جون
08-07-2005, 01:09 AM
المؤرخ العراقي محمد سعيد الطريحي: النجف خرجت رجلا مجتهدا كالأصفهاني وماركسيا كحسين مروة
كتب وليد الفضلي
http://www.alqabas.com.kw/images/060805/th1.jpeg
محمد سعيد الطريحي
«ان صوتا واحدا شجاعا اكثرية» بهذه المقولة للامام علي يفتتح الدكتور محمد سعيد الطريحي كتابه ومشروعه «دولة النجف» الذي يهدف الى ترتيب البيت الشيعي عبر المؤسسة المرجعية، تحويل 20 كيلومترا الى دولة دينية على شاكلة الفاتيكان، بها خمس مؤسسات تمثيلية رئيسية (مجلس لنواب المرجع، مجلس شورى، مجلس فقهي، مجلس اعيان، مجلس وكلاء). واكد على دور الحوزة في صناعة المستقبل ولكن ليس بصورتها الحالية، واضاف ان دولة النجف سوف توحد الخطاب الشيعي لما له الاثر الايجابي في الحد من الافكار المتطرفة والشاذة، ومن جانب اخر تطرق الى اهمية الاستفادة من التراث كمنتج حضاري ومعرفي ثري يحتاج الى اعادة تقييم ونظر من خلال تحكيم القيم العقلانية، ففيه الكثير من الشوائب التي تسيء الى العلاقات الانسانية ما بين الحضارات، وانتقد حالة الذوبان والعشق في التراث من حيث هو حدث ولا يجوز ان تعترض السلوك الانساني والتطور والتقدم.
> لديكم الكثير من الاهتمامات الثقافية في المجال التراثي تمثل في مجلة «الموسم» بالاضافة الى مؤلفاتك.. ما هو تعريف التراث ما سر هذا الاهتمام؟
ـ علينا ان نميز في التراث بين التراث الايجابي والتراث السلبي وغير المفيد، وكذلك استنباط المفيد لواقعنا المعاصر. ويرجع اهتمامي بالقضايا التراثية الى نشأتي التربوية بالدرجة الاولى، فقد نشأت في بيئة تراثية وعائلة تراثية وكان كل شيء يحيط بهذه العائلة يمس التراث. ففي البيت الذي عشت فيه مكتبة تضم 20 الف كتاب بالاضافة الى 800 الف مخطوطة مكتوبة منذ القرون السالفة فكلها رسمت لي منهجي في حياتي.
وعلى المستوى الاكبر المدينة التي كنت ترعرعت فيها (الكوفة) في الخمسينات اقرب ما تكون الى مدن القرون الوسطى، وكل شيء فيها يذكرك بهذا التراث القديم، كالمدارس والحوزات بل حتى البسة الناس، فقد غرست البيئة عشقا للتراث في نفسي. ولم استطع ان اخرج من هذا الجو التراثي الا بعد سفري الى الخارج الذي استفدت منه كثيرا، فقد اكتشفت ان هنالك سلبيات للتراث والتعاطي معه على حساب الاهتمامات الاخرى، وهنا أذكر الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري عندما ذهب الى بغداد لم يستطع المحافظة على العمامة والجو التراثي الذي كان يعيشه، وبعد شهر رمى العمامة وانشد يقول:
«اين خلفت عمة ووقارا قلت اني رميتها في الكناسة»، ولكن الجواهري بقي في شعره محافظا على شعريته وكذلك على التراث رغم تغير شكل حياته، فالنجف خرجت رجلا مجتهدا مثل السيد ابو الحسن الاصفهاني، وفي نفس الوقت شخصا ماركسيا مثل حسين مروة والكثير من الامثلة الاخرى.
