زوربا
08-19-2005, 07:19 AM
د. إسماعيل نوري الربيعي
في رواية النهايات للمبدع الكبير عبد الرحمن منيف، يكون استهلاله موغلا بالتشاؤم، حين يقول؛ إنه القحط، القحط مرة أخرى.فيما يكون الاختلاط الذي يلقي بظلاله على عراق الراهن، وقد أنتج حالة من التغييب لفكرة البداية والنهاية.حتى ليطيش المعنى ويذهب العقل وتغيب المقولات المنطقية.فالأسئلة تترى حول هذا الذي يجري والعيون تترصد المشهد بقلق وكآبة وحنق وقرف!وما بين نزيف الدم الذي يطال الأطفال والشيوخ والنساء، والاغتيالات التي تستهدف العلماء والأكاديميين، وحالة التوتر المقيم الذي راح يعلن عن نفسه بصخب ملفت من قبل الأطراف المتصارعة، يكون العراق الحاضر الأخير وسط هذه الزحمة من الشعارات والتوجهات والرؤى المضطربة.فالكل يعمد نحو شحذ ما تيسر له من إمكانات في سبيل إقصاء الطرف الآخر، حتى ليكون المشهد وقد عانى من الاختلال والاضطراب.ماراثون طويل لا يمكن تبين الملامح الأساسية فيه، غير اللهاث والقتل والدم والتغييب، فيما تنعدم الرؤية فيه، إذ لا بداية فيه ولا نهاية، ويبدو أن هذا قدر العراقيين الذين اصطلوا بنار الحروب والحصارات والصراعات الحزبية والأيديولوجية.
التفاصيل البريئة!!!
في خبر تم بثه من قبل فضائية عربية، على مدى دقيقة ونصف تم تكرار مفردتي (( السنة والشيعة)) أحد عشر مرة، ليكون التفصيل وقد أخذ مجال التحديد الطائفي لهذه المدينة أو تلك، حتى بات ذكر أي مدينة عراقية يستدعي تعريفا طائفيا بها.فالأمر لم يعد يرتبط بالفلوجة والرمادي والموصل والشرقاط والعمارة والناصرية وسوق الشيوخ والحي وقلعة صالح والبصرة وكربلاء واليوسفية واللطيفية، بقدر ما صار التطلع نحو ترصد مجال نشاط السنة هنا، أو الشيعة هناك. ليكون التكريس لهذه النزعة الظلامية وقد تفاقمت حتى راح العراقيون يتداولونها، باعتبار وصول الدش والأقمار الصناعية إليهم.فالعدوى راحت تطالهم حتى وإن كان التداول يتم على صعيد المزاح، وإلا كيف يمكن لك أن تشرح للآخرين، أن حديث الطائفية المقيت، ما هو إلا نتاج آني لمصالح الطامعين، اللامعة في أعينهم شهوة الملك.
أجندة التخريب المنظم الذي يتم توجيهه نحو العراق، تكشف عن تركيب معقد تحاول بعض الأطراف توظيبه وتصنيعه، فعلى الرغم من حالة التعايش الاجتماعي والوعي الذي تنامى خلال تجربة التنوير وبناء مؤسسات الدولة العراقية، والتراكمات التي أفرزتها حقب التعليم والتثقيف ورسوخ الوعي السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إلا أن تسللات التفكيك والتمزيق والتشظية، راحت تعلن عن حضورها المقيت. فالناس التي خرجت تستنكر الطائفية، ما عادت تفعلها مرة أخرى،فقد وعت اللعبة جيدا وباتت تعرف من يعمل على تأجيجها، بل أن القواعد والأسس التي تقوم عليها، إنما تستند إلى أسس واهية لا تمت للوعي والثقافة العراقية الأصيلة بأي رابط أو نسبة. لا سيما وأن تفعيلها وتقديمها إلى الواجهة، ما هي إلا حلقة في سلسلة مربوطة برقبة هذا الطرف وذاك، حيث المحاولات المستذئبة نحو إلغاء الآخر ومحاولة تغليب شعار أنا ومن بعدي الطوفان، على حساب تهديد البلاد والعباد وتمزيق وحدة الصف الوطني، (( الصف الوطني )) لا بوصفه علامة لغوية أو وسيلة للتبادل من دون رأسمال، بقدر ما هو معنى أصيل بحاجة إلى إعادة الروح فيه، وتكريسه وتفعيله في الذات العراقية، تلك التي عانت من فرط القسوة، وهلع التهديدات والخوف من الكلام حتى.
