راشد البناي
04-28-2021, 11:54 AM
April 11 2021
https://d1otlgttjywjhu.cloudfront.net/assets/img/jordan-news/2021/4/m-327-%D8%A7%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B1%D8%AF%D9%86-%D9%85%D9%81%D8%AA%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D8%A7%D9%85-%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D8%A3%D9%82%D8%B3%D8%A7%D9%85.jpeg
كشفت متابعة من موقع "عربي21" لموقع دائرة الإفتاء العام في الأردن، أن مفتي المملكة الأردنية عبدالكريم الخصاونة، قام بنشر عدة مقالات في ذات الموقع استقاها من مصادر متعددة دون أدنى إشارة إليها.. وإذ تنشر "عربي21"عدة نماذج تؤكد هذه الخلاصة، فإنها تؤكد أن صفحاتها مفتوحة لمفتي المملكة الأردنية للرد والتوضيح، بما من شأنه ليس فقط حفظ الحقوق لأصحابها، وإنما من أجل تشجيع البحث العلمي الدقيق.
وللاختصار؛ سنقتصر في هذا التقرير الخاص بـ "عربي21"، على مقالة مطولة للخصاونة بعنوان "الروحانية في الإسلام" نشرت بتاريخ 15 نيسان/إبريل 2014، وأصلها "مداخلة لسماحة الشيخ عبدالكريم الخصاونة في ندوة الحوار الإسلامي المسيحي عن الروحانية في الديانتين الإسلامية والمسيحية المنعقدة في الولايات المتحدة الأمريكية" بحسب موقع دائرة الإفتاء.
وتاليا توضيحا لهذه الخلاصة:
1 ـ قال الشيخ الخصاونة في بداية مقالته:
"الإنسان الأول آدم، وهو المخلوق الذي أبرز الله إرادته ودلائل قدرته في كيانه، ليس من الملائكة ولا من الجن، ولا من العوالم الأخرى التي عرفت آنذاك.
وإنما هو من زوده الله بطاقات تؤهله للإطلاع بالهمة والنهوض بالمسؤولية التي خُلق لها. يُبتلى بالضرائر وتصطرع في داخله الانفعالات والدوافع، ويُمنح العلوم والمعارف، ويضرب في فجاج الأرض إذ من ترابها يُخلق، وعلى ظهرها يعيش ويُرزق، وفي بطنها يُدفن، منها يُبعث وله اليوم الآخر، ومن أجله خُلقت الجنة والنار، ومجال عمله ومحك اختباره في دنياه، والعوالم مخلوقة من أجله، وملائكة الله يقومون بأمره ليل نهار، وعمره على وجه الأرض يُقاس بدورة الفلك وأفول الشمس وبزوغ القمر، خليفة عن الله في أرضه بأمره ويسجل ذلك في آخر كتبه تنزيلاً على خاتم رسله.
قال الله تعالى في شأن آدم أبي البشر: "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ" (الحجر/29).
إن هذا تكريم للإنسان، وسمو بمكانته إلى آفاق عليا، فهو بهذه النفخة من روح الله التي سرت في كيانه فمنحته الحياة العالية الكاملة، قد أصبح خلقاً متفرداً بصفات تؤهله لخلافة الله في الأرض، وقد شاءت الإرادة العليا أن تُسَلِّم زمام الأرض لهذا الكائن الجديد الذي وفد عليها ليغمرها بالخير، ويعمرها بالإصلاح والتجديد.
وقد استطاع الإنسان بهذه النفخة المباركة من روح الله، وبهذه النفخة العلوية التي لابسته أن يكشف ما في الحياة من نواميس وأسرار، وأن يفجر طاقاتها الكامنة، ويكتشف كنوزها المذخورة، وبذلك استطاع أن يحقق مشيئة الله في قيادة الحياة، وأن يقوم بالمسؤولية الضخمة التي ناطها الله به ووكلها إليه. ثم أن علَّم الله آدم الأسماء كلها، ودخل مع الملائكة في امتحان ورجحت فيه كفته، فقد وهبه الله من العلوم والمعارف" اهـ.
ـ وهذا النص مأخوذ من مقال لمحمد بدوي منشور في مجلة الوعي الإسلامي، المجلد الذي يحوي الأعداد 189 ـ 194، السنة 1980، وهو منشور أيضاً بعنوان "ونفخت فيه من روحي" في موقع الألوكة بتاريخ 5/2/2009، وقال فيه:
"الإنسان الأول آدم، وهو المخلوق الذي أبرز الله إرادته ودلائل قدرته في كيانه، ليس من الملائكة، ولا من الجن، ولا من العوالم الأخرى التي عُرفت آنذاك.
وإنما هو كائن زوِّد بطاقات تؤهله للاضطِلاع بالمهمَّة، والنهوض بالمسؤولية التي خُلق لها، يُبتلى بالغرائز، وتصطرع في داخله الانفعالات والدوافع، ويمنح العلوم والمعارف، ويضرب في فجاج الأرض، إذ من ترابها يخلق، وعلى ظهرها يعيش ويرزق، وفي بطنها يدفن، ومنها يبعث، وله اليوم الآخر، وله يُنصَب الميزان، ويضرب الصراط، ومن أجله خُلقت الجنة والنار، ومجال عمله ومحك اختباره في دنياه، والعوالم كلها مخلوقة من أجله، وملائكة الله يقومون بأمره ليل نهار، وعمره على وجه الأرض يقاس بدورة الفلك، وأفول الشمس وبزوغ القمر، خليفة عن الله في أرضه بأمره، ويسجل ذلك في آخر كتبه، تنزيلاً على خاتم رسله.
