مجاهدون
08-13-2005, 07:52 AM
ليس لدينا رموز تكفيرية سلفية .. ولن ندخل الانتخابات إلا بتعديلات دستورية
سلمان الدوسري ـ «الشرق الأوسط»
http://www.asharqalawsat.com/2005/08/13/images/interview.317355.jpg
في ظل التجاذبات السياسية والحراك الاجتماعي الذي تشهده البحرين منذ اطلاق الملك حمد بن عيسى آل خليفة لمشروعه الاصلاحي عام 2001، استطاعت الجمعيات السياسية أن تكون مرآة حقيقية لهذه التحولات التي تشهدها البلاد بالرغم من حداثة تأسيسها. وجمعية الوفاق الوطني الإسلامية، الذراع القوي للمعارضة، استطاعت أن تتكيف مع هذا المشروع الاصلاحي بالرغم من اختلافها الجذري معه، ومطالبتها بتعديلات دستورية تعود بها إلى المشاركة في الانتخابات البرلمانية.
ويؤكد الشيخ علي سلمان رئيس «الوفاق» وأحد رموز المعارضة السابقة التي كانت تمارس عملها خارج البحرين، قبل أن يسمح الملك حمد بعودتهم وممارسة معارضتهم من داخل البلاد، على أن المشروع الاصلاحي أطلق كثيرا من الحريات العامة وفتح أبواب السجون على مصراعيها وأطلق المساجين السياسيين، وسمح بحرية الصحافة، ولكنه في الوقت نفسه يرى أن الجانب الاقتصادي في بلاده تأخر عما كان عليه ولم يتوافق مع ما بشر به الاصلاح، كما أنه يرى أن الصيغة الدستورية الحالية لا تتناسب مع دستور 1973، الذي تعتبره «الوفاق» اساسا لأي دستور يعمل به. وفي الوقت الذي يحذر في الشيخ علي سلمان في حوار مع «الشرق الاوسط» في المنامة من فتنة طائفية، فهو يؤكد على عدم وجود رموز تكفيرية سلفية في البحرين، مشددا على العلاقات المتميزة بين التيار الشيعي وبين التيار السلفي. وفي ما يلي نص الحوار:
* بعد أربع سنوات من المشروع الاصلاحي للملك حمد بن عيسى، وإطلاق الحريات بأنواعها، كيف تقيمون المشهد السياسي في البحرين؟
ـ إذا كان بعبارة فهو إيجابي ويتقدم، وإذا كان بالتفصيل فإن المشروع الاصلاحي عندما بدأ، كانت له مقومات عدة.. سياسية واقتصادية واجتماعية واطلاق حريات عامة، فالواقع السياسي كان بين نص وممارسة، وفي حدود النص كان هناك تراجع بيِّن وكبير على مستوى الصيغة الدستورية، فكما هناك تراجع عن صيغة دستور 1973، هناك تراجع أيضا عن صيغة ميثاق العمل الوطني التي بشرت بمساحة أكبر للمواطن في صيغة القرار بينما تراجع المواطن في صيغة القرار هذه، في الوقت الذي نحن متأكدون من أن الواقع العملي هو افضل في دستور 1973. ولا ننسى أن المشروع الاصلاحي بشر المواطنين بالرفاهية الاقتصادية، وفي هذا الجانب لم يتقدم المواطن أبدا، فالمشاكل الاقتصادية مازالت والانخفاض في معدل الأجور لا يزال يقل في كل عام، والبطالة تتفاقم من دون وجود أي حلول واقعية، والتمييز لا يزال ساري المفعول والتجنيس خارج إطار القانون لم نشعر بتوقفه، إذن نحن نرى بأننا في المشروع الاصلاحي تقدمنا في الحريات العامة وتأخرنا في الجوانب الأخرى كالجوانب الاقتصادية.
* ألا تعتقدون بان البحرين بحاجة الى فترة للتدرج قبل الوصول الى ما تطالبون به؟
ـ نحن ايضا نطالب بفكرة التدرج هذه نفسها، ولا نعتقد بان المجتمعات تستطيع ان تقفز على محيطها الاجتماعي، لذا نقول إن هذا التدرج من الأفضل أن يبدأ بما انتهى عليه دستور 1973، ويبني على هذا الواقع سياسيا والذي بدأ بإطلاق تجربة الكويت عام 1961، حتى أن التجربة القطرية التي تحركت مع المشروع الاصلاحي (2001)، ومع ذلك فهي تبشر بنفس دستور 1973، وليس لائقا أن تتراجع البحرين وهي التي سبقت كل هذه الدول، ولو اننا بدأنا بالتدرج منذ انطلاق المشروع الاصلاحي لشاهدنا تراجعا للمطالب الشعبية اليومية، مثل بناء جدار عازل، أو منع مواطنين من ساحل قريتهم أو مطالبة بوظائف، لذا فنحن مع مبدأ التدرج ولكن متى يبدأ هذا التدرج؟ هنا السؤال.
