل ذلك , فأجبروها على التلقيح . ولكن ماذا كانت المادة التي لقحوها بها ؟ لقد كانت مادة قاتلة لم تعش بعدها الا ساعتين فقط , حيث لفظت انفاسها الاخيرة على متن الطائرة وحولها اولادي الستة الذين شاهدوا وفاتها لحظة بلحظة . وكم كان تاثيري عندما استقبلت زوجتي في مطار الجزائر الدولي , وهي جثة هامدة بلا حراك , وحولها اولادي الستة ينوحون , ويبكون . والواقع فان القضية لم تنته بقتل زوجتي وانما تعدت الى القيام بحملة اعتقالات ضد كل من كان ترطني به رابطة صداقة , وتم اعتقال ما لا يقل عن 300 من الظباط والمدنين حتى الان – حسب ما اعلم – وقتلوا ما لا يقل عن مائة منهم . كما مات اربعة منهم .

تم الفصل الاول .... محمد كاظم الجادري .... ( ابوميثم الحياوي )

فاطمي
08-20-2005, 12:56 AM
الفصل الثاني : - مذكرات حردان عبد الغفور التكريتي




دورشركة نفط العراق البرطانية في انقلاب 30 / تموز

لقد سمعت وقرأت تفسيرات كثيرة عن اسباب انقلاب 17/ تموز / 68 وانقلاب 30 / تموز / 68 وكنت في كل مرة اشعر بالحاجة الى الظحك الطويل على ما يكتب في تفسير احداث المنطقة . ولهم الحق , فإن ما يجري وراء الكواليس ليس من النوع الذي يستطيع الجميع ان يكشفوه , انه مثل الحديث الصحفي الذي ليس للنشر . ولقد اوضحت ل (( ابو هيثم )) عدة مرات شعوري العميق بضرورة القيام بعمل , لانقاذ العراق من (( استعمار الكواليس )) , - حسب تعبيري الخاص – وكل مرة كنت اواجه ضحكة عريضة منه , اسمع بعدها كلماته التي كانت تبدو متقطعة يقول باللهجة العراقية - :

(( اشبيها الكواليس ؟ مو هيه اللي جاببتك عالوزارة , وجابتني عالرئاسة ... خليه مستورة )) . ولو اني سئلت الان عن اسباب انقلاب 17 / تموز , وانقلاب 30 / تموز لما ترددت في الاشارة الى واشنطن كجواب على السؤال الاول , والى بريطانيا كجواب على السؤال الثاني : فقد اعلن الرئيس السابق عبد الرحمن عارف , قبل انقلابنا بشهرين على تعديل في اتفاقيات النفط لصالح شركة( ايرب الفرنسية ) , وقد طلبني ابو هيثم عشية اعلان الحكومة عن هذا التعديل , وشرح لي اهمية هذا الاعلان , واثاره السئة على علاقات كل من العراق – بريطانيا – والعراق امريكا . وذكر ان علينا ان نستغل هذا الوضع الجديد للقيام بعمل ما . وجرت بعد ذلك اتصالات بيننا وبين صدام الذي كان اذ ذاك في بيروت , واخبرناه بضرورة اقامة حوار عاجل بينه وبين السفارة الامريكية , واخبرناه باجراء اتصال مع عفلق بهذا لشأن . وبعد اقل من اسبوع اخبرنا صدام بأن الحكومتين ابدتا استعدادهما للتعاون الى اقصى حد بشرطين :

الاول – ان نقدم لهما تعهدا خطيا بالعمل وفق ما يرسمونه لنا . والثاني- ان نبرهن على قوتنا في الداخل وتقرر ان يقوم حزب البعث بتنظيم مظاهراة ضد عبد الرحمن عارف كتدليل على القوة , وفعلا نظم الحزب تظاهرة ضخمة بالتعاون مع الشيوعين والدينيين , وكان يمشي امامها ابو هيثم وانا وعماش وبعض (( الرفاق )) . وقد اخبرتنا السفارة الامريكية في بيروت انها على استعداد للتعاون على ان (( نتساهل )) بعد نجاح الانقلاب في مسأ لة النفط مع الشركات الامريكية , ووافقنا على الشروط . وبعد ثلاثة ايام جاءنا من السفارة الامريكية من يقول :

ان علينا ان نتعاون مع آمر الحرس الجمهوري لعبد الرحمان عارف : عبد الرزاق النايف , وان علينا ان نمشي وفق الخطة التي سيرسمها لنا . وقد التقينا به في سيارته الخاصة ليلة 12 / تموز / 68 , واتفقنا معه على كل شيء . ولا اريد هنا الخوض في كيفية وقوع الانقلاب , ولكن الذي ادهشنا جميعا ان الانقلاب نجح اسرع مما كنا نتصوره , فقد رفع عبد الرحمن عارف يديه علامة الاستسلام بمجرد ان اطلق جماعة عبد الرزاق النايف ثلاث طلقات خارج غرفته صباح يوم 17 / تموز . ولم تمر ستة ايام فقط على الانقلاب حتى اتصلت بنا السفارة البرطانية في بغداد بشكل سري وذكرت خطورة الاستمرار في السياسة التي اعلنها عبد الرزاق النايف بصفته رئيسا للوزراة في مؤتمره الصحفي الاول والاخير الذي عقده اثناء رئاسته للوزراة , والذي قال فيه : ان حكومته ستتخذ اتجاها مستقلا في قضايا النفط , وانها ستعيد النظر في كل الاتفقيات المعقودة بين العراق وبين شركات النفط .

وذكرت لنا السفارة انها مستعدة للتعاون معنا الى ابعد حد لاسقاط عبد الرزاق النايف , واصدقائه, واعطاء حزب البعث الذي كنا نتمنى اليه سلطات مطلقة للسيطرة على العراق. . . وهكذا دبرنا انقلاب 30 تموز الذي اقصي فيه عبد الرزاق النايف , وزير الحربية , وقائد الاركان , ومجموعة من الوزراء . وبعد نجاح الانقلاب الذي قاده هذه المرة (( ابو هيثم )) نفسه وخططته شركة نفط العراق البريطانية , الغينا اتفاقية شركة (( ايرب )) الفرنسية الموسعة , وكتفينا معها بالاتفاقية المضيقة التي كانت حكومة عبد السلام عارف قد عقدتها في ذلك ان تلك الاتفاقية كانت ظالمة , واننا سنعيد النظر في كل الاتفاقيات . كما الغينا فيما بعد صفقة الطائرات التي كان قد وقعها عبد الرحمن عارف مع حكومة فرنسا , بحجة اننا لدينا طائرات حربية بقدر الكفاية . والجدير بالذكر ان تعين سعدون حمادي المهندس السابق في شركة نفط العراق وزيرا للنفط العراقي كان من قبل السفارة البريطانية في بغداد وهو ليس من حزب البعث , ونما هو مجرد مهندس سابق في الشركة المذكورة ويعتبر حتى الان اقوى الوزراء إطلاقا وقرارته تنفذ من قبل الجميع .


قصة مؤامرتنا . . . وقضايا ايلول

يجب علي ان اعترف بأ ن آ مال (( ابو هيثم )) : عريضة جدا , وهذا ما يحمله على ان يبدد اموال العراق في موارد لا طائل تحتها طلاقا .

وكمثال على ذلك فهو يعتقد ان على حزب البعث ان يبسط نفوذه على كافة الدول العربية , في اقل من عشر سنوات . ولكن عن اي طريق ؟

طبعا الانقلاب العسكري هو اقصر الطرق في نظره ولكن حتى الانقلاب العسكري يحتاج الى تمهيدات قد تستمر سنوات غير ان (( الرئيس )) يعتقد ان (( المال )) هو خير تمهيد لذلك .

اما التخطيط الذي يسير عليه حزب البعث في تحقيق الامال العسلية , فيعتمد على النقاط الرئيسة التالية : 1 – لا بد من السعي قبل كل شيء لانتزاع القيادة من القاهرة , باعتبار ان الدور القيادي للقاهرة قد انتهى , وذلك بالطرق التالية : واحد , اتخاذ مواقف ثورية متطرفة في القضايا العربية , والاستفادة من ذلك اعلاميا لكسب اكبر عدد ممكن من الشباب في العالم العربي , الى جانب الحزب الحاكم .