فيقول جل شأنه: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" (البقرة: 30).
إنَّ هذا تكريمٌ للإنسان أي تكريم، وسمُوٌّ بِمكانته إلى آفاق عليا، فهو بهده النفخة من روح الله التي سرت في كيانه، فمنحته الحياة العالية الكاملة، قد أصبح خَلْقًا متفرِّدًا بِصِفات تؤهِّله لخلافة الله في الأرض، وقد شاءت الإرادة العليا أن تسلم زمام الأرض لهذا الكائن الجديد الذي وفد عليها؛ ليغمرها بالخير، ويعمرها بالإصلاح والتجديد.
وقد استطاع الإنسان بهذه النفخة المباركة من روح الله، وبهذه النفخة العلوية التي لابسته ـ أن يكتشف ما في الحياة من نواميسَ وأسرارٍ، وأن يفجر طاقاتها الكامنة، ويكتشِف كنوزها المذخورة، وبذلك استطاع أن يحقق مشيئة الله في قيادة الحياة، وأن يقوم بالمسؤولية الضخمة التي أناطها الله به، ووكلها إليه، ثم كان أنْ علَّم الله آدم الأسماء كلها، ودخل مع الملائكة في امتحان، ورجحت فيه كِفته، فقد وهبه الله من العلوم والمعارف...".
2 ـ قال الشيخ عبدالكريم الخصاونة:
"ولا بد أن نفرِّق بين الروح وبين الروحانيات كما وردت في اللغة العربية: قال الفراء: الروح هو الذي يعيش به الإنسان (أي الذي يقوم به الجسد وتكون به الحياة).
ولم يخبر الله تعالى به أحدًا من خلقه، ولم يُعط علمه أحدًا من عباده. قال الله عز وجل: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً" (الإسراء/85).
أما بالنسبة للروحانيات فقد روى الأزهر عن أبي العباس أحمد بن يحيى أنه قال في قول الله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنا ((الشورى/52)، قال: هو ما نزل به جبريل –عليه السلام- من الدين فصار تحيا به الناس أي يعيش به الناس . وهذا يدل على أن الروحانيات تعني الإيمان" اهـ.
ـ وهذا الكلام مأخوذ في غالبه من لسان العرب لابن منظور، من غير عزو إليه، جاء في لسان العرب (6/254): "قال الفراء: والروح هو الذي يعيش به الإنسان، لم يخبر الله تعالى به أحدا من خلقه، ولم يعط علمه العباد... وروى الأزهري عن أبي العباس أحمد بن يحيى أنه قال في قول الله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} قال: هو ما نزل به جبريل من الدين فصار تحيا به الناس أي: يعيش به الناس".
3 ـ قال الشيخ عبدالكريم الخصاونة:
"ومظاهر الروح المدبِّرة في الإنسان هما: العقل والقلب، ولكلٍ منهما مقومات خاصة، وسلطان خاص، فمقومات العقل: العلوم، ومهمته النظر والتمحيص لإدراك الواقع. ومقومات القلب: الشعور الفيّاض، والعواطف الكريمة، ومهمته تجلية الجمال في كل شيءٍ، وإقامة الكمال كفاية قصوى للحياة.
والإنسان بين هذين المظهرين الروحيين يطلب إليه أن يقوم على حال تمكنه من الاستفادة منهما، وتجنبه التدافع بينهما ليصل إلى أرقى ما أعد له من منازل الكرامة، ومكانات الرفعة، وليعيش عيشة الحاصلين على السعادتين معاً.
وقد شُوهد من استقراء أحوال المجتمعات المختلفة في خلال العصور أن الأمم لا تقوم على طريق الحياة الصحيحة إلا إذا تعادل فيها هذان المظهران الروحيان (القلب والعقل)، فإن طغى أحدهما على الآخر اضطربت أحوالها على مقدار نسبة ذلك الطغيان، وتعرضت للعقوبات الإلهية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا تغذى العقل بلباب العلوم فأصبح قويم النظر في الأمور، مدركًا للواقع على ما هو عليه، ألا يكفي ذلك في إقامته على صراط الحق المستقيم، ويكون من لوازم ذلك كل ما نسبتموه إلى القلب من الشعور وكمال العاطفة وإدراك الجمال وتَطَلُّب الكمال المنشود؟
نقول: لا، وهذه بعينها شبهة الذين وقفوا التربية على العقل وحده من أصحاب المذهب الحديث في التعليم، فقصروا التدريس على العلوم، وأهملوا تربية القلب جانبًا، فكان أثر ذلك أن بطل التعادل بين العقل والقلب، فإن كان شيء يُبطل هذا المذهب فهو ما نشاهده من حال الجيل الذي نشأ هذه التنشئة، إذ قل اعتداده بالآداب النفسية؛ بل منهم من اتخذ الإباحية مذهبًا له، وأخذ يدعوا إليها في عبارات تحتمل وجهين.
وهي بجملتها وتفصيلها ترمي إلى إحلال الملاذ البدنية المكانة العليا من النفوس، فكل ما يصدر من ثمرات العقول اليوم، ويباع من مطبوعاته الملايين يرمي إلى تقديس الأهواء النفسية، والجري وراء الميول".
ـ وهذا الكلام للأستاذ فريد وجدي كتبه في الجزء الرابع من المجلد الخامس من مجلة "نور الإسلام"، المنشور 1950 ونقله عنه الشيخ مصطفى صبري في كتابه: "موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين" (1/437) وعنه ننقل لتعذر الوقوف على الأصل الذي ربما يكون مطابقاً بشكل أكبر مما نقله الشيخ صبري لأن هذا الأخير كان يشير إلى أنه لم يذكر النص بحروفه وذلك بوضع ثلاث نقاط في ثنياته (...).
