طائر
02-05-2021, 11:01 PM
بقلم / وليد طوغان
https://rosaelyoussef.com/Userfiles/Writers/5183.jpg
الأربعاء 3 فبراير 2021
لم ينزل الله الإسلام سلفيًا جامدًا.. إنما أنزله تقدميًا رحبًا. لكن السلفيين هم الذين جمدوا الدين، فلخبطوا المفاهيم، وحولوا العقيدة إلى ذقون وجلابيب بيضاء.
أغلب مشاكلنا الاجتماعية تسبب فيها السلفيون. أغلب خطايانا الدنيوية تسبب فيها السلفيون أيضًا. السلفيون هم الذين رجعوا بنا وبالإسلام إلى الخلف، وهم الذين حرفوا الدين، وخرجوا بالكتاب عن وصايا الكتاب.. وحملت مجتمعاتنا أوزارًا على ظهورها صنعها أفكار السلف.. باسم الدين!
ظهر التغير على الشارع المصري بشدة بداية الثمانينيات، عندما أتقنا إغلاق الشوارع بالحصير الأخضر، وتكدست الميادين بمصلّى التراويح، بينما فى الوقت نفسه تكدست المحاكم بدعاوى ومنازعات أكل الحقوق وأموال اليتامى، والجور على الأرامل والمطلقات.
وقتها ظهر فى مجتمعاتنا فئة أكّالو السحت.. يصلون ويصومون.. ثم يأكلون الحقوق.. ويقذفون المحصنات.. أيضًا! ازدواجية معروفة، ارتفعت معها (على سبيل المثال) نسبة الحجاب فى الشارع 50 % على الأقل مقارنة بما قبل 30 عامًا، لكن لم تنخفض نسبة التقاضي أمام المحاكم، ولم تتناسب الزيادة الرهيبة فى أرقام نزاعات الأحوال الشخصية بالمحاكم.. مع ما بدا من تدين فى الشارع!
لماذا التناقض؟ لأن الفكر السلفى الذي شاع فى الشارع المصري كان أميل إلى الطقس أكثر من المضمون. الاحتفال باللفظ أكثر من المعنى عادة مصرية، وكانت النتيجة فى شارع ملك سمات الدين.. لكنه لم يحُز الدين.
النتيجة أيضًا أن زادت أعداد المتهجدين فى العشر الأواخر من رمضان كل عام، بينما زادت فى الوقت نفسه جرائم القتل والسرقة وقطع الطريق.. وتضخمت صفحات الحوادث بقصص «زنى المحارم".. وتفاصيل من قصص اعتداء الأبناء على الآباء، قبل أن يخرج أنصار الله وأنصار بيت المقدس ليقتلوا المسلمين داخل المساجد.. خلال صلاة الجماعة.. حماية للإسلام!
قبل وفاته، همس لي عالم الاجتماع الفذ الدكتور أحمد المجدوب أن «المصريين أصابهم ما يشبه الإنفلونزا الاجتماعية»، لذلك أصيب المجتمع بأعراض زى تكسير فى الجسم.. احمرار فى العين، اضطراب فى الرؤية.. واضطراب فى السلوك.. وفى محتوى التفكير.. أيضًا.
للشعوب إنفلونزا" مثل «إنفلونزا بنى آدم».. وللأزمات الاجتماعية أعراضها. أعراض إنفلونزا المصريين ظهرت فى وقوف الموظف دقائق بين يدي الله فى صلاة قصيرة، قبل عودته لمواربة درج المكتب للإكراميات والرشاوى.
المجتمع الوحيد الذي أضاف أسماء حركية لـ «الرشوة»، فسميناها «إكرامية» مرة.. وسميناها «تفتيح مخ» مرة أخرى. قلنا عليها مرة «مفهومية».. ومرة «ميه».. من يجرى الماء جريانًا.. قبل أن نسميها «شاى».
الوحيدون الذين سموا الرشوة «شاى» هم نحن.. وغريبًا كانت حكايات عن بعض موظفى الحكومة «المؤمنون» الذين يداومون على احتساء الشاي بعد كل صلاة.
غريبة قصة مجتمع مؤمن.. بيموت فى الشاى!
