المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مبارك .... معركة «كسر عظم» مع المعارضة... والبيت الابيض



yasmeen
08-12-2005, 09:06 AM
الأقنية السرية في الاستحقاق الرئاسي


الكفاح العربي

هل قرر الرئيس حسني مبارك ان يخوض معركة «كسر عظم» مع منافسيه, بعدما انكشفت الاتصالات الأميركية مع الاخوان المسلمين في مصر, وما صحة الاعتقاد القائل بأن «المصالحة» الأميركية * المصرية تتعقد بعد رحلة كوندوليزا رايس الأخيرة الى القاهرة على خلفية تراجع دور مبارك لدى واشنطن؟
السؤالان مطروحان عشية معركة الرئاسة المصرية, التي تخوضها عشرة أحزاب مصرية على الأقل في وجه التمديد الخامس, في الوقت الذي تستعد مصر لاستضافة قمة عربية استثنائية في ظروف استثنائية لإعادة تأكيد دورها العربي المحوري في مواجهة الضغوط الخارجية.
«الكفاح العربي» تكشف جوانب من الاتصالات السرية التي جرت بين القاهرة وواشنطن عشيةالمواجهة.

قبل وصول وزيرة الخارجية الأميركية الى المنطقة بأسبوع واحد كان الدكتور اسامة الباز المستشار السياسي للرئاسة المصرية قصد واشنطن في رحلة هي الثالثة لمسؤول مصري في غضون ثلاثة أشهر لتبريد الاجواء المتوترة بين واشنطن والقاهرة على ايقاع «حمى التغيير» التي يعيشها الشارع المصري والهوس المتزايد بالاصلاح والتطوير.
الزيارة الاولى قام بها مدير المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان في نيسان €ابريل€ الماضي, عقب التدهور الذي طرأ على العلاقات الثنائية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي, وقد بلغ هذا التدهور حداً طالبت معه «واشنطن بوست» في افتتاحيتها الرئيس جورج بوش بالتدخل «لمنع الرئيس المصري من تمديد حكمه الديكتاتوري * حسب تعبيرها* لفترة خامسة تستمر ست سنوات», منوهة في الوقت نفسه بـ«التنازلات المصرية» لتحسين العلاقة مع اسرائيل, واقناع سنة العراق بالمشاركة في العملية السياسية. في أعقاب هذه الزيارة لم يخف رئيس الوزراء المصري الدكتور احمد نظيف ان حكومته دخلت في صراع مكشوف مع الاسلاميين والقوى السياسية المعارضة, على كسب ود واشنطن, في اشارة اعتبرتها المعارضة يومذاك قبولاً مصرياً ضمنياً بدخول الادارة الأميركية كلاعب أساسي في اللعبة السياسية المصرية, في معرض اتهام السلطة بالاستقواء بالخارج في مواجهة تنامي القوى الرافضة في الداخل.
الزيارة الثانية الى واشنطن قام بها نظيف نفسه, كبديل عن الرئيس مبارك الذي رأى ان الظروف ليست ملائمة لرحلة يقوم بها شخصياً €المعارضة المصرية روجت في حينه لمقولة ان واشنطن لم تستقبل الرئيس المصري بعدما تخلت عن مساندتها التقليدية له€. الرحلة التي تمت في 18 ايار €مايو€ الفائت طرحت اربع قضايا اساسية:
* القضية الأولى تأكيد قدرة مصر بنظامها الحالي على قيادة المنطقة نحو مزيد من الديمقراطية ومزيد من الاستقرار, وفقاً لرؤية القاهرة وروزنامتها الخاصة, بعيداً عن الضغوط الخارجية, على أساس ان النموذج الديمقراطي المصري «بطيء» لكنه «مستقر» ومضمون النتائج.
* القضية الثانية تركزت على شرح الموقف المصري الرسمي من الحوار الذي بدأ بين واشنطن والجماعات الاسلامية خلال الأشهر الأخيرة, والذي شجع «الاخوان» على مزيد من التحرك في الشارع. رأي القاهرة كان أن هذا الحوار الذي يشارك فيه الأوروبيون, خطأ استراتيجي لأن التغيير الذي يطالب به الاسلاميون لا يمت الى الديمقراطية والاصلاح بصلة, من قريب أو بعيد.
* القضية الثالثة تمحورت حول شرح الموقف المصري من مسألة استقدام مراقبين أجانب لمراقبة الانتخابات المصرية, على خلفية «حساسية» الشارع المصري تجاه هذا «التدخل» بعدما عانى الاحتلالات لآلاف السنين.
* القضية الرابعة تمثلت في السعي لانقاذ اتفاقية التجارة الحرة بين مصر والولايات المتحدة, بعدما فشل الرئيس مبارك في زيارته الأخيرة لواشنطن €نيسان€ ابريل 2004€ في حمل بوش على توقيعها بسبب جملة المطالب الأميركية التي تجمع بين الاصلاحات الاقتصادية والسياسية, وتحسين العلاقات المصرية * الاسرائيلية.
أما الزيارة الثالثة * التي بقيت سرية * فهي الزيارة التي قام بها أسامة الباز قبل وصول رايس الى القاهرة بأسبوع واحد, والتي تقرر في اعقابها خوض معركة حاسمة ضد «الاخوان» والمعارضين على قاعدة ان مصر بمؤسساتها ورصيدها التاريخي ودورها الاقليمي لا تحتاج الى وصاية أحد في ادارة شؤونها الداخلية والمضي في عملية الاصلاح والتطوير. وقد ظهر هذا التوجه الرسمي في تصريحات للرئيس المصري نفسه اتهم فيها المعارضة بأنها «مستأجرة» لحساب قوى خارجية. وجاءت تصريحات رايس بشأن الحوار مع الاسلاميين «المعتدلين» التي تعكس تراجع التحفظات الغربية على امكانية وصولهم الى السلطة عبر صناديق الاقتراع, لتزيد التشنج بين القاهرة وواشنطن, وسط احساس مبارك شخصياً بأنه دخل, ولأول مرة منذ ربع قرن, في معركة مساومات أميركية * أوروبية حول استمراره على رأس السلطة, وأن الحكومات الغربية تبحث عن بديل ليس جاهزاً حتى الآن, من أجل إ حداث تغيير حقيقي في البنية السياسية المصرية.

