المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أي مستقبل ينتظر المنطقة من بوابة العراق؟......بقلم: الفريق الركن أول وفيق السامرائي



فاطمي
08-07-2005, 03:59 PM
بقلم: الفريق الركن أول وفيق السامرائي


في زمن النظام السابق، كان مستوى دخل الفرد متدنيا جدا، والعديد من كبار الضباط كانوا يضطرون الى العمل سواقي سٍيارات أجرة. وراتب الموظف البسيط لا يزيد عن دولارين. إلا إن توصيفا كهذا لم يعد يلقى السمع، فقد تدفقت عشرت مليارات الدولارات الى العراق، وحصل تضخم في العديد من مرتكزات الاقتصاد، وارتفعت اجور العمالة اضعاف ما كانت عليه. ومع ذلك، البطالة مرتفعة وتشكل سوقها مرتعا خصبا للبحث عمن له الاستعداد للإنخراط في اعمال العنف وصولا الى التوصيف الارهابي. وكان على الدولة ان تحرص منذ بداية تكوينها الجديد قبل عامين تقريبا، على اطلاق قطاري الاعمار والامن معا، حتى لو استعيض عن بعض فقرات الإعمار مؤقتا بالضمان الإجتماعي لمساعدة الفقراء والقوة الشبابية وكسبهم الى جانبها بدل تركهم لقمة لأصحاب الغرض السيئ. لكن المشاكل السياسية وأخرى غيرها حالت دون ذلك، فيوم كان صدام في السلطة قوض كل مرتكزات الاقتصاد، واليوم يحاول أيتامه استكمال ما سار عليه.

صورة الأمن

من دون أدنى شك فإن الامن الآن أفضل مما كان عليه في العام الماضي. وهذه بعض المؤشرات:

1- لم تعد هناك قواعد أمينة وملاذات آمنة لقوى الإرهاب والعنف، فقد تمكنت الدولة من فرض شكل متقدم من أشكال السيطرة على مدن الفلوجة والقائم وحديثة وهيت والرمادي وسامراء والموصل، واللطيفية وما جاورها، ولم يعد هناك شبر من البلد عصي على الدولة ومؤسساتها العسكرية. لذلك تقيدت حركة قوى العنف وقياداته، وخسرت هذه التنظيمات القدرة على جباية الاموال على الناس وفرض أتاوات عليهم، فبات اعتمادهم منصبا على ما يرد من خارج الحدود، فضلا عن عمليات التسليب والخطف.. الخ. أما في بغداد فإن قدرة الدولة على الانتشار العسكري باتت واضحة للمارة، وهي في تزايد سريع. وإذا كان المخططون العسكريون الغربيون حسبوا حسابات معينة لحجم القوات المسلحة العراقية ووضعوا قيودا لها فإن الموقف قد تغير أو سيتغير حتما.

2- لم تكن لدى الدولة قوات عسكرية من جيش وشرطة كافية للتحرك، فيما تزايدت الأعداد بنسبة كبيرة الآن. وأصبح ضمن مقدور الدولة دفع وحدات قتالية من مكان الى آخر خلال وقت قصير وبشكل منفرد من دون تدخل القوات متعددة الجنسية. وهذا يعني إن البلد بات قادرا على تصريف مفهوم السيادة ميدانيا، في مجال الأمن، بشكل أفضل وقابلا للتطور السريع.

3- كان اقبال المواطنين على التطوع محدودا قبل عام، خصوصا في المناطق الساخنة، أما الآن فإن طلبات التطوع تتعدى قدرة الدولة على الاستجابة العملية واللوجستية و المالية.

