المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خليل علي حيدر: حماس... والإرهاب في العراق



مجاهدون
08-14-2005, 04:02 PM
خليل علي حيدر


الاتحاد الاماراتية


عندما تهدأ الأوضاع في العراق ويتوقف العنف والإرهاب والتفجير في بلاد الرافدين، سيجد الفلسطينيون أنفسهم، وبخاصة حركة "حماس" الإسلامية، في وضع لا يحسدون عليه سياسياً وأخلاقياً، لدورهم الظالم المظلم إزاء تحرر الشعب العراقي من صدام حسين ونظامه الإجرامي الرهيب. صحيح، أن قطاعات واسعة من جماهير العالمين العربي والإسلامي أيّدت هذا النظام وتعاطفت مع "صموده ومقاومته"، وأن أحزاباً وتيارات وشخصيات لا حصر لها في هذه البلدان تنادت للوقوف ضد قوى التحالف، و"التغيير بالعنف من الخارج"، وضد "السياسات الأميركية التوسعية" وضد "الاستعمار الجديد" وضد "جشع الاحتكارات النفطية"... وغير ذلك. ولكن التاريخ سيحاسب الفلسطينيين، والإسلاميين منهم بالذات، حساباً عسيراً، أعانهم الله عليه!

وكان الكثير من الفلسطينيين، كسائر شعوب المنطقة العربية بعد هزيمة 1967، لا يترددون في مهاجمة أنظمة الانقلابات العربية، والاستبداديات الديكتاتورية فيها، والتي "تخنق المبادرات الجماهيرية وتسكت الجماهير"... إلخ.

وجّه العمل السياسي الفلسطيني لنفسه طعنة نجلاء من خلال موقف منظمة التحرير والرئيس عرفات من غزو صدام حسين وجحافله للكويت سنة 1990. وقد دفع الثمن الباهظ للموقف عشرات الآلاف من الجالية الفلسطينية في الكويت وبعض دول الخليج، كما كشفت تلك الكارثة عن وجود أزمة أخلاقية كبرى في العمل الفلسطيني، والشارع والرأي العام الفلسطيني والعربي على حد سواء!

ولذلك استغرب الكثيرون، عندما حانت ساعة سقوط نظام بغداد الدموي في 2003، أن تتصرف حركة "حماس" الإسلامية الفلسطينية مع القضية العراقية بهذا الشكل الأخرق، الذي غابت فيه عن زعامة ومفكري الحركة أثمن دروس التجربة الكويتية. ولكم يصعب على الواحد منا أن يتصور أن حركة "حماس" الإسلامية بالذات، كانت أول من نادى ومهد وبشّر بحرارة لهذه الكارثة التي يعيشها العراقيون، منذ سقوط النظام!

ففي يناير 2003، قبل سقوط نظام بغداد بشهرين، وضعت "حماس" كل الكوارث التي كانت تنزل بالفلسطينيين "على جنب"، كي تدافع عن بقاء نظام بغداد، بالعمليات الإرهابية والأحزمة الناسفة! في ذلك الشهر، وجّه كل من الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، وعبدالعزيز الرنتيسي من قادتها المعروفين، الدعوة للنظام العراقي بـ"الوحدة في خندق الجهاد، وفتح حدوده لأبناء المسلمين في العالم، كي يأخذوا دورهم في معركة الدفاع عن الأمة". وطالبت حماس كذلك بـ"تجهيز عشرات الآلاف من الاستشهاديين والأحزمة الناسفة وتفجير أنفسهم في الطغاة الأميركيين" (الشرق الأوسط، 15/1/2003). كانت "حماس" إذن، أول من نادى بتجهيز "الاستشهاديين" في العراق وتجميعهم فيها من كل أقطار العالم، وأول من ذكّر الإرهابيين بضرورة استخدام "الأحزمة الناسفة"، مطالبة الإرهابيين بـ"تفجير أنفسهم في الطغاة الأميركيين"، وكأن هذه فلسطين، لا العراق!

من الحقائق المؤسفة، أن حركة "حماس" يومذاك، ولا تزال، مسنودة في الواقع العربي برأي عام فلسطيني واسع وشامل لا يخفي حتى الآن تعاطفه مع الرئيس العراقي السابق ونظامه. "حماس"، لم تعط للقضية الفلسطينية ولشؤونها الخاصة عندما حشرت نفسها في قضية إسقاط ديكتاتور العراق، ولم تلتفت إلى جرائم هذا النظام بحق العراقيين والكويتيين والإيرانيين، ولم تتعاطف كحركة تمثل شعباً مظلوماً، مع معاناة شعب مظلوم في العراق، ولم تأبه "حماس" والشارع الفلسطيني المؤيد له، بالواجب الأخلاقي الذي يلزم كل فلسطيني بعدم التعاطف مع الطغاة، دع عنك المطالبة بحماية هذا الطاغية بالانتحاريين والأحزمة الناسفة!