* بالنسبة إليكم في جمعية الوفاق الوطني الاسلامية ما الذي جنيتموه من مقاطعتكم للانتخابات البرلمانية عام 2002، ألم يكن من الأجدى الدعوة إلى كل هذه المطالب من داخل قبة البرلمان؟
ـ في عام 2002 عملنا منذ بداية صدور الدستور الحالي (ميثاق العمل الوطني) على تقييم هذا الوضع، وقبل ذلك أخبرنا الملك أن ما يقوم به لن يكون مقبولا، ولكن لكون كلمة الملك هي العليا كان القرار خلافا للحالة الشعبية التي ارتضت مجلسا منتخبا، فيما كانت التعديلات تقضي بمجلس شورى له نفس صلاحية المجلس المنتخب، كما أن توزيع الدوائر الانتخابية لم يراع التركيبة السكانية بقدر ما راعى التوزيع الجغرافي، لذا رأينا أن البرلمان بصيغته هذه لا يساعد على استقرار الدستور، والآن وبعد ثلاث سنوات من عودة الحياة البرلمانية، نرى أن المجلس بصيغته الحالية لم يساعد على الاطلاق في تحقيق ما نصبو اليه، فالبطالة بازدياد والكهرباء تنقطع باستمرار واراضي البحرين يتم الاستيلاء عليها لصالح بعض المتنفذين. ومن اكبر نقاط ضعف البرلمان الحالي أن مساحة صلاحياته متدنية بصورة كبيرة، فهو لا يملك مساءلة الوزراء، كما أن آلية إصدار القوانين التي تأخذ في بعض منها أكثر من خمس سنوات لاقرارها، تعطي صورة واضحة عن وضع هذا البرلمان الذي نحن على ثقة بأنه لا يملك صلاحية تساعده في تحقيق ما بشر به المشروع الاصلاحي، فعلى سبيل المثال قانون الصحافة، الذي وافق عليه المجلس ورفعه إلى الحكومة التي وضعته في الأدراج وأصدرت قانونا جديدا من عندها. كما أن السلطة التنفيذية (الحكومة) أعاقت العمل التشريعي وأدى ذلك إلى محدودية التجربة، وفي هذه النقطة نحن لا نلوم النواب، لذا نرى أنه حتى الآن لم تتم مساءلة وزير واحد.. ولم يصدر أي تشريع، إذن فالمجلس لا يمارس سلطاته المنشودة، فما الفائدة من دخولنا مثل هذا البرلمان؟
* في الوقت الذي تطالبون فيه بتعديل الدستور وترفعون شعار «الاصلاح الدستوري أولا» هناك لجنة برلمانية مختصة بالتعديلات الدستورية تنظر هذا الأمر، ألا يعني ذلك أن المشروع الاصلاحي يسمح بالتعديلات هذه بشرط أن تكون من داخل القبة البرلمانية؟
ـ هناك قناعة داخل المجلس بأن أي فكرة للتعديل ستؤول للفشل طالما أنها لم تحظ بموافقة حكومية مسبقة، وهذا ما توضحه لنا التجربة البرلمانية حتى الآن، فآلية مثل هذا التعديل تحتاج إلى 7 سنوات هذا لو افترضنا أن المشروع أخذ أغلبية برلمانية، ولو فتحت كل الأبواب فإن هنا قفلاً ليس له مفتاح، ألا وهو توقيع الملك وتصديقه على القانون، ونظرا لأن التعديلات التي أجريت على الميثاق هي إرادة ملكية فلا يمكن أن يمر مثل هذا القانون إلا بإرادة ملكية، لذا نحن نطالب ملك البحرين بأخذ مبادرة لتعديل الأوضاع وتعديل الدستور باعتبار أن من صلاحياته اقتراح هذه التعديلات الدستورية، وله الحق في استفتاء الشعب في صيغة دستورية أخرى وإيجاد حل لهذه المعضلة، ولنتفق جميعا أن التعديلات الدستورية ليست في يد البرلمان بل في يد الملك وحده.
