جمال
08-15-2005, 08:56 AM
كتب:أحمد بن محارب الظفيري
الأَحْسَاء: اسم يطلق في وقتنا الحالي على اكبر واحة زراعية في المملكة العربية السعودية، وتقع هذه الواحة في جنوب المنطقة الشرقية للمملكة، وسكانها حوالي 600 الف نسمة، يتوزعون على مدنها الرئيسية الاربع: (الهُفُوْف) و(المُبَرَّز) و(العُيُوْن) و(العُمْرَان)، وعلى 54 قرية، و18 هجرة تابعة لها (الْهَجْرة: بلغة عرب الجزيرية الحاليين تعني البلدة الصغيرة، وهي بلغة العرب الأقدمين من حًمْيَريين وعاديين وثموديين تعني نفس المعنى)
وتشهد واحة الأَحْسَاء وما تضمه من مدن وقرى نهضة حضارية راقية في كل المجالات الزراعية والتعليمية والصحية والصناعية.
الأَحْسَاء: في معاجم اللغة وكلام العرب
لو تصفحنا معاجم اللغة تحت مادة (حسا) لوجدناها تذكر:
الحًسْي- بكسر الحاء وسكون السين- وجمعه أَحْسَاء: حَفًيرة قريبة القَعْر، قيل: إنه لا يكون الا في ارض اسفلها حجارة صَلْدة وفوقها رَمْل، فإذا مُطًرَ الرَّمْل تسرب الماء الى اسفل، فإذا انتهى الى الحجارة الصَلْدة أَمْسَكَتْه، ومنع الرَّمْلُ حَرَّ الشمسً أن يُنشًّف الماء، فَتَحْفًرُ عنه الرملَ فتَسْتَخْرجه باردا عذبا، وقيل: الأَحْسَاءُ تكون عادة في وادي مُتطامن ذي رَمْل، فإذا رَوًيَتْ في الشتاء من السُّيول الكثيرة الامطار لم ينقطع ماءُ أَحْسَائها في القيظ، فكلما نَزَحتَ دَلْواً جَمَّتْ أخرى.
ونحن نقول: ان عربان البوادي والحواضر في عصرنا الحالي يطلقون على «الحًسْي» مسمى «الحًسْو» والاسم كذلك فصيح له ذكر في بعض المعاجم، ويجمعون على «حًسْيان» و«الحًسْو» و«الحًسْيان» عند العرب الأواخر لهما نفس معنى «الحًسي» و«الأَحْسَاء» عند العرب الاوائل، والمفردات المذكورة جميعها مألوفة ومستعملة في لغات قبائل الاقدمين ذكرها علماء اللغة.
ولو سألت بدويا اليوم في جزيرة العرب عن «الحًسْو» لأجابك بأنه «البئر قليل العمق» والذي يتراوح طوله عادة من (1) باع الى (5) ابواع «ممكن أن يقل او يزيد قليلا»، ويُستخرج الماء منه بواسطة المتح باليد، ولا يحتاج الى السانية «الجمل يسنى عليه» ويعتمد ماؤه على المطر، فإذا قل المطر نضب ماؤه بعد مدة، أما اذا كانت السنة كثيرة الامطار فيتوافر الماء فيه لمدة طويلة ويشرب منه البدو القاطنون حوله.
وعلى العكس من «الحًسْو» هناك «العًدّ» وهو القليب العميق الذي يتراوح طوله من 20 باعا الى 40 باعا وهو غزير المياه لا ينضب، ويستخرج الماء منه بواسطة جمل السنابة وهذا النوع من الآبار «القلبان: بلغة البدو» يسمونها «قُلْبَان مَسْنَوًيَّة» والواحد: «قَلًيْب مَسْنَوًيّ» القليب هو البئر والمسمى فصيح، ويشبهون الرجل الكريم الجواد بـ «العًدّ» لأن البئر العد من ورده ارتوى من الماء وجمعه: «عُدُود» ولكل قبيلة من قبائل جزيرة العرب قلبان عدود مسنوية تقطن عليها ايام الصيف والقيظ حتى يأتي موسم الامطار فينتشرون في البادية طلبا للماء والكلأ و«العًدّ»: مسمى عربي فصيح.
الأَحْسَاء في معاجم البلدان وكتب المؤرخين:
المصادر والمراجع العربية القديمة تسمي الأَحْسَاء بـ «هَجَر او هَجْر» بفتح الجيم او سكونها، والهَجَر بلغة حًمْيَر والعَرَب العارًبَة القَرْية او البَلْدَة.