إثنين , شراء الصحف الناصرية التي تصدر في خارج مصر , صحيفة صحيفة , لتحويل الناصرين الى بعثين او على الاقل مسيرين من قبل البعث . ثلاثة , شراء اعداء النظام الناصري , من المصرين وغير المصرين لحشدهم ضد مصر , ومن ثم لجعل القاهرة امام

عدو داخلي يلهيه عن التعرض للبعث . ويعتقد ابو هيثم تبعا لعفلق , ان وضع مصر بعد الهزيمة سيمكن البعث من انتزاع القيادة منه الى الابد , وذلك لان العجز الاقتصادي في مصر وارتباطاته الدولية تمنعه من التغلغل كا لسابق في الدول العربية , مما يفتح مجالا لحزب البعث , للقيام بدور مماثل .

2 – القيام بتنظيم حزبي داخل كل الدول العربية , لادخال اكبر عدد ممكن في الحزب , وتحريكهم وقت الحاجة . وقد تم حتى الان بعض الخطوات لتحقيق ذلك , وعهد الى السفارات العراقية في العواصم العربية القيام بذلك خاصة ما يتعلق بشراء الصحف والقيام بتنطيم الشباب . وكتجربة أولية فشل ابو هيثم في القضية , اذ بعد قبول عبد الناصر بمشروع ( روجرز) اجرت حكومتنا اتصالات سريعه مع سفاراتنا في الدول العربية لتنظيم مظاهراة معادية ضد عبد الناصر , واعطيت لهم الصلاحيات التامة في صرف اي كمية من الاموال في ذلك , ولكن قلة المنظمين – بالفتح – في تلك العواصم جعلتنا نمنى بفشل كبير في تنظيم المسيرات الا في بعض القرى اللبنانية .

لكن آمال ابو هيثم تمنعه من الرجوع عن خطته لنقل القيادة من مصر الى بغداد , ولا يزال يصرف حتى الان مليون ومائتي الف دينار عراقي شهريا في لبنان فقط , كما لا يزال يصرف 950 الف دينار عراقي شهريا في سوريا , و860 الف دينار في القاهرة , و900 الف دينار في الاردن و500 الف دينار في اليمن الجنوبية وما يقارب من ذلك في الجزائر .. ما عدا الاموال التي تصرف لامور طارئة كتنظيم مظاهرات مثلا ..

3 – القيام بتدخل عسكري في الاردن لقلب نظام الملك حسين او العمل لقيام انقلاب موال للحزب ثم التآمر بعد ذلك على البعث السوري , ثم على لبنان لاحياء مشروع الهلال الخصيب , مما يعطي الحزب – بعد نجاح المشروع – قدرة تحرك واسعة في كافة الدول العربية . والحقيقة ان هذه الخطط لم تأت بأية نتائج سوى ان بعض الحكومات المجاورة مثل الكويت بدأت تتخوف منا , ومن ثم تعطينا بعض التنازلات في القضايا التي لا تمس أمنها . والخطط تبدو صبيانية الى درجة ما , ولكن اية خطة من خطط ابو هيثم لم تكن كذلك ؟ . لقد كلفتنا معاداة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الكثير , الكثير , سياسيا وماديا ولم تكن نتائجها , إلا عكسية لما كنا نتوقع , ولكن ابو هيثم كان – وربما لا يزال – يصر على متابعة المعاداة حتى يتم انتزاع القيادة من القاهرة ولا اظن ان (( الرئيس )) ينسى الخسارات الكبيرة التي تكلفناها بسبب محاولة الانقلاب الفاشلة التي دبرناها ضد حكم الرئيس نور الدين الاتاسي ؟ . كما لا اظن انه ينسى الخسارة المعنوية التي تحملناها بسبب موقفنا غير المشرف من المقاومة الفلسطينية في حوادث ايلول الشهيرة ؟ . والرئيس – كما قلت – رجل آمال عراض تبتدىء ولا تنتهي ولذلك فهو ماض في سياسته مهما كلفه الامر . وهنا لا بد لي من توضيح موقفنا من قضايا الاردن .. هذا الموقف الذي جرنا عشر سنوات الى الوراء , والذي كان احد الاسباب غير المباشرة لاعفائي من مناصبي .

فقد كانت خطتنا مبنية على اساس ضرورة التعاون مع الملك حسين , لضمان بقاء الجيش العراقي في الاراضي الاردنية , ليس تحسبا لهجوم اسرائيل على العراق , فقد اتفقنا مع اسرائيل بعد شهر من انقلاب 30 / تموز وبالضبط 29 / آب / 68 , على عدم شن اي هجوم على جيشنا أو على العراق في مقابل عدم اشتراك الجيش العراقي في اي عملية ضد اسرائيل , او حتى في صد اي هجوم على الاردن , وفي مقابل السماح لليهود العراقين بالهجرة الى اسرائيل عن طريق قبرص . هذا الاتفاق الذي تم بيننا وبين اسرائيل عن طريق عفلق و (( اللورد سيف )) عميد الصهيونية في لندن . في مدينة باريس قد احترمه الجانبان حتى الان , فلم تشن اسرائيل اي هجوم بعده على جيشنا , ولم يشترك هذا الجيش في اي عملية ضد اسرائيل , كما اعطي الرئيس في بيان رسمي كافة حقوق المواطنة للجالية اليهودية بما في ذلك حق الهجرة الى خارج العراق , اي الى اسرائيل وإنما كنا نريد بقاء الجيش هناك الاستكمال سلسلة مؤامرات كنا نقوم باعدادها للقيام بانقلاب عسكري ضد الملك , بتدخل من القوات العراقية .


تم الفصل الثاني من المذكرات ....... محمد كاظم الجادري ...... ( ابو ميثم الحياوي )

mohamed.aljaderi@chello.at

فاطمي
08-20-2005, 01:02 AM
الفصل الثالث من مذكرات حردان عبد الغفور التكريتي


عندما بدأت القوات الاردنية بشن هجماتها ضد الفدائين كان رأيي أن نقوم برد فعل عنيف ازاء الاردن باعتبار ان ذلك سيكون في صالحنا . دعائيا على الاقل – ولكن الرئيس خالفني في ذلك , وأ رسل مبعوثا شخصيا اجتمع بالملك حسين وابلغه ان الجيش العراقي لن يتدخل في القضايا الداخلية للاردن ( وكان ذلك من دون علمي ) ولكن الرئيس اقنعني بان الدعايات التي سنطلقها وفق الفدائين وضد الملك حسين ستعوض عن خيانة الفدائين الذي طالما وعدناهم بالوقوف الى جانبهم في كل الاحداث والتطورات . ففي الوقت الذي كان المبعوث العراقي يبلغ الملك بعدم تدخل الجيش العراقي , وفي الوقت الذي كانت الدبابات الاردنية تمر من وسط الجيش العراقي الى المنطقة الشمالية في الاردن لضرب الفدائين , كانت اجهزة اعلامنا تشن اعنف الحملات ضد الملك ونظامه . وفي غمرة الاحداث قال لي الرئيس - : ان الوضع الداخلي في الاردن سيساعدنا في تدبير انقلابنا ضده , وستعوض دعايتنا لصالح الفدائين عن تخلينا عنهم .

وأضاف - : في الواقع ان خطأ الملك يكمن في نقطة واحدة هي انه فتح المجال واسعا امام الفلسطينيين حتى اذا اصبحوا في وضع عسكري جيد , وأصبحت لهم مراكزهم الخاصة وحتى مطارهم الخاص , عاد ليضربهم الان .. ولو كان يفعل كما فعلنا من أول يوم , لجنب نفسه , ونظامه هذه المتاعب . وعلى اي حال ... فقد تطورت احداث الاردن وانهت المعارك الدامية – كما هو مشهور – بمؤتمر القمة العربي الذي قاطعناه , لنظهر امام الرأي العام العربي كمدافعين وحيدين عن الفدائين , وكرافضين لمهادنة النظام الاردني . وعندما انتهى كل شيء بتوقيع اتفاقية القاهرة الشهيرة, وعاد الفدائيون ممزقين منهوكي القوى , تلقينا رسالة من ياسر عرفات يعتب فيها على موقف الجيش العراقي .

وأصبحنا في موضع حرج فالاقنعة بدأت تتساقط , وتعرينا أمام الرأي العام العربي , فاضطررنا الى اصدار بيان رسمي صادر عن مجلس قيادةالثورة يعترف فيه بعدم تدخل جيشنا لصالح الفدائين , وفي الوقت نفسه تضع عتب ذلك على الولايات المتحدة الامريكية , باعتبار انها كانت تستعد لتدخل العسكري في الاحداث مما كان يعني وقوع اجزاء جديدة من الوطن العربي تحت الاحتلال . اي ان حرصنا على الارض العربية هو الذي منعنا من التدخل هناك . وبالرغم من ان البيان صيغ بخبث رائع , فانه فشل في اقناع اي عربي بصحة وجهة نظرنا .