( 1 )
فى أزماتنا الاجتماعية ملمات.. وفى الملمات جوائح وآثام . أكبر أزماتنا الاجتماعية كانت ظهور تيارات الإسلام السياسى، وجماعاته بعدما صدروا أنفسهم على أنهم أهل الله وأحباؤه.
أكبر ملماتنا أن هناك من صدق.. وأكبر خطايانا أن هناك من آمن.
ما الذي قدمته جماعات الإسلام السياسى وتيارات الإسلام السلفى كى يدّعوا أنهم الأولى بإقامة دولة الدين وأن على المسلمين فريضة الارتضاء بهم وكلاء لله؟
كلهم سلفى.ن، سواء كانوا إخوانًا إرهابيين، أو سواء كانوا جماعات أخرى رفعت لواء الدعوة، أو رفعت يافطات الإسلام السمح. الأفكار واحدة.. والمسميات مختلفة.
احتكر السلفى.ن الدين، كما احتكر أصحاب الذقون والجلابيب البيضاء الإسلام. مارسوا القتل باسم الدين، ومارسوا صلف الرأى والإرهاب باسم الإسلام.
عصفت رغباتهم فى ولاية أمور المسلمين أحيانًا كثيرة بالمسلمين.. مع أنهم هم الذين ادّعوا حراسة الدين.. وهم الذين صدروا أنفسهم على أنهم القيمون على عباد الله.. من عند الله!
لم ينزل الله الدين حكرًا على أحد. ولا أمر سبحانه وتعالى بالشريعة وقفًا على أحد. والإسلام ليس سلفى.ا.. لأن السلفى. فكر جامد لا يتماشى مع عصور متغيرة تتطلب المرونة، أكثر ما تتطلب آراء رجعية، وتفسيرات قديمة.. لقضايا عصرية.. ولمجتمعات أكثر تطورًا.
لكن الذي حدث أن جمد السلفى.ن الإسلام بعد أن رجعوا به إلى الخلف ثم علّبوه وقالوا إنهم احتكروا ماركاته وخلطاته بسيرهم على خطى السلف الصالح.
السؤال: هل قدم السلفى.ن للإسلام جديدا؟
الإجابة: لم يحدث.سؤال آخر: هل يمكن للسلفى. إصلاح الدين وتجديد خطابه ومن ثم إصلاح الدنيا حسبما أراد الله ومثلما حثت شريعته كما يقولون؟
الإجابة: لا بوادر لهذا ولا تاريخ.
( 2 )
تاريخيًا باءت كل محاولات السلفى.ن المسلمين بالانخراط فى المجتمعات الحديثة بالفشل. أول الأسباب أن خطاب «أهل السلف» واحد «جامد» بينما خطابات المجتمعات الحديثة واسعة.. وحرة.
فى المجتمعات الحديثة، الدين ليس حكرًا على أحد.. ولا الإسلام قائم فى.ا بأحد.
والإسلام نفسه عكس ما يراه السلفى.ن. فقد أنزله الله دينًا للعالـمين.. وعالمية الإسلام فى وسعه ورحابته.. ووسعه ورحابته هى أول عوامل صلاحه لكل زمان ومكان. ودينًا صالحًا لكل عصر لا يقف على حدود.. ولا يجوز قصره على ماضٍ.
من قال إن الاسلام موقوف على عصر «السلف الصالح» رضوان الله عليهم؟ من قال إن شريعة محمد موقوفة وجوبًا على أقوال وأعمال المسلمين الأوائل؟
هناك من يرى أن أصحاب الفكر السلفى سيدخلون النار، لأنهم كذابون، فلا هم أهل الله.. ولا من حقهم احتكار دين الله.
سيدخل السلفى.ن النار لأن بعضهم أحدث فى الدين ما أحدثه الهراطقة والوضاعون. فقد جمد السلفى.ن الإسلام واحتفظوا به فى ثلاجات التاريخ، فأفسدت المواد الحافظة إسلامهم.
شرع الله سبحانه الدين «صابح» «فريش».. مستوعبًا تغيرات العصور الحديثة، ومتوافقًا مع قضايا المجتمعات الإسلامية الجديدة. شرع الله الدين لصلاح المجتمعات.. وصلاح المجتمعات لا يمكن أن يخرج من «ثلاجات» التاريخ!