يقول الأستاذ فريد وجدي رحمه الله: "للإنسان عقلٌ وقلب، وهما وإنْ كانا مظهرين لروحه المدبِّرة؛ فإنهما لاختلاف اختصاصهما في حياته الأدبية قد يُعتبران مستقلَّين، لكلٍّ منهما مقوّمات خاصة، وسلطان خاص. فمقومات العقل: العلوم، ومهمّته: النظر والتمحيص لإدراك الواقع.
ومقومات القلب: الشعور الفياض، والعواطف الكريمة... ولا نقوم على جادة الحياة الصحيحة؛ إلا إذا تعادل فيها هذان المظهران الروحيان، فإنْ طغى أحدهما على الآخر؛ اضطربت أحوالها على نسبة ذلك الطغيان.
هنالك يتساءل سائلٌ فيقول: إذا تغذى العقل بلباب العلوم، فأصبح قويم النظر في الأمور، مدركاً للواقع على ما هو عليه، ألا يكفي ذلك في إقامته على صراط الحق المستقيم؟...
نقول: لا، وهذه بعينها شبهة الذين وقفوا التربية على العقل وحده من أصحاب المذهب الحديث في التعليم، فقصروا التدريس على العلوم وما إليها، وأهملوا تربية القلب جانباً، فكان أثر ذلك أنْ بطل التعادل بين العقل والقلب، فإنْ كان شيءٌ يُبطل هذا المذهب؛ فهو ما نشاهده من حال الجيل الذي نُشّئ هذه التنشئة، إذ قلّ اعتداده بالآداب النفسية، بل منهم من اتخذ الإباحية البهيمية مذهباً، وأخذ يدعو إليها في عبارات تحتمل وجهين.
وهي ترمي ـ بجملتها وتفصيلها ـ إلى إحلال الملاذّ البدنية؛ المكانةَ العليا من النفوس، فكل ما يصدر من ثمرات العقول اليوم، ويُباع من مطبوعات الملايين؛ لا يرمي إلا إلى تقديس الأهواء النفسانية، والجري وراء الميول البدنية" اهـ.
4 ـ ثم قال الشيخ عبدالكريم الخصاونة:
"العالم اليوم بحاجة إلى ثقافة روحية، والعودة إلى الروحانيات، وإلا فإن النتائج خطيرة، وتزداد سوءاً يوما بعد يوم، خاصة وأن العالم المادي أصبح تحت تأثير اعتقاد جازم بأن تقدمه المادي المطرد قد بلغ مرتبة الكمال؛ ولكن أحداث العام الأخيرة قد بدلت هذا الاعتقاد.
فالرقي المادي الذي وصل إليه العالم لم يُؤت ثمرته الفعلية من إسعاد الناس؛ بل على العكس جلب التعاسة والخراب الناجمين عن الحروب المتلاحقة، وزد على ذلك العنف والإرهاب والتطرف... كل هذا يدل على إفلاس الحضارة المادية الخالية من القيم الروحية...
فالإنسان يتكون من عنصرين رئيسيين هما: عنصر مادي ينمو ويتحرك، يأكل ويشرب وينام ويركب ويقعد.
ثم جوهر بُرئ من المادة، له تلك المظاهر الخاصة من تفكير وعلم وإرادة وحب وبغض وخلق كريم أو خلق ذميم".
ـ وهذا الكلام للشيخ عفيف عبدالفتاح طبارة، سطره في كتابه "روح الدين الإسلامي" طبع دار العلم للملايين، السنة 2006، حيث قال (ص159): "والعالم اليوم بحاجة إلى ثقافة روحية، هذا العالم المادي الذي كان تحت تأثير اعتقاد جازم بأنه بتقدمه المادي المطرد قد بلغ مرتبة الكمال، ولكن أحداث الثلاثين عاماً الأخيرة قد بدلت هذا الاعتقاد.
فالرقي المادي الذي وصلنا إليه في هذا القرن لم يؤت ثمرته الفعلية من إسعاد الناس، بل على العكس؛ جلب التعاسة والخراب الناجمين عن الحروب المتلاحقة، فلا زال القوي يفترس الضعيف، ولا زال الاستعمار ينشب مخالبه في صدور الدول الضعيفة، ولا زالت الأجناس يكره بعضها البعض، وهذا كله يدلنا على إفلاس الحضارة المادية الخالية من القيم الروحية".
ويقول الشيخ طبارة (ص158): "يتكون الإنسان من عنصرين: عنصر مادي ينمو ويتحرك، وآخر بريء من المادة، له تلك المظاهر الخاصة؛ من تفكير وعلم وإرادة، وحب وبغض، وخلق كريم أو ذميم".
5 ـ ثم قال المفتي الخصاونة:
".. فالجانب الروحي الذي يستأثر الله تعالى بحقيقته وعلمه هو المحدد الرئيسي لفعلية ونشوء حياة الإنسان، فالروح هي وعاء الفطرة السليمة، أو مستودع النفخة الإلهية التي لا تنفك عنه، تبث في الإنسان عناصر الخير والصلاح، وتنفره عما لا يليق به، وتوجهه إلى ما يجب أن يكون عليه" اهـ.
ـ وهذا النص مأخوذ من مجلة منار الإسلام، المجلد 14، الأعداد 7-12، صفحة 26، السنة 1989.