وقد استغلته الاجهزة الناصرية كدليل على نفاقنا , وارتباطاتنا المشبوهة . هذا.. وبعد صلح الملك حسين مع الفدائين , هذا الصلح الذي كان انتصارا للملك , اصبحت القوات الاردنية اقوى مما كانت عليه قبل الاحداث , وأصبحت (( ثورتنا )) ضده ابعد من السابق بطبيعة الحال . وعندما عادت المياه الى مجاريها أبلغنا الملك أن على الجيش العراقي أن يتقيد بأوامر الجيش الاردني. وأن عليه ان يقلل من تغلغله داخل الاردن لان ذلك كان يقلق فعلا ..

ولانه كان في وضع جيد لا يستطيع معه ان يساهم في وقت قريب في انقلاب ضد الملك – بعد اجراءات هذا الاخير - . قررنا سحب عشرين الف جندي من مجموع 27 الف جندي كانوا يرابطون في الجبهة , مع الاسلحة والذخائر . ورغم اننا حاولنا أن يتم الامر في سرية كاملة , ولكن بعض الاذاعات والصحف ذكرت ذلك , غير أن صمتنا عن تأيد الخبر , واستمرار اعلامنا كالسابق بشن حرب كلامية ضد العدوان , كل ذلك جعلنا لا نتضرر من سحب هذا العدد الضخم من الجبهة , الا اعلاميا وبشكل جزئي فقط . ولكني أنا , كنت الشخص الوحيد الذي تضررت حيث قرر ابو هيثم اعفائي من مناصبي لبعض مواقفي الوطنية ازاء الاحداث , وقد تم ذلك عندما كنت اقضي اجازة في اسبانيا . .

قضية شط العرب , وبعض الامور الداخلية

بعد زيارة رسمية قمت بها الى ايران , بأقل من شهر , أعلنت الحكومة الايرانية فجأة الغاء اتفاقية شط العرب التي عمل بها اكثر من خمسة وعشرين عاما , بحجة انها اتفاقية ظالمة فرضها الاستعمار على كلا الجانبين , وطالبت بتوقيع معاهدة جديدة معها على اساس تقسيم الارباح بصورة متساوية . وأنا شخصيا لم أؤخذ بالموقف الجديد للحكومة الايرانية فقد كان المسؤلون الايرانيون قد نوهوا لي خلال وجودي في ايران بضرورة اعادة النظر في جملة من القضايا المعلقة بين البلدين , وضرورة التنسيق مع ايران في القضايا الاقتصادية والسياسية . وتقرر يومها أن تدرس الحكومة العراقية من جانبها الموظوع وتتخذ الاجراء المناسب لضمان حق الطرفين .

ولكن التماهل من جانبنا , حمل الحكومة الايرانية على الغاء الاتفاقية بعد ثلاثة انذارات , وقذ اثار ذلك احمد حسن البكر بصورة خاصة , لانه اعتبر قرار الالغاء إهانة شخصية له وعند ما دعانا الى الاجتماع به في القصر الجمهوري , كان قد اتخذ مسبقا قرارا بشان الموقف شأنه في ذلك شأن كل قراراته التي كان يتخذها اولا ثم يدعونا الى دراسته على ضوء قراره وليس لاتخاذ القرارالمناسب .

وفي الاجتماع بدأ يتكلم , كأنه يخطب في الجماهير مهددا باحتلال طهران , واسقاط حكومة الشاه , كما هدد بنسف المنشآت النفطية في عبدان , وضرب القواعد الجوية في ديزفول . ولكنني عندما ذكرت له أن ايران اقوى بكثير مما يمكن أن يتصوره اعتبر كلامي انحيازا لايران , وقال بسخرية - : يبدو أن مآدب الشاه الدسمة قد غيرت تفكيرك . ووضعت حد لهذا الحوار , قائلا - : ربما . ولا شك في انه لم يكن جادا في تهديداته . وإنما فقط كان يريد ايهامنا بأنه رجل قوي , - تماما مثلما كان يفعل هتلر – وكان علينا ان نشعره باننا فعلا بدأنا نشعر بقوته .

والا كان يتخذ قرارات صارمه بحقنا . وعلى كل حال فقد اخبرنا , في ذلك الاجتماع بأنه يعتزم على شن حملات دعائية واسعة ضد ايران , وانه بذلك يحاول استخدام كافة المعادين للحكومة الايرانية , سواء من يعيش منهم داخل ايران ام خارجه في هذه الحملة الدعائية , وقال بالحرف الواحد . - : نستطيع ان نفجر ايران من الداخل , في هذا السبيل .. وسأبدأ بنفسي .. وقرر أن يلقي خطابا ناريا , في اي مناسبة متاحة يهاجم فيها الحكومة الايرانية , والشاه شخصيا باعتبار أن المعادين للحكومة الايرانية اذا عرفوا أن الحكومة المجاورة مستعدة لتصعيد الحملات ضد الشاه الى درجة كبيرة فانهم سيقومون بحركة انقلاب ضد الحكومة , وبمساعدة الحكومة العراقية يكون كل شيء على ما يرام !

وقد القى بنفسه خطابا ناريا هاجم فيه الحكومة الايرانية بعبارته الشهيرة : - (( بريء من العروبة والاسلام اذا نسيت هذا الموقف الدنيء )) وكان يقصد بذلك موقف الشاه من قضية شط العرب . كما اتهم الحكومة الايرانية بان هذا الموقف انما هو لاجل ان ينسحب الجيش العراقي من الجبهة ضد اسرائيل وينشغل بالقضايا الجانبية , وكان يرمي من وراء ذلك أن يجند الدول العربية في صف واحد ضد ايران . ولكن شيء من هذا لم يحدث ...

غير اننا استمررنا في حملاتنا الاذاعية والصحفية ضد ايران وكثيرا ما كانت تعوزنا المستندات , فكنا نخلق اخبارا لا صحة لها من قيام مظاهرات صاخبة موهومة في عربستان او طهران او كرمانشاه ومن تفجير قنابل موقوتة هنا وهناك من منظمات شعبية الخ . وقد وصل مستوى اعلامنا الى درجة ان كنا نعرض افلاما تلفزيونية عن بعض القرى العراقية تظهر فيها النساء بالزي الايراني القروي , وبعض الاطفال وهم يلبسون البسة ممزقة ونقول انها بعض مناطق طهران .

وأذكر مرة ان الذاكرة لم تسعف مديرية الاذاعة والتلفزبون في انتاج افلام جيدة لعرضها على الشعب , فعرضت فيلما ظهرت فبه صورة الشاه , وقال المذيع : هذا هو الشاه ثم عرضت صورة شاة عليها علامة + , وظهرت تحتها عبارة شاة . وكانت نتجة هذه الحملات : ان الحكومة الايرانية جندت هي الاخرى طاقتها للدعاية ضدنا .

وقد وقعنا من اجراء ذلك في (( ورطة )) ذلك لان حكمنا لم يكن قد تركزت اقدامه في الداخل بعد , وكانت نقمة الشعب من تصرفات أفراد الحزب الصبيانية تزداد يوما بعد يوم , بحيث ان كل ليلة كانت تمر علينا كنا نحس التاثير الكبير الذي كانت اذاعة اهواز تتركه على مشاعر الشعب . وهكذا انعكست الاية ضدنا فبتنا نخشى الانقلاب ! وتحسبا لاي طارىء اجرينا تنقلات واسعة في صفوف الضباط كما احلنا الكثير منهم الى التقاعد , وأسسنا دورة لتخريج الضباط من البعثين مدتها ثلاثة اشهر فقط , كان يتخرج منها الشاب وهو لا يعرف من امور الجيش الا كيف يتجسس على تحركات الضباط الكبار , وأمرنا كل الضباط بالتقيد باوامرافراد الحزب هؤلاء ...

كما جردنا الجيش من الذخيرة الحية , واستوردنا من بريطانية اذاعة خاصة لا تزال غير مستعملة وركزناها في القصر الجمهوري لاستعمالها وقت الحاجة . ومن ناحية اخرى وزعنا القواعد الجوية على خمسة عشر منطقة . وقررنا ابعاد المعسكرات المحيطة ببغداد ... وفي غضون الايام الاولى من هذه الاجراءات عشنا اياما عصيبة في القلق الكلي , والحذر , وقررنا التخلص من كل من يرفض التعاون الكلي معنا ,على اساس : - (( من لم يكن معنا فهو ضدنا )) وقمنا باعتقالات واسعة في صفوف مختلف الفئات . كما اعدمنا وجبات باسم التجسس والعمالة , بعد ان اجرى تعذيبهم في قصر النهاية على ايدي خبراء من المانيا الشرقية في التعذيب .

