زوربا
08-08-2005, 04:45 PM
نزار عسكر
يبدو أن الشكوى والتذمر أصبحتا متلازمتين تلازمان شباب اليوم في كل عمل يقومون او لا يقومون به. وكسرعة إنتشار النار في كومة تبن جاف تنتشر هاتان الصفتان غير المحببتان بين الشباب.
آهات الشكوى والتعب من "لاشيء" تملأ المكان حتى لكأنك تشعر أن العالم كله تكّور ووضع نفسه على كتف أحدهم، تخاله سيقع بين حين وأخر وقد أنكب العالم على رأسه..!
يقيناً أن "طول البال" والنظر برؤية وتأني الى مجريات الأمور من الامور التي ليس من السهل إستحصالها في كل وقت وأوان. بل أن صعوبتها تكمن في حاجتها ربما الى دورات " تربية نفس ذاتية " يقوم بها الشباب بتلقينها لأنفسهم محاولين فيها صقل و"تشذيب" وترسيخ الصفات الإيجابية التي ليس من الضرورة تركها للزمن والأقدار كي تلعب دورها في ارغام الشباب على معايشة الحياة والعيش بها كما هي دون إنتظار من يجملها لهم.
عموماً، يمتاز شباب الأجيال الحديثة بقدرته على تسطيح الأمور وتميش الجاد " في الحياة، كون كثيرون منهم لم يتعبوا على أنفسهم كثيراً، ولم يحتاروا فيما يريدوه. بل أن معظم حاجياتهم متوفرة لهم دون تعب أو كلل. لكن البعض القليل منهم يرفض لنفسه أن يتربى على مفهوم " كل شيء موجود" و " كل شيء متاح"، بينما يتسائل القسم الأعظم منهم: " لماذا أعرض نفسي للتعب ومشقة العمل ما دام هناك من يوفر لي كل إحتياجاتي واجدين في "التأفف والشكوى" الخيار الأفضل .
بالتأكيد هذا النوع من الشباب، لن يكون مطالبا يوماً ما بأن يكون مثل " بوذا" الذي ترك قصر والده بما فيه من ملذات ومتع يتمناها كل شاب بعد أن عرف أن الناس خارج أسوار قصر أبيه لا علاقة لهم بالسجن الذهبي الذي ولد فيه. ولن يكونوا مطالبين بأن يكونوا مثل شخصية " هوجو " في مسرحية " الأيادي القذرة " للمفكر والفليسوف الوجودي الفرنسي جان بول سارتر، وكيف هو الآخر ترك عيشه الرغيد و" الفخخة" التي كان فيها في طريق بحثه عن هدف يمنحه القوة للإستمرار بحياته. لكن مسألة تعويد النفس على تحمل الصعاب إستناداً الى حقيقة أن " الحياة ليست مفروشة دائما بالورود" تقترن أهميتها بمقدار حرص الشباب على أن تتناسب حيويتهم ونشاطهم وحبهم للعمل بمقدار جمال ربيعية أعمارهم.
ففي الحياة الكثير من الأشواك يجب أخذ الحيطة منها، ولا بد من أن يأتي اليوم الذي نحتاج فيه للأعتماد على أنفسنا بشكل كامل في وقت لن تنفع فيه الندامة.
دانا (23) عاماً لا يعمل في مجال العلوم البيولوجية ولا المفاعل النووية ،هو يعمل في مجال الخدمات العامة ( على رغم أنه حاصل على دبلوم من معهد المعلمين ويستيطع العمل كمعلم ) عندما تسأله عن سبب عدم العمل بشهادته لما فيها الكثير من المزايا يجيب والأبتسامة تعلو وجهه: "أمي ترفض أن أذهب الى القرى والأرياف لأنها لا تقوي على فراقي. كما أنني لا اضمن مقدرتي على تسير أموري الحياتية لوحدي، ولا أستطيع العيش دون أصدقائي والسهر حتى ساعات الصباح الأولى في الدردشة الألكترونية"
يبدأ دانا صباحه بالشكوى حتى من الهواء المحيط به. كيف لا وهو المعتاد أن يتوفر له كل شيء بـ " دلال" أثر على شخصه وعلى تعامله مع المحيطين به. وقد يتبختر دانا بين زملائه كونه " الشاب – الطفل" الذي لا ينقصه ولا يعوزه شيء غير نفسه والحاجة الى نقدها لبنائها من جديد..!!
مثل دانا الكثير من الشباب الذين لا يعرفون أخذ قراراتهم بأنفسهم والأنكى أنهم يتباهون بما يسيء اليهم في الحقيقة من غير معرفتهم بذلك وربما بمعرفتهم التي لا يتجاوز مداها أنوفهم!
