yasmeen
08-16-2005, 07:37 AM
الأصول الباكستانية لمنفذي تفجيرات لندن تحمل حكومة مشرف على وضع برامج تدريس لمعاهد دينية تعود تعاليمها للقرن الـ17
إسلام آباد: عمر فاروق
سلطت الهجمات الانتحارية الأخيرة في لندن مجددا، الضوء على المدارس الدينية الباكستانية، والطلبة الأجانب الذين يدرسون فيها مع ما يقومون به من اجتماعات هناك، وأثار ذلك نقاشا داخل وخارج باكستان، حول دور تلك الحلقات الدينية التي تجري داخل هذه المدارس.
وأشار المسؤولون البريطانيون بعد الأعمال الإرهابية الأخيرة، إلى هذه المدارس قائلين إن «ما يحدث في هذه المعاهد، هو موضوع مقلق بالنسبة لنا». وأشار البعض أمس إلى أن هذه المدارس، باتت مصدرا أساسيا للتطرف مع توفير بعض منها التدريب العسكري لتلامذتها.
فمع اتضاح أن ثلاثة من الانتحاريين الأربعة، الذين نفذوا تفجيرات لندن هم من أصل باكستاني وسبق لهم أن قضوا وقتا في هذه المدارس، انطلق النقاش في وسائل الإعلام حول دور المدارس الدينية الباكستانية في نشر التطرف.
ويبدو أن حكومة برويز مشرف، بدأت عملية مزدوجة تهدف إلى طرد الطلبة الأجانب من المعاهد الدينية الباكستانية مع طرح برنامج تعليمي لهذه المعاهد من أجل التخلص من الاتجاه المتطرف فيها.
وقالت الحكومة الباكستانية إن قرارها طرد الطلبة الأجانب من المدارس الدينية نهائي، ولكنها في الوقت نفسه تنشغل حاليا بالحوار مع رؤساء هذه المعاهد حول طريقة عملها داخل باكستان، بما فيها مسألة مصير الطلبة الأجانب.
وحسب تقديرات الحكومة، فإن هناك حوالي 10 آلاف مدرسة من هذا النوع، تتبع برامج تعود إلى تعاليم شيوخ دينيين ينتمون إلى القرن السابع عشر.
وقال المسؤولون إن الحكومة قررت عدم استصدار أي تأشيرة دخول للأجانب، الذين ينوون القدوم إلى باكستان من أجل الانتماء إلى المعاهد التعليمية الدينية. إضافة إلى ذلك فإن الحكومة تسعى إلى استصدار قوانين جديدة لمنع تسجيل الطلبة الأجانب في هذه المدارس. وأشار بعض المسؤولين إلى أن المنع سيشمل الطلبة الذين لديهم جنسية مزدوجة.
فحقيقة كون ثلاثة من المهاجمين الانتحاريين المشاركين في تفجيرات 7 يوليو (تموز)، هم من أصل باكستاني وزاروا باكستان قبل التفجيرات دفع الوكالات الأمنية الباكستانية للتحقيق في الخيوط الموصلة لهم. وقال مسؤول أمني كبير للشرق الأوسط «نحن ما زلنا في طور التحقيق لمعرفة بمن التقوا، حينما كانوا في باكستان وأرقام هواتف معارفهم وكل التفاصيل الأخرى».
ونفذت الأجهزة الأمنية في باكستان بعض الاعتقالات التي لها علاقة بتفجيرات لندن الأخيرة، لكنها لم تجد أية صلة مباشرة لهم بتفجيرات لندن.
وأصبحت «المدارس» الباكستانية، تحت المجهر بعد المزاعم التي أثارتها بلدان غربية، من أنها مصدر للتطرف ولتوفير تدريب عسكري للتلامذة.
وتقع معظم هذه المدارس في أقاليم باكستانية قريبة من الحدود الأفغانية، وسبق لها أن لعبت دورا حاسما في دعم حركة طالبان في مراحلها الأولية، وكذلك بعد هجمات 11 سبتمبر ضد المدن الأميركية، إذ أعلنت بعض المدارس إعطاء تلامذتها عطلة، كي يشاركوا في القتال ضد القوات الأميركية بعد بدء حرب أفغانستان. والمفارقة أن عدد المدارس ازداد خلال حكم ضياء الحق (1977 ـ 1988)، حينما كانت الولايات المتحدة ترسل الأموال والأسلحة والعتاد إلى أفغانستان، للقتال ضد الاحتلال السوفياتي. وكانت الأموال تبعث من خلال باكستان، وقيل إن قسما منها كان يقدم إلى هذه المدارس كوسيلة دعم لها.