6 ـ ثم قال الخصاونة:
"قال الله تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِين) الحجر/29. وقال الخالق عز وجل: (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِه) السجدة/9، أي سويت خلقه وصورته وجعلته إنسانًا كاملًا معتدل الأعضاء، أفضت عليه من الروح التي هي خلق من خلقي، فصار بشرًا حيًا، وإنما أضاف الروح إليه على سبيل التشريف والتكريم، ونفخ فيه الروح فإذا هو في أكمل صورة وأحسن تقويم.
ـ وهذا الكلام للشيخ الراحل محمد علي الصابوني في كتابه "صفوة التفاسير"، يقول (2/109):
"(فإذا سويته) أي سويت خَلقه وصورته، وجعلته إنساناً كاملاً معتدل الأعضاء. (ونفخت فيه من روحي) أي افضتُ عليه من الروح التي هي خلق من خلقي، فصار بشراً حياَ... قال المفسرون: وإنما أضاف الروح إليه تعالى، على سبيل التشريف والتكريم".
7 ـ ثم قال المفتي الخصاونة:
" قال المفسرون: وأضاف الروح إليه تشريفاً للإنسان، وإيذاناً بأنه خلق عجيب وصنع بديع، وأن له شأناً جليلةً مناسبةً إلى حضرة الربوبية".
- وهذا كلام أبي السعود في تفسيره حيث يقول (6/449):
"أضافه إليه تعالى؛ تشريفاً له، وإيذانا بأنه خلق عجيب، وصنع بديع، وأن له شأناً له مناسبة إلى حضرة الربوبية".
8 ـ ثم قال المفتي الخصاونة:
" ولذا يجب الربط بين الجانب الروحي وبين الجانب المادي، ولا يجوز فصلهما. وعلى الإنسان الاهتمام بالجانب الروحي ودرجة التدين والارتباط بالخالق جل شأنه، إذ أن الروح من أمر الله ومؤشر أصيل إلى وجوده ودعوة فطرية إلى الاستعانة به والاتكال عليه قال الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) (الإسراء/85).
وهذه الحقائق من شأنها أن توصل إلى نتيجة كلية مفادها: أن الإيمان هو عنوان الروح وملمحها الفعال ودلالتها المبتغاة بصورة أساسية دائمة".
ـ وهذا النص مأخوذ في مجلة منار الإسلام، المجلد 18، الأعداد 1-6، صفحة 26، السنة 2002.
9 ـ ثم قال الخصاونة:
"ولذا جاء القرآن الكريم بتشريع روحي قوامه الإيمان بالله، والتحقق بمعرفته معرفة حقيقية لا يأتيها الشك تسمو بالمرء، وتجعله فرداً صالحاً في المجتمع الإنساني، وتنقذه من الأزمات النفسانية التي تجتاحه جراء جهله سر هذا الكون".
ـ وهذا الكلام للشيخ طبارة في "روح الدين الإسلامي" (مصدر مذكور سابقاً) (ص159)، حيث يقول:
"لهذا جاء القرآن بتشريع روحي قوامه الإيمان بالله، والتحقق بمعرفته معرفة يقينية لا يأتيها الشك، تسمو بالمرء، وتجعله فرداً صالحاً في المجتمع الإنساني، وتنقذه من الأزمات النفسانية التي تجتاحه من جراء جهله سر هذا الكون".
10 ـ ثم قال المفتي:
"حقاً إن الإيمان هو سكينة النفس القلقة، وهداية القلوب الضالة، ومنار السالكين الحائرين، وأمان الخائفين، وهو المعين القوي الفياض الذي تستمد منه الإرادة القوية سر قوتها؛ لأنه الأساس لجميع الفضائل من الصبر والعزيمة والثبات والرحمة والمودة والحنان والكرم والعزة والكرامة.
ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم مكث فترة كبيرة من صدر الإسلام يُوجه الناس إلى العقيدة، ويُرسي قواعد الإيمان في نفوس متبعيه، حتى إذا رسخت جذور العقيدة في نفوسهم، وثبتت أصولها، وأشرقت بنور ربها، جاءه الوحي بالتكاليف الأخرى والتشريع بعد أن هذب الإيمان نفوسهم وجعلها أرضاً طيبة صالحة لأن تكون مصدر خير وسعادة لمجتمعهم، ولبنة طيبة لتلقي التوجيه والإرشاد بما في قلوبهم من إيمان متأصل قد أحاطه الله بالأخلاق الفاضلة المهذبة للنفوس".
ـ وهذا الكلام للدكتور محمد سلام مدكور، نشره في مجلة الوعي الإسلامي عام 1972، العدد (86) ص16، قال:
"حقاً إن الإيمان هو سكينة النفس القلقة، وهداية القلوب الضالة، ومنار السالكين الحائرين، وأمان الخائفين، وناصر المجاهدين، فهو المعين الفياض الذي تستمد منه الإرادة القوية سر قوتها، لأنه الأساس لجميع الفضائل من الصبر والعزيمة والثبات والإقدام والعزة والكرامة.