وبعكس دانا هناك بالطبع شباب مختلفون يمتلكون روحا كبيرة مختزنة في أجسادهم الشابة الصغيرة.
سمير (22) عاما، شاب لم تكن حظوظه كبيرة في حصوله على شهادة بدرجة عالية أضطر الى ترك دراسته وهو في المرحلة المتوسطة منها.. ربما ظروف بيته وعائلته أجبرته على ذلك ، أو شعوره بالمسؤولية تجاه والده الذي يعيل عائلة كبيرة وهو المعيل الوحيد لها. يلقب بختيار العامل كمساعد أداري بين غرف الموظفين في شركة تجارية (Helper) بأنه " داينمو" العمل ولولبه. بختيار لا يعرف للتعب معنى وهو في العمل، ولا يعرف الممانعة في تقديم المساعدة لأحد والأهم أن الشكوى لم تعرف طريقها اليه وربما هي الشاكية من صلابته ونشاطه في العمل.
يستغرب بخيتار من سؤاله عن سر نشاطه وببساطة شديدة يقول إنه لا يشعر بأنه يقوم بعمل مميز " أنا فقط أؤدي ما يجب علي تأديته وهي أمور ليست صعبة أبداً بل أسهل مما يتصور البعض".
عدم التذمر والشكوى هي التي تبسط الأمور وتجعلها سهلة، في نظر بختيار ولكنها عند دانا قد تكون أصعب ما تكون وربما يحتاج الى "زوبعة" من الفوضى يباشر بها قبل البدء بعمله الحقيقي.
قد يدرك بختيار وبالفطرة أن الأنسانية تضع سرها وقوتها في الشخص الممتاز الذي يدفع الحياة الى الحركة وأن الحياة لا تعطي سرها وسعادتها بسهولة. لكن دانا بعيد عن هذا الأدراك والى أن يصل اليه "هذا إن وصل" يكون بختيار قد خطى خطوات أوسع في حياته الأنسانية.
لتوفيق الحكيم قول جميل: " إن الحياة تصنع المأساة ولكن الفرح والأبتسامة هما الشيء الذي نخلقه نحن لنرش الماء على النار ونبي أسوار حول العاصفة التي في داخلنا حتى لا ندع لها تدميرنا والقضاء علينا".
يبدو أن الشكوى والتذمر أصبحتا متلازمتين تلازمان شباب اليوم في كل عمل يقومون او لا يقومون به. وكسرعة إنتشار النار في كومة تبن جاف تنتشر هاتان الصفتان غير المحببتان بين الشباب.
آهات الشكوى والتعب من "لاشيء" تملأ المكان حتى لكأنك تشعر أن العالم كله تكّور ووضع نفسه على كتف أحدهم، تخاله سيقع بين حين وأخر وقد أنكب العالم على رأسه..!
يقيناً أن "طول البال" والنظر برؤية وتأني الى مجريات الأمور من الامور التي ليس من السهل إستحصالها في كل وقت وأوان. بل أن صعوبتها تكمن في حاجتها ربما الى دورات " تربية نفس ذاتية " يقوم بها الشباب بتلقينها لأنفسهم محاولين فيها صقل و"تشذيب" وترسيخ الصفات الإيجابية التي ليس من الضرورة تركها للزمن والأقدار كي تلعب دورها في ارغام الشباب على معايشة الحياة والعيش بها كما هي دون إنتظار من يجملها لهم.
عموماً، يمتاز شباب الأجيال الحديثة بقدرته على تسطيح الأمور وتميش الجاد " في الحياة، كون كثيرون منهم لم يتعبوا على أنفسهم كثيراً، ولم يحتاروا فيما يريدوه. بل أن معظم حاجياتهم متوفرة لهم دون تعب أو كلل. لكن البعض القليل منهم يرفض لنفسه أن يتربى على مفهوم " كل شيء موجود" و " كل شيء متاح"، بينما يتسائل القسم الأعظم منهم: " لماذا أعرض نفسي للتعب ومشقة العمل ما دام هناك من يوفر لي كل إحتياجاتي واجدين في "التأفف والشكوى" الخيار الأفضل .
