ريما
08-27-2021, 03:33 PM
حسن عليق - الأخبار
الجمعة 27 آب 2021
عندما أوقف الأمن العام اللبناني، في مطار بيروت، مساعدة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ماريان الحويك، في أيار الفائت، بهدف تفتيشها ومصادرة أجهزة إلكترونية ووثائق كانت في حوزتها، لم ينم الرئيس سعد الحريري ليلاً. أجرى اتصالات احتجاجية، قبل أن يأتيه الجواب:
ثمّة استنابة قضائية من النيابة العامة التمييزية تطلب تفتيشها ومصادرة «أدلّة» تحملها، قبل السماح لها بدخول الأراضي اللبنانية. لم يكن قلب الحريري على الحويك، بل على رئيسها، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، منقذ مصرف الحريري من الإفلاس قبل سنوات، والرجل الذي تتدخّل الولايات المتحدة الأميركية لحمايته كلّما فكّر سياسيّ ــــ مجرّد تفكير ــــ بإطاحته. لبنان ليس بلد العجائب.
هو البلد الوحيد في العالم الذي يُلاحَق فيه حاكم مصرفه المركزي بتهم الاختلاس والتبييض والتزوير، ويستمرّ هذا الحاكم بصناعة السياسات النقدية والمالية والاقتصادية، والتحكّم بحياة السكان ومستوى عيشهم، ثم يُمنح (هذا الحاكم) المزيد من المال لإنفاقه على هواه.
وهو البلد الوحيد الذي يُشتبه في أن حاكم مصرفه المركزي منح شقيقه أكثر من 330 مليون دولار أميركي، نتيجة عقد مع المصرف المركزي نفسه. وهذه الشبهة ليست موجودة في سجلات القضاء اللبناني وحده، بل سبقه إليها القضاء السويسري، والادعاء العام في غير دولة أوروبية.
7 دول غربية تحقّق في منشأ ثروة يُقدّرها جهاز الاستخبارات في إحدى تلك الدول بأكثر من مليارَي دولار، ويشتبه في صلات لحاكم مصرف لبنان بها. هذه سابقة في تاريخ العمل المصرفي في العالم. ولبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي يجرؤ فيه رئيس حكومة سابق على القول:
«لماذا يلاحقون سلامة؟
كل القصة أنه أعطى عقد عمل وشوية مصاري لمساعِدته!».
يقولها كمن يتحدّث عن أب منح ابنه القاصر «مصروف جيب». ولبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي تُصدر فيه مدّعية عامة قراراً بتوقيف حاكم المصرف المركزي، من دون أن يجري تعميم القرار على الأجهزة الأمنية التي لن يجرؤ أيٌّ منها على توقيف الحاكم المطلوب.
رغم ذلك، لا يُعدّ ما تقدّم «عجيبة»، بقدر ما هو نتيجة «طبيعية» لنموذج إدارة الشؤون السياسية والاقتصادية في البلد الذي عصفت به أسوأ أزمة اقتصادية ونقدية في العالم، منذ ما قبل الحرب الكونية الثانية، ولم ترَ سلطته التشريعية جدوى في فرض قيود على رأس المال، رغم مضيّ أكثر من سنيتن على بدء الانهيار. أداء الدول «التي تحترم نفسها» يكون مغايراً.
في أفغانستان، مثلاً، أصدرت حركة طالبان قرار الـ«كابيتال كونترول» بعد أقل من 10 أيام على سيطرتها على العاصمة، بإعلانها منع إخراج العملة الصعبة من البلاد. حركة طالبان، المتهمة بالانتماء إلى القرون الوسطى، لجأت إلى إجراء طارئ، خشية تهريب الأموال إلى خارج الدولة.
وطالبان، مثلاً، ما كانت لتترك رياض سلامة خارج السجن. فمواجهة الحصار الخارجي توجب توقيفه كونه إحدى أدواته. ومكافحة الفساد تفرض الزجّ به في السجن، كونه أحد أربابه. والخروج من الانهيار لا يستقيم إلا بوجوده خلف القضبان، كونه أحد أبرز صانعيه.
وتخفيف وحشية النظام مستحيلة، فيما يداه غير مكبّلتين بالأصفاد، لأنه الأكثر وحشية في هذا النظام. وأيّ هدف سوى الاستمرار في الانهيار غير ممكن التحقق إلا إذا أوقِف رياض سلامة، لأنه لا يملك خطة لمواجهة الانهيار سوى المزيد من الانهيار.
أوقِفوه الآن. الآن وليس غداً. ففي كل ساعة إضافية يقضيها رياض سلامة في مكتبه، يدفع سكان لبنان ثمناً باهظاً من صحتهم وأمنهم ومستوى عيشهم وما تبقّى من سيادة بلدهم.