ولذا؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم مكث فترة كبيرة من صدر رسالته يوجه الناس إلى العقيدة، ويرسي قواعد الإيمان في نفوس متبعيه، حتى إذا رسخت جذور العقيدة في نفوسهم، وثبتت أصولها، وأشرقت بنور ربها؛ جاءه الوحي بالتكاليف الأخرى بعد أن هذب بالإيمان نفوسهم، وجعلها أرضاً طيبة صالحة لأن تكون مصدر خير وسعادة لمجتمعهم، ولبنة طيعة لتلقي التوجيه والإرشاد، بما في قلوبهم من إيمان متأصل قد أحاطه الله بالأخلاق الفاضلة المهذبة للنفس".
https://d1otlgttjywjhu.cloudfront.net/assets/img/jordan-news/2021/4/m-327-%D8%A7%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B1%D8%AF%D9%86-%D9%85%D9%81%D8%AA%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D8%A7%D9%85-%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D8%A3%D9%82%D8%B3%D8%A7%D9%85.jpeg
كشفت متابعة من موقع "عربي21" لموقع دائرة الإفتاء العام في الأردن، أن مفتي المملكة الأردنية عبدالكريم الخصاونة، قام بنشر عدة مقالات في ذات الموقع استقاها من مصادر متعددة دون أدنى إشارة إليها.. وإذ تنشر "عربي21"عدة نماذج تؤكد هذه الخلاصة، فإنها تؤكد أن صفحاتها مفتوحة لمفتي المملكة الأردنية للرد والتوضيح، بما من شأنه ليس فقط حفظ الحقوق لأصحابها، وإنما من أجل تشجيع البحث العلمي الدقيق.
وللاختصار؛ سنقتصر في هذا التقرير الخاص بـ "عربي21"، على مقالة مطولة للخصاونة بعنوان "الروحانية في الإسلام" نشرت بتاريخ 15 نيسان/إبريل 2014، وأصلها "مداخلة لسماحة الشيخ عبدالكريم الخصاونة في ندوة الحوار الإسلامي المسيحي عن الروحانية في الديانتين الإسلامية والمسيحية المنعقدة في الولايات المتحدة الأمريكية" بحسب موقع دائرة الإفتاء.
وتاليا توضيحا لهذه الخلاصة:
1 ـ قال الشيخ الخصاونة في بداية مقالته:
"الإنسان الأول آدم، وهو المخلوق الذي أبرز الله إرادته ودلائل قدرته في كيانه، ليس من الملائكة ولا من الجن، ولا من العوالم الأخرى التي عرفت آنذاك.
وإنما هو من زوده الله بطاقات تؤهله للإطلاع بالهمة والنهوض بالمسؤولية التي خُلق لها. يُبتلى بالضرائر وتصطرع في داخله الانفعالات والدوافع، ويُمنح العلوم والمعارف، ويضرب في فجاج الأرض إذ من ترابها يُخلق، وعلى ظهرها يعيش ويُرزق، وفي بطنها يُدفن، منها يُبعث وله اليوم الآخر، ومن أجله خُلقت الجنة والنار، ومجال عمله ومحك اختباره في دنياه، والعوالم مخلوقة من أجله، وملائكة الله يقومون بأمره ليل نهار، وعمره على وجه الأرض يُقاس بدورة الفلك وأفول الشمس وبزوغ القمر، خليفة عن الله في أرضه بأمره ويسجل ذلك في آخر كتبه تنزيلاً على خاتم رسله.
قال الله تعالى في شأن آدم أبي البشر: "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ" (الحجر/29).
إن هذا تكريم للإنسان، وسمو بمكانته إلى آفاق عليا، فهو بهذه النفخة من روح الله التي سرت في كيانه فمنحته الحياة العالية الكاملة، قد أصبح خلقاً متفرداً بصفات تؤهله لخلافة الله في الأرض، وقد شاءت الإرادة العليا أن تُسَلِّم زمام الأرض لهذا الكائن الجديد الذي وفد عليها ليغمرها بالخير، ويعمرها بالإصلاح والتجديد.
وقد استطاع الإنسان بهذه النفخة المباركة من روح الله، وبهذه النفخة العلوية التي لابسته أن يكشف ما في الحياة من نواميس وأسرار، وأن يفجر طاقاتها الكامنة، ويكتشف كنوزها المذخورة، وبذلك استطاع أن يحقق مشيئة الله في قيادة الحياة، وأن يقوم بالمسؤولية الضخمة التي ناطها الله به ووكلها إليه. ثم أن علَّم الله آدم الأسماء كلها، ودخل مع الملائكة في امتحان ورجحت فيه كفته، فقد وهبه الله من العلوم والمعارف" اهـ.
ـ وهذا النص مأخوذ من مقال لمحمد بدوي منشور في مجلة الوعي الإسلامي، المجلد الذي يحوي الأعداد 189 ـ 194، السنة 1980، وهو منشور أيضاً بعنوان "ونفخت فيه من روحي" في موقع الألوكة بتاريخ 5/2/2009، وقال فيه:
"الإنسان الأول آدم، وهو المخلوق الذي أبرز الله إرادته ودلائل قدرته في كيانه، ليس من الملائكة، ولا من الجن، ولا من العوالم الأخرى التي عُرفت آنذاك.
وإنما هو كائن زوِّد بطاقات تؤهله للاضطِلاع بالمهمَّة، والنهوض بالمسؤولية التي خُلق لها، يُبتلى بالغرائز، وتصطرع في داخله الانفعالات والدوافع، ويمنح العلوم والمعارف، ويضرب في فجاج الأرض، إذ من ترابها يخلق، وعلى ظهرها يعيش ويرزق، وفي بطنها يدفن، ومنها يبعث، وله اليوم الآخر، وله يُنصَب الميزان، ويضرب الصراط، ومن أجله خُلقت الجنة والنار، ومجال عمله ومحك اختباره في دنياه، والعوالم كلها مخلوقة من أجله، وملائكة الله يقومون بأمره ليل نهار، وعمره على وجه الأرض يقاس بدورة الفلك، وأفول الشمس وبزوغ القمر، خليفة عن الله في أرضه بأمره، ويسجل ذلك في آخر كتبه، تنزيلاً على خاتم رسله.