وقمنا بمصادرة اموال كبار الملاك , بما في ذلك اموال جامعة الكوفة التي كانت تقدر بأكثر من 000/ 035/ 4 ديناروالتي كان مقررا لها ان تقام في مدينة الكوفة شرقي النجف واعتقلنا بعض المسؤلين عنها . واعتبر ابو هيثم الظروف مهيئة للقيام بتسفير الايرانين من العراق ودعونا لذلك الى الاجتماع في القصر الجمهوري حيث جرت محادثات بين بعض اعضاء مجلس قيادة الثورة بشأن ذلك . وقترح صالح مهدي عماش ان يجري تمشيط شامل لكل الحاملين للجنسية الايرانية , وتسفيرهم الى ايران ... وقال : -


انها فرصة العمر , ويجب استغلالها للتخلص من الايرانين خلال شهر واحد فقط , وبذلك تخلق مشكلة كبرى لايران , لان الايرانين المقيمين في العراق يتجاوز عددهم النصف مليون نسمة , وهذا العدد الضخم يكفي اذا تحول الى لاجئين ان تخلق مشكلة كبرى لايران كما ان العملية ستوفر لنا اموالا ضخمة لاننا سنمنعهم من نقل اية نقود او حاجيات الى ايران ... وهذا يعني الملايين ..وتقرربعد مداولات ان يجري تعديل على اقتراح عماش بحيث يجري تسفيرالايرانيين على مراحل , وان يتم ذلك خلال الستة اشهر , وليس الشهر – كما اقترح عماش - .

وهكذا ابتدأت السلطات الخاصة بتسفير الايرانيين بصورة جماعية بدءا من بغداد والكاظمية وانتهاء بالنجف وكربلاء .. والحلة والبصرة . ومن سؤ التقدير فقد وقعت حوادث التسفير قبل ايام قليلة من يوم (( الاربعين )) وهواكبر موسم يقوم فيه العراقيون بزيارة مدفن سيدنا الحسين رضي الله عنه في مركز محافظة كربلاء , بأعداد هائلة تبلغ المليون نسمة بعض المرات . ويقومون هناك بتنظيم مسيرات عزائية كبيرة , قد تنقلب الى مسيرات ومظاهرات سياسية . وكان بهذه المناسبة : الشيخ محسن الحكيم كبير علماء الشيعة يقوم بزيارة المدينة مع الجماهير الغفيرة وما ان سمع بنبأ الاعتقالات حتى قطع زيارته لكربلاء عائدا الى النجف , احتجاجا على ذلك مما أثار الجموع التي كانت هناك , وبتنا ننتظر رد فعل عنيف من جانب الجماهير .

ودعيت الى القصر الجمهوري لاحل هذه المشكلة .. ودائما كانت القضية هكذا : فالحكومة كانت تتخذ قررات كيفية غير مدروسة حتى اذا واجهت مشاكل منتظرة او غير منتظرة تدعوني الى حلها , فأنا كما قال الرئيس مرة : (( حلال مشاكل البعث )) يومها سافرت الى كربلاء ومنها الى النجف للاجتماع بالشيخ محسن الحكيم في محاولة لمنع حدوث اية أزمة معه , وكان الوقت عصر يوم الاربعين 20 / صفر / 69 وتقرر بث اشاعة في كل الانحاء تفيد بأن الحكومة قد قررت الامتناع عن تسفير الايرانيين . مما هدأ فعلا من ثورة الجماهير التي كانت تحتشد في كربلاء , ومنع حدوث اي رد فعل .

وقد حملت معي من بغداد تعليمات خاصة بشأن التفاوض مع الشيخ محسن الحكيم حول شط العرب , على الاساس التالي : أن يطلب الشيخ محسن الحكيم من الحكومة الايرانية الانسحاب عسكريا من ضفة الشط واحترام اتفاقية شط العرب القديمة , في مقابل الافراج عن كافة المعتقلين الايرانيين , والكف عن تسفير اي ايراني , وكنا نأمل بذلك , أن يطالب الشيخ محسن الحكيم حكومة الشاه الانسحاب , حتى اذا لم تستجيب له حكومه قمنا بحملة دعائية جديدة ضدها , ولا بد أن نربحها , ذلك لان الشعب الايراني كان له علاقة خاصة بالشيخ محسن الحكيم , وكانت للاخيرسلطة روحية كبيرة على كل الشيعة في العالم , مما كانت اثارته ضد ايران تعني كسب الشعب الايراني , وكافة الشيعة الى جانبنا .

وقبل أن اتوجه الى النجف طلبت من الرئيس أن يعطني صلاحيات واسعة لاتخاذ القرار الذي اراه مناسبا بشأن حمل الشيخ محسن الحكيم على الوقوف معنا .. في الصراع مع ايران .. وأجاب طلبي . رغم مخالفة عماش لذلك . وفي النجف أجتمعت بالشيخ الحكيم في بيته وطلبت منه أن يكون الاجتماع مغلقا أي بيني وبينه فقط .. ونزل عند رغبتي . وقد جرت بيننا محادثات دامت أكثر من ساعتين ونصف الساعة , شعرت بعدها : أن الشيخ الحكيم قوي وذكي ألى درجة كبيرة , وأنه يؤمن باستمرار ولاء الشعب له , اكثر من اللازم . وفي المحادثات شرحت له :

كيف ان الحكومة الايرانية تحاول جر الجيش العراقي الى معارك جانبية لالهائه عن فلسطين , وذكرت أن لدينا معلومات تؤكد ذلك . . ولكن الشيخ محسن كان اذكى من أن ينخدع بمثل هذه الامور فقد اجابني قائلا : - ان أي حرب لا يمكن أن تكسب الا بوجود جبهة داخلية قوية , واذا كانت هناك مثل هذه الجبهة فأن باستطاعة أية حكومة أن تحارب اقوى دولة , والايرانييون ليسوا مجرد جالية مهاجرة انهم عراقيون اصلا , ونسبا , ولكنهم عراقيون حرموا من الجنسية العراقية في العهودالسابقة , والقيام بطردهم – بالاضافة الى أنه عمل غير انساني ومخالف لابسط المبادىء الانسانية – فأ ن من شأنه أن يضعف الجبة الداخلية التي انتم بأمس الحاجة اليها . وأَضاف : لنفرض أن الحكومة الايرانية ظالمة خمسمائة بالمائة فما شأن الايرانيين العزل المسالمين الذين ولدوا .. وربوا .. وعاشوا في العراق , بموقف ايران ؟

هذا وأثاربالاضافةالى ذلك قضية اعتقال بعض السياسين من امثال البزاز وغيره , كما اثار قضية القرار الذي اتخذته القيادتان القومية والقطرية في 4 / نيسان / 69 والذي ينص ب (( ضرورة القضاء على الرجعية الدينية باعتبارها العقبة الكبرى في طريق مسيرة الحزب )) وقد انكرت القرار في أول الامر , ولكنه أخرج لي مجلة (( العمل الشعبي )) عدد 7 / نيسان / 69 وأراني الفقرة كما جاءت في القرار .. فذكرت له انه لا علم لي بالقرار , وأنني سبحث الموظوع مع مجلس قيادة الثورة , ثم طالبته لتسوية كل ذلك أن يطالب ايران باحترام اتفاقية شط العرب السابقة , ووافق الشيخ محسن على ذلك بشرط واحد وهو : أن تطلب الحكومة العراقية هذا الامر منه رسميا وبتوقيع من شخص رئيس الجمهورية العراقية حتى يحق له التدخل في القضية ..

بالاضافة الى الكف عن عمليات الارهاب والاعتقال , ولافراج عن المساجين الذين كان عددهم انذاك خمسة وعشرين الف سجين , وأنني افكر الان ان ذلك كان نابعا من ذكاء الشيخ الحكيم الذي عرض علينا شروطا تعجيزية حتى يتهرب من الوساطة , وأعتمادا على الصلاحيات الوسعة التي كانت لي فقد وافقت على الشروط لانني رأيت ان عدم الموافقة سيكلفنا كثيرا , ذلك لان الشيخ محسن سيقف اذ ذاك ضدنا , مما يعني أن يصبح لخططنا مردود عكسي , فنخسر نحن الشعب الايراني , من دون ان نكسب الشعب العراقي ايضا. ورجعت الى بغداد , واجتمعت فور وصولي الى ابو هيثم واخبرته بكل ما جرى , ولكن رفض بشكل قاطع أن يطلب رسميا من الشيخ الحكيم التدخل لحساب العراق , باعتبار ان طلب الحكومة ذلك بصورة رسمية من مقام غير مسؤول رسميا سيحط من هيبة السلطة , اذ يعني فشل الحكم في حل مشكلة الحدود , وتشبثه بمقام غير حاكم ..