قيود
والأجواء المصرية * الأميركية عكسها بوضوح كامل البيان الذي وزعه سعد الدين ابراهيم رئيس «مركز ابن خلدون للدراسات الانمائية» والذي أكد ان النظام المصري أفرغ التعديل الدستوري المطلوب من أي جوهر أو مضمون,وهو يسعى الى عملية انتخابية هزلية» تحت شعار «التعددية» في الترشيح. وقد شدد ابراهيم على خمسة مطالب اعتبرها محل اجماع وطني, كشرط لتحدي الرئيس المصري في انتخابات تنافسية مفتوحة في ظل رقابة مستقلة من الداخل والخارج. المطالب الخمسة هي الآتية:
1* تعديل الدستور في مواده الخاصة باختيار وصلاحيات وفترة شغل منصب رئيس الجمهورية.
2* إلغاء حالة الطوارئ المقيدة للحريات الاساسية للشعب.
3* استعادة القضاء سلطته الكاملة المستقلة وإلغاء كل أشكال القضاء الموازي والاستثنائي.
4* تحرير الاعلام * بكل صوره المقروءة والمرئية والمسموعة* من سيطرة الدولة واحتكارها.
5* اطلاق الحرية الكاملة للمجتمع المدني, بما ينطوي عليه ذلك من إلغاء القيود على تأسيس الاحزاب والجمعيات والنقابات.
وفي بيانه تحدث ابراهيم عن الضغوط المحلية والاقليمية والعالمية وتأثيرها في احراج النظام المصري, وقال: «لقد أعلن مبارك بعد عناد طويل في 26 شباط €فبراير€ 2005, مبادرة محدودة لتعديل الدستور, وهي المادة 76, بحيث يسمح بانتخابات تنافسية على منصب رئيس الجمهورية. ورغم تواضع المبادرة, إلا أننا مع معظم شعبنا استبشرنا بها خيراً, عملاً بالقول المأثور ان اول الغيث قطرة».
لكن الأشهر الخمسة التالية كشفت أنه «لا قطرة» و«لا غيث», ولكن سراب في سراب. فنظام مبارك بأجهزته الأمنية وحزبه الواحد, وبرلمانه الصوري, رتب لتعديل جعل من المادة 76 طلسماً معقداً طويلاً €600 كلمة€, أفرغ مفهوم الانتخابات التنافسية الحرة من كل روحها ومحتواها ولم يكتف بذلك, بل اجاز على عجل قانون مشوه لمباشرة الحقوق السياسية.
والمفارقة أن الأميركيين وكذلك الأوروبيين لا يتلاقون على موقف واحد بالنسبة الى دور مصر الحقيقي في الشرق الأوسط, وكثيرون هم الباحثون الاسرائيليون الذين يعتبرون مصر «الدولة العربية الأهم» في مواجهة المتطرفين وضمان الاستقرار في المنطقة. في كتاب بعنوان «تنمية الديمقراطية في الشرق الأوسط» يقول غراهام فوللر نائب رئيس مجلس المخابرات القومي السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية «انه اذا كانت مصر قد انتصرت على الحركات العنيفة قبل الحادي عشر من ايلول €سبتمبر€, فإن التاريخ الذي اعقب الهجمات قد فتح الباب مجددا امام تبني بعض الاسلاميين العنف, وحرب الرئيس بوش على الارهاب وفصول العنف الأميركي المستمر في العراق كلها عوامل أدت الى اعادة احياء الحركات العنفية التي قررت الانخراط في نضال مسلح ضد الوجود الاميركي في الشرق الاوسط.
ومثلما ان بوش قرر شن حرب ضد عدو مجهول الاسم والهوية كالارهاب, يشن هؤلاء حربهم ضد اي اجنبي على الأرض كما كان الحال مع ضرب السياح والحافلات السياحية. وبالرغم من انه قبل الحادي عشر من ايلول €سبتمبر€ توصلت معظم الجماعات الاسلامية الى قناعة بعدم جدوى العنف, إلا أنه بعد هذا التاريخ ونتيجة تزايد «الروح الثورية» كرد فعل لما حصل, فإن النقاش حول جدوى استخدام العنف لإسماع الصوت من عدمه برز من جديد الى الواجهة, ولا يمكن التنبؤ بالتأثير الذي قد يحدثه النقاش في تطور تلك الجماعات». ويعتبر فوللر كغيره من المحللين بأن أحد أهم الأزمات التي تواجه الحركة الاسلامية هي الاختيار ما بين الانخراط في لعبة السياسة أو اللجوء الى العنف.
في الوقت نفسه يرى باري روبين مدير «مركز ابحاث العلاقات الدولية» في هرتزليا €اسرائيل€ ان دور القاهرة في عملية السلام أكثر أهمية من ذي قبل, ويؤكد ان مصر «هي ميزان القوة العربية والاعتدال في التوجه نحو السلام في اسرائيل ونموذج للاستقرار, والجسر الثابت بين الولايات المتحدة والعالم العربي».
يضيف روبين «بالرغم من قيام الدولة بقمع الاسلاميين بشكل شديد, إلا أنها ترتدي مسوح الاسلام والدفاع عنه, وفي الوقت نفسه تقول للغرب بشكل فيه الكثير من الفجاجة انها تمارس الديمقراطية وتسير بطريق الاصلاح. وسوف يكسب مبارك معركة الرئاسة الانتخابية, وهذا مما لا شك فيه, الا ان التساؤل يبقى مطروحا: هل المعارضة هي البديل؟, ويجيب: ان المعارضة الوطنية المصرية بما فيها حركة «كفاية» نفسها معادية للسياسات الاميركية. والمتحدث باسم «كفاية» هو عبد الحليم قنديل الصوت الاكثر معارضة للسياسات الاميركية, والنظام المصري وهو رئيس تحرير جريدة «العربي» الناصري, ويضيف انه بينما هناك بين صفوف المعارضة معتدلون, إلا أنه بحسب تعبيره مخترقة من قبل الاسلاميين والراديكاليين, وبالتالي فإن أناسا مثل قنديل ومثل الاخوان المسلمين, كبدائل لمبارك ليس من المرجح ان يلقوا قبولا اميركيا. وعليه يخلص روبين الى القول بأن مبارك سوف يستمر كرئيس للبلاد حتى توافيه المنية أو يختار من يريد لينوب عنه, وهو لن يكون ابنه جمال,وانما ربما يكون جنرالا سابقاً لأن فرص الاستقرار في مصر جيدة وإن كانت فرص التطور متضائلة».