( 3 )
المنهج السلفى دعوة واضحة للعودة بالدين إلى الوراء. ودعوة واضحة أيضًا لتقليد السلف الصالح، فى محاولات مستميتة لمحاكاة زمان المسلمين الأوائل بزماننا.. رغم تغير الظروف واختلاف البلاد وتلون العباد.
«أهل السلف» إذن «مقلدون» تراثيون مع أن الدين تقدمى، استهدفت شريعته المستقبل.
السلفى. فى الاصطلاح هى: «الاعتقاد بضرورة العودة لنهج الصحابة والتابعين فى أصول الدين وتفسيرات الكتاب، وأسس المعاملات». وفى تعريف آخر السلفى. هى: «وجوب إنزال حكم السلف.. على الواقع».
الأجيال من الصحابة حتى التابعون هم المقصودون بالسلف، ومن جاء بعدهم من أجيال فهم الخلف. وفى اللغة أن الخلف تالٍ على السلف وأن السلف هو ما قبل أو ما مضى.
مكمن الأزمة ومحل الخطورة هنا فى انحياز أغلب التيارات السلفى. إلى التطرف فى فرض الرأى، وفى إنزال الأحكام. الخطورة أيضًا فى إصرار تلك التيارات على الاعتقاد بوجوب وقف الاجتهاد فى فهم الدين وتأويل نصوصه على تفسيرات وتأويلات المسلمين الأوائل.
مازق الفكر السلفى الأكبر هو الاعتقاد بأن اجتهادات الأوائل فى تفسير كتاب الله، وفى المعاملات، هى الدين.. مع أن هذا ليس صحيحًا ولا معقولًا.
سمى الله الإسلام «الدين القيم»، بما يحويه التعبير من قدرة على التطور والتجديد، وبما فى. من مرونة لاستيعاب كل ما يطرأ من تغيرات مجتمعية ومعضلات حياتية على مجتمعات المسلمين الحديثة.
إذن الإسلام ليس سلفى.ا، وشريعته ليست موقوفة على السلف. والمعنى أيضًا أن السلف الصالح رضوان الله عليهم.. ليسوا هم الإسلام.
ولا يخرجنا من الدين أن قلنا إن السلف كانوا بشرًا.. وما سنه البشر القدماء من مفاهيم وتأويلات وتفسيرات لا يخرج عن كونه تراثًا.. والتراث ليس مقدسًا.
المقدس هو الذي أنزله الله لعباده، بينما التراث هو الذي تركه الأقدمون من محاولات تفسيرهم لفهمهم ما أنزله الله لعباده.
الفارق واضح.. لذلك فالإسلام ليس تراثًا، لكن ما فهمه أبو بكر (رض الله عنه) من الإسلام هو التراث.
وفق هذا المنطق يمكن اعتبار تفسير أبو بكر (رض) لحكم قرآنى ما فى واقعة ما، انعكاسًا لفهمه الشخصى (رض) للدين، لكن تأويل أبى بكر لآيات القرآن لا يمكن اعتبارها هى الدين.
الاعتقاد فى أن سلوك المسلمين الأوائل للدين مرادف للدين، يعنى تحويل الإسلام إلى تراث.. والإسلام ليس كذلك. وتفرض تقدمية الدين على المسلم اعتبار مسالك الأولين فى فهم الإسلام وتطبيقاته لا تخرج عن كونها اجتهادات وفق ثقافة الأولين وقدراتهم بما يتماشى مع أرضيتهم المعرفى. فى عصورهم.
تقدمية الدين ومرونته تفرض على المسلم أيضًا وجوب الاعتقاد فى أن اجتهادات السلف الصالح تراث من عند أنفسهم، بينما يظل كتاب الله وحده هو المقدس.. ووحده هو القادر على استيعاب مستجدات عصور المسلمين.
لا يخرجنا من الدين لو قلنا إن الفكر السلفى أغلق إسلامًا على عصور معينة، وأوقف الدين على أشخاص بذواتهم.. مع أن الله سبحانه أنزله رحمة للعالمين.. فى كل عصر.. ولكل زمن.
لذلك سيدخل هؤلاء النار!
