خديجة
08-05-2005, 02:34 PM
بغداد – ماجد السامرائي
http://www.daralhayat.com/special/features/07-2005/Item-20050725-4f27b56f-c0a8-10ed-00ed-f4c80fe8a18b/Statu_10.jpg_200_-1.jpg
تمثال عبد الكريم قاسم في بغداد.
لمناسبة الذكرى 37 لثورة 14 تموز (يوليو)، أُزيح الستار في بغداد عن تمثال لعبد الكريم قاسم الذي حكم العراق في أول نظام جمهوري فيه ما بين تموز 1958 وشباط (فبراير), 1963, وكان من بين «الضباط الأحرار» الذين قادوا الثورة على النظام الملكي، وأرسوا دعائم النظام الجمهوري في العراق. وأشرفت على اعادة التمثال لجنة شعبية أطلقت على نفسها اسم «اللجنة الشعبية المشرفة على نصب تمثال الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم» واختارت له موقعاً المكان الذي جرت فيه محاولة اغتياله العام 1959 على أيدي عناصر من «حزب البعث».
للتماثيل في بغداد حكايات, وللعراقيين حكايات معها. فهم مثلهم مثل «عرب الجاهلية» الذين كانوا يصنعون آلهتهم من التمر, فإذا ما شح القوت لديهم، عمدوا إليها فالتهموها. والعراقيون يقيمون التماثيل لشخصيات وزعماء، وتعلو- أو يعلونها- في الساحات العامة، ومعظمها يرتبط بوضع سياسي، أو يرمز إلى ذلك الوضع, فإذا ما «تغيّر» الوضع السياسي، أو جرى «الانقلاب» عليه، وجاء نظام مغاير له، عمدوا إلى تلك التماثيل يحطمونها، مقيمين مكانها «تماثيل جديدة» تتناسب مع سياقات الوضع الجديد. وهكذا.
من أوائل التماثيل التي عرفتها بغداد في تاريخها الحديث تمثال الجنرال الانكليزي مود قائد القوات البريطانية التي دخلت العراق من البصرة، متجهة شمالاً، وقد أبلغ قولته الشهيرة للعراقيين، مطمئناً إياهم في «مسعاه» إليهم: «جئنا محررين لا فاتحين». وكانت عملية التحرير» في تلك المرّة من نفوذ «العثمانيين» الذي ألحقوا العراق بسلطنتهم قروناً عديدة. إلا ان هذا «المحرر» طاب له المقام، فطال حتى العام 1958، عندما قامت ثورة 14 تموز لتغيّر نظام الحكم، وتطيح بأحلاف النظام السابق، وتعمل على ازالة «مظاهره».
ومن تلك المظاهر كان «تمثال مود» الذي انتصب عقودا من السنين على قاعدته في ساحة مجاورة لمبنى السفارة البريطانية في منطقة الشواكة في بغداد، ويربط بينه وبين الجسر الذي سمي باسمه (جسر مود) شارع لا يتعدى بضع عشرات من الأمتار. هذا التمثال الذي كان كثير من العراقيين يرون فيه «رمزاً استعمارياً» وتحدياً لمواطنيتهم، لم يقتلع من مكانه إلا صبيحة يوم 14 تموز 1958، فأهوت به الجماهير المؤيدة للثورة, كما أطاحت بتمثال الملك فيصل الأول- مؤسس الدولة العراقية الحديثة- الذي أطاح به العسكريون العراقيون في ثورتهم تلك.
وعلى عجل استبدل العراقيون تماثيل «قدامى حكامهم» بتماثيل الحكام الجدد. فارتفع عبد الكريم قاسم. وأُتيح له من يحقق «عبادة الشخصية» ليصبح «الزعيم الأوحد»، وليأخذ التمجيد اشكالاً عدة. وإذا كانت تماثيله قليلة فلأنه كان أعطى النصيب الأكبر لما عدّه «فعلاً من أفعاله» و»قبساً من فكره». وجاءت ثورة 8 شباط 1963 لتلغي الكثير مما كان له من هذا.
