لمياء
08-12-2005, 02:27 PM
خضر محمد نبها
كاتب لبناني
مئة عام مضت على القرار 1559، وما اعنيه بالمئة عام هو ان ما بين القرار 1559 (سنة 2005م.) والحركة الدستورية <<المشروطة>> في ايران (سنة 1905م.) تشابه في الاهداف والغايات، وانقسامات الشعب والعلماء والسياسيين والدول الكبرى.
أ في الاهداف والغايات: الحركة الدستورية او المشروطة هي ثورة قامت مقابل الاستبداد، تعني ان الدولة بحاجة الى جملة من الاجراءات من قبل الحكام او الملوك. وكذلك هو القرار 1559، فإذا قرأناه قراءة سطحية، نجد انه صدر بذريعة الوجود السوري، وان الدولة اللبنانية يجب ان تكون حرة ومستقلة تدير شؤونها مجموعة قوانين وأنظمة لبنانية.
ب على الصعيد الشعبي والعلمائي والسياسي: الحركة الدستورية في ايران قسّمت الشعب الايراني الى شطرين: مؤيد ومعارض. وتجاوز الانقسام الشعبي الى طبقة علماء الدين، منهم من أيد وبعضهم عارض: فالآخوند الخراساني، وهو من كبار علماء الامامية الذي وصل عدد طلابه الى الف ومئتي طالب بينهم ثلاثمئة او اكثر من المجتهدين، وكان على درجة عالية من الايمان والتقوى، هذا العالم الكبير أيد الحركة الدستورية وعارض الاستبداد بقوة. وبالمقابل، كان على رأس معارضي هذه الحركة فقيه كبير من فقهاء الامامية، هو السيد كاظم اليزدي الطباطبائي، ومعارضته للحركة الدستورية سببها عدم تمثيلها لرؤية وروح الاسلام. وبلغ الخلاف ما بين المؤيدين والمعارضين ان تمخضت عنه أحداث دامية ومرة، قُتل فيها علماء مجتهدون من امثال الشيخ فضل الله نوري الذي صلب على أعواد المشانق، وسمي لاحقا بالشهيد الثالث.
هذا في ايران، أما في لبنان فنجد ايضا ان الشعب قد انقسم حول القرار 1559: فئة تريد تطبيقه بداعي الحرية والاستقلال، وفئة اخرى تعارض هذا الموقف ليس من باب رفض الحرية والاستقلال، بل لجهة الغايات المشبوهة المتخفية وراء هذا القرار. وبالتالي انقسم الشعب اللبناني نتيجة مواقف وآراء الزعماء السياسيين.
وتجاوز الخلاف في لبنان حول القرار 1559، الى علماء الدين المسلمين والمسيحيين، حيث نجد بعض علماء المسلمين ينظّر لأسلمة القرار، لأنه يشكل برأيه بابا للحرية والاستقلال. والبعض الآخر رفضه بالمطلق لأنه يودي الى اشعال الفتن بين أبناء البلد الواحد والعودة بلبنان الى الحرب الاهلية. صحيح أننا لم نصل الى مرحلة التكفير والقتل في ما بيننا، لكن هذا القرار طال رموزا وقيادات وأقلاما صحافية وغيرهم.
ج على الصعيد الدولي: وبالعودة الى ايران والموقف الدولي في حينه من الحركة الدستورية، فقد انقسم الى من يؤيد الاستبداد، ومن يؤيد الحركة الدستورية. والمجتمع الدولي يومها الذي كان يتحكم بمصالح الشعب الايراني تمثل بروسيا وبريطانيا. فروسيا وقفت بقوة مع النظام الاستبدادي، أما بريطانيا فروجت بكل ما أوتيت من قوة اغراءات الى الحركة الدستورية. والأمر اللافت هنا ان العالم أجمع على تنفيذ القرار 1559 في لبنان بسبب توافق مصالحه، باستثناء سوريا التي عارضت هذا القرار بداية ثم وافقت عليه وانسحبت، واليوم تهتم بشأنها الداخلي.