من مجلة صباح الخير
https://rosaelyoussef.com/Userfiles/Writers/5183.jpg
الأربعاء 3 فبراير 2021
لم ينزل الله الإسلام سلفيًا جامدًا.. إنما أنزله تقدميًا رحبًا. لكن السلفيين هم الذين جمدوا الدين، فلخبطوا المفاهيم، وحولوا العقيدة إلى ذقون وجلابيب بيضاء.
أغلب مشاكلنا الاجتماعية تسبب فيها السلفيون. أغلب خطايانا الدنيوية تسبب فيها السلفيون أيضًا. السلفيون هم الذين رجعوا بنا وبالإسلام إلى الخلف، وهم الذين حرفوا الدين، وخرجوا بالكتاب عن وصايا الكتاب.. وحملت مجتمعاتنا أوزارًا على ظهورها صنعها أفكار السلف.. باسم الدين!
ظهر التغير على الشارع المصري بشدة بداية الثمانينيات، عندما أتقنا إغلاق الشوارع بالحصير الأخضر، وتكدست الميادين بمصلّى التراويح، بينما فى الوقت نفسه تكدست المحاكم بدعاوى ومنازعات أكل الحقوق وأموال اليتامى، والجور على الأرامل والمطلقات.
وقتها ظهر فى مجتمعاتنا فئة أكّالو السحت.. يصلون ويصومون.. ثم يأكلون الحقوق.. ويقذفون المحصنات.. أيضًا! ازدواجية معروفة، ارتفعت معها (على سبيل المثال) نسبة الحجاب فى الشارع 50 % على الأقل مقارنة بما قبل 30 عامًا، لكن لم تنخفض نسبة التقاضي أمام المحاكم، ولم تتناسب الزيادة الرهيبة فى أرقام نزاعات الأحوال الشخصية بالمحاكم.. مع ما بدا من تدين فى الشارع!
لماذا التناقض؟ لأن الفكر السلفى الذي شاع فى الشارع المصري كان أميل إلى الطقس أكثر من المضمون. الاحتفال باللفظ أكثر من المعنى عادة مصرية، وكانت النتيجة فى شارع ملك سمات الدين.. لكنه لم يحُز الدين.
النتيجة أيضًا أن زادت أعداد المتهجدين فى العشر الأواخر من رمضان كل عام، بينما زادت فى الوقت نفسه جرائم القتل والسرقة وقطع الطريق.. وتضخمت صفحات الحوادث بقصص «زنى المحارم".. وتفاصيل من قصص اعتداء الأبناء على الآباء، قبل أن يخرج أنصار الله وأنصار بيت المقدس ليقتلوا المسلمين داخل المساجد.. خلال صلاة الجماعة.. حماية للإسلام!
قبل وفاته، همس لي عالم الاجتماع الفذ الدكتور أحمد المجدوب أن «المصريين أصابهم ما يشبه الإنفلونزا الاجتماعية»، لذلك أصيب المجتمع بأعراض زى تكسير فى الجسم.. احمرار فى العين، اضطراب فى الرؤية.. واضطراب فى السلوك.. وفى محتوى التفكير.. أيضًا.
للشعوب إنفلونزا" مثل «إنفلونزا بنى آدم».. وللأزمات الاجتماعية أعراضها. أعراض إنفلونزا المصريين ظهرت فى وقوف الموظف دقائق بين يدي الله فى صلاة قصيرة، قبل عودته لمواربة درج المكتب للإكراميات والرشاوى.
المجتمع الوحيد الذي أضاف أسماء حركية لـ «الرشوة»، فسميناها «إكرامية» مرة.. وسميناها «تفتيح مخ» مرة أخرى. قلنا عليها مرة «مفهومية».. ومرة «ميه».. من يجرى الماء جريانًا.. قبل أن نسميها «شاى».
الوحيدون الذين سموا الرشوة «شاى» هم نحن.. وغريبًا كانت حكايات عن بعض موظفى الحكومة «المؤمنون» الذين يداومون على احتساء الشاي بعد كل صلاة.
غريبة قصة مجتمع مؤمن.. بيموت فى الشاى!