وفي أبريل (نيسان) 2002 قدر وزير الشؤون الدينية، عددها بعشرة آلاف مدرسة تضم 1.7 مليون تلميذ. وهذه المدارس تنتمي إلى مختلف المذاهب الإسلامية. علما ان «الجماعة الإسلامية» (ذات الجذور الأخوانية)، لها هي الأخرى مدارسها الخاصة.
مع ذلك فإن خبراء مستقلين، يرون أن الإحصائيات الحكومية غير دقيقة تماما، لأن هناك عددا آخر من المدارس غير المسجلة وتعمل في مناطق نائية من باكستان إضافة إلى وجود بعضها في وسط البلاد. وتقول التقديرات غير الرسمية إن عدد هذا النوع من المدارس في باكستان يصل إلى حوالي 15 ألفا.
وخلال السنتين أو الثلاث سنوات الأخيرة، أصدرت حكومة مشرف قانونين، يهدفان إلى مراقبة التطرف والنشاطات الحزبية في هذه المدارس. وكان الأول يهدف إلى إدخال مواضيع غير دينية كي تدرَّس فيها. وعلى ضوء القانون الأول الذي صدر في 18 أغسطس (آب) 2001 تشكل مجلس يشرف على هذه المدارس، وتأسست ثلاثة معاهد دينية نموذجية في كشمير وسكر وإسلام آباد. وتشمل مناهجها الدراسية مواضيع مثل الإنجليزية والرياضيات وعلم الكومبيوتر والاقتصاد والعلوم السياسية والقانون والدراسات الباكستانية. لكن هذه المعاهد، لم تلق ترحيبا من قبل رجال الدين. مع ذلك فإن هناك أقلية دعمت الحكومة في سعيها لتحديث المعاهد الدينية وما يدرَّس فيها.
بعد ذلك جاء قانون آخر يهدف إلى مراقبة انتساب الأجانب الى المعاهد الدينية الباكستانية ورصدهم. واسم هذا القانون «التسجيل الطوعي والضوابط». وقد صدر عام 2002 لكن أكثر المعاهد الدينية رفضته، لأنها لا تريد أي تدخل حكومي في أنشطتها.
وعلى الرغم من تركيز هذه المعاهد على مواضيع دينية، فإنها تدرس قدرا قليلا من المواضيع الدنيوية، وان بدرجة اهتمام أقل. وفي باكستان تدرّس كل المعاهد الدينية نفس البرنامج المستند إلى ما يعرف بـ«الدروس النظامية» والتي تعود إلى القرن السابع عشر.
مع ذلك فإن المدارس الدينية، التي تنتمي إلى مذهب ما تكيفت مع برنامج «الدروس النظامية»، حسبما تتطلبه تعاليم هذا المذهب أو ذاك.
ويستند منهج الدروس النظامية إلى كتب في القواعد والمنطق والفلسفة. وفي الفترة التي تلت الاستقلال قدم علماء الدين مواضيع أخرى مثل التاريخ وفي الفترة الأخيرة أدخل علم الكومبيوتر أيضا. لكن التركيز في الدراسة يبقى على التعليم الديني، وهذا يشمل الشريعة والفقه والحديث.
ويعتبر الشيخ ملا نظام الدين، الذي عاش في الهند البريطانية خلال القرن الثامن عشر، الشخص الذي وسع برنامج الدروس النظامية، كي تشمل كتبا أخرى في مواضيع مثل المقولات الذهنية (التحليل الذهني) والقواعد العربية والمنطق والفلسفة والرياضيات والبلاغة والفقه الى جانب دراسة القرآن والحديث. وحسب بابارا متكلاف مؤلفة كتاب «الإحياء الإسلامي في الهند البريطانية»، جرى تغيير التركيز لدى علماء الدين اللاحقين، بحيث خف التركيز على المقولات إلى المنقولات مع بقاء إطار البرنامج التعليمي، كما هو حتى يومنا الحالي.
من الناحية التاريخية تم وضع الدروس النظامية في وقت كانت فيها السلطة السياسية للمسلمين في طور التراجع في شبه القارة الهندية، وكان البريطانيون في طور فرض سلطتهم بشكل تدريجي على منطقة كانت خاضعة لسلطة المسلمين.
ويقول الخبراء إن الدروس النظامية هي نتاج ذلك الوقت الذي كان المسلمون يتعلمون فيه كيفية الحفاظ على الإرث الإسلامي في الهند، أمام انهيار الإمبراطورية المغولية هناك.
وفي فترة ما بعد الاستقلال تم إبقاء النظام التعليمي الخاص بالمدارس الدينية والمتمثل ببرنامج الدروس النظامية، مع ذلك عدل في بعض الحالات ليناسب متطلبات العصر أو متطلبات طائفة معينة تنتمي تلك المدرسة لها.