وبعض هذه المصادر تنسب هَجَر الى البحرين، فتقول: «هَجَرُ مدينة في البحرين» وبعضها تقول: «ناحية البحرين كلها هَجَر».
الهَمْدَاني (ت 360هـ/970م) في كتابه «صفة جزيرة العرب» يقول عن مدينة هجر: «انها مدينة البحرين العظمى» وياقوت الحموي (ت626 هـ/1228م) في كتابه «معجم البلدان» يقول عن مدينة هجر: «هجر قاعدة البحرين.. وقيل: ناحية البحرين كلها هجر» نفهم من كلام الهمداني وياقوت الحموي ان المدينة اسمها «هَجَرُ» والمنطقة التي حولها سميت على اسمها فهي «منطقة هجر» والواحة الزراعية الخصبة التي تسمى بـ «الأحْسَاء» كانت تسمى قديما بـ «واحة هجر».
ولنقرأ ما كتبه الهمداني وياقوت الحموي عن الأَحْسَاء، يقول الهمداني: «فالأَحْسَاء منازل ودور لبني تميم، ثم لسعد من بني تميم، وكان سوقها على كثيب يسمى «الجرعا» تتابع عليه العرب». اما ياقوت الحموي فيقول: «الأَحْسَاء مدينة بالبحرين معروفة ومشهورة كان اول من بناها وحصنها وجعلها قصبة هجر ابو طاهر الحسن بن سعيد الجنابي القرمطي على انقاض مدينة هجر سنة سبع عشرة وثلاثمائة من الهجرة».
من كلام الهَمْدَاني (ت 360هـ/970م) نفهم ان «الأَحْسَاء» مدينة فيها منازل ودور ولها سوق يسمى «الجرعا» تتسوق منه العرب. (سنتكلم عن سوق الجرعا Jerrha لاحقاً لانه مذكور في تواريخ اليونان والرومان). ونفهم ايضا من كلام ياقوت الحموي (ت626 هـ/1228م) ان «الأَحْسَاء» مدينة ذائعة الصيت بنيت على أنقاض مدينة «هَجَر» القديمة في سنة 317 هـ/929م والذي بناها هو ابو طاهر الحسن القرمطي.
ويظهر لنا مما تقدم ان اسم «الأَحْسَاء» فيما بعد تغلب على اسم «هَجَر» القديم وحل محله فأصبحت المدينة والمنطقة تسميان «بالأَحْسَاء» منذ ذلك الزمان وحتى هذا اليوم، اما اسم «هجر» المنحدر لنا من اجدادنا العرب العاربة فقد حفظته لنا كتب التاريخ والأدب وروايات الموروث الشعبي.
أما بخصوص باني مدينة الأَحْسَاء، القرمطي الذي اشار اليه ياقوت الحموي فاسمه الصحيح هو ابو طاهر سليمان بن ابي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي القًرْمًطًيّ هو الحاكم الثالث في دولة القرامطة حكم في سنة 302هـ/914م ومات بالجدري في سنة 333 هـ/944م، دام حكمه زهاء احدى وثلاثين سنة، كان شجاعاً صنديداً روع المسلمين بأحداث جسام، من أهمها ذبحه للحجاج وسكان مكة واقتلاعه للحجر الأسود وباب البيت الحرام وأخذه لكل ما كان في البيت الحرام من نفائس و مصنوعات، وكان هذا الحادث الجلل في سنة 317هـ/929م وهي السنة التي بنى فيها مدينة الأَحْسَاء على انقاض مدينة هجر التي دمرها وأزالها من الوجود!
مؤسس دولة القرامطة هو «أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي» قتل سنة 301هـ/913م وهو فارسي الأصل، مسقط رأسه بلدة «جنابة» الواقعة على الساحل الفارسي وبها تلقب وجاء في القواميس ومعاجم اللغة، تحت مادة «هجر»:
هَجَري: اسم بلد معروف بالبحرين مشهور بالتمر. جاء في أمثال العرب: كجالب التمر إلى هَجَري. والنسب إلى هَجَر هَجَريّي على القياس، وهاجًرًيّي على غير قياس، قال الشاعر الجاهلي فارس غَزًيَّة دريد بن الصمة:
ورُبَّتَ غارَةي أَوْضَعْتُ فيها
كَسَحًّ الهاجًرًيًّ جَريًمَ تَمْرً
يقول المَقْدسي (ت 390هـ /1000م) في كتابه «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» عن الأَحْسَاء: «الأحساء قصبة هجر، وتسمى البحرين، كبيرة كثيرة النخل عامرة آهله... وبها مستقر القرامطة من آل أبي سعيد».