( 1 )
فى أزماتنا الاجتماعية ملمات.. وفى الملمات جوائح وآثام . أكبر أزماتنا الاجتماعية كانت ظهور تيارات الإسلام السياسى، وجماعاته بعدما صدروا أنفسهم على أنهم أهل الله وأحباؤه.
أكبر ملماتنا أن هناك من صدق.. وأكبر خطايانا أن هناك من آمن.
ما الذي قدمته جماعات الإسلام السياسى وتيارات الإسلام السلفى كى يدّعوا أنهم الأولى بإقامة دولة الدين وأن على المسلمين فريضة الارتضاء بهم وكلاء لله؟
كلهم سلفى.ن، سواء كانوا إخوانًا إرهابيين، أو سواء كانوا جماعات أخرى رفعت لواء الدعوة، أو رفعت يافطات الإسلام السمح. الأفكار واحدة.. والمسميات مختلفة.
احتكر السلفى.ن الدين، كما احتكر أصحاب الذقون والجلابيب البيضاء الإسلام. مارسوا القتل باسم الدين، ومارسوا صلف الرأى والإرهاب باسم الإسلام.
عصفت رغباتهم فى ولاية أمور المسلمين أحيانًا كثيرة بالمسلمين.. مع أنهم هم الذين ادّعوا حراسة الدين.. وهم الذين صدروا أنفسهم على أنهم القيمون على عباد الله.. من عند الله!
لم ينزل الله الدين حكرًا على أحد. ولا أمر سبحانه وتعالى بالشريعة وقفًا على أحد. والإسلام ليس سلفى.ا.. لأن السلفى. فكر جامد لا يتماشى مع عصور متغيرة تتطلب المرونة، أكثر ما تتطلب آراء رجعية، وتفسيرات قديمة.. لقضايا عصرية.. ولمجتمعات أكثر تطورًا.
لكن الذي حدث أن جمد السلفى.ن الإسلام بعد أن رجعوا به إلى الخلف ثم علّبوه وقالوا إنهم احتكروا ماركاته وخلطاته بسيرهم على خطى السلف الصالح.
السؤال: هل قدم السلفى.ن للإسلام جديدا؟
الإجابة: لم يحدث.سؤال آخر: هل يمكن للسلفى. إصلاح الدين وتجديد خطابه ومن ثم إصلاح الدنيا حسبما أراد الله ومثلما حثت شريعته كما يقولون؟
الإجابة: لا بوادر لهذا ولا تاريخ.
( 2 )
تاريخيًا باءت كل محاولات السلفى.ن المسلمين بالانخراط فى المجتمعات الحديثة بالفشل. أول الأسباب أن خطاب «أهل السلف» واحد «جامد» بينما خطابات المجتمعات الحديثة واسعة.. وحرة.
فى المجتمعات الحديثة، الدين ليس حكرًا على أحد.. ولا الإسلام قائم فى.ا بأحد.
والإسلام نفسه عكس ما يراه السلفى.ن. فقد أنزله الله دينًا للعالـمين.. وعالمية الإسلام فى وسعه ورحابته.. ووسعه ورحابته هى أول عوامل صلاحه لكل زمان ومكان. ودينًا صالحًا لكل عصر لا يقف على حدود.. ولا يجوز قصره على ماضٍ.
من قال إن الاسلام موقوف على عصر «السلف الصالح» رضوان الله عليهم؟ من قال إن شريعة محمد موقوفة وجوبًا على أقوال وأعمال المسلمين الأوائل؟
هناك من يرى أن أصحاب الفكر السلفى سيدخلون النار، لأنهم كذابون، فلا هم أهل الله.. ولا من حقهم احتكار دين الله.
سيدخل السلفى.ن النار لأن بعضهم أحدث فى الدين ما أحدثه الهراطقة والوضاعون. فقد جمد السلفى.ن الإسلام واحتفظوا به فى ثلاجات التاريخ، فأفسدت المواد الحافظة إسلامهم.
شرع الله سبحانه الدين «صابح» «فريش».. مستوعبًا تغيرات العصور الحديثة، ومتوافقًا مع قضايا المجتمعات الإسلامية الجديدة. شرع الله الدين لصلاح المجتمعات.. وصلاح المجتمعات لا يمكن أن يخرج من «ثلاجات» التاريخ!