على سبيل المثال قامت المدرسة التي تديرها الجماعة الإسلامية (ذات التوجهات الأخوانية)، بضم الكتب التي ألف فيها زعماؤها مثل التاريخ.
غير أن معظم الخبراء يعتقدون أن تعليم المدارس لا يؤدي حكما الى نشر العنف في المجتمع، وذلك يمكن أن يحصل بعد اقتران التعليم بالتدريب العسكري وتعزيز ايديولوجية العنف السياسي. ويقول البروفيسور طارق رحمن، أستاذ التاريخ في جامعة (قايدي عزام)، إن المدارس أصبحت ناشطة سياسيا عندما استخدمت من جانب الدولة الباكستانية للقتال في أفغانستان خلال الاحتلال السوفياتي.
وعلى الرغم من المناهج الدراسية التي يجري تعليمها في هذه المعاهد منذ قرون فإن طلاب المدارس لديهم وجهات نظر ناشطة سياسيا حول معظم قضايا السياسة الأجنبية التي تواجه باكستان والمنطقة.
وعندما سئل بعض هؤلاء الطلاب، عبروا عن استعدادهم للمشاركة في الصراعات التي تجري في المناطق المجاورة. وقال طالب باكستاني في مدرسة باسلام آباد، رفض الكشف عن اسمه، «لا أعرف انها ستؤثر على البلد، أنا مستعد للالتحاق بالجهاد الذي يجري في كشمير وأفغانستان ضد الكفار».
وقد اتخذ بعض الطلاب من ذوي الجنسية المزدوجة (مواطنون أجانب من أصل باكستاني)، موقفا انتقاديا متشددا من قرار حكومة مشرف القاضي بمنع الطلاب الأجانب من الدراسة في معاهد التعليم الباكستانية. وقال مواطن أميركي من أصل باكستاني يدرس في اسلام آباد «لا يوجد هنا تدريب عسكري ولا تعليم للتطرف، فلماذا تريد الحكومة حرماننا من التعليم الديني».
بل ان بعض الطلاب الذين ينتمون الى هذه المعاهد قرروا التوجه الى المحاكم اذا ما طردوا من المدارس.
غير أن المسؤولين عن المدارس يقولون انهم يجرون حوارا مع الحكومة. وفي محادثات جرت أخيرا كانت هناك بعض المؤشرات الايجابية.
وقال مفتي منيب الرحمن رئيس (اتحاد تنظيم المدارس) «نحن نفكر بخيار التوجه الى المحكمة العليا، ولكننا نعتقد انه ليس ملائما في هذه المرحلة ان نتوجه الى المحكمة حول هذه القضايا، ذلك اننا ما زلنا في حوار مع الحكومة». بل وعبر عن أمله في ألا ينتهك أي فرد أو مدرسة قرار الهيئة العليا في التوجه الى المحكمة، حيث أن ذلك يمكن أن يؤثر سلبا على مناخ الحوار.
ولكن هناك، من ناحية أخرى، جماعة تؤيد اللجوء الى القضاء ضد قرار الحكومة طرد الطلاب الجانب من المدارس. وتعهد وزير القانون في حكومة الاقليم الشمالي الغربي ظفر عزام، أخيرا، بالتوجه الى المحكمة لاعتباره ان قرار الطرد يتعارض مع الدستور. وتتشكل حكومة الاقليم الشمالي الغربي من تحالف يضم ستة أحزاب سياسية دينية. وعلى نحو مماثل فإن حافظ حسين احمد زعيم التحالف الديني مجلس العمل المتحد، يدافع بقوة عن اللجوء الى القضاء ضد قرار الطرد. ويأمل معظم الزعماء غير السياسيين لمؤسسات المدارس، بأنه لن يكون هناك طرد قسري للطلاب الأجانب قبل اكمال السنة الدراسية الحالية.
وخلال السنوات الأربع الماضية، كانت حكومة مشرف قد منعت ما يقرب من عشر منظمات مسؤولة عن عمليات التسلل الى كشمير الهندية وأفغانستان، وعن العنف الطائفي داخل البلاد. وينتمي معظم أعضاء هذه المنظمات الى المدارس التي تقع في مناطق مختلفة من البلاد.
وتدار معظم المدارس في اطار خيري من جانب تجار صغار وبعض رجال الأعمال الأغنياء من الطبقات الوسطى. وتشير تقارير الى أن بعض المدارس تمول أيضا من جانب حكومات أجنبية، غير أنه لا يوجد سجل رسمي لهذا الدعم.