وزار الأَحْسَاء في عام 444 هـ/ 1052م الرحالة الفارسي ناصر خُسْرُو القبادياني (ت 481 هـ/ 1088م) على أيام حكم القرامطة، ووصفها في كتابة «سفر نامة ناصر خسرو» قائلاً: «مدينة الأحساء ذات أسوار عظيمة تضم المزارع والأرياف داخلها ولها أربعة أسوار كل واحد يحيط بالاخر في شبه دائرة كاملة. ومادة الأسوار من اللبن الشديد الإحكام. والمسافة بين السور والآخر قرابة فرسخ، وتكثر العيون في الأحساء، وعلى كل العيون سواقي ترفع الماء تسقي المزارع وجلّ ماء العيون في المدينة تستنفد في سقي المزارع الكثيرة بها، ولا طريقة لخروج الماء من المدينة. ويستطرد قائلاً: ورأيت في الأحساء نوعاً من النسيج الجيد يقال له «فوطة» يحملونه إلى البصرة للتجارة ثم ينقل من البصرة إلى كل أطراف العالم. وفي الأحساء يسمنون الكلاب ويعلفونها كما يعلفون الغنم حتى تصبح عاجزة عن المشي من كثرة الشحم واللحم ثم يذبحونها ويأكلونها. والتمر في الأحساء كثير كثرة مفرطة، حتى إن البغال تعلف من التمر وتسمن عليه وإذا كثر التمر فإن أكثر من ألف منّ من التمر يباع بدينار واحد».
وزار الأَحْسَاء الرحالة ابن بطوطة (ت 770هـ/ 1368م) في حوالي سنة 740 هـ/ 1340م وقال عنها: «ثم سافرنا إلى مدينة هَجَر، وتسمى الان بالحَسَا، وهي التي يضرب المثل بها، فيقال: كجالب التمر إلى هجر، وبها من النخيل ما ليس ببلد سواها، ومنه يعلفون دوابهم، وأهلها عرب من عبدالقيس بن أفْصَى».
ونحن نقول: إن تسميتها بـ«الحَسَا»- الذي ذكره ابن بطوطة- مازال شائعاً ومستعملاً عند عرب الجزيرة حتى هذا اليوم، والنسبة إليه عندهم هو «حساوي» أما مُسمّى «الأَحْسَاء» فهو الاسم الرسمي في الدوائر الحكومية، ويتداوله الناس المتعلمون المثقفون، والنسبة إلى الأَحْسَاء هو: «أَحْسَائي».
وللدلالة على قدم اسم «الحَسَا» نذكر لكم هذا البيت من الشعر من قصيدة للأمير الشاعر جمال الدين أبي عبداللّه علي بن المُقَرَّب العيوني (ت 629هـ/ 1232م) وهو من أهل قرية «عيون المياه» الواقعة على مشارف مدينة «الحَسَا» والذين أقاموا «الدولة العيونية» على أنقاض دولة القرامطة.. يقول:
يا حَبَّذا وادي «الحَسَاء» فإنه
لو ساءني، وادي إليَّ مُحببُّ
المزروعات والماء في الأَحْسَاء
زار الكابتن سادلير - وهو ضابط بريطاني - الأحساء في شهر يوليو (تموز) سنة 1819م المصادف رمضان 1234هـ، وكتب عن مزروعاتها ومياهها قائلا: «تروي مزروعاتها كميات وفيرة من الماء العذب الذي يأتيها من الآبار ومن عدة بحيرات، لكني لم ألمح أثرا لنهر او جدول يشكل اي اتصال بين هذه البحيرات وعندما سألت عن هذا الموضوع اكد لي العرب والاتراك كلاهما عدم وجود مثل هذا النهر».
- من أين تأتي المياه الى واحة الأَحْسَاء؟
ان هذه المياه الغزيرة المتوافرة في واحة الأحساء، هي بالاساس آتية من الامطار المتساقطة على الهضبة النجدية وسلسلة جبل طويق (جبل طويق: يسمى قديما عارض اليمامة) حيث تتسرب هذه المياه رأسيا الى أعماق التربة وعندما تصل الى طبقة الصخور الجيرية الصلبة تتجمع ويتوقف نفاذها الى اسفل، فتجري أفقيا الى جهة الشرق على شكل انهار جارية تحت الارض منحدرة مع انحدار الارض الصلبة الى شواطئ الخليج العربي، وعندما تصل الى واحة الأحساء المنخفضة، تكون هذه المياه قريبة من سطح الارض فتظهر عبر الفجوات والانكسارات الارضية وعبر الآبار القليلة العمق التي يحفرها الانسان، والتي يسميها العرب «أحْسَاء» أو «حًسْيان» وهذه المياه الجارية تحت التربة عندما تصل الى ساحل البحر تشكل مستنقعا طويلا تسميه المراجع العربية القديمة بـ «الساحل الاخضر» لهَجَر، وهَجَر هي الأَحْسَاء.