بعد هذه المقارنة نخرج باستنتاجات وحقائق هي:
ان الشعب الايراني صوّر له ان الحركة الدستورية او المشروطة لو حكمت ايران وأصبحت الدولة دستورية فإن الخبز والكباب يأتيهما الى بيوتهم وهم جالسون.
واليوم يروّج اصحاب القرار 1559، بأنه اذا ما طبق كاملا، فان وضعا اقتصاديا مزدهرا سيصيب لبنان وشعبه، وتعدنا اميركا واوروبا بعقد مؤتمر قريب بهذا الخصوص.
استنادا الى ما ورد، فانني أؤكد ان لا احد في لبنان يعارض الحرية والاستقلال ويحبذ الاستبداد، لكن المسألة الاساسية إنما تكمن في ان اميركا تريد ان تغير النفوذ في لبنان، من نفوذ سوري، الى نفوذ اميركي واوروبي كما حصل مع الحركة الدستورية في ايران، فبريطانيا عندما أيدت الحركة المشروطة ارادت ان تجد نفوذا لها، وان يصبح نفوذها هو الاقوى مقابل الوجود الروسي. ولهذا عندما عارضت روسيا الحركة الدستورية إنما ارادت بذلك ان تحافظ على نفوذها وتمنع التدخل البريطاني.
وهكذا هي الحال في لبنان، علينا ان لا ننبهر بالقرار 1559 لأنه قرار يراد من خلاله ان تسيطر اميركا على المنطقة، ولنتحاش نحن اللبنانيين الانقسام ازاء هذا القرار، فالدول الكبرى لا ترى الا مصالحها، فلنحذر مفاعيل الانقسام خوفا من ان نضعف وتتفشى فينا الاغتيالات والموت كما حصل سابقا في ايران، فهل يعيد التاريخ نفسه بعد مئة عام، ولكن مع اختلاف المكان والدول المهيمنة؟
كاتب لبناني
مئة عام مضت على القرار 1559، وما اعنيه بالمئة عام هو ان ما بين القرار 1559 (سنة 2005م.) والحركة الدستورية <<المشروطة>> في ايران (سنة 1905م.) تشابه في الاهداف والغايات، وانقسامات الشعب والعلماء والسياسيين والدول الكبرى.
أ في الاهداف والغايات: الحركة الدستورية او المشروطة هي ثورة قامت مقابل الاستبداد، تعني ان الدولة بحاجة الى جملة من الاجراءات من قبل الحكام او الملوك. وكذلك هو القرار 1559، فإذا قرأناه قراءة سطحية، نجد انه صدر بذريعة الوجود السوري، وان الدولة اللبنانية يجب ان تكون حرة ومستقلة تدير شؤونها مجموعة قوانين وأنظمة لبنانية.
ب على الصعيد الشعبي والعلمائي والسياسي: الحركة الدستورية في ايران قسّمت الشعب الايراني الى شطرين: مؤيد ومعارض. وتجاوز الانقسام الشعبي الى طبقة علماء الدين، منهم من أيد وبعضهم عارض: فالآخوند الخراساني، وهو من كبار علماء الامامية الذي وصل عدد طلابه الى الف ومئتي طالب بينهم ثلاثمئة او اكثر من المجتهدين، وكان على درجة عالية من الايمان والتقوى، هذا العالم الكبير أيد الحركة الدستورية وعارض الاستبداد بقوة. وبالمقابل، كان على رأس معارضي هذه الحركة فقيه كبير من فقهاء الامامية، هو السيد كاظم اليزدي الطباطبائي، ومعارضته للحركة الدستورية سببها عدم تمثيلها لرؤية وروح الاسلام. وبلغ الخلاف ما بين المؤيدين والمعارضين ان تمخضت عنه أحداث دامية ومرة، قُتل فيها علماء مجتهدون من امثال الشيخ فضل الله نوري الذي صلب على أعواد المشانق، وسمي لاحقا بالشهيد الثالث.