الغفلة والصحو
قد يتساءل البعض أين يمكن تلمس ثقافة (( الطايح رايح)) هذه، ليند السؤال الاستنكاري، بل قل أين يمكن عدم تلمسها وظهورها و تورمها في الجسد العراقي الممدد؟!فالإهمال والتراخي واللاأبالية (( والشعلية))، باتت تمثل الحاضر الأهم، فيما يصول المفسدون والمرتشون والخائبون والظلاميون والقتلة واللصوص والإرهابيون، بطولهم الفارع، من دون أن يرف لهم جفن.فالوقت وقتهم والزمن لهم هم لوحدهم يستأثرون به، على حساب انزواء وذواء صورة العراقي المهذب والمثقف والوطني والغيور والأصيل.
طوابير من القتلة يتم عرضهم على الفضائيات العراقية، واعترافات تقترب من المجانية، بالذبح وتقطيع الأوصال والسرقة والتهب، فيما يصمت القضاء ولا يحر جوابا! مئات من الضحايا والبيوت المخربة في الحلة والمسيب والنجف والفلوجة، لم تجد غير الصمت والوعود بإعادة الاعمار، أفواج من العاطلين الذين رضوا بقسمتهم وحظهم ونصيبهم، ولا من ناصر أو معين لهم، مئات من الصحف العراقية التي تكتب وتنتقد وتكشف وتفضح المفسدين والمخربين، ولا من راد أو ملتفت لها.عشرات من الأطفال الذين ذبحوا في البياع وبغداد الجديدة، ومناطق بعينها صارت بؤرا للإرهاب والترويع، ليكون العجز بمثابة الحاضر الأهم .فاسدون يهربون بأموال الدولة ولا من رقيب أو حسيب.وفوضى تنذر بالويل لهذا المواطن الذي صار نهبا للمصادفات غير السعيدة، مابين مفخخة هنا، أو قذيفة هاون من هناك! ومن يطاله الأذى تلفه غياهب النسيان ولا عزاء لمن يسقط ويتعرض للأذى، فالمرحلة تستدعي الهرولة واللهاث نحو المصالح، ويا غافلين لكم الله.
في زمن الأمان من العقاب، وغياب القانون والحدود المفتوحة على مصراعيها، يكون شعار المرحلة وقد تكرس في الإعلاء من شأن القوي والويل والثبور للضعيف،وفي الجري الذي يجيده الحواسم ويبرع به اللصوص ويتفنن به الملثمون، يكون من العسير على المواطن البسيط أن يدخل في حلبة السباق، فالــــــــ(( طايح رايح))،والخاسر الأكبر في هذه المعمعة التي لا يستبان فيها معنى أو قسمات أو ملامح، هو الوطن هذا الممدد على دكة الأهواء والرغبات والميول والمصالح!
imseer@yahoo.com
في رواية النهايات للمبدع الكبير عبد الرحمن منيف، يكون استهلاله موغلا بالتشاؤم، حين يقول؛ إنه القحط، القحط مرة أخرى.فيما يكون الاختلاط الذي يلقي بظلاله على عراق الراهن، وقد أنتج حالة من التغييب لفكرة البداية والنهاية.حتى ليطيش المعنى ويذهب العقل وتغيب المقولات المنطقية.فالأسئلة تترى حول هذا الذي يجري والعيون تترصد المشهد بقلق وكآبة وحنق وقرف!وما بين نزيف الدم الذي يطال الأطفال والشيوخ والنساء، والاغتيالات التي تستهدف العلماء والأكاديميين، وحالة التوتر المقيم الذي راح يعلن عن نفسه بصخب ملفت من قبل الأطراف المتصارعة، يكون العراق الحاضر الأخير وسط هذه الزحمة من الشعارات والتوجهات والرؤى المضطربة.فالكل يعمد نحو شحذ ما تيسر له من إمكانات في سبيل إقصاء الطرف الآخر، حتى ليكون المشهد وقد عانى من الاختلال والاضطراب.ماراثون طويل لا يمكن تبين الملامح الأساسية فيه، غير اللهاث والقتل والدم والتغييب، فيما تنعدم الرؤية فيه، إذ لا بداية فيه ولا نهاية، ويبدو أن هذا قدر العراقيين الذين اصطلوا بنار الحروب والحصارات والصراعات الحزبية والأيديولوجية.
التفاصيل البريئة!!!
في خبر تم بثه من قبل فضائية عربية، على مدى دقيقة ونصف تم تكرار مفردتي (( السنة والشيعة)) أحد عشر مرة، ليكون التفصيل وقد أخذ مجال التحديد الطائفي لهذه المدينة أو تلك، حتى بات ذكر أي مدينة عراقية يستدعي تعريفا طائفيا بها.فالأمر لم يعد يرتبط بالفلوجة والرمادي والموصل والشرقاط والعمارة والناصرية وسوق الشيوخ والحي وقلعة صالح والبصرة وكربلاء واليوسفية واللطيفية، بقدر ما صار التطلع نحو ترصد مجال نشاط السنة هنا، أو الشيعة هناك. ليكون التكريس لهذه النزعة الظلامية وقد تفاقمت حتى راح العراقيون يتداولونها، باعتبار وصول الدش والأقمار الصناعية إليهم.فالعدوى راحت تطالهم حتى وإن كان التداول يتم على صعيد المزاح، وإلا كيف يمكن لك أن تشرح للآخرين، أن حديث الطائفية المقيت، ما هو إلا نتاج آني لمصالح الطامعين، اللامعة في أعينهم شهوة الملك.