بالتأكيد هذا النوع من الشباب، لن يكون مطالبا يوماً ما بأن يكون مثل " بوذا" الذي ترك قصر والده بما فيه من ملذات ومتع يتمناها كل شاب بعد أن عرف أن الناس خارج أسوار قصر أبيه لا علاقة لهم بالسجن الذهبي الذي ولد فيه. ولن يكونوا مطالبين بأن يكونوا مثل شخصية " هوجو " في مسرحية " الأيادي القذرة " للمفكر والفليسوف الوجودي الفرنسي جان بول سارتر، وكيف هو الآخر ترك عيشه الرغيد و" الفخخة" التي كان فيها في طريق بحثه عن هدف يمنحه القوة للإستمرار بحياته. لكن مسألة تعويد النفس على تحمل الصعاب إستناداً الى حقيقة أن " الحياة ليست مفروشة دائما بالورود" تقترن أهميتها بمقدار حرص الشباب على أن تتناسب حيويتهم ونشاطهم وحبهم للعمل بمقدار جمال ربيعية أعمارهم.
ففي الحياة الكثير من الأشواك يجب أخذ الحيطة منها، ولا بد من أن يأتي اليوم الذي نحتاج فيه للأعتماد على أنفسنا بشكل كامل في وقت لن تنفع فيه الندامة.
دانا (23) عاماً لا يعمل في مجال العلوم البيولوجية ولا المفاعل النووية ،هو يعمل في مجال الخدمات العامة ( على رغم أنه حاصل على دبلوم من معهد المعلمين ويستيطع العمل كمعلم ) عندما تسأله عن سبب عدم العمل بشهادته لما فيها الكثير من المزايا يجيب والأبتسامة تعلو وجهه: "أمي ترفض أن أذهب الى القرى والأرياف لأنها لا تقوي على فراقي. كما أنني لا اضمن مقدرتي على تسير أموري الحياتية لوحدي، ولا أستطيع العيش دون أصدقائي والسهر حتى ساعات الصباح الأولى في الدردشة الألكترونية"
يبدأ دانا صباحه بالشكوى حتى من الهواء المحيط به. كيف لا وهو المعتاد أن يتوفر له كل شيء بـ " دلال" أثر على شخصه وعلى تعامله مع المحيطين به. وقد يتبختر دانا بين زملائه كونه " الشاب – الطفل" الذي لا ينقصه ولا يعوزه شيء غير نفسه والحاجة الى نقدها لبنائها من جديد..!!
مثل دانا الكثير من الشباب الذين لا يعرفون أخذ قراراتهم بأنفسهم والأنكى أنهم يتباهون بما يسيء اليهم في الحقيقة من غير معرفتهم بذلك وربما بمعرفتهم التي لا يتجاوز مداها أنوفهم!
وبعكس دانا هناك بالطبع شباب مختلفون يمتلكون روحا كبيرة مختزنة في أجسادهم الشابة الصغيرة.
سمير (22) عاما، شاب لم تكن حظوظه كبيرة في حصوله على شهادة بدرجة عالية أضطر الى ترك دراسته وهو في المرحلة المتوسطة منها.. ربما ظروف بيته وعائلته أجبرته على ذلك ، أو شعوره بالمسؤولية تجاه والده الذي يعيل عائلة كبيرة وهو المعيل الوحيد لها. يلقب بختيار العامل كمساعد أداري بين غرف الموظفين في شركة تجارية (Helper) بأنه " داينمو" العمل ولولبه. بختيار لا يعرف للتعب معنى وهو في العمل، ولا يعرف الممانعة في تقديم المساعدة لأحد والأهم أن الشكوى لم تعرف طريقها اليه وربما هي الشاكية من صلابته ونشاطه في العمل.
يستغرب بخيتار من سؤاله عن سر نشاطه وببساطة شديدة يقول إنه لا يشعر بأنه يقوم بعمل مميز " أنا فقط أؤدي ما يجب علي تأديته وهي أمور ليست صعبة أبداً بل أسهل مما يتصور البعض".
عدم التذمر والشكوى هي التي تبسط الأمور وتجعلها سهلة، في نظر بختيار ولكنها عند دانا قد تكون أصعب ما تكون وربما يحتاج الى "زوبعة" من الفوضى يباشر بها قبل البدء بعمله الحقيقي.
قد يدرك بختيار وبالفطرة أن الأنسانية تضع سرها وقوتها في الشخص الممتاز الذي يدفع الحياة الى الحركة وأن الحياة لا تعطي سرها وسعادتها بسهولة. لكن دانا بعيد عن هذا الأدراك والى أن يصل اليه "هذا إن وصل" يكون بختيار قد خطى خطوات أوسع في حياته الأنسانية.
لتوفيق الحكيم قول جميل: " إن الحياة تصنع المأساة ولكن الفرح والأبتسامة هما الشيء الذي نخلقه نحن لنرش الماء على النار ونبي أسوار حول العاصفة التي في داخلنا حتى لا ندع لها تدميرنا والقضاء علينا".