فيقول جل شأنه: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" (البقرة: 30).
إنَّ هذا تكريمٌ للإنسان أي تكريم، وسمُوٌّ بِمكانته إلى آفاق عليا، فهو بهده النفخة من روح الله التي سرت في كيانه، فمنحته الحياة العالية الكاملة، قد أصبح خَلْقًا متفرِّدًا بِصِفات تؤهِّله لخلافة الله في الأرض، وقد شاءت الإرادة العليا أن تسلم زمام الأرض لهذا الكائن الجديد الذي وفد عليها؛ ليغمرها بالخير، ويعمرها بالإصلاح والتجديد.
وقد استطاع الإنسان بهذه النفخة المباركة من روح الله، وبهذه النفخة العلوية التي لابسته ـ أن يكتشف ما في الحياة من نواميسَ وأسرارٍ، وأن يفجر طاقاتها الكامنة، ويكتشِف كنوزها المذخورة، وبذلك استطاع أن يحقق مشيئة الله في قيادة الحياة، وأن يقوم بالمسؤولية الضخمة التي أناطها الله به، ووكلها إليه، ثم كان أنْ علَّم الله آدم الأسماء كلها، ودخل مع الملائكة في امتحان، ورجحت فيه كِفته، فقد وهبه الله من العلوم والمعارف...".
2 ـ قال الشيخ عبدالكريم الخصاونة:
"ولا بد أن نفرِّق بين الروح وبين الروحانيات كما وردت في اللغة العربية: قال الفراء: الروح هو الذي يعيش به الإنسان (أي الذي يقوم به الجسد وتكون به الحياة).
ولم يخبر الله تعالى به أحدًا من خلقه، ولم يُعط علمه أحدًا من عباده. قال الله عز وجل: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً" (الإسراء/85).
أما بالنسبة للروحانيات فقد روى الأزهر عن أبي العباس أحمد بن يحيى أنه قال في قول الله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنا ((الشورى/52)، قال: هو ما نزل به جبريل –عليه السلام- من الدين فصار تحيا به الناس أي يعيش به الناس . وهذا يدل على أن الروحانيات تعني الإيمان" اهـ.
ـ وهذا الكلام مأخوذ في غالبه من لسان العرب لابن منظور، من غير عزو إليه، جاء في لسان العرب (6/254): "قال الفراء: والروح هو الذي يعيش به الإنسان، لم يخبر الله تعالى به أحدا من خلقه، ولم يعط علمه العباد... وروى الأزهري عن أبي العباس أحمد بن يحيى أنه قال في قول الله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} قال: هو ما نزل به جبريل من الدين فصار تحيا به الناس أي: يعيش به الناس".
3 ـ قال الشيخ عبدالكريم الخصاونة:
"ومظاهر الروح المدبِّرة في الإنسان هما: العقل والقلب، ولكلٍ منهما مقومات خاصة، وسلطان خاص، فمقومات العقل: العلوم، ومهمته النظر والتمحيص لإدراك الواقع. ومقومات القلب: الشعور الفيّاض، والعواطف الكريمة، ومهمته تجلية الجمال في كل شيءٍ، وإقامة الكمال كفاية قصوى للحياة.
والإنسان بين هذين المظهرين الروحيين يطلب إليه أن يقوم على حال تمكنه من الاستفادة منهما، وتجنبه التدافع بينهما ليصل إلى أرقى ما أعد له من منازل الكرامة، ومكانات الرفعة، وليعيش عيشة الحاصلين على السعادتين معاً.
وقد شُوهد من استقراء أحوال المجتمعات المختلفة في خلال العصور أن الأمم لا تقوم على طريق الحياة الصحيحة إلا إذا تعادل فيها هذان المظهران الروحيان (القلب والعقل)، فإن طغى أحدهما على الآخر اضطربت أحوالها على مقدار نسبة ذلك الطغيان، وتعرضت للعقوبات الإلهية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا تغذى العقل بلباب العلوم فأصبح قويم النظر في الأمور، مدركًا للواقع على ما هو عليه، ألا يكفي ذلك في إقامته على صراط الحق المستقيم، ويكون من لوازم ذلك كل ما نسبتموه إلى القلب من الشعور وكمال العاطفة وإدراك الجمال وتَطَلُّب الكمال المنشود؟
نقول: لا، وهذه بعينها شبهة الذين وقفوا التربية على العقل وحده من أصحاب المذهب الحديث في التعليم، فقصروا التدريس على العلوم، وأهملوا تربية القلب جانبًا، فكان أثر ذلك أن بطل التعادل بين العقل والقلب، فإن كان شيء يُبطل هذا المذهب فهو ما نشاهده من حال الجيل الذي نشأ هذه التنشئة، إذ قل اعتداده بالآداب النفسية؛ بل منهم من اتخذ الإباحية مذهبًا له، وأخذ يدعوا إليها في عبارات تحتمل وجهين.
وهي بجملتها وتفصيلها ترمي إلى إحلال الملاذ البدنية المكانة العليا من النفوس، فكل ما يصدر من ثمرات العقول اليوم، ويباع من مطبوعاته الملايين يرمي إلى تقديس الأهواء النفسية، والجري وراء الميول".
ـ وهذا الكلام للأستاذ فريد وجدي كتبه في الجزء الرابع من المجلد الخامس من مجلة "نور الإسلام"، المنشور 1950 ونقله عنه الشيخ مصطفى صبري في كتابه: "موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين" (1/437) وعنه ننقل لتعذر الوقوف على الأصل الذي ربما يكون مطابقاً بشكل أكبر مما نقله الشيخ صبري لأن هذا الأخير كان يشير إلى أنه لم يذكر النص بحروفه وذلك بوضع ثلاث نقاط في ثنياته (...).