وقبل ثلاث سنوات بدأت الحكومة أيضا بتمويل المعاهد من أجل المساعدة على تحديث النصوص الدراسية وادخال موضوعات علمانية في المناهج. ووفقا لأرقام رسمية تعود الى عامي 2000 و2001 وزع مبلغ 1.654.000 روبية على المدارس التي قبلت المساعدة. وفي السنوات الثلاث الماضية قدمت وزارة الشؤون الدينية أيضا أموالا لبعض المعاهد لتدريس الكومبيوتر ضمن المناهج الدراسية.
وبما ان معظم طلاب هذه المدارس يأتون من الفئات الاجتماعية الدنيا، فإن المدارس لا تأخذ اية رسوم دراسية، غير انه يتعين على كل طالب أن يدفع رسوم دخول للالتحاق بهذه المعاهد. ويجري توفير أماكن اقامة للطلاب. وقال مفتي منيب الرحمن «نحن نخضع حساباتنا باستمرار الى التدقيق من جانب شركات المحاسبة المفوضة من الحكومة». وقال مسؤول آخر في مؤسسة «تنظيم المدارس» في باكستان ان «المدارس في باكستان تؤدي دور المنظمات غير الحكومية، وهي تدار على أساس التبرعات من الناس وبينها تبرعات من مختلف الفئات الاجتماعية».
وقال مسؤولون كبار في وزارة الداخلية ان تدقيق حسابات المدارس ممارسة حديثة في باكستان، أو أنها طبقت بشكل نشيط، على الأقل، في الفترة الأخيرة.
ووفقا لدراسة قامت بها المؤسسة التربوية في لاهور فان ما يزيد على نصف الطلاب يلتحقون بهذه المعاهد لأسباب اقتصادية. وبما ان المعاهد توفر التعليم المجاني، فإنها تعتبر الأماكن الوحيدة التي يمكن للفئات الدنيا من المجتمع ان تحصل فيها على التعليم.
ويشترك كثير من المعلمين في هذه المعاهد مع طلابهم في الخلفية الاجتماعية الاقتصادية. فهؤلاء المقبلون من خلفية فقيرة يحصلون عادة على رواتب جيدة اذا ما عملوا في معاهد بارزة تجتذب طلابا من جميع أنحاء العالم.
وقال صحافي معروف يرتبط بعلاقات مع القوى الدينية في باكستان انه «لا يوجد نظام رواتب محدد للمعلمين في جميع المعاهد، فهذه الرواتب تتباين من معهد الى آخر». وقال طارق رحمن في محاضرة له في احدى الندوات انه «بما أنهم من خلفيات فقيرة، فإنهم يعبرون عن احساسهم بأنهم خدعوا من المجتمع.. وهذا يمنحهم احساسا بحق الكفاح ضد ما يعتبرونه الاضطهاد والجور». وعادة ما يأتي دعم هذه المعاهد الدينية من زعماء الأحزاب السياسية الدينية وهم من يدافعون بقوة هذه المؤسسات والتعليم الذي تمارسه. وقبل أسبوعين أعلن تحالف 6 أحزاب دينية، احتجاجا واسعا في مختلف أنحاء البلاد دفاعا عن تعليم المدارس وضد تدخل الحكومة. غير ان الحكومة بدأت من ناحية أخرى، عملية حوار مع الهيئات المشرفة لهذه المؤسسات من أجل دفعها الى طريق الاصلاحات. وفي تطور حديث زار دبلوماسيون بريطانيون وأميركيون احد اكبر معاهد باكستان، جمعية بينوريا، في كراتشي بدعوة من ادارة المعهد. و كانت الدعوة تهدف الى توسيع الضغط على الحكومة للتخلي عن القرار المتعلق بدراسة الطلاب الأجانب في المدارس الباكستانية. وقال المفتي نعيمي، رئيس جمعية بينوريا، للصحافيين في كراتشي قبل أيام قليلة «سنبذل كل ما في وسعنا لمساعدة الطلاب الأجانب على اكمال دراستهم في باكستان، وقد تأخذنا جهودنا الى المحكمة».
وعقدت الحكومة الفدرالية وحكومات الأقاليم اجتماعات مع زعماء المدارس لتضغط عليهم باتجاه ضرورة طرد الطلاب الأجانب من معاهدهم. غير ان قاضي حسين احمد، زعيم الجماعة الاسلامية التي تدير حوالي 1500 مدرسة، وتستضيف عددا من الطلاب الأجانب من أوروبا ودول اسلامية آسيوية قال ان الحظر على الطلاب الاجانب يتعارض مع المصالح الوطنية. ويعتقد معظم الخبراء المستقلين، أنه في حالة عدم نجاح عملية الحوار، فإن الخلاف المتعلق بالمدارس قد يجد طريقه الى المحاكم العليا في البلاد، مما يؤدي الى معركة قضائية.