ثم مرت قترة خلت من النصب والتماثيل, حتى كانت سبعينات القرن الماضي لتنهض في عدد من الساحات العامة في بغداد وبعض المحافظات تماثيل لشعراء وعلماء، قدامى ومعاصرين: فكان هناك تمثال للرصافي وآخر لعنترة وثالث وللمتنبي والسياب والفراهيدي وهكذا. وما ان جاءت الثمانينات حتى بدأت تنهض تماثيل جديدة، وتقام الجداريات لصدام حسين، فكانت هناك ساحات عدة لها, ولها فقط. واستمرت الحال حتى جاء «الفاتح- المحرر» الجديد- العسكري الأميركي - وقد سلكت قواته الغازية المسار نفسه الذي أخذته «قوات الاستعمار البريطاني» قبل نحو قرن من الزمان. وكان يوم التاسع من نيسان (ابريل) 2003، يوم دخلت هذه القوات بغداد متوجهة نحو «ساحة الفردوس»، حيث أحد أكبر تماثيل صدام ينتصب في هذه الساحة، لتهوي به إلى الأرض معلنة» بذلك اسقاط نظامه».
بعدها بدأت عملية ازالة التماثيل الشبيهة التي سيشارك فيها «تجار النحاس» ومساعدوهم مشاركة فعالة!. إذ لم تتوقف المسألة عند «تماثيل صدام» بل تجاوزته إلى سواه، وإلى تمثال «عنترة العبسي»، الشاعر والفارس الذي يعود إلى «العصر الجاهلي»، الذي كان مصنوعاً من «النحاس المطروق»، وهو – بحسب تقديرات تجار النحاس – أغلاها سعراً! واليوم يعاود العراقيون عاداتهم هذه من جديد، معيدين حضور «زعيمهم» قبل اثنين وأربعين سنة، فيقيمون له تمثالاً. ويقول أحد أعضاء اللجنة التي أشرفت عليه» «ان عدداً من محبي الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم كانوا قد أخذوا على عاتقهم اقامة تمثال يمثل رمزاً من رموز العراق ويليق بهذه الشخصية».
http://www.daralhayat.com/special/features/07-2005/Item-20050725-4f27b56f-c0a8-10ed-00ed-f4c80fe8a18b/Statu_10.jpg_200_-1.jpg
تمثال عبد الكريم قاسم في بغداد.
لمناسبة الذكرى 37 لثورة 14 تموز (يوليو)، أُزيح الستار في بغداد عن تمثال لعبد الكريم قاسم الذي حكم العراق في أول نظام جمهوري فيه ما بين تموز 1958 وشباط (فبراير), 1963, وكان من بين «الضباط الأحرار» الذين قادوا الثورة على النظام الملكي، وأرسوا دعائم النظام الجمهوري في العراق. وأشرفت على اعادة التمثال لجنة شعبية أطلقت على نفسها اسم «اللجنة الشعبية المشرفة على نصب تمثال الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم» واختارت له موقعاً المكان الذي جرت فيه محاولة اغتياله العام 1959 على أيدي عناصر من «حزب البعث».
للتماثيل في بغداد حكايات, وللعراقيين حكايات معها. فهم مثلهم مثل «عرب الجاهلية» الذين كانوا يصنعون آلهتهم من التمر, فإذا ما شح القوت لديهم، عمدوا إليها فالتهموها. والعراقيون يقيمون التماثيل لشخصيات وزعماء، وتعلو- أو يعلونها- في الساحات العامة، ومعظمها يرتبط بوضع سياسي، أو يرمز إلى ذلك الوضع, فإذا ما «تغيّر» الوضع السياسي، أو جرى «الانقلاب» عليه، وجاء نظام مغاير له، عمدوا إلى تلك التماثيل يحطمونها، مقيمين مكانها «تماثيل جديدة» تتناسب مع سياقات الوضع الجديد. وهكذا.