يقول الأستاذ فريد وجدي رحمه الله: "للإنسان عقلٌ وقلب، وهما وإنْ كانا مظهرين لروحه المدبِّرة؛ فإنهما لاختلاف اختصاصهما في حياته الأدبية قد يُعتبران مستقلَّين، لكلٍّ منهما مقوّمات خاصة، وسلطان خاص. فمقومات العقل: العلوم، ومهمّته: النظر والتمحيص لإدراك الواقع.
ومقومات القلب: الشعور الفياض، والعواطف الكريمة... ولا نقوم على جادة الحياة الصحيحة؛ إلا إذا تعادل فيها هذان المظهران الروحيان، فإنْ طغى أحدهما على الآخر؛ اضطربت أحوالها على نسبة ذلك الطغيان.
هنالك يتساءل سائلٌ فيقول: إذا تغذى العقل بلباب العلوم، فأصبح قويم النظر في الأمور، مدركاً للواقع على ما هو عليه، ألا يكفي ذلك في إقامته على صراط الحق المستقيم؟...
نقول: لا، وهذه بعينها شبهة الذين وقفوا التربية على العقل وحده من أصحاب المذهب الحديث في التعليم، فقصروا التدريس على العلوم وما إليها، وأهملوا تربية القلب جانباً، فكان أثر ذلك أنْ بطل التعادل بين العقل والقلب، فإنْ كان شيءٌ يُبطل هذا المذهب؛ فهو ما نشاهده من حال الجيل الذي نُشّئ هذه التنشئة، إذ قلّ اعتداده بالآداب النفسية، بل منهم من اتخذ الإباحية البهيمية مذهباً، وأخذ يدعو إليها في عبارات تحتمل وجهين.
وهي ترمي ـ بجملتها وتفصيلها ـ إلى إحلال الملاذّ البدنية؛ المكانةَ العليا من النفوس، فكل ما يصدر من ثمرات العقول اليوم، ويُباع من مطبوعات الملايين؛ لا يرمي إلا إلى تقديس الأهواء النفسانية، والجري وراء الميول البدنية" اهـ.
4 ـ ثم قال الشيخ عبدالكريم الخصاونة:
"العالم اليوم بحاجة إلى ثقافة روحية، والعودة إلى الروحانيات، وإلا فإن النتائج خطيرة، وتزداد سوءاً يوما بعد يوم، خاصة وأن العالم المادي أصبح تحت تأثير اعتقاد جازم بأن تقدمه المادي المطرد قد بلغ مرتبة الكمال؛ ولكن أحداث العام الأخيرة قد بدلت هذا الاعتقاد.
فالرقي المادي الذي وصل إليه العالم لم يُؤت ثمرته الفعلية من إسعاد الناس؛ بل على العكس جلب التعاسة والخراب الناجمين عن الحروب المتلاحقة، وزد على ذلك العنف والإرهاب والتطرف... كل هذا يدل على إفلاس الحضارة المادية الخالية من القيم الروحية...
فالإنسان يتكون من عنصرين رئيسيين هما: عنصر مادي ينمو ويتحرك، يأكل ويشرب وينام ويركب ويقعد.
ثم جوهر بُرئ من المادة، له تلك المظاهر الخاصة من تفكير وعلم وإرادة وحب وبغض وخلق كريم أو خلق ذميم".
ـ وهذا الكلام للشيخ عفيف عبدالفتاح طبارة، سطره في كتابه "روح الدين الإسلامي" طبع دار العلم للملايين، السنة 2006، حيث قال (ص159): "والعالم اليوم بحاجة إلى ثقافة روحية، هذا العالم المادي الذي كان تحت تأثير اعتقاد جازم بأنه بتقدمه المادي المطرد قد بلغ مرتبة الكمال، ولكن أحداث الثلاثين عاماً الأخيرة قد بدلت هذا الاعتقاد.
فالرقي المادي الذي وصلنا إليه في هذا القرن لم يؤت ثمرته الفعلية من إسعاد الناس، بل على العكس؛ جلب التعاسة والخراب الناجمين عن الحروب المتلاحقة، فلا زال القوي يفترس الضعيف، ولا زال الاستعمار ينشب مخالبه في صدور الدول الضعيفة، ولا زالت الأجناس يكره بعضها البعض، وهذا كله يدلنا على إفلاس الحضارة المادية الخالية من القيم الروحية".
ويقول الشيخ طبارة (ص158): "يتكون الإنسان من عنصرين: عنصر مادي ينمو ويتحرك، وآخر بريء من المادة، له تلك المظاهر الخاصة؛ من تفكير وعلم وإرادة، وحب وبغض، وخلق كريم أو ذميم".
5 ـ ثم قال المفتي الخصاونة:
".. فالجانب الروحي الذي يستأثر الله تعالى بحقيقته وعلمه هو المحدد الرئيسي لفعلية ونشوء حياة الإنسان، فالروح هي وعاء الفطرة السليمة، أو مستودع النفخة الإلهية التي لا تنفك عنه، تبث في الإنسان عناصر الخير والصلاح، وتنفره عما لا يليق به، وتوجهه إلى ما يجب أن يكون عليه" اهـ.
ـ وهذا النص مأخوذ من مجلة منار الإسلام، المجلد 14، الأعداد 7-12، صفحة 26، السنة 1989.