3 انواع من التراث
> ما هي منهجية التعاطي مع التراث البعيد الذي لا نملك ادوات تشريحه والبحث فيه؟
ـ التراث على ثلاثة اقسام، لكل من هذه الاقسام الثلاثة منهجه البحثي الخاص: «التراث المدون» مثل الكتب والاسفار والوثائق والمخطوطات، و«التراث الشفوي» من القصص والذكريات والاحاديث في ما بين الناس للادباء والشعراء والمفكرين والوجهاء الاجتماعيين والسياسيين.
اما القسم الثالث فمن «التراث المعماري» المساجد والبنايات القديمة وشواهد القبور على سبيل المثال «مقبرة السلام» التي تحتوي على كم هائل من الاشعار والاحداث... وغيرها المدونة على القبور والشواهد، والتي من الممكن أن نخرج من خلالها بالكثير من الدراسات والاكتشافات التاريخية. بل الاجابات على الكثير من الاسئلة عن بعض المراحل التاريخية غير المؤرخة بشكل جيد، والمشكلة ان الاهتمام الغالب الان هو بـ«التراث المدون» على حساب الاقسام الاخرى وهذا في واقع الامر نقص، اما سؤالك حول المنهجية فأحب ان اركز على ثلاثة عناصر رئىسية في منهجية التحقيق في التراث الاول العقلانية في التحقيق اما الثاني فالتجرد من الاحكام المسبقة التي تسير الحقائق على غير مسيرتها في الواقع والعنصر الثالث هو الابتعاد عن الاهواء الذاتية التي تموه الحقيقة وتبرز ما يهواه ويستجيب لاحتياجات الباحث واحتياجات جماعته. وهنالك سلبيات هي التي اضعفت العمل في التراث منها انعدام التنسيق بين المحققين في التراث الذي يؤدي الى تكرار تحقيق ذات المخطوط ثلاث مرات في بعض الاحيان، وتضيع الجهود.
كذلك هنالك من المخطوطات غير المهمة والتي ليس لها قيمة معرفية او ثقافية وخاصة «التراث الفقهي» الواسع جدا والذي غالبه افتراضات «اكل عليها الدهر وشرب». فانا ابحث عن الشيء المفيد ما امكنني هذا، مثلا رسالة العلامة النائيني التي كتبت قبل مائة سنة والتي دعا بها الى «مجالس نيابية» واقام شرعيتها، وكذلك دعا الى اقامة «الدستور»، و«حماية حقوق المرأة»، لكن لكونه من المراجع في تلك الفترة وخوفا من الغوغاء والعامة جمع نسخ هذا
الكتاب وأحرقها، وأصبحت النسخة حتى بلغتها الاصلية مفقودة، وعندما عثرت على النسخة العربية نشرتها فورا في مجلة «الموسم» لكي يهتم بها الباحث.
> كيف يمكن الاستفادة من التراث من دون أن ننقطع عن الواقع المعاصر فكريا وثقافيا ونتحول الى كائنات ماضوية؟
ـ لم نستثمر منتج أشخاص مثل ابن خلدون في تحليله ومنهجه بل توقفنا عندهم، في حين أن عصرهم انتهى، فابن سينا رائد في عصره في الطب والفلسفة وغيرها ولكنني أبحث عن ابن سينا جديد، فأين هو؟ في الجامعات الأوروبية يتناولون مواضيع جديدة في الدراسة فهم في الدراسات الشعرية على سبيل المثال يركزون اهتمامهم على الشعراء المعاصرين وليس الماضين الذين نجلهم ونحترمهم، كما أن التراث بحاجة إلى اعادة تقييم وخصوصا ما يسيء إلى علاقاتنا الإنسانية ويزيد من الحالة الطائفية في المجتمع.