واحة الأَحْسَاء غنية بالثروة الزراعية والحيوانية
تميزت واحة الأَحْسَاء بوفرة انواع عديدة من التمور، ويزرع فيها مختلف الحبوب كالحنطة والشعير، والكثير من الخضراوات والفواكه كالخوخ والمشمش والليمون والرمان والبطيخ، وكانت كل هذه المزروعات تعتمد على المياه السطحية والجوفية القليلة العمق، وكانوا فيما مضى لا يعرفون الآبار الارتوازية العميقة جدا التي تعتمد على الآلة.
وفي الزمان الماضي كانت الأَحْسَاء مقرا لانواع متعددة من الخيول العربية الاصلية ومنها تجلب الى الهند والدول المجاورة، وفيها انواع الإبل والمواشي وكانت سفن صيد اللؤلؤ تنتشر على بحرها وساحلها ، واسواقها رائجة ببيع اللؤلؤ وشرائه.
وتشتهر واحتا الأَحْسَاء والقَطًيْف بكثيرة الحمير البيض، وهي سلالة ممتازة تتميز بقوتها وكبر حجمها وسرعتها ولونها الابيض الناصع، وكانت هذه الحمير البيضاء فيما مضى من اهم وسائل المواصلات والنقل، وأصلها الاول نتج من تزاوج ذكر الحمار الوحشي المخطط مع انثى الحمار العادي او بالعكس.
يقول خير الدين الزركلي (ت 1396 هـ/ 1976م) في كتابه: «شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز، عن الأَحْسَاء: «وهي أغنى البلاد العربية السعودية واحاتي وزراعةً وتمرا. يعلف أهلها دوابهم التمر، سمعت في احدى زياراتي لها ان بعضهم قدم لحميره شعيرا، فأضربت الحمير عن الطعام!».
الملك عبدالعزيز يحرر الأَحْسَاءمن العثمانيين
ينسب الرواة هذا الحَداء الى الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود يخاطب فيه هَجَر (الأَحْسَاء) قبل تحريرها من الأتراك العثمانيين:
يا هجرْ يا زينْ النباتْ
لاتحسبينا هاربينْ
إًن طوَّلْ اللهْ بالحياةْ
عليكْ حنا راجعينْ
ولقد تمكن الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود بتخطيط عسكري سليم وبهجوم جريء مفاجىء من دخول مدينة «الهُفُوْف» عاصمة الأَحْسَاء في ليلة 28 جمادى الاولى سنة 1331هـ المصادف 4 مايو سنة 1913م واستنقاذها وتحريرها من أيدي الاتراك العثمانيين، واعلن جميع ضباط وافراد الحامية العثمانية المرابطة في الهفوف الاستسلام، وعاملهم الملك عبدالعزيز معاملة حسنة ورحَّلهم باحترام عن طريق ميناء العُقَيْر الى البحرين، ورجعت الأَحْسَاء الى الوطن الام حرة كريمة. وبمناسبة افتتاح الأَحْسَاء وتحريرها، قال الشاعر الشعبي عبدالرحمن البواردي الذي كان احد قادة جيش الملك عبدالعزيز الذي ساهموا في تحرير الأَحْسَاء، هذه الابيات الشعبية الذائعة عند عربان الجزيرة:
يامزنةي من بطينْ الخفسْ منشاها
ترعدْ وتبرقْ ومن رعَّادها خفيهْ
كلي يطالعْ بعينهْ وين ممشاها
وإن الله اللًّي يصرفها بتصريفهْ
هلَّتْ على عسكرْ السلطانْ من ماها
يومْ إنها جتْ مقادمها على «السًيفهْ»
داري لنا يومْ جيناها وليناها
راحْ «الكمندر» منها خارب كيفهْ
السًيفه: بكسر السين، اسم موضع فيه آبار يبعد ميلا واحدا عن مدينة الهفوف.
الكمندر: تعني القومندان، رئيس الفرقة العسكرية في اللغة التركية، وينطقها عرب الجزيرة الكمندر.