إسلام آباد: عمر فاروق
سلطت الهجمات الانتحارية الأخيرة في لندن مجددا، الضوء على المدارس الدينية الباكستانية، والطلبة الأجانب الذين يدرسون فيها مع ما يقومون به من اجتماعات هناك، وأثار ذلك نقاشا داخل وخارج باكستان، حول دور تلك الحلقات الدينية التي تجري داخل هذه المدارس.
وأشار المسؤولون البريطانيون بعد الأعمال الإرهابية الأخيرة، إلى هذه المدارس قائلين إن «ما يحدث في هذه المعاهد، هو موضوع مقلق بالنسبة لنا». وأشار البعض أمس إلى أن هذه المدارس، باتت مصدرا أساسيا للتطرف مع توفير بعض منها التدريب العسكري لتلامذتها.
فمع اتضاح أن ثلاثة من الانتحاريين الأربعة، الذين نفذوا تفجيرات لندن هم من أصل باكستاني وسبق لهم أن قضوا وقتا في هذه المدارس، انطلق النقاش في وسائل الإعلام حول دور المدارس الدينية الباكستانية في نشر التطرف.
ويبدو أن حكومة برويز مشرف، بدأت عملية مزدوجة تهدف إلى طرد الطلبة الأجانب من المعاهد الدينية الباكستانية مع طرح برنامج تعليمي لهذه المعاهد من أجل التخلص من الاتجاه المتطرف فيها.
وقالت الحكومة الباكستانية إن قرارها طرد الطلبة الأجانب من المدارس الدينية نهائي، ولكنها في الوقت نفسه تنشغل حاليا بالحوار مع رؤساء هذه المعاهد حول طريقة عملها داخل باكستان، بما فيها مسألة مصير الطلبة الأجانب.
وحسب تقديرات الحكومة، فإن هناك حوالي 10 آلاف مدرسة من هذا النوع، تتبع برامج تعود إلى تعاليم شيوخ دينيين ينتمون إلى القرن السابع عشر.
وقال المسؤولون إن الحكومة قررت عدم استصدار أي تأشيرة دخول للأجانب، الذين ينوون القدوم إلى باكستان من أجل الانتماء إلى المعاهد التعليمية الدينية. إضافة إلى ذلك فإن الحكومة تسعى إلى استصدار قوانين جديدة لمنع تسجيل الطلبة الأجانب في هذه المدارس. وأشار بعض المسؤولين إلى أن المنع سيشمل الطلبة الذين لديهم جنسية مزدوجة.
فحقيقة كون ثلاثة من المهاجمين الانتحاريين المشاركين في تفجيرات 7 يوليو (تموز)، هم من أصل باكستاني وزاروا باكستان قبل التفجيرات دفع الوكالات الأمنية الباكستانية للتحقيق في الخيوط الموصلة لهم. وقال مسؤول أمني كبير للشرق الأوسط «نحن ما زلنا في طور التحقيق لمعرفة بمن التقوا، حينما كانوا في باكستان وأرقام هواتف معارفهم وكل التفاصيل الأخرى».
ونفذت الأجهزة الأمنية في باكستان بعض الاعتقالات التي لها علاقة بتفجيرات لندن الأخيرة، لكنها لم تجد أية صلة مباشرة لهم بتفجيرات لندن.
وأصبحت «المدارس» الباكستانية، تحت المجهر بعد المزاعم التي أثارتها بلدان غربية، من أنها مصدر للتطرف ولتوفير تدريب عسكري للتلامذة.
وتقع معظم هذه المدارس في أقاليم باكستانية قريبة من الحدود الأفغانية، وسبق لها أن لعبت دورا حاسما في دعم حركة طالبان في مراحلها الأولية، وكذلك بعد هجمات 11 سبتمبر ضد المدن الأميركية، إذ أعلنت بعض المدارس إعطاء تلامذتها عطلة، كي يشاركوا في القتال ضد القوات الأميركية بعد بدء حرب أفغانستان. والمفارقة أن عدد المدارس ازداد خلال حكم ضياء الحق (1977 ـ 1988)، حينما كانت الولايات المتحدة ترسل الأموال والأسلحة والعتاد إلى أفغانستان، للقتال ضد الاحتلال السوفياتي. وكانت الأموال تبعث من خلال باكستان، وقيل إن قسما منها كان يقدم إلى هذه المدارس كوسيلة دعم لها.