النجف مثل الفاتيكان
> هل من الممكن ان تعطينا فكرة حول مشروع دولة النجف الذي طرحته في كتابك الاخير؟
ـ النجف مدينة دينية قديمة وعريقة أتيح لها المجال أن تكون مستقلة في أكثر فترات التاريخ الإسلامي، وفكرة تطوير الحوزة العلمية ليست جديدة، فالشيخ محمد رضا المظفر أراد أن يجعل النجف مؤسسة ووضع الحجر الأساس لـ«منتدى النشر» الذي صار كلية للفقه فيما بعد، ولكن لم يستمر المشروع كما أراد له بسبب الظروف السياسية، وهنالك علماء في الثلاثينات من هذا القرن كانوا يدعون إلى «جامعة للخطباء»، إذ ليس من هب ودب يكون خطيبا يجب أن يأخذ دروساً خاصة وأن يستمر في الدراسة فترة زمنية محددة ويحصل على شهادة.. وغيرها. أما ما قدمته من مشروع لا أقصد به تقسيم العراق الى دويلات، وانما تحويل 10 كيلو مترات مربعة الى حاضرة دينية يبنى في داخلها مؤسسات تهتم بالناحية الإدارية والإفتاء والمدارس الدينية والمؤسسات المالية للمسلمين الشيعة، هي عبارة عن مدينة مصغرة شبيهة بالفاتيكان من حيث المبدأ فقط. من المعروف في النجف هنالك الحوزة العلمية التي بها المراجع الذين يتبعهم الشيعة (300 مليون مسلم شيعي) وما أدعو له هو تحويلها الى مؤسسة مرجعية للشيعة في كل مكان. وذلك لتصحيح وتفادي الكثير من الأخطاء التي وقعت نتيجة عدم وجود شكل مؤسسي للمرجعية لدى الطائفة الشيعية. لماذا لا يكون للمرجع سفراء مرجعيون؟ فهنالك الكثير من المشاكل التي يعاني منها الفرد الشيعي في شتى الدول فلا بد من وجود من ينقل هذه الصورة ويمكن أن يحلها، فالنجف دولة محايدة وتقتصر مهامها السياسية على الجانب الارشادي.
> لك دور بارز في الحوار مع الأديان والتعريف بالأديان ألا تعتقد ان مشروعاً مثل مشروع دولة النجف يرسخ الطائفية؟
ـ أنا أريد ان أرتب بيتي، البيت الشيعي الآن مفكك ويحتاج الى ترتيب وبالتالي هذه ليست دعوة طائفية، وأريد أن أرتب نفسي كأي طائفة دينية في هذا العالم، لترقى وتكون في موضعها الصحيح. أما علاقتنا مع بقية الطوائف والديانات فهي منطلقة من قول الإمام علي، رضي الله عنه، «الناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق».
خطر الكهنوت
> هل المرجعية شارع مهيأ لهذا الاقتراح؟
ـ بعد صدور الكتاب كانت كل الردود ايجابية وقدمت نسخ من هذا المشروع الى كل المرجعيات ووجدت تجاوباً كبيراً ولكن الظروف السياسية في العراق الاستثنائية تبقي المشروع في مجال التمني، ربما بعض أصحاب المصالح الشخصية لا تعجبهم الفكرة. والغريب في الأمر أن هنالك اشخاصاً لما طرحت عليهم الفكرة قالوا نحن نفكر في الفكرة ذاتها، وللمشروع مؤدون سواء على مستوى المراجع الكبار، او التجار او المثقفين، والحوزة هي أملنا في المستقبل ولكن ليس بصورتها الحالية، نحن نطمح لرجل الدين الفقيه المثقف الذي يعرف الحياة واحتياجات الواقع من حوله وكيف يستخدم التقنيات الجديدة في مجالاته الفقهية وان يطلع على تجارب الآخرين في العالم أينما كانوا.
> هل تخاف أن تتحول إلى دولة كهنوتية؟
ـ هذا يتوقف على الدستور الذي سوف يوضع، أشك في أن يتحول الى دولة كهنوتية، إننا نعيش اليوم في عالم صغير وأي دولة كهنوتية سوف تموت لا محالة وسوف تموت ايضا.