لم تلتفت حماس "الإسلامية"، إلى ما فعله صدام بالإسلاميين شيعة وسنة، ولا مذابحه في كردستان والجنوب، ولم تتعظ على الإطلاق بدروس تجربة منظمة التحرير والشارع الفلسطيني المرة عام 1990-1991 مع احتلال وتحرير الكويت.

وهكذا عرّت نفسها تماماً أمام العراقيين والكويتيين وكل العقلاء الفلسطينيين، الذين لا مصلحة لهم في بقاء وحش بشري مثل صدام!

ولماذا هذا التوريط للفلسطينيين، والذي لا يزال مستمراً من خلال دعم حماس وغيرها لـ"المقاومة العراقية"، وسط ألف مشكلة فلسطينية؟ وما مصلحة القضية الفلسطينية في معاداة أوروبا والولايات المتحدة وبريطانيا للابقاء على وحش تكريت وزبانيته الإرهابيين؟

لم تكن دعوة "حماس" شباب العرب والإسلام للاستشهاد في العراق نفخاً في "قِرْبةٍ مقطوعةٍ"، فقد لباها آلاف الشباب من دول الشام والخليج والجزيرة ومصر وشمال أفريقيا، ممن تدفقوا ولا يزالون على العراق المنكوب بالمجاهدين منذ ذلك اليوم. بل تواصل الجهاد والاستشهاد وازداد حجم التفجير والتفخيخ، حتى بعد أن انشغلت "حماس" بالصراع اليومي في غزة وغيرها مع منظمة التحرير. وسرعان ما تلقف أبومصعب الزرقاوي، وأمراء الإرهاب الآخرون هذه المهمة الجهادية النبيلة، التي طالب بها الشيخ أحمد ياسين ود. الرنتيسي قبل رحيلهما قتلاً وإرهاباً من هذه الدار الفانية!

نحن الآن في أواخر أبريل 2003، بُعيد سقوط النظام العراقي، وبداية توسع العمل الإرهابي إثر تحالف السلفية التكفيرية مع النظام المدحور ورجاله المتحصنين غربي العراقي وعلى الحدود وخلفه.

صحيفة "الحياة" المعروفة، نشرت يوم 21/4/2003 تقريراً عن ظروف الأسرى من هؤلاء "الجهاديين" العرب، في سجن على مبعدة 25 ميلاً من بغداد! وقد جاء في التقرير أنه يبدو عليهم الحزن والخوف، وهم في الغالب لا يزالون فتياناً معظمهم طيعون تماماً، ولا يريدون سوى الحصول على طعام وماء، إنهم يريدون الابتعاد عن ميدان القتال، باستثناء مجموعة من شباب قادمين من فلسطين والأردن وسوريا والسودان وغيرها، يقدر البعض عددهم بنحو خمسة آلاف مقاتل واستشهادي. ويمكن التعرف عليهم بسهولة، لأنهم يرتدون عادة بنطلونات جينز وقمصاناً، بالمقارنة مع بقية المقاتلين الذين يرتدون ملابس بيضاء أو سوداء. ويقول المسؤول عن حراستهم، كما جاء في الصحيفة، "إنهم بغيضون، ومتعجرفون، ولديهم ثأر، تسألهم لماذا يقاتلون في العراق؟ يجيبون: كي نقتل الأميركيين· ويكتفي آخرون بالقول، إنهم جاءوا ليموتوا ويقتلوا أميركيين.

والآن، لماذا كانت "حماس" والشارع الانفعالي في غزة والضفة، وهم أصحاب قضية منفصلة عن قضية العراق ومصير ديكتاتورها، في مقدمة مؤيدي نظامه قبل سقوطه، وبعد سقوطه وانفضاح أسرار القمع والمقابر الجماعية وتحول الجهاد إلى رأس حربة في الفتنة الطائفية؟ أجل، لماذا كانت "حماس" هي المبادرة إلى إنشاء وكالة للموت والإرهاب في أرض الرافدين، وتشجيع هؤلاء الشباب المغرر بهم، على جلب هذا العذاب واليتم والترمل لرجال ونساء وأطفال العراق؟ ما مصلحة الشعب الفلسطيني في هذه الكارثة العراقية؟ ومن يتحمل مسؤولية هذا الارتجال؟

باختصار.. عندما تكتب قصة تحرير العراق وسقوط طاغية الرافدين، وليالي الدم وسنوات الإرهاب، سيتذكر العراقيون وكل المؤرخين المنصفين هذا الدور المدمر اللاأخلاقي البالغ السوء، الذي لعبه الإسلاميون الفلسطينيون وبخاصة حركة "حماس" الإسلامية، يومها، سيكون شهداء العراق أكثر بكثير من شهداء فلسطين!