هذا في ايران، أما في لبنان فنجد ايضا ان الشعب قد انقسم حول القرار 1559: فئة تريد تطبيقه بداعي الحرية والاستقلال، وفئة اخرى تعارض هذا الموقف ليس من باب رفض الحرية والاستقلال، بل لجهة الغايات المشبوهة المتخفية وراء هذا القرار. وبالتالي انقسم الشعب اللبناني نتيجة مواقف وآراء الزعماء السياسيين.
وتجاوز الخلاف في لبنان حول القرار 1559، الى علماء الدين المسلمين والمسيحيين، حيث نجد بعض علماء المسلمين ينظّر لأسلمة القرار، لأنه يشكل برأيه بابا للحرية والاستقلال. والبعض الآخر رفضه بالمطلق لأنه يودي الى اشعال الفتن بين أبناء البلد الواحد والعودة بلبنان الى الحرب الاهلية. صحيح أننا لم نصل الى مرحلة التكفير والقتل في ما بيننا، لكن هذا القرار طال رموزا وقيادات وأقلاما صحافية وغيرهم.
ج على الصعيد الدولي: وبالعودة الى ايران والموقف الدولي في حينه من الحركة الدستورية، فقد انقسم الى من يؤيد الاستبداد، ومن يؤيد الحركة الدستورية. والمجتمع الدولي يومها الذي كان يتحكم بمصالح الشعب الايراني تمثل بروسيا وبريطانيا. فروسيا وقفت بقوة مع النظام الاستبدادي، أما بريطانيا فروجت بكل ما أوتيت من قوة اغراءات الى الحركة الدستورية. والأمر اللافت هنا ان العالم أجمع على تنفيذ القرار 1559 في لبنان بسبب توافق مصالحه، باستثناء سوريا التي عارضت هذا القرار بداية ثم وافقت عليه وانسحبت، واليوم تهتم بشأنها الداخلي.
بعد هذه المقارنة نخرج باستنتاجات وحقائق هي:
ان الشعب الايراني صوّر له ان الحركة الدستورية او المشروطة لو حكمت ايران وأصبحت الدولة دستورية فإن الخبز والكباب يأتيهما الى بيوتهم وهم جالسون.
واليوم يروّج اصحاب القرار 1559، بأنه اذا ما طبق كاملا، فان وضعا اقتصاديا مزدهرا سيصيب لبنان وشعبه، وتعدنا اميركا واوروبا بعقد مؤتمر قريب بهذا الخصوص.
استنادا الى ما ورد، فانني أؤكد ان لا احد في لبنان يعارض الحرية والاستقلال ويحبذ الاستبداد، لكن المسألة الاساسية إنما تكمن في ان اميركا تريد ان تغير النفوذ في لبنان، من نفوذ سوري، الى نفوذ اميركي واوروبي كما حصل مع الحركة الدستورية في ايران، فبريطانيا عندما أيدت الحركة المشروطة ارادت ان تجد نفوذا لها، وان يصبح نفوذها هو الاقوى مقابل الوجود الروسي. ولهذا عندما عارضت روسيا الحركة الدستورية إنما ارادت بذلك ان تحافظ على نفوذها وتمنع التدخل البريطاني.
وهكذا هي الحال في لبنان، علينا ان لا ننبهر بالقرار 1559 لأنه قرار يراد من خلاله ان تسيطر اميركا على المنطقة، ولنتحاش نحن اللبنانيين الانقسام ازاء هذا القرار، فالدول الكبرى لا ترى الا مصالحها، فلنحذر مفاعيل الانقسام خوفا من ان نضعف وتتفشى فينا الاغتيالات والموت كما حصل سابقا في ايران، فهل يعيد التاريخ نفسه بعد مئة عام، ولكن مع اختلاف المكان والدول المهيمنة؟