وفي أبريل (نيسان) 2002 قدر وزير الشؤون الدينية، عددها بعشرة آلاف مدرسة تضم 1.7 مليون تلميذ. وهذه المدارس تنتمي إلى مختلف المذاهب الإسلامية. علما ان «الجماعة الإسلامية» (ذات الجذور الأخوانية)، لها هي الأخرى مدارسها الخاصة.
مع ذلك فإن خبراء مستقلين، يرون أن الإحصائيات الحكومية غير دقيقة تماما، لأن هناك عددا آخر من المدارس غير المسجلة وتعمل في مناطق نائية من باكستان إضافة إلى وجود بعضها في وسط البلاد. وتقول التقديرات غير الرسمية إن عدد هذا النوع من المدارس في باكستان يصل إلى حوالي 15 ألفا.
وخلال السنتين أو الثلاث سنوات الأخيرة، أصدرت حكومة مشرف قانونين، يهدفان إلى مراقبة التطرف والنشاطات الحزبية في هذه المدارس. وكان الأول يهدف إلى إدخال مواضيع غير دينية كي تدرَّس فيها. وعلى ضوء القانون الأول الذي صدر في 18 أغسطس (آب) 2001 تشكل مجلس يشرف على هذه المدارس، وتأسست ثلاثة معاهد دينية نموذجية في كشمير وسكر وإسلام آباد. وتشمل مناهجها الدراسية مواضيع مثل الإنجليزية والرياضيات وعلم الكومبيوتر والاقتصاد والعلوم السياسية والقانون والدراسات الباكستانية. لكن هذه المعاهد، لم تلق ترحيبا من قبل رجال الدين. مع ذلك فإن هناك أقلية دعمت الحكومة في سعيها لتحديث المعاهد الدينية وما يدرَّس فيها.
بعد ذلك جاء قانون آخر يهدف إلى مراقبة انتساب الأجانب الى المعاهد الدينية الباكستانية ورصدهم. واسم هذا القانون «التسجيل الطوعي والضوابط». وقد صدر عام 2002 لكن أكثر المعاهد الدينية رفضته، لأنها لا تريد أي تدخل حكومي في أنشطتها.
وعلى الرغم من تركيز هذه المعاهد على مواضيع دينية، فإنها تدرس قدرا قليلا من المواضيع الدنيوية، وان بدرجة اهتمام أقل. وفي باكستان تدرّس كل المعاهد الدينية نفس البرنامج المستند إلى ما يعرف بـ«الدروس النظامية» والتي تعود إلى القرن السابع عشر.
مع ذلك فإن المدارس الدينية، التي تنتمي إلى مذهب ما تكيفت مع برنامج «الدروس النظامية»، حسبما تتطلبه تعاليم هذا المذهب أو ذاك.
ويستند منهج الدروس النظامية إلى كتب في القواعد والمنطق والفلسفة. وفي الفترة التي تلت الاستقلال قدم علماء الدين مواضيع أخرى مثل التاريخ وفي الفترة الأخيرة أدخل علم الكومبيوتر أيضا. لكن التركيز في الدراسة يبقى على التعليم الديني، وهذا يشمل الشريعة والفقه والحديث.
ويعتبر الشيخ ملا نظام الدين، الذي عاش في الهند البريطانية خلال القرن الثامن عشر، الشخص الذي وسع برنامج الدروس النظامية، كي تشمل كتبا أخرى في مواضيع مثل المقولات الذهنية (التحليل الذهني) والقواعد العربية والمنطق والفلسفة والرياضيات والبلاغة والفقه الى جانب دراسة القرآن والحديث. وحسب بابارا متكلاف مؤلفة كتاب «الإحياء الإسلامي في الهند البريطانية»، جرى تغيير التركيز لدى علماء الدين اللاحقين، بحيث خف التركيز على المقولات إلى المنقولات مع بقاء إطار البرنامج التعليمي، كما هو حتى يومنا الحالي.
من الناحية التاريخية تم وضع الدروس النظامية في وقت كانت فيها السلطة السياسية للمسلمين في طور التراجع في شبه القارة الهندية، وكان البريطانيون في طور فرض سلطتهم بشكل تدريجي على منطقة كانت خاضعة لسلطة المسلمين.
ويقول الخبراء إن الدروس النظامية هي نتاج ذلك الوقت الذي كان المسلمون يتعلمون فيه كيفية الحفاظ على الإرث الإسلامي في الهند، أمام انهيار الإمبراطورية المغولية هناك.
وفي فترة ما بعد الاستقلال تم إبقاء النظام التعليمي الخاص بالمدارس الدينية والمتمثل ببرنامج الدروس النظامية، مع ذلك عدل في بعض الحالات ليناسب متطلبات العصر أو متطلبات طائفة معينة تنتمي تلك المدرسة لها.