المؤرخ في سطور
> استاذ الديانات المقارنة والاستشراق في جامعة روتردام (هولندا).
> عميد معهد ابن رشد لدراسة الأديان (هولندا).
> رئيس أكاديمية الكوفة للدراسات الشرقية ـ لاهاي.
> رئيس تحرير مجلة «الموسم» التي تصدر منذ 1988.
> دكتوراه الدولة في تاريخ الاستشراق.
> دكتوراه الإبداع (باريس).
> 77 كتاب في مجلات تراثية وتاريخية وسياسية متنوعة آخرها دولة النجف.
دولة مدينة النجف
الشعب: عربي عراقي.
السكان: 20000 عشرون ألف نسمة لهم حقوق المواطنة و40000 دون حقوق المواطنة و10000 موظف.
اللغة: العربية، والانكليزية (لغة ثانية)
الجغرافيا: النجف التاريخية.
الموقع: قلب الفرات الأوسط (العراق).
رئيس الدولة: المرجع الأعلى للطائفة الشيعية.
العَلَم: الأخضر ـ الأحمر ـ الأبيض وعلى الأخير 14 نجمة باللون الأسود.
العيد الوطني: 12 ـ 13 ـ 14 من شهر رجب. ذكرى دخول الإمام علي، رضي الله عنه، الى الكوفة واتخاذها عاصمة للخلافة الإسلامية، وذكرى ميلاده.
الواردات:
1 ـ السياحة الدينية.
2 ـ واردات طريق الحج البري (النجف ـ المدينة المنورة).
3 ـ الحقوق الشرعية.
4 ـ الدفنية (ضرائب الدفن في وادي السلام).
5 ـ الأوقاف الشيعية.
تضرب النجف نقدها الخاص، وتصدر طوابعها البريدية، ولها إعلامها الخاص الإذاعة والتلفزيون (تبثان بمختلف اللغات).
والجريدة الرسمية الصادرة عن النجف تكون مركزية تتناول فضلا عن المعلومات الدينية، الفتاوى، الأخبار والموضوعات الأخرى.
كتب وليد الفضلي
http://www.alqabas.com.kw/images/060805/th1.jpeg
محمد سعيد الطريحي
«ان صوتا واحدا شجاعا اكثرية» بهذه المقولة للامام علي يفتتح الدكتور محمد سعيد الطريحي كتابه ومشروعه «دولة النجف» الذي يهدف الى ترتيب البيت الشيعي عبر المؤسسة المرجعية، تحويل 20 كيلومترا الى دولة دينية على شاكلة الفاتيكان، بها خمس مؤسسات تمثيلية رئيسية (مجلس لنواب المرجع، مجلس شورى، مجلس فقهي، مجلس اعيان، مجلس وكلاء). واكد على دور الحوزة في صناعة المستقبل ولكن ليس بصورتها الحالية، واضاف ان دولة النجف سوف توحد الخطاب الشيعي لما له الاثر الايجابي في الحد من الافكار المتطرفة والشاذة، ومن جانب اخر تطرق الى اهمية الاستفادة من التراث كمنتج حضاري ومعرفي ثري يحتاج الى اعادة تقييم ونظر من خلال تحكيم القيم العقلانية، ففيه الكثير من الشوائب التي تسيء الى العلاقات الانسانية ما بين الحضارات، وانتقد حالة الذوبان والعشق في التراث من حيث هو حدث ولا يجوز ان تعترض السلوك الانساني والتطور والتقدم.
> لديكم الكثير من الاهتمامات الثقافية في المجال التراثي تمثل في مجلة «الموسم» بالاضافة الى مؤلفاتك.. ما هو تعريف التراث ما سر هذا الاهتمام؟
ـ علينا ان نميز في التراث بين التراث الايجابي والتراث السلبي وغير المفيد، وكذلك استنباط المفيد لواقعنا المعاصر. ويرجع اهتمامي بالقضايا التراثية الى نشأتي التربوية بالدرجة الاولى، فقد نشأت في بيئة تراثية وعائلة تراثية وكان كل شيء يحيط بهذه العائلة يمس التراث. ففي البيت الذي عشت فيه مكتبة تضم 20 الف كتاب بالاضافة الى 800 الف مخطوطة مكتوبة منذ القرون السالفة فكلها رسمت لي منهجي في حياتي.