والتركية اخذتها من الانجليزية commander ومعناها: قائد، آمر.
الأَحْسَاء: اسم يطلق في وقتنا الحالي على اكبر واحة زراعية في المملكة العربية السعودية، وتقع هذه الواحة في جنوب المنطقة الشرقية للمملكة، وسكانها حوالي 600 الف نسمة، يتوزعون على مدنها الرئيسية الاربع: (الهُفُوْف) و(المُبَرَّز) و(العُيُوْن) و(العُمْرَان)، وعلى 54 قرية، و18 هجرة تابعة لها (الْهَجْرة: بلغة عرب الجزيرية الحاليين تعني البلدة الصغيرة، وهي بلغة العرب الأقدمين من حًمْيَريين وعاديين وثموديين تعني نفس المعنى)
وتشهد واحة الأَحْسَاء وما تضمه من مدن وقرى نهضة حضارية راقية في كل المجالات الزراعية والتعليمية والصحية والصناعية.
الأَحْسَاء: في معاجم اللغة وكلام العرب
لو تصفحنا معاجم اللغة تحت مادة (حسا) لوجدناها تذكر:
الحًسْي- بكسر الحاء وسكون السين- وجمعه أَحْسَاء: حَفًيرة قريبة القَعْر، قيل: إنه لا يكون الا في ارض اسفلها حجارة صَلْدة وفوقها رَمْل، فإذا مُطًرَ الرَّمْل تسرب الماء الى اسفل، فإذا انتهى الى الحجارة الصَلْدة أَمْسَكَتْه، ومنع الرَّمْلُ حَرَّ الشمسً أن يُنشًّف الماء، فَتَحْفًرُ عنه الرملَ فتَسْتَخْرجه باردا عذبا، وقيل: الأَحْسَاءُ تكون عادة في وادي مُتطامن ذي رَمْل، فإذا رَوًيَتْ في الشتاء من السُّيول الكثيرة الامطار لم ينقطع ماءُ أَحْسَائها في القيظ، فكلما نَزَحتَ دَلْواً جَمَّتْ أخرى.
ونحن نقول: ان عربان البوادي والحواضر في عصرنا الحالي يطلقون على «الحًسْي» مسمى «الحًسْو» والاسم كذلك فصيح له ذكر في بعض المعاجم، ويجمعون على «حًسْيان» و«الحًسْو» و«الحًسْيان» عند العرب الأواخر لهما نفس معنى «الحًسي» و«الأَحْسَاء» عند العرب الاوائل، والمفردات المذكورة جميعها مألوفة ومستعملة في لغات قبائل الاقدمين ذكرها علماء اللغة.
ولو سألت بدويا اليوم في جزيرة العرب عن «الحًسْو» لأجابك بأنه «البئر قليل العمق» والذي يتراوح طوله عادة من (1) باع الى (5) ابواع «ممكن أن يقل او يزيد قليلا»، ويُستخرج الماء منه بواسطة المتح باليد، ولا يحتاج الى السانية «الجمل يسنى عليه» ويعتمد ماؤه على المطر، فإذا قل المطر نضب ماؤه بعد مدة، أما اذا كانت السنة كثيرة الامطار فيتوافر الماء فيه لمدة طويلة ويشرب منه البدو القاطنون حوله.
وعلى العكس من «الحًسْو» هناك «العًدّ» وهو القليب العميق الذي يتراوح طوله من 20 باعا الى 40 باعا وهو غزير المياه لا ينضب، ويستخرج الماء منه بواسطة جمل السنابة وهذا النوع من الآبار «القلبان: بلغة البدو» يسمونها «قُلْبَان مَسْنَوًيَّة» والواحد: «قَلًيْب مَسْنَوًيّ» القليب هو البئر والمسمى فصيح، ويشبهون الرجل الكريم الجواد بـ «العًدّ» لأن البئر العد من ورده ارتوى من الماء وجمعه: «عُدُود» ولكل قبيلة من قبائل جزيرة العرب قلبان عدود مسنوية تقطن عليها ايام الصيف والقيظ حتى يأتي موسم الامطار فينتشرون في البادية طلبا للماء والكلأ و«العًدّ»: مسمى عربي فصيح.
الأَحْسَاء في معاجم البلدان وكتب المؤرخين:
المصادر والمراجع العربية القديمة تسمي الأَحْسَاء بـ «هَجَر او هَجْر» بفتح الجيم او سكونها، والهَجَر بلغة حًمْيَر والعَرَب العارًبَة القَرْية او البَلْدَة.