6 ـ ثم قال الخصاونة:
"قال الله تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِين) الحجر/29. وقال الخالق عز وجل: (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِه) السجدة/9، أي سويت خلقه وصورته وجعلته إنسانًا كاملًا معتدل الأعضاء، أفضت عليه من الروح التي هي خلق من خلقي، فصار بشرًا حيًا، وإنما أضاف الروح إليه على سبيل التشريف والتكريم، ونفخ فيه الروح فإذا هو في أكمل صورة وأحسن تقويم.
ـ وهذا الكلام للشيخ الراحل محمد علي الصابوني في كتابه "صفوة التفاسير"، يقول (2/109):
"(فإذا سويته) أي سويت خَلقه وصورته، وجعلته إنساناً كاملاً معتدل الأعضاء. (ونفخت فيه من روحي) أي افضتُ عليه من الروح التي هي خلق من خلقي، فصار بشراً حياَ... قال المفسرون: وإنما أضاف الروح إليه تعالى، على سبيل التشريف والتكريم".
7 ـ ثم قال المفتي الخصاونة:
" قال المفسرون: وأضاف الروح إليه تشريفاً للإنسان، وإيذاناً بأنه خلق عجيب وصنع بديع، وأن له شأناً جليلةً مناسبةً إلى حضرة الربوبية".
- وهذا كلام أبي السعود في تفسيره حيث يقول (6/449):
"أضافه إليه تعالى؛ تشريفاً له، وإيذانا بأنه خلق عجيب، وصنع بديع، وأن له شأناً له مناسبة إلى حضرة الربوبية".
8 ـ ثم قال المفتي الخصاونة:
" ولذا يجب الربط بين الجانب الروحي وبين الجانب المادي، ولا يجوز فصلهما. وعلى الإنسان الاهتمام بالجانب الروحي ودرجة التدين والارتباط بالخالق جل شأنه، إذ أن الروح من أمر الله ومؤشر أصيل إلى وجوده ودعوة فطرية إلى الاستعانة به والاتكال عليه قال الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) (الإسراء/85).
وهذه الحقائق من شأنها أن توصل إلى نتيجة كلية مفادها: أن الإيمان هو عنوان الروح وملمحها الفعال ودلالتها المبتغاة بصورة أساسية دائمة".
ـ وهذا النص مأخوذ في مجلة منار الإسلام، المجلد 18، الأعداد 1-6، صفحة 26، السنة 2002.
9 ـ ثم قال الخصاونة:
"ولذا جاء القرآن الكريم بتشريع روحي قوامه الإيمان بالله، والتحقق بمعرفته معرفة حقيقية لا يأتيها الشك تسمو بالمرء، وتجعله فرداً صالحاً في المجتمع الإنساني، وتنقذه من الأزمات النفسانية التي تجتاحه جراء جهله سر هذا الكون".
ـ وهذا الكلام للشيخ طبارة في "روح الدين الإسلامي" (مصدر مذكور سابقاً) (ص159)، حيث يقول:
"لهذا جاء القرآن بتشريع روحي قوامه الإيمان بالله، والتحقق بمعرفته معرفة يقينية لا يأتيها الشك، تسمو بالمرء، وتجعله فرداً صالحاً في المجتمع الإنساني، وتنقذه من الأزمات النفسانية التي تجتاحه من جراء جهله سر هذا الكون".
10 ـ ثم قال المفتي:
"حقاً إن الإيمان هو سكينة النفس القلقة، وهداية القلوب الضالة، ومنار السالكين الحائرين، وأمان الخائفين، وهو المعين القوي الفياض الذي تستمد منه الإرادة القوية سر قوتها؛ لأنه الأساس لجميع الفضائل من الصبر والعزيمة والثبات والرحمة والمودة والحنان والكرم والعزة والكرامة.
ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم مكث فترة كبيرة من صدر الإسلام يُوجه الناس إلى العقيدة، ويُرسي قواعد الإيمان في نفوس متبعيه، حتى إذا رسخت جذور العقيدة في نفوسهم، وثبتت أصولها، وأشرقت بنور ربها، جاءه الوحي بالتكاليف الأخرى والتشريع بعد أن هذب الإيمان نفوسهم وجعلها أرضاً طيبة صالحة لأن تكون مصدر خير وسعادة لمجتمعهم، ولبنة طيبة لتلقي التوجيه والإرشاد بما في قلوبهم من إيمان متأصل قد أحاطه الله بالأخلاق الفاضلة المهذبة للنفوس".
ـ وهذا الكلام للدكتور محمد سلام مدكور، نشره في مجلة الوعي الإسلامي عام 1972، العدد (86) ص16، قال:
"حقاً إن الإيمان هو سكينة النفس القلقة، وهداية القلوب الضالة، ومنار السالكين الحائرين، وأمان الخائفين، وناصر المجاهدين، فهو المعين الفياض الذي تستمد منه الإرادة القوية سر قوتها، لأنه الأساس لجميع الفضائل من الصبر والعزيمة والثبات والإقدام والعزة والكرامة.
ولذا؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم مكث فترة كبيرة من صدر رسالته يوجه الناس إلى العقيدة، ويرسي قواعد الإيمان في نفوس متبعيه، حتى إذا رسخت جذور العقيدة في نفوسهم، وثبتت أصولها، وأشرقت بنور ربها؛ جاءه الوحي بالتكاليف الأخرى بعد أن هذب بالإيمان نفوسهم، وجعلها أرضاً طيبة صالحة لأن تكون مصدر خير وسعادة لمجتمعهم، ولبنة طيعة لتلقي التوجيه والإرشاد، بما في قلوبهم من إيمان متأصل قد أحاطه الله بالأخلاق الفاضلة المهذبة للنفس".