وعلى المستوى الاكبر المدينة التي كنت ترعرعت فيها (الكوفة) في الخمسينات اقرب ما تكون الى مدن القرون الوسطى، وكل شيء فيها يذكرك بهذا التراث القديم، كالمدارس والحوزات بل حتى البسة الناس، فقد غرست البيئة عشقا للتراث في نفسي. ولم استطع ان اخرج من هذا الجو التراثي الا بعد سفري الى الخارج الذي استفدت منه كثيرا، فقد اكتشفت ان هنالك سلبيات للتراث والتعاطي معه على حساب الاهتمامات الاخرى، وهنا أذكر الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري عندما ذهب الى بغداد لم يستطع المحافظة على العمامة والجو التراثي الذي كان يعيشه، وبعد شهر رمى العمامة وانشد يقول:
«اين خلفت عمة ووقارا قلت اني رميتها في الكناسة»، ولكن الجواهري بقي في شعره محافظا على شعريته وكذلك على التراث رغم تغير شكل حياته، فالنجف خرجت رجلا مجتهدا مثل السيد ابو الحسن الاصفهاني، وفي نفس الوقت شخصا ماركسيا مثل حسين مروة والكثير من الامثلة الاخرى.
3 انواع من التراث
> ما هي منهجية التعاطي مع التراث البعيد الذي لا نملك ادوات تشريحه والبحث فيه؟
ـ التراث على ثلاثة اقسام، لكل من هذه الاقسام الثلاثة منهجه البحثي الخاص: «التراث المدون» مثل الكتب والاسفار والوثائق والمخطوطات، و«التراث الشفوي» من القصص والذكريات والاحاديث في ما بين الناس للادباء والشعراء والمفكرين والوجهاء الاجتماعيين والسياسيين.
اما القسم الثالث فمن «التراث المعماري» المساجد والبنايات القديمة وشواهد القبور على سبيل المثال «مقبرة السلام» التي تحتوي على كم هائل من الاشعار والاحداث... وغيرها المدونة على القبور والشواهد، والتي من الممكن أن نخرج من خلالها بالكثير من الدراسات والاكتشافات التاريخية. بل الاجابات على الكثير من الاسئلة عن بعض المراحل التاريخية غير المؤرخة بشكل جيد، والمشكلة ان الاهتمام الغالب الان هو بـ«التراث المدون» على حساب الاقسام الاخرى وهذا في واقع الامر نقص، اما سؤالك حول المنهجية فأحب ان اركز على ثلاثة عناصر رئىسية في منهجية التحقيق في التراث الاول العقلانية في التحقيق اما الثاني فالتجرد من الاحكام المسبقة التي تسير الحقائق على غير مسيرتها في الواقع والعنصر الثالث هو الابتعاد عن الاهواء الذاتية التي تموه الحقيقة وتبرز ما يهواه ويستجيب لاحتياجات الباحث واحتياجات جماعته. وهنالك سلبيات هي التي اضعفت العمل في التراث منها انعدام التنسيق بين المحققين في التراث الذي يؤدي الى تكرار تحقيق ذات المخطوط ثلاث مرات في بعض الاحيان، وتضيع الجهود.