أجندة التخريب المنظم الذي يتم توجيهه نحو العراق، تكشف عن تركيب معقد تحاول بعض الأطراف توظيبه وتصنيعه، فعلى الرغم من حالة التعايش الاجتماعي والوعي الذي تنامى خلال تجربة التنوير وبناء مؤسسات الدولة العراقية، والتراكمات التي أفرزتها حقب التعليم والتثقيف ورسوخ الوعي السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إلا أن تسللات التفكيك والتمزيق والتشظية، راحت تعلن عن حضورها المقيت. فالناس التي خرجت تستنكر الطائفية، ما عادت تفعلها مرة أخرى،فقد وعت اللعبة جيدا وباتت تعرف من يعمل على تأجيجها، بل أن القواعد والأسس التي تقوم عليها، إنما تستند إلى أسس واهية لا تمت للوعي والثقافة العراقية الأصيلة بأي رابط أو نسبة. لا سيما وأن تفعيلها وتقديمها إلى الواجهة، ما هي إلا حلقة في سلسلة مربوطة برقبة هذا الطرف وذاك، حيث المحاولات المستذئبة نحو إلغاء الآخر ومحاولة تغليب شعار أنا ومن بعدي الطوفان، على حساب تهديد البلاد والعباد وتمزيق وحدة الصف الوطني، (( الصف الوطني )) لا بوصفه علامة لغوية أو وسيلة للتبادل من دون رأسمال، بقدر ما هو معنى أصيل بحاجة إلى إعادة الروح فيه، وتكريسه وتفعيله في الذات العراقية، تلك التي عانت من فرط القسوة، وهلع التهديدات والخوف من الكلام حتى.
الغفلة والصحو
قد يتساءل البعض أين يمكن تلمس ثقافة (( الطايح رايح)) هذه، ليند السؤال الاستنكاري، بل قل أين يمكن عدم تلمسها وظهورها و تورمها في الجسد العراقي الممدد؟!فالإهمال والتراخي واللاأبالية (( والشعلية))، باتت تمثل الحاضر الأهم، فيما يصول المفسدون والمرتشون والخائبون والظلاميون والقتلة واللصوص والإرهابيون، بطولهم الفارع، من دون أن يرف لهم جفن.فالوقت وقتهم والزمن لهم هم لوحدهم يستأثرون به، على حساب انزواء وذواء صورة العراقي المهذب والمثقف والوطني والغيور والأصيل.
طوابير من القتلة يتم عرضهم على الفضائيات العراقية، واعترافات تقترب من المجانية، بالذبح وتقطيع الأوصال والسرقة والتهب، فيما يصمت القضاء ولا يحر جوابا! مئات من الضحايا والبيوت المخربة في الحلة والمسيب والنجف والفلوجة، لم تجد غير الصمت والوعود بإعادة الاعمار، أفواج من العاطلين الذين رضوا بقسمتهم وحظهم ونصيبهم، ولا من ناصر أو معين لهم، مئات من الصحف العراقية التي تكتب وتنتقد وتكشف وتفضح المفسدين والمخربين، ولا من راد أو ملتفت لها.عشرات من الأطفال الذين ذبحوا في البياع وبغداد الجديدة، ومناطق بعينها صارت بؤرا للإرهاب والترويع، ليكون العجز بمثابة الحاضر الأهم .فاسدون يهربون بأموال الدولة ولا من رقيب أو حسيب.وفوضى تنذر بالويل لهذا المواطن الذي صار نهبا للمصادفات غير السعيدة، مابين مفخخة هنا، أو قذيفة هاون من هناك! ومن يطاله الأذى تلفه غياهب النسيان ولا عزاء لمن يسقط ويتعرض للأذى، فالمرحلة تستدعي الهرولة واللهاث نحو المصالح، ويا غافلين لكم الله.
في زمن الأمان من العقاب، وغياب القانون والحدود المفتوحة على مصراعيها، يكون شعار المرحلة وقد تكرس في الإعلاء من شأن القوي والويل والثبور للضعيف،وفي الجري الذي يجيده الحواسم ويبرع به اللصوص ويتفنن به الملثمون، يكون من العسير على المواطن البسيط أن يدخل في حلبة السباق، فالــــــــ(( طايح رايح))،والخاسر الأكبر في هذه المعمعة التي لا يستبان فيها معنى أو قسمات أو ملامح، هو الوطن هذا الممدد على دكة الأهواء والرغبات والميول والمصالح!
imseer@yahoo.com