بالاضافة الى ان ذلك – في نظر ابو هيثم – كان يعزز من مكانة رجال الدين , وهذا ما كان يتناقض مع مهمتنا في الحكم .. وعبثا حاولت اقناعه بوجهة نظري التي كانت تقوم على اساس عدم خلق مشاكل داخلية مع وجود مشاكل خارجية ... وبدلا من ان تنفرج الازمة اشتدت بشكل رهيب , فقد فتحت حكومتنا اربع جبهات في وقت واحد : جبهة ضد العناصر السياسية أمثال عبد الرحمن البزاز وعبد العزيز العقيلي , وطاهر يحيى ... الخ . وجبهة ضد الايرانيين المقيمين الذين بدأنا باعتقالهم جماعات جماعات وجبهة ثالثة ضد ايران . وجبهة رابعة رجال الدين مع ما كان لهولاء من سلطة كبيرة على قطاعات واسعة من الشعب ولكن الرئيس كان مصمما على خوض الجبهات الاربع معتبرا ذلك كسبا عربيا !

وقد أنهكتنا جبهة رجال الدين أكثر من غيرها من الجبهات ذلك لاننا بعد ان قطعنا الامل من كسب قضية شط العرب بعد رفض طلب الشيخ الحكيم بدأنا بالانتقام من بعض رجال الدين الذين قاموا ضدنا بعد 18 / ايلول / 63 , والذين وقفوا الى جانب الشيخ الحكيم واعتقلنا في يوم واحد خمسة من كبار رجال الدين , لاتهامهم بالعمالة والتجسس , وانتزاع الاعترافات منهم ,في محاولة بشن هجوم كاسح عليهم , وتصفيتهم نهائين داخل العراق . وقد ادخلنا الكثير منهم في قصر النهاية , وهو القصر الخصوصي الذي كان يسكنه عبد الاله ولي عهد الملك فيصل الثاني , وقد تحول القصر الى مركز تعذيب كبير للسياسيين ورجال الدين , والاكراد , وبعض التجار فيما كنا ننتزع الاعترافات القسرية بالعمالة والتجسس , التي ضحك العالم علينا , بفعلها !

ويعلم الله انني لم اكن راضيا باجراء التعذيبات ولكن ماذا كنا نستطيع أن نفعل بغير ذلك لتصفية الحسابات مع المعذبين ( بالفتح ) ؟ وهل كانت هناك طريقة اخرى لتبرير الاعتقالات , والاعدامات ؟ ان ما فعلناه كان نسخة طبق الاصل لما فعله ستالين , وكان نجاحه في تصفية مناوئية يغرينا بذلك ولكن رجال الدين عندنا لم يعترفوا بشيء مما كنا نطالب به بالرغم من كل اساليب التعذيب المختلفة التي مارسنها معهم , والتي كانت من ابسطها التعليق بالمروحة منكوسا لمدة 24 ساعة كاملة . وقد مات واحد منهم وهو الشيخ عبد العزيز البدري تحت التعذيب ووصلت انباء مقتله الى خارج العراق مما اثار جبهات واسعة ضدنا , كما ان تعذيب واحد اخر منهم وهو الشيخ حسن الشيرازي أثار كل شيعة العالم تقريبا , فوصلت الى مقر قيادة الثورة ما يقرب من بعضة الاف برقية استنكار بشأنه من داخل العراق وخارجه كما قامت ضدنا مظاهرات في الهند وباكستان وايران . وفي غمرة حملات الاعتقال التي كانت تتصاعد بصورة مستمرة سالت احمد حسن البكر : -

الى متى ستمضي بنا الاعتقالات ؟ فأجاب - : الى ان يفرغ العراق لحكمنا .. أليست خطوة حكيمة ؟ قلت - : قد يكون .. ولكن العالم لا يستطيع أن يهضم هذه الفكرة . فقال المهم اننا نستطيع ان نهضمها . قلت ان كثرة المعتقلين سيثقل كاهل الحكومة . فقال سنزيد من الضرائب .. وسنامر باعطاء وجبة طعام واحدة للمسجون كل اربع وعشرين ساعة .. هذا يكفي . واضاف بلهجة تكريتية خاصة : (( خليهم يموتون هالتي سية .. شنو عبالك راح انجيبهم بالقصر الجمهوري ونيمهم على المنادر ؟ )) .

فاطمي
08-20-2005, 01:05 AM
الفصل الرابع من مذكرات حردان عبد الغفار التكريتي



بعد مضي أقل من شهر من اعتقال بعض كبار رجال الدين الشيعة سافر الشيخ محسن الحكيم الى بغداد بحجة المرض , وكان يقصد بذلك عرض القوة التي كان يتمتع بها وفعلا لقد جاءت اليه الوفود من كل مكان وعندما زاره أثنان من مسؤلينا موفدين من قبل الرئيس خاطبهم بلهجة قاسية مطالبا اياهم الافراج الفوري عن رجال الدين , والكف عن ملاحقة آخرين . وقد اثارهذا الامر ابو هيثم , مما دفعه الى اتخاذقرار بالقضاء على المرجعية الشيعية قضاء كاملا في انحاء العالم ودعانا الى الاجتماع به حيث كلف لجنة مؤلفة من : طه الجزراوي . وناظم كزار .وعبد الوهاب كريم . وشبلي العيسمي وصالح مهدي عماش بوظع خطة لذلك , وذكر : ان نجاحنا في ضرب المرجعية الشيعية سيمكننا من التحرك كما نريد لانه سيصفي لنا الجوبالتخلص من اكبر قدرة لا مصلحة لها في التقرب من الحكم – كما ظهر الان – وهي قدرة تتمتع بسلطة كبيرة على الشعب , ولا تبالي بالموت وثورة العشرين ضد الاستعمار البريطاني اكبر دليل على ذلك .. ثم اخرج من فتحة الطاولة التي كان يضع فيها مسدسه الخاص ذا اللون الاسود

, رسالة جوابية من عفلق حيث يظهر انها كانت بشأن المرجعية الشيعية التي بدأت تقلق بال الحكومة , وتثير في وجهها بعض الصعوبات وقد قرأ الرسالة التي ذكر فيها عفلق انه سيصل الى بغداد قريبا , ليبحث الموضوع في كافة جوانبه .

وفعلا فقد وصل بعد أقل من أسبوع من تاريخ الرسالة , واستقبلناه اسقبالا دافئا اشتركنا فيه جميعا – سوى الرئيس – ولكنا لم نعلن عن وروده الا بعد يومين , لان ذلك كان ضروريا للحفاض على حياته نظرا لسمعته غير الطيبه لدى العراقين , الذين كانوا يحملونه مسؤلية اجراءات الحكومة العنيفة .

وقد بقي في العراق ثمانية أيام سافر بعدها الى لبنان لقضاء فترة الصيف , بعد أن حصل على جواز سفر دبلوماسي من الدرجة الاولى .. كما حصل على مثل ذلك ابنته البالغة من العمر أحد عشر سنة فقط وخلال وجوده في العراق جرى مناقشة الخطة التي وضعها كل من : طه الجزراوي وناظم كزار وعبد الوهاب كريم , وشبلي العيسمي , وصالح مهدي عماش , واتفق على الخطوات التالية : أ – استمرار الحملة ضد رجال الدين , وعتقال اكبر عدد ممكن منهم , والاعلان عنهم كجواسيس يعملون لحساب ايران , بدل اسرائيل ذلك لان عمالة رجال الدين لاسرائيل امر لا يمكن تصديقة , ولكن ما دامت ايران دولة شيعية فأن من المحتمل تصديق عمالتهم لايران . وقد تم في تنفيذ ذلك : 1- أعتقال اكثر من مأتي رجل دين في النجف وكربلاء .

2-انتزاع اعترافات من بعض السياسيين بشأن تعاون رجال الدين معهم في التجسس .

ب – التسلسل الى صفوف رجال الدين الشيعة في محاولة لاحتوائهم , وضرب بعضهم ببعض .. ج – اختلاق مجموعة رجال دين مزورين , وفرضهم على الشعب باعتبار انهم الذين يمثلون رجال الدين الواقعيين والتعامل معهم كممثلين وحيدين عن التشيع . وقد تم في تنفيذ ذلك : 1- أدخلنا ما يقرب من 150 شاب بعثي في صفوف رجال الدين .