وبعض هذه المصادر تنسب هَجَر الى البحرين، فتقول: «هَجَرُ مدينة في البحرين» وبعضها تقول: «ناحية البحرين كلها هَجَر».
الهَمْدَاني (ت 360هـ/970م) في كتابه «صفة جزيرة العرب» يقول عن مدينة هجر: «انها مدينة البحرين العظمى» وياقوت الحموي (ت626 هـ/1228م) في كتابه «معجم البلدان» يقول عن مدينة هجر: «هجر قاعدة البحرين.. وقيل: ناحية البحرين كلها هجر» نفهم من كلام الهمداني وياقوت الحموي ان المدينة اسمها «هَجَرُ» والمنطقة التي حولها سميت على اسمها فهي «منطقة هجر» والواحة الزراعية الخصبة التي تسمى بـ «الأحْسَاء» كانت تسمى قديما بـ «واحة هجر».
ولنقرأ ما كتبه الهمداني وياقوت الحموي عن الأَحْسَاء، يقول الهمداني: «فالأَحْسَاء منازل ودور لبني تميم، ثم لسعد من بني تميم، وكان سوقها على كثيب يسمى «الجرعا» تتابع عليه العرب». اما ياقوت الحموي فيقول: «الأَحْسَاء مدينة بالبحرين معروفة ومشهورة كان اول من بناها وحصنها وجعلها قصبة هجر ابو طاهر الحسن بن سعيد الجنابي القرمطي على انقاض مدينة هجر سنة سبع عشرة وثلاثمائة من الهجرة».
من كلام الهَمْدَاني (ت 360هـ/970م) نفهم ان «الأَحْسَاء» مدينة فيها منازل ودور ولها سوق يسمى «الجرعا» تتسوق منه العرب. (سنتكلم عن سوق الجرعا Jerrha لاحقاً لانه مذكور في تواريخ اليونان والرومان). ونفهم ايضا من كلام ياقوت الحموي (ت626 هـ/1228م) ان «الأَحْسَاء» مدينة ذائعة الصيت بنيت على أنقاض مدينة «هَجَر» القديمة في سنة 317 هـ/929م والذي بناها هو ابو طاهر الحسن القرمطي.
ويظهر لنا مما تقدم ان اسم «الأَحْسَاء» فيما بعد تغلب على اسم «هَجَر» القديم وحل محله فأصبحت المدينة والمنطقة تسميان «بالأَحْسَاء» منذ ذلك الزمان وحتى هذا اليوم، اما اسم «هجر» المنحدر لنا من اجدادنا العرب العاربة فقد حفظته لنا كتب التاريخ والأدب وروايات الموروث الشعبي.
أما بخصوص باني مدينة الأَحْسَاء، القرمطي الذي اشار اليه ياقوت الحموي فاسمه الصحيح هو ابو طاهر سليمان بن ابي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي القًرْمًطًيّ هو الحاكم الثالث في دولة القرامطة حكم في سنة 302هـ/914م ومات بالجدري في سنة 333 هـ/944م، دام حكمه زهاء احدى وثلاثين سنة، كان شجاعاً صنديداً روع المسلمين بأحداث جسام، من أهمها ذبحه للحجاج وسكان مكة واقتلاعه للحجر الأسود وباب البيت الحرام وأخذه لكل ما كان في البيت الحرام من نفائس و مصنوعات، وكان هذا الحادث الجلل في سنة 317هـ/929م وهي السنة التي بنى فيها مدينة الأَحْسَاء على انقاض مدينة هجر التي دمرها وأزالها من الوجود!
مؤسس دولة القرامطة هو «أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي» قتل سنة 301هـ/913م وهو فارسي الأصل، مسقط رأسه بلدة «جنابة» الواقعة على الساحل الفارسي وبها تلقب وجاء في القواميس ومعاجم اللغة، تحت مادة «هجر»:
هَجَري: اسم بلد معروف بالبحرين مشهور بالتمر. جاء في أمثال العرب: كجالب التمر إلى هَجَري. والنسب إلى هَجَر هَجَريّي على القياس، وهاجًرًيّي على غير قياس، قال الشاعر الجاهلي فارس غَزًيَّة دريد بن الصمة:
ورُبَّتَ غارَةي أَوْضَعْتُ فيها
كَسَحًّ الهاجًرًيًّ جَريًمَ تَمْرً
يقول المَقْدسي (ت 390هـ /1000م) في كتابه «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» عن الأَحْسَاء: «الأحساء قصبة هجر، وتسمى البحرين، كبيرة كثيرة النخل عامرة آهله... وبها مستقر القرامطة من آل أبي سعيد».