* تهددون دائما باللجوء إلى الفعاليات الشعبية، أو بالأصح إلى الشارع.. كيف تستطيعون ضمان عدم خروج الأمور عن سيطرتكم وبالتالي عودة المواجهات من جديد كما كانت في فترة التسعينات؟
ـ «الوفاق» تستخدم جميع وسائل العمل السياسي المختلفة، وبالنسبة للمسألة الدستورية فقد كانت لنا دراسات قانونية عن الواقع الدستوري في البحرين، وهناك دراسات أجريت من كبار القانونيين العرب عن الوضع الدستوري للمقارنة بين دستور 73 ودستور 2002، وثبت لنا بالدليل القاطع والحجة القانونية أن دستور 2002 لا يحمل ما كنا متفقين عليه سابقا، وعليه فإنه من حقنا استخدام كافة الوسائل السلمية، وأكرر السلمية، ونحن على ثقة بقدرتنا بضبط الشارع في الفعاليات التي نتصدى لها حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة، وللتدليل فقد خرجنا للمطالبة بالتعديلات الدستورية في ثلاث مسيرات جماهيرية كبرى، لم تخرج واحدة منها عن السيطرة، كانت تتميز بخطابها المعتدل وشعاراتها الموضوعية، وهذا ما يحسب لنا في كيفية ضبط الايقاع لهذه الفعاليات.
* في المقابل هناك من يتهم بعض الاعتصامات بتعطيل مصالح الناس وتتسبب في طرد الاستثمارات إذا ما استمرت على هذه الوتيرة ؟
ـ اتفق معك في وجود بعض الممارسات التي يشارك بها نفر قليل من الناس وتعتبر غير مدروسة مسبقة وتكون عفوية وربما تتسبب في أضرار نسبية، ولكن نحن ضد مثل هذه الفعاليات التي تمارس ضد القانون، وفي فعالياتنا جميعا لم نتسبب في تعطيل مصالح المواطنين أبدا.
* هناك أمر ربما يكون فيه نوع من التناقض بين مطالبكم كمعارضة وبين ما تحقق للبحرين على أرض الواقع.. ففي ظل الاشادة المستمرة من قبل الدول الكبرى وعلى رأسهم الولايات المتحدة بالمشروع الاصلاحي للملك حمد بن عيسى، ألا تعتقدون أنكم ربما تبدون خارج النص بمقاطعتكم للبرلمان والدخول فيه؟
ـ القياس بين فترة التسعينات وبين الألفية الجديدة والتغيرات التي شهدتها البحرين أمر واضح وبين، فعدد المعتقلين بلغ في تلك الفترة ما يقارب 32 ألف معتقل سياسي، وهناك من 60 إلى 65 ألف ضحية لقوا مصرعهم في أحداث التسعينات، ولو قارنت تلك الفترة بما يحدث على أرض الواقع لوجدت فارقا بكل تأكيد، فالصحافة أصبح لها هامش جيد من الحرية، وحرية الرأي اصبحت مكفولة بموجب القانون، وأصبحت لدينا انتخابات بلدية ونيابية، ولكننا مقابل هذا كله تراجعنا دستوريا، وإشادات الرئيس الأميركي جورج بوش المستمرة تتحدث عن هذا التغيير عن فترة التسعينات، لكن لا تنسى أنه ومقابل هذه الاشادات التي تتحدث عنها، هناك منظمات دولية كبرى مثل المنظمة الدولية للأزمات تنتقد الأوضاع الدستورية في البحرين.
* أين الديمقراطية في جمعيتكم، وهي الذراع القوي للمعارضة، والانتساب إليها محصور فقط على أبناء الطائفة الشيعية ؟ ألا تعتقدون أنكم هنا لا تمثلون كافة أطياف الشعب البحريني؟
ـ ما تقوله ليس مشكلتنا وحدنا في جمعية «الوفاق» بل مشكلة كل الجمعيات السياسية، مثل جمعية الاصالة (سلفية)، وانا أصلا ضد هذه التركيبة وأعتقد أنها لا تخدم العمل السياسي، إنما هذه التركيبة هي جزء من المرحلة الحالية ويجب علينا أن نقبل بها حتى يستطيع المجتمع البحريني التعود على العمل السياسي من دون النظر إلى مثل هذه التقسيمات، ونحن في جمعية «الوفاق» وبالرغم من أن غالبية منتسبينا من الطائفة الشيعية، إلا أننا نتحدى أن يكون صدر منا أي تصريح أو موقف فيه شيء من الطائفية، بل ان قانون الجمعية يعطي أي مواطن بحريني الحق في الانتساب للجمعية، وللمعلومية هناك بعض الأخوة من الطائفة السنية من المنتسبين للجمعية، وإن كانوا قلة وهم استثناء من الغالبية الشيعية، والباب مفتوح لهم للدخول والانضمام للجمعية.