2- فرضنا على الناس التعامل مع الذين تعينهم الحكومة , وليس رجال الدين الحقيقين , ولذلك فقد تقرر إلغاء شهادة رجال الدين كلهم الا اذا تجددت من قبل رجال الدين الذين عيناهم نحن . 3- حاولنا اغتيال موسى الصدر في بيروت بعد ان قامبتحركات ضدنا – تمهيدا لتعين احد عملائنا خلفا له كرئيس للمجلس الشيعي الاعلى . 4- أرسلنا الشيخ علي كاشف الغطاء – وهو عميل تقليدي للحكومات العراقية على اختلاف اتجاهاتها , وغير مؤيد من قبل الشعب اطلاقا – ارسلناه الى بيروت وجندنا كافة وسائل الاعلام لالقاء الضوء عليه كمرجع أعلى للطائفة الشيعية . د- القيام باغتيالات فردية في صفوف رجال الدين القانطين في ايران .. لبنان ..الهند .. باكستان .. أفغانستان .. وفي تنفيذ ذلك قمنا بمحاولتين فاشلتين .

الاولى – تتعلق باغتيال الشيخ محمد شريعتي في باكستنان , والثاني – تتعلق باغتيال الشيخ رجب احمد في الهند , ولكننا نجحنا في اغتيال الشيخ عبد الامين الصالح في الهند . ه – تقليص نشاطات رجال الدين وحصرها في إقامة الصلوات واعطاء المسائل الشرعية وذلك بالغاء اجازات مدارسهم , ومستشفياتهم ومكاتبهم العامة .. سواء التي حصلو عليها من حكومات سابقة او من حكومتنا , ومصادرة اموالها او تجميد ارصدتها . اولا – إن الشعب زاده من تمسكه برجال الدين في اول بيان اصدرناه عن عمالة رجال الدين رجال الدين . فقد التف الشعب أكثر حول الشيخ محسن الحكيم عند ما اتهمناابنه الاكبر الشيخ مهدي بالتجسس لحساب الملا مصطفى البرزاني , الذي اتهمناه بدوره بالعمالة لحساب الصهيونية العالمية والاستخبارات المركزية .

ثانيا – لم يعترف اي رجل دين بالعمالة رغم ثقل التعذيب الذي تحملوه , وقد مات عدد منهم في مستشفى اليرموك بفعل التعذيب من دون أن يعترف بالمسرحية التي طالبناه بالاعتراف بها .. ثالثا – لم يتجاوب الشعب مع الذين زورناهم في رجال الدين , بل انهم أخذوا يواجهون التحقير والازدراء من قبله. ذلك لان تكوين الشعب العراقي لا يسمح بنجاح التزوير في رجال الدين خاصة الشيعة الذين لا يرتبط رجال دينهم بالدولة اطلاقا , لانهم لا يعيشون على أموال الدولة . ربعا – طوينا خطة اغتيال موسى الصدر في لبنان بعد ان نصحنا الكثيرون من اصدقائتا بذلك . باعتبار أن الامر في بيروت يختلف عنه في بغداد , وأن القضية هناك لا بد أن تنكشف مما سيثير غالبية البنانين ضد حكمنا نظرا للشعيبة التي يتمتع بها موسى الصدر بينهم , والصفة الرسمية التي يحملها .. ( وأظن أن امكانية اعادة الخطة امر وارد في حساب ابو هيثم ) .

خمسا – لم ننجح في اعطاء الشيخ كاشف الغطاء صفة المرجع الاعلى , بعد ان فشل في مؤتمره الصحفي الذي عقده بفندق كارلتون في بيروت , وبعد أن نشرت ضده المناشير الكثيرة وعن عمالته سابقا لقاسم , ومن بعده لعبد السلام ثم لعبد الرحمن , من جهات شعبية كثيرة ... وكلفتنا سفرته مع ما رافقتها من ملابسات , واموال صرفت على الصحفيين وبعض السياسيين , كلفنا اكثر من عشرين الف دينار .. ولكن بلا اي نتائج , بل ان بيان السفارة العراقية بشأن أن الشيخ كاشف الغطاء هو المرجع الاعلى سبب لنا ازمة سياسية ... وبالرغم من كل هذا الفشل الذريع , فقد اصر – ولا يزال طبعا – ابو هيثم أن نمضي قدما في حرب المرجعية الشيعية ..

وهنا لا بد من التذكير بنقطة هي اكثر خططنا فشلا كانت هي التي يضعها , ويصر على تنفيذها ابو هيثم , ذلك لانه لم يكن يقبل المناقشة , أو النقد , فقد كان يمارس الدكتاتورية معنا جميعا ,وفي مثل هذه الصورة هل نستطيع أن نخالف آرائه ؟ إن المشكلة لم تكن فقط في دكتاتوريته , وانما في نقطة اخرى انه كان – ولا يزال – ربما – سيىء الظن , وشكاكا الى ابعد الحدود. فقد كان يشك بعض الاوقات حتى في ابنه هيثم وزوجتة الحاجة – كما كنا نسميها – وقد ذكر لي مرة أنه بدأ يشك في ((هيثم )) وقال بالحرف الواحد – اخاف أن يفعل بي ما فعل ابن المتوكل بأبيه ووضعه لعدة مرات تحت المراقبة , كما أرسله مرة الى لبنان واناط الرقابة عليه على السفارة العراقية في بيروت . ولم يكن سؤ الظن ينتهي بسهولة , اذا كثيرا ما كان يودي بحياة أحدنا ..

مثلا شك الرئيس مرة بعبد الوهاب كريم , عضو القيادتين القومية والقطرية , بسبب نصيحته التي أسداها اليه بشأن القوميين الذين كان من رأي عبد الوهاب ضرورة التعاون معهم بدل اعتقال زعمائهم أمثال (( صديق شنشل )) فوضع خطة لاغتياله عن طريق جماعة صدام (( ميليشياالفداء )) وتم تنفيذالخطة بشارع الجمهورية ببغداد حيث قتل باطلاق (( مجهولين )) النار عليه , ثم اعلنت وسائل الاعلام عن مقتله بحادث اصطدام , وانعقدت الفواتح على روحه , واعلن الحداد عليه ثلاثة أيام . ولاجل ذلك كان علينا أن نصادق على خططه مهما بدت فاشلة , وقد ابديت انا استيائي من هذا الوضع الى بعض الزملاء , وعلى الاخص سعدون غيدان الذي بدى انه مستاء جدا مثلي .

وديكتاتورية الرئيس لم تكن مستورة , فقد بدأ الشعب كله يتذمر منها , لان الدكتاتورية الفردية لا تحتاج الى ابواق لتكشف عنها .. فهي تكشف نفسها بحوادث يومية تقع هنا وهناك .اليس يتسائل الشعب مثلا عما اذا كانت وزارة اق التي تضم 25 وزيرا تختلف عن بقية الوزارات ؟ بل هذه الوزاراة لم تجتمع مرة واحدة خلال كل المدة التي اعقبت 17 تموز ؟ إن الشعب الذي يستمع اليوم الى الاذاعات . ويطالع المجلات العالمية , والذي يسمع ويقرأ أن الوزارة الكذائية في البلد الكذائي اجتمعت اجتماعا عاديا أو استثنائيا ألا يتسائل لماذا لا تجتمع وزاراتنا لا عاديا ولا استثنائيا ؟

تصفية الحسابات مع الاعداء

بعد انتهاء دور (( شبكات التجسس )) في تبرير اعداماتنا جاء دور (( مؤامرات لقلب نظام الحكم )) , وكانت أول (( مؤامرة )) موهومة دبرها لنا الجنرال بختيار , بعد وصوله بأسبوعين هي المؤامرة التي اتهمنا فيها ايران و واغلقنا على أثرها السفارة الايرانية والقنصلية الايرانية في البصرة وكربلاء . تلك المؤامرة التي راح ضحيتها 87 شخصا وليس 42 شخص كما اعلنا .

والواقع فاننا التقطنا الاعداء كلهم من جميع انحاء العراق وكان اكثرهم من القوميين وبعض البعثين جناح سوريا (( وبعض الملاكين )) وبعض أعداء بريطانيا واعدمناهم في ليلة واحدة , ولم تكن محكمة الثورة التي عقدنها )) إلا كذبا , وقد قررنا بعد انتهاء دور (( المؤامرة )) ان نصفي اعداء الخارج ولم تنفع كل المحاولات التي بذلناها لمنع حدوث ذلك ... فبعد الاعدامات تلقينا رسائل من جملة الدول العربية تنصحنا بضبط النفس . لان الامر يتم على حساب السمعة العربية في العالم .. ولذلك فقد تم اعدام جماعات اخرين سرا .. وهنا لابد من توضيح نقطة وهي دوري في تخفيف التوتر العالمي في تلك الاعدامات , فقدكلفت بعدها بالسفر الى بيروت لمباركة خطوات الحكومة بشأن المؤامرة المزعومة تمهيدا للكشف عن مؤامرات اخرى .