وزار الأَحْسَاء في عام 444 هـ/ 1052م الرحالة الفارسي ناصر خُسْرُو القبادياني (ت 481 هـ/ 1088م) على أيام حكم القرامطة، ووصفها في كتابة «سفر نامة ناصر خسرو» قائلاً: «مدينة الأحساء ذات أسوار عظيمة تضم المزارع والأرياف داخلها ولها أربعة أسوار كل واحد يحيط بالاخر في شبه دائرة كاملة. ومادة الأسوار من اللبن الشديد الإحكام. والمسافة بين السور والآخر قرابة فرسخ، وتكثر العيون في الأحساء، وعلى كل العيون سواقي ترفع الماء تسقي المزارع وجلّ ماء العيون في المدينة تستنفد في سقي المزارع الكثيرة بها، ولا طريقة لخروج الماء من المدينة. ويستطرد قائلاً: ورأيت في الأحساء نوعاً من النسيج الجيد يقال له «فوطة» يحملونه إلى البصرة للتجارة ثم ينقل من البصرة إلى كل أطراف العالم. وفي الأحساء يسمنون الكلاب ويعلفونها كما يعلفون الغنم حتى تصبح عاجزة عن المشي من كثرة الشحم واللحم ثم يذبحونها ويأكلونها. والتمر في الأحساء كثير كثرة مفرطة، حتى إن البغال تعلف من التمر وتسمن عليه وإذا كثر التمر فإن أكثر من ألف منّ من التمر يباع بدينار واحد».
وزار الأَحْسَاء الرحالة ابن بطوطة (ت 770هـ/ 1368م) في حوالي سنة 740 هـ/ 1340م وقال عنها: «ثم سافرنا إلى مدينة هَجَر، وتسمى الان بالحَسَا، وهي التي يضرب المثل بها، فيقال: كجالب التمر إلى هجر، وبها من النخيل ما ليس ببلد سواها، ومنه يعلفون دوابهم، وأهلها عرب من عبدالقيس بن أفْصَى».
ونحن نقول: إن تسميتها بـ«الحَسَا»- الذي ذكره ابن بطوطة- مازال شائعاً ومستعملاً عند عرب الجزيرة حتى هذا اليوم، والنسبة إليه عندهم هو «حساوي» أما مُسمّى «الأَحْسَاء» فهو الاسم الرسمي في الدوائر الحكومية، ويتداوله الناس المتعلمون المثقفون، والنسبة إلى الأَحْسَاء هو: «أَحْسَائي».
وللدلالة على قدم اسم «الحَسَا» نذكر لكم هذا البيت من الشعر من قصيدة للأمير الشاعر جمال الدين أبي عبداللّه علي بن المُقَرَّب العيوني (ت 629هـ/ 1232م) وهو من أهل قرية «عيون المياه» الواقعة على مشارف مدينة «الحَسَا» والذين أقاموا «الدولة العيونية» على أنقاض دولة القرامطة.. يقول:
يا حَبَّذا وادي «الحَسَاء» فإنه
لو ساءني، وادي إليَّ مُحببُّ
المزروعات والماء في الأَحْسَاء
زار الكابتن سادلير - وهو ضابط بريطاني - الأحساء في شهر يوليو (تموز) سنة 1819م المصادف رمضان 1234هـ، وكتب عن مزروعاتها ومياهها قائلا: «تروي مزروعاتها كميات وفيرة من الماء العذب الذي يأتيها من الآبار ومن عدة بحيرات، لكني لم ألمح أثرا لنهر او جدول يشكل اي اتصال بين هذه البحيرات وعندما سألت عن هذا الموضوع اكد لي العرب والاتراك كلاهما عدم وجود مثل هذا النهر».
- من أين تأتي المياه الى واحة الأَحْسَاء؟
ان هذه المياه الغزيرة المتوافرة في واحة الأحساء، هي بالاساس آتية من الامطار المتساقطة على الهضبة النجدية وسلسلة جبل طويق (جبل طويق: يسمى قديما عارض اليمامة) حيث تتسرب هذه المياه رأسيا الى أعماق التربة وعندما تصل الى طبقة الصخور الجيرية الصلبة تتجمع ويتوقف نفاذها الى اسفل، فتجري أفقيا الى جهة الشرق على شكل انهار جارية تحت الارض منحدرة مع انحدار الارض الصلبة الى شواطئ الخليج العربي، وعندما تصل الى واحة الأحساء المنخفضة، تكون هذه المياه قريبة من سطح الارض فتظهر عبر الفجوات والانكسارات الارضية وعبر الآبار القليلة العمق التي يحفرها الانسان، والتي يسميها العرب «أحْسَاء» أو «حًسْيان» وهذه المياه الجارية تحت التربة عندما تصل الى ساحل البحر تشكل مستنقعا طويلا تسميه المراجع العربية القديمة بـ «الساحل الاخضر» لهَجَر، وهَجَر هي الأَحْسَاء.