* ألا تخشون من فتنة طائفية تأكل الأخضر واليابس في البحرين إذا ما ظلت الأمور في تصعيد مستمر بين المعارضة (الشيعية) والحكومة؟
ـ للأسف هناك ثلاثة عناصر ساهمت في الوصول إلى هذه المرحلة، وعلى رأسها الاستخدام السلبي من قبل السلطة الرسمية على مدى عقود من تصوير أن هدف الشيعة هو طرد السنة من البحرين والاستيلاء على الحكم، وهو الذي أزَّم الأمور بين الطائفتين، فقد تم استخدام هذه الورقة من أجل المصالح السياسية، اضيف إلى ذلك أن الانعكاسات للاوضاع السلبية للتوترات الطائفية مثل خطأ مفهوم تصدير الثورة مع انطلاق الثورة الاسلامية الايرانية، ومقابل ذلك تصعيد الحكومات الخليجية بدعم الرؤية السلفية كان له دوره في تعزيز مثل هذا الفكر بين الطائفتين، أما العنصر الثالث فهو نمو الفكر التكفيري الذي يدفع بالبعض، سنة وشيعة، إلى مهاجمة الطائفة الأخرى، ما يتسبب في احتقان غير محمود على الاطلاق، ونحن ضد التطرف سواء كان صادرا من السنة أو الشيعة.
* وماذا عن علاقتكم بالتيار السلفي بالبحرين ونحن نعرف حجم العلاقة المتأزمة بين السلفية عموما وبين المذهب الشيعي؟
ـ في البحرين ليس لدينا رموز تكفيرية من التيار السلفي، ونحن على علاقة جيدة مع الأخوة السلفيين في البحرين، ولقد تشرفنا بوجود الشيخ عادل المعاودة رئيس كتلة الاصالة السلفية ونائب رئيس البرلمان في المؤتمر السنوي لـ«الوفاق»، ولا يفوتني أن أعرض على الشيخ المعاودة التعاون بكل اتجاه، بالإضافة إلى أن هناك تنسيقا مستمرا مع الشيخ المعاودة في بعض القضايا العامة التي تطفو على الساحة أحيانا. وباختصار أصدقك القول أنه ليس لنا أي مشكلة من أي نوع مع التيار السلفي في البحرين.
* يلاحظ نوعا من الصراع الخفي الذي بدأ يظهر للعلن داخل جمعية «الوفاق»، بين من يسمون بالصقور، وبين جناح المعتدلين. هل هذه لعبة سياسية، أم أنه انشقاق حقيقي؟
ـ لا هذا ولا ذاك، فهناك تجاذب في «الوفاق» بين كثير من المواقف مثل المشاركة والمقاطعة، وهذا التجاذب لم يتوقف قبل وبعد المقاطعة، واستمرار هذه الظاهرة هو أمر ايجابي ويؤسس «الوفاق» على أساس اختلاف وجهات النظر، ولكنها تخضع في النهاية للقرار الجماعي، وهنا أنا أدعو لما تسميه أنت بانشقاق، بينما أراه أنا اختلافا طبيعيا في وجهات النظر، نعم هناك في «الوفاق» صقور وحمائم يتبادلون المواقف بحسب نظرتهم للأمور، وأنا لست قلقا من هذا التجاذب الذي يصب في النهاية في صالح «الوفاق».
* أعلنتم أنكم لن تستأذنوا أحدا في حقكم بالتحرك الخارجي، ألا ترون أنكم تستفزون السلطة باتجاهكم للخارج بدلا من التحرك على مستوى البلد؟
ـ نحن نعتقد أن رؤيتنا في التحرك للخارج تنطلق في حقنا في إيصال نظرتنا للأوضاع الداخلية، وحديثي هذا مع صحيفة دولية، مثلا، أحد وسائلنا لإيصال رسالتنا، ما أقوله ان من حقي الالتقاء بالسفراء واستقبالهم في ظل التقاء وزراء الحكومة واستقبالهم لهؤلاء السفراء، فكما هم يتحدثون في رؤيتهم نحن نتحدث في رؤيتنا مع هؤلاء المسؤولين، ونحن نقوم بهذه الاتصالات دون أن نخفي ذلك وما أقوله لهم أقوله للرأي العام هنا في البحرين.
* ظهرت أخيرا أصوات من داخل الجمعية تنادي بأن الشيخ علي سلمان ليس بالشخص المناسب لقيادة «الوفاق» في هذه المرحلة، ما ردكم عليهم؟
ـ «الوفاق» ينعكس موقفها على كل مواطن في هذا البلد، وهي رقم كبير ومؤثر في كل ما تتخذه من قرارات مواقف، لذا.. كل مواطن له الحق في أن يبدي وجهة نظره وانتقاد «الوفاق» ورئيسها، بل ان من حق هؤلاء إيقاف رئيس الجمعية واختيار بديل عنه كما ينص النظام الاساسي، وأنا لست مؤيدا فقط لهذه الأصوات بل سعيد بها وأدعوها للاستمرار وتفعيل دعوتها هذه، أريد أن أؤسس لمؤسسة تتحرك وفقا لتحقيق أهدافها بعيدا عن قيادتها الحالية أو المستقبلية.