وقد وضعت تحت تصرفي في هذه السفرة خمسة وسبعين ألف دينار لتوزيعها على اصحاب الصحف والمجلات هناك . كما كلفت بالاتصال بالسفير البريطاني لمطالبته بمنع الصحف والمجلات البريطانية عن التعليق على انباء المحاكمات نظرا للتاثير السيء الذي كانت تتركه على سمعتنا إذاعة لندن , بنشرها مقالات تلك الصحف والمجلات .

فاطمي
08-20-2005, 01:08 AM
الفصل الخامس والاخير من الجزء الاول من مذكرات حردان عبد الغفار التكريتي .



قدجاءت زيارتي الى بيروت رسمية بناءا على طلبي أنا وقد تقرر أن أعقد هناك مؤتمرا صحفيا ولكني امتنعت عن الاجابة عن اي سؤال بعد التعرف على الجريدة وهويتها – وقد احرجتني الصحف اليسارية وخاصتة


صحيفة النداء الشيوعية التي احرجتني في قضية اعتقالات قمنا بها في صفوف الشيوعين ولكن المؤتمر اعتبرناجحا , وقد تلقيت تهنئة أخوية من رفاقي الذين ابدوا اعجابهم بالتبريرات التي ذكرتها للاعدامات بالرغم من الصعوبة الضميرية التي كنت اعانيها مع كل كلمة كنت الفظها في الموتمر .

ولكن بعض السفراء العرب ومنهم سفير ليبيا نصحني بالابتعاد عن هذا النوع من التصفيات التي قال : انها تسىء الى سمعة الدول الثورية كلها , لانها ستعرف العالم ان كلمة الثورية تعني لدام , والارهاب , والقتل الجماعي ... ولقد تقرر في اجتماع عقدناه مع ابو هيثم أن يتم تصفية الافراد بالاغتيالات الفردية .

وفعلا فقد افرجنا عن كثير من السياسين الذين كانوا ينتظرون الاعدام , تمهيدا لاغتالهم من قبل (( مليشا الفداء )) التي يشرف عليها صدام شخصيا . والجدير بالذكر : أن المعتقلين السياسين يتعرضون لتعذيبات يومية تقريبا , وقد تم توزيعهم على بيوت خاصة جرى شراؤها في أنحاء القطر كله.

الاسئلة التي أجاب عليها حردان عبد الغفار .

سؤال :- هل يمكن ان تعود الى التعاون مع ابو هيثم مرة اخرى ؟ الجواب : - لست من الرجال الذين يضعون كرامتهم الخاصة في معرض البيع لم يكن عفويا , فقد تذمرت مرات من الوضع الارهابي القائم وذكرت أيضا انني لا استطيع ان أتعاون معهم طويلا .

سؤال :- لو قدرلأ بوهيثم أن يحكم العراق طويلا فكيف ستكون في نظرك صورة الوضع القائم ؟

جواب :- لا شك أن الصراع سيطول لعدة سنوات بين ابوهيثم وبين رفافة . ولكن الدهاء الذي يتصف به ابو هيثم سيمكنه من الانتصار على كل من ينازله المعركة . وأضن أن أول وجه سيسقط هو وجه صدام حسين لأنه اقوى منافسي أبو هيثم وأكثرهم شراسة ودموية .. أما الوجه الثاني فهو وجه صالح مهدي عماش , والوجه الاخر – باستثناء سعدون حمادي – ستسقط في وجبتين أو ثلاثة ليس أكثر . وبعد ذلك فلن يدوم وجه أبو هيثم نفسه , لان بريطانيا اليوم غير بريطانيا الأمس : فهي تبدل الوجوه بسرعة , بينما كانت سابقا تحب الوجوه العتيقة .

سؤال :- وماذا عن عفلق

جواب :- في نظري : لن يكون مصيره في ا لعراق خيرا من مصيره في سوريا .وهويعرف ذلك جيدا , وبسبب ما يعرف لا يقيم في العراق أكثر من خمسة وعشرين يوما في كل زيارة .

سؤال : - هل أن هناك توترا بين الحكم وبين عفلق كما تقول بعض الصحف ؟

جواب : - يسود توتر عاتم منذ منتصف عام 1969 العلاقات بين عفلق وبين الرئيس , ويعود سبب هذا التوتر الى قضية تهريب خمسين مليون دينار عراقي الى بنوك سويسرا وباريس , حيث تم الايداع عن طريق عفلق ولكن ظهر أن هذا الاخير لم يودعها باسم الحزب , كما كان مقررا , وانما اودعها بسمه الخاص , مما اثار غظب الرئيس . لأن معنى ايداع الأموال باسم عفلق أنه لا يحق لأي من الحاكمين التصرف فيها إلا اذا شاء عفلق , ولأنه يعني أن اي من اعضاء الحزب لا يستطيع الاستفادة منها اذا ما وقع انقلاب في بغداد . وقد جرت عدة محاولات لاعادت ايداعها باسم الحزب الا ان عفلق رفض ذلك مبررا موقفه بأنه هو الذي اسس حزب البعث , ومن ثم فهو الذي مكن ابو ميثم واعضاء الحزب من بلع اموال الحزب .. وقد بلغ الأمر بعفلق الى التهديد بكشف الاوراق في مؤتمر صحفي يعقده في بيروت . . ولولا التلطيفات التي قام بها صديقه صدام حسين لنفذ تهديده .

سؤال :- كيف ترى بيان 11 آذار ؟

جواب : - في الواقع ان الاكراد استطاعوا بصمودهم البطولي خلال قرن كامل أن يركعوا الحكم الى درجة بتنا نخشى أن يؤدي استمرار الحرب الى سقوط بغداد بايدي الملا مصطفى البرزاني . .. وقد بلغ معدل ضحايا الجيش العراقي قبل شهور من بيان 11 آذار 325 بين قتيل وجريح اسبوعيا . وبعد أن قمنا بمحاولة أخيرة للقضاء على المقاومة قبل 11 آذار بشهرين فقط , وفشلنا فيها قررنا إجراء مفاوضات مع الملا , لأنهاء القتال لأن ذلك كان سيعطينا فرصة طويلة للبقاء في الحكم .

وكان القصد من المفاوضات اعطاء الملا كل التنازلات التي يريدها , في محاولة لاحتوائه أو انقلاب عسكري ضده , ولكنه كان اقوى , واذكى وأكثر تمرسا بأساليب السياسية والعسكرية , ولذلك فقد اشترط في بند سري من بنود البيان بقاء (( 25 )) الف جندي من جنود البش مركه )) تحت السلاح , وقد اعطيناه ذلك ولكن قررنا أن نستغل فترة إنهاء الحرب لادخال عناصر من جماعة (( جلال الطالباني )) وهو عدو تقليدي للملا في جماعة الملا . , والقيام لاغتياله عند اللزوم , فالحرب لايمكن أن يطبق بيان 11 آذار بكامل بنوده لأن ذلك يعني اعطاء أضخم حقول البترول العراقية للأكراد , وهو حقل كركوك , وذلك يعني إفلاس الحكومة تقريبا . من هنا , فقد قرر الحزب القيام باحدى الخطتين : - 1 – أما اعلان الغاء اتفاقية آذار ضمن حملة عسكرية ضخمة تقوم بها القوات العراقية , وانهاء قضية الحكومة اللامركزية التي يطالب بها الملا .

2 – أو القيام بتوطين عائلات عربية في المناطق الكردية قبل اجراء احصاء عام فيها , الأمر الذي سيمكن الحزب من بقاء سيطرته قانونيا في تلك المناطق . وللحقيقة فان حكمنا لم يكن مخلصا للاكراد في اي يوم ولن يستطيع ولن يستطيع ان يصبح مخاصا لهم في المستقبل اطلاقا . . وسيكتشف الاكراد ذلك ان لم يكن قد اكتشفوه فعلا .

سؤال – اتسم حكم البعث في سنة 63 – وسنة 68 – 70 – بالأزمات المعيشية فهل ذلك نتيجة فقدان الخبرة الأدارية أم شيء آخر ؟ .