شمولية
وفي الوقت الذي بدأ تقاطر المرشحين الصغار والكبار €وبعضهم يترشح بدعم من الحزب الوطني الحاكم€ يرى الكثيرون من المصريين* وفي طليعتهم التيار القومي * ان عملية الاصلاح قد بدأت لكن المطلوب الذهاب الى أبعد, وفق رؤية شاملة للدور المصري ومستقبل مصر. في هذا السياق نقرأ في طروحات القوميين المصريين: نتمنى أن يكون الرئيس مبارك متفهماً ومقدرا لمطلب الاصلاح السياسي, وان كان قد ظهر الآن فالحقيقة انه قد جاء متأخرا منذ قرار الغاء الحياة السياسية في مصر في منتصف الخمسينيات, ولا يختلف أحد في أن الرئيس مبارك كان وما زال داعما اساسيا لحرية الرأي, وقد رأيناه يتدخل مرارا لاجهاض بعض القرارات والأحكام التي كانت تهدف الى تقييد الحريات. إلا أن مستقبل مصر والمصريين لا يمكن أن يتحدد في ظل ارتباط ابدي بقدرة الرئيس مبارك على استمرار تصحيح المسار, كما ان المسرح السياسي قد اصبح خاويا في ظل سيطرة الحزب الوطني على مقاليد الحكم من القمة الى القاعدة, وبالتالي فإن الصيغة السياسية القائمة منذ اكثر من نصف قرن والتي تعتمد على حكم فردي لزعماء بعينهم لم تعد الصيغة المناسبة لأمن مصر والمصريين في ظل المتغيرات التي طرأت في مصر وعلى الصعيد الاقليمي والعالمي.

نقرأ ايضاً: امام المفترق بين ضرورة التغيير بهدف المصلحة القومية او استمرارية النهج السياسي الحالي القائم على احتكار السلطة, فاننا نأمل في ان يكون الرئيس مبارك هو المبادر بقرار تحرير النظام السياسي من خلال اقامة دستور جديد للبلاد يحرر المواطن المصري من التبعية والوصاية والتسلط.