سلمان الدوسري ـ «الشرق الأوسط»
http://www.asharqalawsat.com/2005/08/13/images/interview.317355.jpg
في ظل التجاذبات السياسية والحراك الاجتماعي الذي تشهده البحرين منذ اطلاق الملك حمد بن عيسى آل خليفة لمشروعه الاصلاحي عام 2001، استطاعت الجمعيات السياسية أن تكون مرآة حقيقية لهذه التحولات التي تشهدها البلاد بالرغم من حداثة تأسيسها. وجمعية الوفاق الوطني الإسلامية، الذراع القوي للمعارضة، استطاعت أن تتكيف مع هذا المشروع الاصلاحي بالرغم من اختلافها الجذري معه، ومطالبتها بتعديلات دستورية تعود بها إلى المشاركة في الانتخابات البرلمانية.
ويؤكد الشيخ علي سلمان رئيس «الوفاق» وأحد رموز المعارضة السابقة التي كانت تمارس عملها خارج البحرين، قبل أن يسمح الملك حمد بعودتهم وممارسة معارضتهم من داخل البلاد، على أن المشروع الاصلاحي أطلق كثيرا من الحريات العامة وفتح أبواب السجون على مصراعيها وأطلق المساجين السياسيين، وسمح بحرية الصحافة، ولكنه في الوقت نفسه يرى أن الجانب الاقتصادي في بلاده تأخر عما كان عليه ولم يتوافق مع ما بشر به الاصلاح، كما أنه يرى أن الصيغة الدستورية الحالية لا تتناسب مع دستور 1973، الذي تعتبره «الوفاق» اساسا لأي دستور يعمل به. وفي الوقت الذي يحذر في الشيخ علي سلمان في حوار مع «الشرق الاوسط» في المنامة من فتنة طائفية، فهو يؤكد على عدم وجود رموز تكفيرية سلفية في البحرين، مشددا على العلاقات المتميزة بين التيار الشيعي وبين التيار السلفي. وفي ما يلي نص الحوار:
* بعد أربع سنوات من المشروع الاصلاحي للملك حمد بن عيسى، وإطلاق الحريات بأنواعها، كيف تقيمون المشهد السياسي في البحرين؟
ـ إذا كان بعبارة فهو إيجابي ويتقدم، وإذا كان بالتفصيل فإن المشروع الاصلاحي عندما بدأ، كانت له مقومات عدة.. سياسية واقتصادية واجتماعية واطلاق حريات عامة، فالواقع السياسي كان بين نص وممارسة، وفي حدود النص كان هناك تراجع بيِّن وكبير على مستوى الصيغة الدستورية، فكما هناك تراجع عن صيغة دستور 1973، هناك تراجع أيضا عن صيغة ميثاق العمل الوطني التي بشرت بمساحة أكبر للمواطن في صيغة القرار بينما تراجع المواطن في صيغة القرار هذه، في الوقت الذي نحن متأكدون من أن الواقع العملي هو افضل في دستور 1973. ولا ننسى أن المشروع الاصلاحي بشر المواطنين بالرفاهية الاقتصادية، وفي هذا الجانب لم يتقدم المواطن أبدا، فالمشاكل الاقتصادية مازالت والانخفاض في معدل الأجور لا يزال يقل في كل عام، والبطالة تتفاقم من دون وجود أي حلول واقعية، والتمييز لا يزال ساري المفعول والتجنيس خارج إطار القانون لم نشعر بتوقفه، إذن نحن نرى بأننا في المشروع الاصلاحي تقدمنا في الحريات العامة وتأخرنا في الجوانب الأخرى كالجوانب الاقتصادية.
* ألا تعتقدون بان البحرين بحاجة الى فترة للتدرج قبل الوصول الى ما تطالبون به؟
ـ نحن ايضا نطالب بفكرة التدرج هذه نفسها، ولا نعتقد بان المجتمعات تستطيع ان تقفز على محيطها الاجتماعي، لذا نقول إن هذا التدرج من الأفضل أن يبدأ بما انتهى عليه دستور 1973، ويبني على هذا الواقع سياسيا والذي بدأ بإطلاق تجربة الكويت عام 1961، حتى أن التجربة القطرية التي تحركت مع المشروع الاصلاحي (2001)، ومع ذلك فهي تبشر بنفس دستور 1973، وليس لائقا أن تتراجع البحرين وهي التي سبقت كل هذه الدول، ولو اننا بدأنا بالتدرج منذ انطلاق المشروع الاصلاحي لشاهدنا تراجعا للمطالب الشعبية اليومية، مثل بناء جدار عازل، أو منع مواطنين من ساحل قريتهم أو مطالبة بوظائف، لذا فنحن مع مبدأ التدرج ولكن متى يبدأ هذا التدرج؟ هنا السؤال.