جواب : - الحقيقة ان بريطانيا التي ذاقت من الشعب العراقي الأمرين في ايام حكمها , ابتداءا من ثورة العشرين وانتهاءا بانتفاضة رشيد عالي الكيلاني , تحاول الانتقام منه الآن . وذلك عن طريق اتباع السياسة التي اتبعتها في الهند في أيام غاندي , والتي تلخيصها بسياسة الأذلال والأفقار . فمن ناحية تجري في العراق الان عملية الاذلال , بالتضييق عليه في امس حاجاته الضرورية كالمواد الغذائية , والأدوية والآلات الطبية , والتضيق عليه في السفر والجنسية والتضيق عليه في الجندية , والتضيق عليه بالبوليس السري الذي بلغ عدده ( سنة 1970 الى 15 ألف جندي , ما عدا رجال الأمن , والاستخبارات العسكرية .

فقانون الاصلاح الزراعي الذي سنه عبد الكريم قاسم , وطبقته من بعده حكومات عبد السلام وعبد الرحمن عارف لم يكن في صالح العراق اطلاقا , وقد سبب هذا (( الاصلاح )) غير المدروس انهيارا للزراعة العراقية ومن ثم في الاقتصاد العراقي كله , لأن اقتصاد العراق يعتمد على امرين : النفط والزراعة , ومع انهيار الزراعة كان من المفروض تقليل الضرائب ولكن الذي حدث هو عكس ذلك تماما فقد رفعت حكومتنا بالذات قيمة الضرائب , خاصة ما يتعلق منها بالمواد الضرورية 25 % لأن الحكومة تعتقد ان 30 % من واردات العراق يجب ان تصرف في النشاطات الحزبية , فكلما قلت الواردات تصعد هي الضريبة أو تفرض الضرائب العكسية , مثل التي فرضت على المؤسسات الأهلية على اساس ان على كل مؤسسة ان تدفع ضريبة معينةابتداءا من تأسيسها , وإن كان ذلك قبل مائة سنة مثلا عليها ان تدفع عشرة دنانير عن كل شهر من شهور العشرين سنة الماضية . تصوروا ان واردات العراق تبلغ الان اكثر من 900 مليون دينار عراقي , ومع ذلك فان الحكومة تفرض ضرائب بمعدل 10 % على كل فلاح يملك 10 اشجار , او 10 رؤوس غنم .

سؤال :- هل يمكن معالجة الوضع

جواب : - اذا كانت هناك حكومة برلمانية ذات قاعدة شعبية فانها تستطيع ان تنفذ برنامج اصلاحية , ولكن مع فقدان القاعدة الشعبية الصادقة لا تستطيع اية حكومة ان تقوم بذلك في العراق إلا على حساب رؤساء الحكومة انفسهم , ذلك لأن مشكلة المخابرات البريطانية , انها تقول للحكومة التي تأتي بها هي : انك حكومة حرة افعلي ما تشائين , حتى اذا ظهرت بوادر اتجاه الحكومة نحو الاصلاح ضربت بها عرض الحائط فا لحكومة التي تأتي على قطار انكليزي , لا بد ان تظل مخلصة ليس للمصالح البريطانية فقط , وإنما للنيات البريطانية ايضا إذا ارادت البقاء , وما دام الحزب لا ينوي الذهاب فهو ماض حتما في سياسة الاذلال والافقار الى النهاية .

سؤال : - كيف تصرف ال 30 % من واردات العراق على الحزب ؟

الجواب : - تنقسم مخصصات الحزب الى مخصصات الحزب في الداخل , والى مخصصات الحزب في الخارج , وبالرغم من ان الحزب في الداخل اكبر عدد من الحزب في الخارج فان الأموال التي تصرف في الخارج كثيرة وخيالية , وخاصة التي تصرف على افراد الحزب في الخليج , ولبنان . فبينما يصرف على كل حزبي في الداخل 18 دينار عراقي شهريا مقابل قيامه بنشاطات حزبية مستمرة , يبلغ معدل ما يصرف على الفرد الحزبي في الخارج 25 دينار . بالاضافة الى تكاليف سفرة مجانية الى العراق على متن طائرت تريارنت , وبقاء شهر على حساب الدولة لكل من يدخل التنظيم في لبنان والخليج العربي .

سؤال : - هل هناك مشاريع لتوسيع الحزب في الخارج والداخل

جواب :- مشاريع من هذا النوع اكثر من ان تحصى ويضم مكتب ابو هيثم ما لا يقل عن 23 ملفا كبيرا عن (( الخطط الخاصة )) كما يسميها ابو هيثم , وهي عبارة عن خطط لتمدد الحزب في الداخل والخارج . ولا بد من الاعتراف بأن الحزب يلاقي صعوبات ايديولوجية واسعة في جلب الشباب العراقيين الى الحزب اكثر من صعوبة جلب الشباب غير العراقيين اليه , لأن شعارات الحزب فقدت قيمتها بسبب الواقع الذي يواجهه , غير ان الحزب يعتمد الآ ن على الشباب غير العراقي .

سؤال : - كم هم عدد اعضاء الحزب

جواب : - في الخارج لا اعرف بالضبط , و أقدر أنه لا يتجاوز الألف أما في الداخل فانه يقرب من 3500 فقط اكثرهم ممن يدخل الحزب للحصول على راتب 18 دينار للمعيشة , وكل هؤلاء من ذوي العاهة , والشذاذ , وقليلا ما ينخرط في الحزب شخص من العائلات الشريفة , لأن تقاليد الحزب تتنافى مع التقاليد التي تتمسك بها العائلات العراقية , فالشعب العراقي شعب متمسك بالدين , و يرفضه بسهولة .

سؤال : - ماذا تعني القيادة القطرية ؟ وماذا تعني القيادة القومية ؟ وماذا هي مسؤليتهما ؟ .

جواب : - يعتقد حزب البعث العراقي ان عليه ان يشكل امبراطورية بعثية على انقاض حكومات الشرق كلها , وهو لذلك يجعل شعاره الأول (( وحدة )) ثم تأتي من بعده (( الحرية )) ثم (( الاشتراكية )) . وتحقيقا للشعار الأول ينقسم الحزب الى قسمين : ما يرتبط بالقضايا الداخلية , وما يرتبط بالقضايا الخارجية . وتتكون القيادة العراقية من افراد عراقين غالبا , وأما القيادة القومية فانها تتكون من افراد غير عراقين غالبا من امثال شبلي العيسمي ومحمد سليمان والياس فرح الخ , وتعطي لكل واحد منهم صلاحيات واسعة و كما تضع تحت تصرفهم امكانيات كبيرة للقيام بنشاطات حزبية داخل البلد الذي ينتمي اليه . والقيادة القومية تضم الان ( 70 سنة ) واحد ا من مصر واثنين من السعودية واربعة من سوريا وثلاثة من لبنان , واربعة من الاردن وامرأة من المغرب .

وقد جرى تصفية بعض الأعضاء الذين ظهر ولاؤهم للجناح السوري أمثال : حامد الجبوري , وأحمد محمد خالد وغيرهما . أما القيادة القطرية فان نشاطها يشمل الداخل والخارج معا , وهي تتألف الان ( 70 عام ) من 15 شخصا كلهم عراقيون , ولكنهم يخفون وجوههم تحسبا لأي طارىء. وقرارات القيادة القطرية تستمد من توصيات ميشيل عفلق , وتوجيهاته . . . وهذه القرارات تكون دئما سرية وليس ما يعلن عنها إلا تغطية للقرارات السرية التي يجري تنفيذها بصمت .بل قد لا يعلن عن شيء اطلاقا . . فقد اجتمعت القادة خلال ثلاثة اشهر من سنة 69 – 70 أكثر من خمس مرات , ولم يعلن عنها شيء ولكن اعطي مثالا عن قرارات الحزب اذكر ما يلي : 1 – قررت القيادة تحقيق شعار : (( كل شيء من اجل الدعاية )) بخلق جو اعلامي حول الحزب ومواقفه وخطواته , وقد اقتطع لذلك 80 % من برامج وسائل الأعلام : والاذاعة , والتلفزيون الصحف الخ لفرض التهريج للمشاريع , والمواقف الحزبية .

2 – وقررت القضاء على الروح الدينية في المجتمع العراقي وزرع روح الالحاد بدلا عنه , وقد اغلق لذلك كافة الدور الذي كانت تستورد الكتب الدينية , كما شددت الرقابة على المطبوعات والنشرات الدينية الى حدا كبير .

3 - وقررت احتكار الكلية العسكرية على البعثين الملتزمين وقد امتنعت لذلك عن قبول أي معدل للدخول الى هذه الكلية , منذ سنة 68 .

انتهى الفصل الخامس من القسم الاول من المذكرات .

ديك الجن
03-15-2021, 08:38 PM
ذهب التكارته تلاحقهم لعنات الناس والتاريخ