على سبيل المثال قامت المدرسة التي تديرها الجماعة الإسلامية (ذات التوجهات الأخوانية)، بضم الكتب التي ألف فيها زعماؤها مثل التاريخ.
غير أن معظم الخبراء يعتقدون أن تعليم المدارس لا يؤدي حكما الى نشر العنف في المجتمع، وذلك يمكن أن يحصل بعد اقتران التعليم بالتدريب العسكري وتعزيز ايديولوجية العنف السياسي. ويقول البروفيسور طارق رحمن، أستاذ التاريخ في جامعة (قايدي عزام)، إن المدارس أصبحت ناشطة سياسيا عندما استخدمت من جانب الدولة الباكستانية للقتال في أفغانستان خلال الاحتلال السوفياتي.
وعلى الرغم من المناهج الدراسية التي يجري تعليمها في هذه المعاهد منذ قرون فإن طلاب المدارس لديهم وجهات نظر ناشطة سياسيا حول معظم قضايا السياسة الأجنبية التي تواجه باكستان والمنطقة.
وعندما سئل بعض هؤلاء الطلاب، عبروا عن استعدادهم للمشاركة في الصراعات التي تجري في المناطق المجاورة. وقال طالب باكستاني في مدرسة باسلام آباد، رفض الكشف عن اسمه، «لا أعرف انها ستؤثر على البلد، أنا مستعد للالتحاق بالجهاد الذي يجري في كشمير وأفغانستان ضد الكفار».
وقد اتخذ بعض الطلاب من ذوي الجنسية المزدوجة (مواطنون أجانب من أصل باكستاني)، موقفا انتقاديا متشددا من قرار حكومة مشرف القاضي بمنع الطلاب الأجانب من الدراسة في معاهد التعليم الباكستانية. وقال مواطن أميركي من أصل باكستاني يدرس في اسلام آباد «لا يوجد هنا تدريب عسكري ولا تعليم للتطرف، فلماذا تريد الحكومة حرماننا من التعليم الديني».
بل ان بعض الطلاب الذين ينتمون الى هذه المعاهد قرروا التوجه الى المحاكم اذا ما طردوا من المدارس.
غير أن المسؤولين عن المدارس يقولون انهم يجرون حوارا مع الحكومة. وفي محادثات جرت أخيرا كانت هناك بعض المؤشرات الايجابية.
وقال مفتي منيب الرحمن رئيس (اتحاد تنظيم المدارس) «نحن نفكر بخيار التوجه الى المحكمة العليا، ولكننا نعتقد انه ليس ملائما في هذه المرحلة ان نتوجه الى المحكمة حول هذه القضايا، ذلك اننا ما زلنا في حوار مع الحكومة». بل وعبر عن أمله في ألا ينتهك أي فرد أو مدرسة قرار الهيئة العليا في التوجه الى المحكمة، حيث أن ذلك يمكن أن يؤثر سلبا على مناخ الحوار.
ولكن هناك، من ناحية أخرى، جماعة تؤيد اللجوء الى القضاء ضد قرار الحكومة طرد الطلاب الجانب من المدارس. وتعهد وزير القانون في حكومة الاقليم الشمالي الغربي ظفر عزام، أخيرا، بالتوجه الى المحكمة لاعتباره ان قرار الطرد يتعارض مع الدستور. وتتشكل حكومة الاقليم الشمالي الغربي من تحالف يضم ستة أحزاب سياسية دينية. وعلى نحو مماثل فإن حافظ حسين احمد زعيم التحالف الديني مجلس العمل المتحد، يدافع بقوة عن اللجوء الى القضاء ضد قرار الطرد. ويأمل معظم الزعماء غير السياسيين لمؤسسات المدارس، بأنه لن يكون هناك طرد قسري للطلاب الأجانب قبل اكمال السنة الدراسية الحالية.
وخلال السنوات الأربع الماضية، كانت حكومة مشرف قد منعت ما يقرب من عشر منظمات مسؤولة عن عمليات التسلل الى كشمير الهندية وأفغانستان، وعن العنف الطائفي داخل البلاد. وينتمي معظم أعضاء هذه المنظمات الى المدارس التي تقع في مناطق مختلفة من البلاد.
وتدار معظم المدارس في اطار خيري من جانب تجار صغار وبعض رجال الأعمال الأغنياء من الطبقات الوسطى. وتشير تقارير الى أن بعض المدارس تمول أيضا من جانب حكومات أجنبية، غير أنه لا يوجد سجل رسمي لهذا الدعم.