* بالنسبة إليكم في جمعية الوفاق الوطني الاسلامية ما الذي جنيتموه من مقاطعتكم للانتخابات البرلمانية عام 2002، ألم يكن من الأجدى الدعوة إلى كل هذه المطالب من داخل قبة البرلمان؟
ـ في عام 2002 عملنا منذ بداية صدور الدستور الحالي (ميثاق العمل الوطني) على تقييم هذا الوضع، وقبل ذلك أخبرنا الملك أن ما يقوم به لن يكون مقبولا، ولكن لكون كلمة الملك هي العليا كان القرار خلافا للحالة الشعبية التي ارتضت مجلسا منتخبا، فيما كانت التعديلات تقضي بمجلس شورى له نفس صلاحية المجلس المنتخب، كما أن توزيع الدوائر الانتخابية لم يراع التركيبة السكانية بقدر ما راعى التوزيع الجغرافي، لذا رأينا أن البرلمان بصيغته هذه لا يساعد على استقرار الدستور، والآن وبعد ثلاث سنوات من عودة الحياة البرلمانية، نرى أن المجلس بصيغته الحالية لم يساعد على الاطلاق في تحقيق ما نصبو اليه، فالبطالة بازدياد والكهرباء تنقطع باستمرار واراضي البحرين يتم الاستيلاء عليها لصالح بعض المتنفذين. ومن اكبر نقاط ضعف البرلمان الحالي أن مساحة صلاحياته متدنية بصورة كبيرة، فهو لا يملك مساءلة الوزراء، كما أن آلية إصدار القوانين التي تأخذ في بعض منها أكثر من خمس سنوات لاقرارها، تعطي صورة واضحة عن وضع هذا البرلمان الذي نحن على ثقة بأنه لا يملك صلاحية تساعده في تحقيق ما بشر به المشروع الاصلاحي، فعلى سبيل المثال قانون الصحافة، الذي وافق عليه المجلس ورفعه إلى الحكومة التي وضعته في الأدراج وأصدرت قانونا جديدا من عندها. كما أن السلطة التنفيذية (الحكومة) أعاقت العمل التشريعي وأدى ذلك إلى محدودية التجربة، وفي هذه النقطة نحن لا نلوم النواب، لذا نرى أنه حتى الآن لم تتم مساءلة وزير واحد.. ولم يصدر أي تشريع، إذن فالمجلس لا يمارس سلطاته المنشودة، فما الفائدة من دخولنا مثل هذا البرلمان؟
* في الوقت الذي تطالبون فيه بتعديل الدستور وترفعون شعار «الاصلاح الدستوري أولا» هناك لجنة برلمانية مختصة بالتعديلات الدستورية تنظر هذا الأمر، ألا يعني ذلك أن المشروع الاصلاحي يسمح بالتعديلات هذه بشرط أن تكون من داخل القبة البرلمانية؟
ـ هناك قناعة داخل المجلس بأن أي فكرة للتعديل ستؤول للفشل طالما أنها لم تحظ بموافقة حكومية مسبقة، وهذا ما توضحه لنا التجربة البرلمانية حتى الآن، فآلية مثل هذا التعديل تحتاج إلى 7 سنوات هذا لو افترضنا أن المشروع أخذ أغلبية برلمانية، ولو فتحت كل الأبواب فإن هنا قفلاً ليس له مفتاح، ألا وهو توقيع الملك وتصديقه على القانون، ونظرا لأن التعديلات التي أجريت على الميثاق هي إرادة ملكية فلا يمكن أن يمر مثل هذا القانون إلا بإرادة ملكية، لذا نحن نطالب ملك البحرين بأخذ مبادرة لتعديل الأوضاع وتعديل الدستور باعتبار أن من صلاحياته اقتراح هذه التعديلات الدستورية، وله الحق في استفتاء الشعب في صيغة دستورية أخرى وإيجاد حل لهذه المعضلة، ولنتفق جميعا أن التعديلات الدستورية ليست في يد البرلمان بل في يد الملك وحده.