كذلك هنالك من المخطوطات غير المهمة والتي ليس لها قيمة معرفية او ثقافية وخاصة «التراث الفقهي» الواسع جدا والذي غالبه افتراضات «اكل عليها الدهر وشرب». فانا ابحث عن الشيء المفيد ما امكنني هذا، مثلا رسالة العلامة النائيني التي كتبت قبل مائة سنة والتي دعا بها الى «مجالس نيابية» واقام شرعيتها، وكذلك دعا الى اقامة «الدستور»، و«حماية حقوق المرأة»، لكن لكونه من المراجع في تلك الفترة وخوفا من الغوغاء والعامة جمع نسخ هذا
الكتاب وأحرقها، وأصبحت النسخة حتى بلغتها الاصلية مفقودة، وعندما عثرت على النسخة العربية نشرتها فورا في مجلة «الموسم» لكي يهتم بها الباحث.
> كيف يمكن الاستفادة من التراث من دون أن ننقطع عن الواقع المعاصر فكريا وثقافيا ونتحول الى كائنات ماضوية؟
ـ لم نستثمر منتج أشخاص مثل ابن خلدون في تحليله ومنهجه بل توقفنا عندهم، في حين أن عصرهم انتهى، فابن سينا رائد في عصره في الطب والفلسفة وغيرها ولكنني أبحث عن ابن سينا جديد، فأين هو؟ في الجامعات الأوروبية يتناولون مواضيع جديدة في الدراسة فهم في الدراسات الشعرية على سبيل المثال يركزون اهتمامهم على الشعراء المعاصرين وليس الماضين الذين نجلهم ونحترمهم، كما أن التراث بحاجة إلى اعادة تقييم وخصوصا ما يسيء إلى علاقاتنا الإنسانية ويزيد من الحالة الطائفية في المجتمع.
النجف مثل الفاتيكان
> هل من الممكن ان تعطينا فكرة حول مشروع دولة النجف الذي طرحته في كتابك الاخير؟
ـ النجف مدينة دينية قديمة وعريقة أتيح لها المجال أن تكون مستقلة في أكثر فترات التاريخ الإسلامي، وفكرة تطوير الحوزة العلمية ليست جديدة، فالشيخ محمد رضا المظفر أراد أن يجعل النجف مؤسسة ووضع الحجر الأساس لـ«منتدى النشر» الذي صار كلية للفقه فيما بعد، ولكن لم يستمر المشروع كما أراد له بسبب الظروف السياسية، وهنالك علماء في الثلاثينات من هذا القرن كانوا يدعون إلى «جامعة للخطباء»، إذ ليس من هب ودب يكون خطيبا يجب أن يأخذ دروساً خاصة وأن يستمر في الدراسة فترة زمنية محددة ويحصل على شهادة.. وغيرها. أما ما قدمته من مشروع لا أقصد به تقسيم العراق الى دويلات، وانما تحويل 10 كيلو مترات مربعة الى حاضرة دينية يبنى في داخلها مؤسسات تهتم بالناحية الإدارية والإفتاء والمدارس الدينية والمؤسسات المالية للمسلمين الشيعة، هي عبارة عن مدينة مصغرة شبيهة بالفاتيكان من حيث المبدأ فقط. من المعروف في النجف هنالك الحوزة العلمية التي بها المراجع الذين يتبعهم الشيعة (300 مليون مسلم شيعي) وما أدعو له هو تحويلها الى مؤسسة مرجعية للشيعة في كل مكان. وذلك لتصحيح وتفادي الكثير من الأخطاء التي وقعت نتيجة عدم وجود شكل مؤسسي للمرجعية لدى الطائفة الشيعية. لماذا لا يكون للمرجع سفراء مرجعيون؟ فهنالك الكثير من المشاكل التي يعاني منها الفرد الشيعي في شتى الدول فلا بد من وجود من ينقل هذه الصورة ويمكن أن يحلها، فالنجف دولة محايدة وتقتصر مهامها السياسية على الجانب الارشادي.