واحة الأَحْسَاء غنية بالثروة الزراعية والحيوانية
تميزت واحة الأَحْسَاء بوفرة انواع عديدة من التمور، ويزرع فيها مختلف الحبوب كالحنطة والشعير، والكثير من الخضراوات والفواكه كالخوخ والمشمش والليمون والرمان والبطيخ، وكانت كل هذه المزروعات تعتمد على المياه السطحية والجوفية القليلة العمق، وكانوا فيما مضى لا يعرفون الآبار الارتوازية العميقة جدا التي تعتمد على الآلة.
وفي الزمان الماضي كانت الأَحْسَاء مقرا لانواع متعددة من الخيول العربية الاصلية ومنها تجلب الى الهند والدول المجاورة، وفيها انواع الإبل والمواشي وكانت سفن صيد اللؤلؤ تنتشر على بحرها وساحلها ، واسواقها رائجة ببيع اللؤلؤ وشرائه.
وتشتهر واحتا الأَحْسَاء والقَطًيْف بكثيرة الحمير البيض، وهي سلالة ممتازة تتميز بقوتها وكبر حجمها وسرعتها ولونها الابيض الناصع، وكانت هذه الحمير البيضاء فيما مضى من اهم وسائل المواصلات والنقل، وأصلها الاول نتج من تزاوج ذكر الحمار الوحشي المخطط مع انثى الحمار العادي او بالعكس.
يقول خير الدين الزركلي (ت 1396 هـ/ 1976م) في كتابه: «شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز، عن الأَحْسَاء: «وهي أغنى البلاد العربية السعودية واحاتي وزراعةً وتمرا. يعلف أهلها دوابهم التمر، سمعت في احدى زياراتي لها ان بعضهم قدم لحميره شعيرا، فأضربت الحمير عن الطعام!».
الملك عبدالعزيز يحرر الأَحْسَاءمن العثمانيين
ينسب الرواة هذا الحَداء الى الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود يخاطب فيه هَجَر (الأَحْسَاء) قبل تحريرها من الأتراك العثمانيين:
يا هجرْ يا زينْ النباتْ
لاتحسبينا هاربينْ
إًن طوَّلْ اللهْ بالحياةْ
عليكْ حنا راجعينْ
ولقد تمكن الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود بتخطيط عسكري سليم وبهجوم جريء مفاجىء من دخول مدينة «الهُفُوْف» عاصمة الأَحْسَاء في ليلة 28 جمادى الاولى سنة 1331هـ المصادف 4 مايو سنة 1913م واستنقاذها وتحريرها من أيدي الاتراك العثمانيين، واعلن جميع ضباط وافراد الحامية العثمانية المرابطة في الهفوف الاستسلام، وعاملهم الملك عبدالعزيز معاملة حسنة ورحَّلهم باحترام عن طريق ميناء العُقَيْر الى البحرين، ورجعت الأَحْسَاء الى الوطن الام حرة كريمة. وبمناسبة افتتاح الأَحْسَاء وتحريرها، قال الشاعر الشعبي عبدالرحمن البواردي الذي كان احد قادة جيش الملك عبدالعزيز الذي ساهموا في تحرير الأَحْسَاء، هذه الابيات الشعبية الذائعة عند عربان الجزيرة:
يامزنةي من بطينْ الخفسْ منشاها
ترعدْ وتبرقْ ومن رعَّادها خفيهْ
كلي يطالعْ بعينهْ وين ممشاها
وإن الله اللًّي يصرفها بتصريفهْ
هلَّتْ على عسكرْ السلطانْ من ماها
يومْ إنها جتْ مقادمها على «السًيفهْ»
داري لنا يومْ جيناها وليناها
راحْ «الكمندر» منها خارب كيفهْ
السًيفه: بكسر السين، اسم موضع فيه آبار يبعد ميلا واحدا عن مدينة الهفوف.
الكمندر: تعني القومندان، رئيس الفرقة العسكرية في اللغة التركية، وينطقها عرب الجزيرة الكمندر.
والتركية اخذتها من الانجليزية commander ومعناها: قائد، آمر.