* تهددون دائما باللجوء إلى الفعاليات الشعبية، أو بالأصح إلى الشارع.. كيف تستطيعون ضمان عدم خروج الأمور عن سيطرتكم وبالتالي عودة المواجهات من جديد كما كانت في فترة التسعينات؟
ـ «الوفاق» تستخدم جميع وسائل العمل السياسي المختلفة، وبالنسبة للمسألة الدستورية فقد كانت لنا دراسات قانونية عن الواقع الدستوري في البحرين، وهناك دراسات أجريت من كبار القانونيين العرب عن الوضع الدستوري للمقارنة بين دستور 73 ودستور 2002، وثبت لنا بالدليل القاطع والحجة القانونية أن دستور 2002 لا يحمل ما كنا متفقين عليه سابقا، وعليه فإنه من حقنا استخدام كافة الوسائل السلمية، وأكرر السلمية، ونحن على ثقة بقدرتنا بضبط الشارع في الفعاليات التي نتصدى لها حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة، وللتدليل فقد خرجنا للمطالبة بالتعديلات الدستورية في ثلاث مسيرات جماهيرية كبرى، لم تخرج واحدة منها عن السيطرة، كانت تتميز بخطابها المعتدل وشعاراتها الموضوعية، وهذا ما يحسب لنا في كيفية ضبط الايقاع لهذه الفعاليات.
* في المقابل هناك من يتهم بعض الاعتصامات بتعطيل مصالح الناس وتتسبب في طرد الاستثمارات إذا ما استمرت على هذه الوتيرة ؟
ـ اتفق معك في وجود بعض الممارسات التي يشارك بها نفر قليل من الناس وتعتبر غير مدروسة مسبقة وتكون عفوية وربما تتسبب في أضرار نسبية، ولكن نحن ضد مثل هذه الفعاليات التي تمارس ضد القانون، وفي فعالياتنا جميعا لم نتسبب في تعطيل مصالح المواطنين أبدا.
* هناك أمر ربما يكون فيه نوع من التناقض بين مطالبكم كمعارضة وبين ما تحقق للبحرين على أرض الواقع.. ففي ظل الاشادة المستمرة من قبل الدول الكبرى وعلى رأسهم الولايات المتحدة بالمشروع الاصلاحي للملك حمد بن عيسى، ألا تعتقدون أنكم ربما تبدون خارج النص بمقاطعتكم للبرلمان والدخول فيه؟
ـ القياس بين فترة التسعينات وبين الألفية الجديدة والتغيرات التي شهدتها البحرين أمر واضح وبين، فعدد المعتقلين بلغ في تلك الفترة ما يقارب 32 ألف معتقل سياسي، وهناك من 60 إلى 65 ألف ضحية لقوا مصرعهم في أحداث التسعينات، ولو قارنت تلك الفترة بما يحدث على أرض الواقع لوجدت فارقا بكل تأكيد، فالصحافة أصبح لها هامش جيد من الحرية، وحرية الرأي اصبحت مكفولة بموجب القانون، وأصبحت لدينا انتخابات بلدية ونيابية، ولكننا مقابل هذا كله تراجعنا دستوريا، وإشادات الرئيس الأميركي جورج بوش المستمرة تتحدث عن هذا التغيير عن فترة التسعينات، لكن لا تنسى أنه ومقابل هذه الاشادات التي تتحدث عنها، هناك منظمات دولية كبرى مثل المنظمة الدولية للأزمات تنتقد الأوضاع الدستورية في البحرين.
* أين الديمقراطية في جمعيتكم، وهي الذراع القوي للمعارضة، والانتساب إليها محصور فقط على أبناء الطائفة الشيعية ؟ ألا تعتقدون أنكم هنا لا تمثلون كافة أطياف الشعب البحريني؟
ـ ما تقوله ليس مشكلتنا وحدنا في جمعية «الوفاق» بل مشكلة كل الجمعيات السياسية، مثل جمعية الاصالة (سلفية)، وانا أصلا ضد هذه التركيبة وأعتقد أنها لا تخدم العمل السياسي، إنما هذه التركيبة هي جزء من المرحلة الحالية ويجب علينا أن نقبل بها حتى يستطيع المجتمع البحريني التعود على العمل السياسي من دون النظر إلى مثل هذه التقسيمات، ونحن في جمعية «الوفاق» وبالرغم من أن غالبية منتسبينا من الطائفة الشيعية، إلا أننا نتحدى أن يكون صدر منا أي تصريح أو موقف فيه شيء من الطائفية، بل ان قانون الجمعية يعطي أي مواطن بحريني الحق في الانتساب للجمعية، وللمعلومية هناك بعض الأخوة من الطائفة السنية من المنتسبين للجمعية، وإن كانوا قلة وهم استثناء من الغالبية الشيعية، والباب مفتوح لهم للدخول والانضمام للجمعية.