> لك دور بارز في الحوار مع الأديان والتعريف بالأديان ألا تعتقد ان مشروعاً مثل مشروع دولة النجف يرسخ الطائفية؟
ـ أنا أريد ان أرتب بيتي، البيت الشيعي الآن مفكك ويحتاج الى ترتيب وبالتالي هذه ليست دعوة طائفية، وأريد أن أرتب نفسي كأي طائفة دينية في هذا العالم، لترقى وتكون في موضعها الصحيح. أما علاقتنا مع بقية الطوائف والديانات فهي منطلقة من قول الإمام علي، رضي الله عنه، «الناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق».
خطر الكهنوت
> هل المرجعية شارع مهيأ لهذا الاقتراح؟
ـ بعد صدور الكتاب كانت كل الردود ايجابية وقدمت نسخ من هذا المشروع الى كل المرجعيات ووجدت تجاوباً كبيراً ولكن الظروف السياسية في العراق الاستثنائية تبقي المشروع في مجال التمني، ربما بعض أصحاب المصالح الشخصية لا تعجبهم الفكرة. والغريب في الأمر أن هنالك اشخاصاً لما طرحت عليهم الفكرة قالوا نحن نفكر في الفكرة ذاتها، وللمشروع مؤدون سواء على مستوى المراجع الكبار، او التجار او المثقفين، والحوزة هي أملنا في المستقبل ولكن ليس بصورتها الحالية، نحن نطمح لرجل الدين الفقيه المثقف الذي يعرف الحياة واحتياجات الواقع من حوله وكيف يستخدم التقنيات الجديدة في مجالاته الفقهية وان يطلع على تجارب الآخرين في العالم أينما كانوا.
> هل تخاف أن تتحول إلى دولة كهنوتية؟
ـ هذا يتوقف على الدستور الذي سوف يوضع، أشك في أن يتحول الى دولة كهنوتية، إننا نعيش اليوم في عالم صغير وأي دولة كهنوتية سوف تموت لا محالة وسوف تموت ايضا.
المؤرخ في سطور
> استاذ الديانات المقارنة والاستشراق في جامعة روتردام (هولندا).
> عميد معهد ابن رشد لدراسة الأديان (هولندا).
> رئيس أكاديمية الكوفة للدراسات الشرقية ـ لاهاي.
> رئيس تحرير مجلة «الموسم» التي تصدر منذ 1988.
> دكتوراه الدولة في تاريخ الاستشراق.
> دكتوراه الإبداع (باريس).
> 77 كتاب في مجلات تراثية وتاريخية وسياسية متنوعة آخرها دولة النجف.
دولة مدينة النجف
الشعب: عربي عراقي.
السكان: 20000 عشرون ألف نسمة لهم حقوق المواطنة و40000 دون حقوق المواطنة و10000 موظف.
اللغة: العربية، والانكليزية (لغة ثانية)
الجغرافيا: النجف التاريخية.
الموقع: قلب الفرات الأوسط (العراق).
رئيس الدولة: المرجع الأعلى للطائفة الشيعية.
العَلَم: الأخضر ـ الأحمر ـ الأبيض وعلى الأخير 14 نجمة باللون الأسود.
العيد الوطني: 12 ـ 13 ـ 14 من شهر رجب. ذكرى دخول الإمام علي، رضي الله عنه، الى الكوفة واتخاذها عاصمة للخلافة الإسلامية، وذكرى ميلاده.
الواردات:
1 ـ السياحة الدينية.
2 ـ واردات طريق الحج البري (النجف ـ المدينة المنورة).
3 ـ الحقوق الشرعية.
4 ـ الدفنية (ضرائب الدفن في وادي السلام).
5 ـ الأوقاف الشيعية.
تضرب النجف نقدها الخاص، وتصدر طوابعها البريدية، ولها إعلامها الخاص الإذاعة والتلفزيون (تبثان بمختلف اللغات).
والجريدة الرسمية الصادرة عن النجف تكون مركزية تتناول فضلا عن المعلومات الدينية، الفتاوى، الأخبار والموضوعات الأخرى.