أوقِفوه الآن.
https://al-akhbar.com/Politics/315358?utm_source=tw&utm_medium=social&utm_campaign=paper
الجمعة 27 آب 2021
عندما أوقف الأمن العام اللبناني، في مطار بيروت، مساعدة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ماريان الحويك، في أيار الفائت، بهدف تفتيشها ومصادرة أجهزة إلكترونية ووثائق كانت في حوزتها، لم ينم الرئيس سعد الحريري ليلاً. أجرى اتصالات احتجاجية، قبل أن يأتيه الجواب:
ثمّة استنابة قضائية من النيابة العامة التمييزية تطلب تفتيشها ومصادرة «أدلّة» تحملها، قبل السماح لها بدخول الأراضي اللبنانية. لم يكن قلب الحريري على الحويك، بل على رئيسها، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، منقذ مصرف الحريري من الإفلاس قبل سنوات، والرجل الذي تتدخّل الولايات المتحدة الأميركية لحمايته كلّما فكّر سياسيّ ــــ مجرّد تفكير ــــ بإطاحته. لبنان ليس بلد العجائب.
هو البلد الوحيد في العالم الذي يُلاحَق فيه حاكم مصرفه المركزي بتهم الاختلاس والتبييض والتزوير، ويستمرّ هذا الحاكم بصناعة السياسات النقدية والمالية والاقتصادية، والتحكّم بحياة السكان ومستوى عيشهم، ثم يُمنح (هذا الحاكم) المزيد من المال لإنفاقه على هواه.
وهو البلد الوحيد الذي يُشتبه في أن حاكم مصرفه المركزي منح شقيقه أكثر من 330 مليون دولار أميركي، نتيجة عقد مع المصرف المركزي نفسه. وهذه الشبهة ليست موجودة في سجلات القضاء اللبناني وحده، بل سبقه إليها القضاء السويسري، والادعاء العام في غير دولة أوروبية.
7 دول غربية تحقّق في منشأ ثروة يُقدّرها جهاز الاستخبارات في إحدى تلك الدول بأكثر من مليارَي دولار، ويشتبه في صلات لحاكم مصرف لبنان بها. هذه سابقة في تاريخ العمل المصرفي في العالم. ولبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي يجرؤ فيه رئيس حكومة سابق على القول:
«لماذا يلاحقون سلامة؟
كل القصة أنه أعطى عقد عمل وشوية مصاري لمساعِدته!».
يقولها كمن يتحدّث عن أب منح ابنه القاصر «مصروف جيب». ولبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي تُصدر فيه مدّعية عامة قراراً بتوقيف حاكم المصرف المركزي، من دون أن يجري تعميم القرار على الأجهزة الأمنية التي لن يجرؤ أيٌّ منها على توقيف الحاكم المطلوب.
رغم ذلك، لا يُعدّ ما تقدّم «عجيبة»، بقدر ما هو نتيجة «طبيعية» لنموذج إدارة الشؤون السياسية والاقتصادية في البلد الذي عصفت به أسوأ أزمة اقتصادية ونقدية في العالم، منذ ما قبل الحرب الكونية الثانية، ولم ترَ سلطته التشريعية جدوى في فرض قيود على رأس المال، رغم مضيّ أكثر من سنيتن على بدء الانهيار. أداء الدول «التي تحترم نفسها» يكون مغايراً.
في أفغانستان، مثلاً، أصدرت حركة طالبان قرار الـ«كابيتال كونترول» بعد أقل من 10 أيام على سيطرتها على العاصمة، بإعلانها منع إخراج العملة الصعبة من البلاد. حركة طالبان، المتهمة بالانتماء إلى القرون الوسطى، لجأت إلى إجراء طارئ، خشية تهريب الأموال إلى خارج الدولة.
وطالبان، مثلاً، ما كانت لتترك رياض سلامة خارج السجن. فمواجهة الحصار الخارجي توجب توقيفه كونه إحدى أدواته. ومكافحة الفساد تفرض الزجّ به في السجن، كونه أحد أربابه. والخروج من الانهيار لا يستقيم إلا بوجوده خلف القضبان، كونه أحد أبرز صانعيه.
وتخفيف وحشية النظام مستحيلة، فيما يداه غير مكبّلتين بالأصفاد، لأنه الأكثر وحشية في هذا النظام. وأيّ هدف سوى الاستمرار في الانهيار غير ممكن التحقق إلا إذا أوقِف رياض سلامة، لأنه لا يملك خطة لمواجهة الانهيار سوى المزيد من الانهيار.
أوقِفوه الآن. الآن وليس غداً. ففي كل ساعة إضافية يقضيها رياض سلامة في مكتبه، يدفع سكان لبنان ثمناً باهظاً من صحتهم وأمنهم ومستوى عيشهم وما تبقّى من سيادة بلدهم.
أوقِفوه الآن.
https://al-akhbar.com/Politics/315358?utm_source=tw&utm_medium=social&utm_campaign=paper