( 3 )
المنهج السلفى دعوة واضحة للعودة بالدين إلى الوراء. ودعوة واضحة أيضًا لتقليد السلف الصالح، فى محاولات مستميتة لمحاكاة زمان المسلمين الأوائل بزماننا.. رغم تغير الظروف واختلاف البلاد وتلون العباد.
«أهل السلف» إذن «مقلدون» تراثيون مع أن الدين تقدمى، استهدفت شريعته المستقبل.
السلفى. فى الاصطلاح هى: «الاعتقاد بضرورة العودة لنهج الصحابة والتابعين فى أصول الدين وتفسيرات الكتاب، وأسس المعاملات». وفى تعريف آخر السلفى. هى: «وجوب إنزال حكم السلف.. على الواقع».
الأجيال من الصحابة حتى التابعون هم المقصودون بالسلف، ومن جاء بعدهم من أجيال فهم الخلف. وفى اللغة أن الخلف تالٍ على السلف وأن السلف هو ما قبل أو ما مضى.
مكمن الأزمة ومحل الخطورة هنا فى انحياز أغلب التيارات السلفى. إلى التطرف فى فرض الرأى، وفى إنزال الأحكام. الخطورة أيضًا فى إصرار تلك التيارات على الاعتقاد بوجوب وقف الاجتهاد فى فهم الدين وتأويل نصوصه على تفسيرات وتأويلات المسلمين الأوائل.
مازق الفكر السلفى الأكبر هو الاعتقاد بأن اجتهادات الأوائل فى تفسير كتاب الله، وفى المعاملات، هى الدين.. مع أن هذا ليس صحيحًا ولا معقولًا.
سمى الله الإسلام «الدين القيم»، بما يحويه التعبير من قدرة على التطور والتجديد، وبما فى. من مرونة لاستيعاب كل ما يطرأ من تغيرات مجتمعية ومعضلات حياتية على مجتمعات المسلمين الحديثة.
إذن الإسلام ليس سلفى.ا، وشريعته ليست موقوفة على السلف. والمعنى أيضًا أن السلف الصالح رضوان الله عليهم.. ليسوا هم الإسلام.
ولا يخرجنا من الدين أن قلنا إن السلف كانوا بشرًا.. وما سنه البشر القدماء من مفاهيم وتأويلات وتفسيرات لا يخرج عن كونه تراثًا.. والتراث ليس مقدسًا.
المقدس هو الذي أنزله الله لعباده، بينما التراث هو الذي تركه الأقدمون من محاولات تفسيرهم لفهمهم ما أنزله الله لعباده.
الفارق واضح.. لذلك فالإسلام ليس تراثًا، لكن ما فهمه أبو بكر (رض الله عنه) من الإسلام هو التراث.
وفق هذا المنطق يمكن اعتبار تفسير أبو بكر (رض) لحكم قرآنى ما فى واقعة ما، انعكاسًا لفهمه الشخصى (رض) للدين، لكن تأويل أبى بكر لآيات القرآن لا يمكن اعتبارها هى الدين.
الاعتقاد فى أن سلوك المسلمين الأوائل للدين مرادف للدين، يعنى تحويل الإسلام إلى تراث.. والإسلام ليس كذلك. وتفرض تقدمية الدين على المسلم اعتبار مسالك الأولين فى فهم الإسلام وتطبيقاته لا تخرج عن كونها اجتهادات وفق ثقافة الأولين وقدراتهم بما يتماشى مع أرضيتهم المعرفى. فى عصورهم.
تقدمية الدين ومرونته تفرض على المسلم أيضًا وجوب الاعتقاد فى أن اجتهادات السلف الصالح تراث من عند أنفسهم، بينما يظل كتاب الله وحده هو المقدس.. ووحده هو القادر على استيعاب مستجدات عصور المسلمين.
لا يخرجنا من الدين لو قلنا إن الفكر السلفى أغلق إسلامًا على عصور معينة، وأوقف الدين على أشخاص بذواتهم.. مع أن الله سبحانه أنزله رحمة للعالمين.. فى كل عصر.. ولكل زمن.
لذلك سيدخل هؤلاء النار!
من مجلة صباح الخير