4- اعطت الانتخابات والمعادلات التي ترتبت عليها زخما مهما للدولة الجديدة، فوجود رئيس جمهورية قوي، يستند الى قوة برلمانية وعلاقات قوية متعددة ويتمتع بدعم كردستاني، وتنامي المشاعر الإيجابية في الوسط العربي تجاهه بشكل واضح. عزز قدرة الدولة على الحركة، وأوجد معادلات جديدة في رصد الممارسات الخاطئة في مجال الأمن وغيره وإعادة تقويمها. ومن بين القرارات المهمة كان الاتفاق المشترك للحكومة بوقف المداهمات ليلا واتباع السياقات القانونية في القبض على المطلوبين.

5- حصول تحسن جوهري في الحركة على الطرق الخارجية، وإن كانت الحال بحاجة الى تعزيز، وانخفضت عمليات اختطاف الأبرياء المشينة في تاريخ الأمم والشعوب أو الاختطاف من اجل المال.

6- كان في مقدور المسلحين السيطرة على مناطق معينة من بغداد ونصب سيطرات مسلحة فيها، وهذا ما كان يحصل في قلب العاصمة في شارع حيفا، وهو ما لم يعد له وجود. حيث تتمكن الدولة من البدء في زج العديد من الوحدات القتالية فور وقوع الحدث.

7- لا تزال العمليات الانتحارية بين مد وجزر، والنقطة الحاكمة الحقيقة هي ان كل الانتحاريين يأتون من خارج العراق، وليس من ثقافة العراقيين القيام بمثل هذه العمليات، ولم تسجل عملية واحدة منها بمنفذ عراقي.

8- ومع هذا التحسن الواضح، لا بد أيضا من الإعتراف بأن جماعات العنف والإرهاب تحرص على تطوير اساليبها وتتلقى دعما ماليا وعبوات ناسفة وخبرة فنية من خارج الحدود. وتستند في بعض عملياتها الى خبرة استخبارية لا يستهان بها. لذلك تظهر على السطح عمليات مبرمجة نوعية تستهدف جذب انظار العالم والتأثير على سير الحياة في العراق. فمرة يستهدف الدبلوماسيون ومرة الكهرباء وأخرى النفط... الخ. لكن قدرة الدولة تتزايد هي الاخرى في تحديد الثغرات.

مشاكل سياسية

ان واحدة من اكبر المشاكل السياسية هي شبه غياب العرب السنة عن الساحة السياسية، فحتى من يحضر منهم لا يتمتع بشرعية انتخابية ولا بتعبئة جماهيرية ترتقي الى مستوى الحدث. وتحاول الدولة بلورة نشاط لهذه الشريحة المهمة، لكن ضغوط العنف وتهديدات الارهابيين تعتبر أكبر عنصر عرقلة، ومن يتصدى منهم فإنما يضع نفسه في مرحلة المجابهة مع جماعات العنف. وهو ما تطلب تدخل الدولة عموما ورئيس الجمهورية تحديدا. في محاولة دفع بمختلف الوسائل لتشجيع المتصدين من هذه الشريحة الواسعة.

ثمانية ملايين من العرب السنة، ربما أكثر وربما أقل، فلا احصاءات غير تقريبية، يقفون اليوم خارج العملية السياسية تقريبا، تحدوهم رغبة في المشاركة، لكن لا ضمانة بشأن هذه المشاركة. وينبغي الحرص على استمرار توفير عناصر الأمن لمن قرروا الدخول في العملية السياسية بشكل عقلاني ومنطقي. وهو ما يتطلب التضحية الفردية قبل كل شيء. فالسياسة في ظرف كما هي حال العراق ليست نزهة ولا تمنيات، بل خطر يسبق خطر، وتتطلب الحال تصميما غير عادي، ومثل هؤلاء الرجال موجودون.

الدستور جزء اساسي من العملية الديموقراطية، وإذا لم يجر الاتفاق على طرحه، أو لم يصوت عليه الشعب فإن الحياة لن تتوقف بل سيكون هناك وقت مضاف لمرحلة الانتقال الى الاستقرار، والحالة المعاكسة ستترك أثرا ايجابيا ملموسا على كل جوانب الحياة.