وقبل ثلاث سنوات بدأت الحكومة أيضا بتمويل المعاهد من أجل المساعدة على تحديث النصوص الدراسية وادخال موضوعات علمانية في المناهج. ووفقا لأرقام رسمية تعود الى عامي 2000 و2001 وزع مبلغ 1.654.000 روبية على المدارس التي قبلت المساعدة. وفي السنوات الثلاث الماضية قدمت وزارة الشؤون الدينية أيضا أموالا لبعض المعاهد لتدريس الكومبيوتر ضمن المناهج الدراسية.
وبما ان معظم طلاب هذه المدارس يأتون من الفئات الاجتماعية الدنيا، فإن المدارس لا تأخذ اية رسوم دراسية، غير انه يتعين على كل طالب أن يدفع رسوم دخول للالتحاق بهذه المعاهد. ويجري توفير أماكن اقامة للطلاب. وقال مفتي منيب الرحمن «نحن نخضع حساباتنا باستمرار الى التدقيق من جانب شركات المحاسبة المفوضة من الحكومة». وقال مسؤول آخر في مؤسسة «تنظيم المدارس» في باكستان ان «المدارس في باكستان تؤدي دور المنظمات غير الحكومية، وهي تدار على أساس التبرعات من الناس وبينها تبرعات من مختلف الفئات الاجتماعية».
وقال مسؤولون كبار في وزارة الداخلية ان تدقيق حسابات المدارس ممارسة حديثة في باكستان، أو أنها طبقت بشكل نشيط، على الأقل، في الفترة الأخيرة.
ووفقا لدراسة قامت بها المؤسسة التربوية في لاهور فان ما يزيد على نصف الطلاب يلتحقون بهذه المعاهد لأسباب اقتصادية. وبما ان المعاهد توفر التعليم المجاني، فإنها تعتبر الأماكن الوحيدة التي يمكن للفئات الدنيا من المجتمع ان تحصل فيها على التعليم.
ويشترك كثير من المعلمين في هذه المعاهد مع طلابهم في الخلفية الاجتماعية الاقتصادية. فهؤلاء المقبلون من خلفية فقيرة يحصلون عادة على رواتب جيدة اذا ما عملوا في معاهد بارزة تجتذب طلابا من جميع أنحاء العالم.
وقال صحافي معروف يرتبط بعلاقات مع القوى الدينية في باكستان انه «لا يوجد نظام رواتب محدد للمعلمين في جميع المعاهد، فهذه الرواتب تتباين من معهد الى آخر». وقال طارق رحمن في محاضرة له في احدى الندوات انه «بما أنهم من خلفيات فقيرة، فإنهم يعبرون عن احساسهم بأنهم خدعوا من المجتمع.. وهذا يمنحهم احساسا بحق الكفاح ضد ما يعتبرونه الاضطهاد والجور». وعادة ما يأتي دعم هذه المعاهد الدينية من زعماء الأحزاب السياسية الدينية وهم من يدافعون بقوة هذه المؤسسات والتعليم الذي تمارسه. وقبل أسبوعين أعلن تحالف 6 أحزاب دينية، احتجاجا واسعا في مختلف أنحاء البلاد دفاعا عن تعليم المدارس وضد تدخل الحكومة. غير ان الحكومة بدأت من ناحية أخرى، عملية حوار مع الهيئات المشرفة لهذه المؤسسات من أجل دفعها الى طريق الاصلاحات. وفي تطور حديث زار دبلوماسيون بريطانيون وأميركيون احد اكبر معاهد باكستان، جمعية بينوريا، في كراتشي بدعوة من ادارة المعهد. و كانت الدعوة تهدف الى توسيع الضغط على الحكومة للتخلي عن القرار المتعلق بدراسة الطلاب الأجانب في المدارس الباكستانية. وقال المفتي نعيمي، رئيس جمعية بينوريا، للصحافيين في كراتشي قبل أيام قليلة «سنبذل كل ما في وسعنا لمساعدة الطلاب الأجانب على اكمال دراستهم في باكستان، وقد تأخذنا جهودنا الى المحكمة».
وعقدت الحكومة الفدرالية وحكومات الأقاليم اجتماعات مع زعماء المدارس لتضغط عليهم باتجاه ضرورة طرد الطلاب الأجانب من معاهدهم. غير ان قاضي حسين احمد، زعيم الجماعة الاسلامية التي تدير حوالي 1500 مدرسة، وتستضيف عددا من الطلاب الأجانب من أوروبا ودول اسلامية آسيوية قال ان الحظر على الطلاب الاجانب يتعارض مع المصالح الوطنية. ويعتقد معظم الخبراء المستقلين، أنه في حالة عدم نجاح عملية الحوار، فإن الخلاف المتعلق بالمدارس قد يجد طريقه الى المحاكم العليا في البلاد، مما يؤدي الى معركة قضائية.