* ألا تخشون من فتنة طائفية تأكل الأخضر واليابس في البحرين إذا ما ظلت الأمور في تصعيد مستمر بين المعارضة (الشيعية) والحكومة؟
ـ للأسف هناك ثلاثة عناصر ساهمت في الوصول إلى هذه المرحلة، وعلى رأسها الاستخدام السلبي من قبل السلطة الرسمية على مدى عقود من تصوير أن هدف الشيعة هو طرد السنة من البحرين والاستيلاء على الحكم، وهو الذي أزَّم الأمور بين الطائفتين، فقد تم استخدام هذه الورقة من أجل المصالح السياسية، اضيف إلى ذلك أن الانعكاسات للاوضاع السلبية للتوترات الطائفية مثل خطأ مفهوم تصدير الثورة مع انطلاق الثورة الاسلامية الايرانية، ومقابل ذلك تصعيد الحكومات الخليجية بدعم الرؤية السلفية كان له دوره في تعزيز مثل هذا الفكر بين الطائفتين، أما العنصر الثالث فهو نمو الفكر التكفيري الذي يدفع بالبعض، سنة وشيعة، إلى مهاجمة الطائفة الأخرى، ما يتسبب في احتقان غير محمود على الاطلاق، ونحن ضد التطرف سواء كان صادرا من السنة أو الشيعة.
* وماذا عن علاقتكم بالتيار السلفي بالبحرين ونحن نعرف حجم العلاقة المتأزمة بين السلفية عموما وبين المذهب الشيعي؟
ـ في البحرين ليس لدينا رموز تكفيرية من التيار السلفي، ونحن على علاقة جيدة مع الأخوة السلفيين في البحرين، ولقد تشرفنا بوجود الشيخ عادل المعاودة رئيس كتلة الاصالة السلفية ونائب رئيس البرلمان في المؤتمر السنوي لـ«الوفاق»، ولا يفوتني أن أعرض على الشيخ المعاودة التعاون بكل اتجاه، بالإضافة إلى أن هناك تنسيقا مستمرا مع الشيخ المعاودة في بعض القضايا العامة التي تطفو على الساحة أحيانا. وباختصار أصدقك القول أنه ليس لنا أي مشكلة من أي نوع مع التيار السلفي في البحرين.
* يلاحظ نوعا من الصراع الخفي الذي بدأ يظهر للعلن داخل جمعية «الوفاق»، بين من يسمون بالصقور، وبين جناح المعتدلين. هل هذه لعبة سياسية، أم أنه انشقاق حقيقي؟
ـ لا هذا ولا ذاك، فهناك تجاذب في «الوفاق» بين كثير من المواقف مثل المشاركة والمقاطعة، وهذا التجاذب لم يتوقف قبل وبعد المقاطعة، واستمرار هذه الظاهرة هو أمر ايجابي ويؤسس «الوفاق» على أساس اختلاف وجهات النظر، ولكنها تخضع في النهاية للقرار الجماعي، وهنا أنا أدعو لما تسميه أنت بانشقاق، بينما أراه أنا اختلافا طبيعيا في وجهات النظر، نعم هناك في «الوفاق» صقور وحمائم يتبادلون المواقف بحسب نظرتهم للأمور، وأنا لست قلقا من هذا التجاذب الذي يصب في النهاية في صالح «الوفاق».
* أعلنتم أنكم لن تستأذنوا أحدا في حقكم بالتحرك الخارجي، ألا ترون أنكم تستفزون السلطة باتجاهكم للخارج بدلا من التحرك على مستوى البلد؟
ـ نحن نعتقد أن رؤيتنا في التحرك للخارج تنطلق في حقنا في إيصال نظرتنا للأوضاع الداخلية، وحديثي هذا مع صحيفة دولية، مثلا، أحد وسائلنا لإيصال رسالتنا، ما أقوله ان من حقي الالتقاء بالسفراء واستقبالهم في ظل التقاء وزراء الحكومة واستقبالهم لهؤلاء السفراء، فكما هم يتحدثون في رؤيتهم نحن نتحدث في رؤيتنا مع هؤلاء المسؤولين، ونحن نقوم بهذه الاتصالات دون أن نخفي ذلك وما أقوله لهم أقوله للرأي العام هنا في البحرين.
* ظهرت أخيرا أصوات من داخل الجمعية تنادي بأن الشيخ علي سلمان ليس بالشخص المناسب لقيادة «الوفاق» في هذه المرحلة، ما ردكم عليهم؟
ـ «الوفاق» ينعكس موقفها على كل مواطن في هذا البلد، وهي رقم كبير ومؤثر في كل ما تتخذه من قرارات مواقف، لذا.. كل مواطن له الحق في أن يبدي وجهة نظره وانتقاد «الوفاق» ورئيسها، بل ان من حق هؤلاء إيقاف رئيس الجمعية واختيار بديل عنه كما ينص النظام الاساسي، وأنا لست مؤيدا فقط لهذه الأصوات بل سعيد بها وأدعوها للاستمرار وتفعيل دعوتها هذه، أريد أن أؤسس لمؤسسة تتحرك وفقا لتحقيق أهدافها بعيدا عن قيادتها الحالية أو المستقبلية.