من أوائل التماثيل التي عرفتها بغداد في تاريخها الحديث تمثال الجنرال الانكليزي مود قائد القوات البريطانية التي دخلت العراق من البصرة، متجهة شمالاً، وقد أبلغ قولته الشهيرة للعراقيين، مطمئناً إياهم في «مسعاه» إليهم: «جئنا محررين لا فاتحين». وكانت عملية التحرير» في تلك المرّة من نفوذ «العثمانيين» الذي ألحقوا العراق بسلطنتهم قروناً عديدة. إلا ان هذا «المحرر» طاب له المقام، فطال حتى العام 1958، عندما قامت ثورة 14 تموز لتغيّر نظام الحكم، وتطيح بأحلاف النظام السابق، وتعمل على ازالة «مظاهره».
ومن تلك المظاهر كان «تمثال مود» الذي انتصب عقودا من السنين على قاعدته في ساحة مجاورة لمبنى السفارة البريطانية في منطقة الشواكة في بغداد، ويربط بينه وبين الجسر الذي سمي باسمه (جسر مود) شارع لا يتعدى بضع عشرات من الأمتار. هذا التمثال الذي كان كثير من العراقيين يرون فيه «رمزاً استعمارياً» وتحدياً لمواطنيتهم، لم يقتلع من مكانه إلا صبيحة يوم 14 تموز 1958، فأهوت به الجماهير المؤيدة للثورة, كما أطاحت بتمثال الملك فيصل الأول- مؤسس الدولة العراقية الحديثة- الذي أطاح به العسكريون العراقيون في ثورتهم تلك.
وعلى عجل استبدل العراقيون تماثيل «قدامى حكامهم» بتماثيل الحكام الجدد. فارتفع عبد الكريم قاسم. وأُتيح له من يحقق «عبادة الشخصية» ليصبح «الزعيم الأوحد»، وليأخذ التمجيد اشكالاً عدة. وإذا كانت تماثيله قليلة فلأنه كان أعطى النصيب الأكبر لما عدّه «فعلاً من أفعاله» و»قبساً من فكره». وجاءت ثورة 8 شباط 1963 لتلغي الكثير مما كان له من هذا.
ثم مرت قترة خلت من النصب والتماثيل, حتى كانت سبعينات القرن الماضي لتنهض في عدد من الساحات العامة في بغداد وبعض المحافظات تماثيل لشعراء وعلماء، قدامى ومعاصرين: فكان هناك تمثال للرصافي وآخر لعنترة وثالث وللمتنبي والسياب والفراهيدي وهكذا. وما ان جاءت الثمانينات حتى بدأت تنهض تماثيل جديدة، وتقام الجداريات لصدام حسين، فكانت هناك ساحات عدة لها, ولها فقط. واستمرت الحال حتى جاء «الفاتح- المحرر» الجديد- العسكري الأميركي - وقد سلكت قواته الغازية المسار نفسه الذي أخذته «قوات الاستعمار البريطاني» قبل نحو قرن من الزمان. وكان يوم التاسع من نيسان (ابريل) 2003، يوم دخلت هذه القوات بغداد متوجهة نحو «ساحة الفردوس»، حيث أحد أكبر تماثيل صدام ينتصب في هذه الساحة، لتهوي به إلى الأرض معلنة» بذلك اسقاط نظامه».
بعدها بدأت عملية ازالة التماثيل الشبيهة التي سيشارك فيها «تجار النحاس» ومساعدوهم مشاركة فعالة!. إذ لم تتوقف المسألة عند «تماثيل صدام» بل تجاوزته إلى سواه، وإلى تمثال «عنترة العبسي»، الشاعر والفارس الذي يعود إلى «العصر الجاهلي»، الذي كان مصنوعاً من «النحاس المطروق»، وهو – بحسب تقديرات تجار النحاس – أغلاها سعراً! واليوم يعاود العراقيون عاداتهم هذه من جديد، معيدين حضور «زعيمهم» قبل اثنين وأربعين سنة، فيقيمون له تمثالاً. ويقول أحد أعضاء اللجنة التي أشرفت عليه» «ان عدداً من محبي الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم كانوا قد أخذوا على عاتقهم اقامة تمثال يمثل رمزاً من رموز العراق ويليق بهذه الشخصية».