زوربا
08-02-2005, 04:19 PM
ابن طولون الدمشقي مؤرخاً ومفتياً
محمد م. الأرناؤوط - كاتب سوري.
كان لظهور القهوة في مطلع القرن العاشر الهجري في قلب الحجاز (مكة المكرمة) أثر كبير في تحريك الركود الفقهي والأدبي، اذ اندفع عشرات الفقهاء للكتابة في موضوع القهوة تحليلاً أو تحريماً، كما كان للشعراء صولات مدحاً أو ذماً للقهوة في قصائدهم، وهو ما تعرضت له في دراسة لي بعنوان «من التاريخ الثقافي للقهوة في الحجاز ومصر وبلاد الشام في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي» التي نشرت في مجلة «التاريخ والمستقبل» المصرية (عدد 2/2000).
وأريد اليوم أن أتوقف عند ابن طولون الدمشقي بعد صدور الجزء الثاني المركب من كتابه المهم «مفاكهة الخلان في حوادث الزمان»، الذي يحتوي على معطيات جديدة حول بدايات انتشار القهوة في المشرق، وبالتحديد في الحجاز ومصر والشام. وكان الجزء الأول المعروف من الكتاب قد صدر في القاهرة في جزأين بتحقيق د. محمد مصطفى خلال 1962 – 1964، ثم ظهر في طبعة ممسوخة في بيروت 1978، بينما لم تتوقف الجهود في العثور على الجزء الثاني المفقود من الكتاب. وقد قام الباحث أحمد أييش بتجميع/ تركيب الجزء الثاني من المصادر المختلفة التي أخذت عنه وأصدره أخيراً في دمشق بعنوان «حوادث دمشق اليومية غداة الغزو العثماني للشام – صفحات مفقودة تنشر للمرة الأولى من كتاب مفاكهة الخلان في حوادث الزمان». ومع تقدير الجهد الكبير الذي قام به الباحث اييش فقد كان من الأفضل أن يصدر باعتباره الجزء الثاني بالعنوان الأصلي للمؤلف.
وتجدر الاشارة الى ان ابن طولون يعتبر من أهم علماء دمشق في النصف الأول للقرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي (توفي 953هـ - 1546م) وذلك بالاستناد الى مؤلفاته الكثيرة التي تجاوزت المئة في مختلف المجالات (التاريخ، التراجم، الفقه الخ). وكان ابن طولون قد ولد في أواخر العهد المملوكي في عائلة تركية لها مكانة علمية في دمشق، اذ ان عمه جمال الدين يوسف كان من كبار العلماء وتولى القضاء والافتاء. ويذكر ابن طولون عن نفسه في رسالته «الفلك المشحون في أحوال ابن طولون» العلوم الكثيرة التي قرأها (نحو الأربعين) والتي جعلت منه عالماً معروفاً بمفهوم ذلك الوقت يكتب في مختلف المجالات.
والمهم هنا أن بعض تلاميذه اشتهروا في الفقه والفتوى مثل ابن سلطان مفتي الحنفية بدمشق وشمس الدين العيثاوي مفتي الشافعية بدمشق وغيرهما.
وفي ما يتعلق بالمؤلفات الكثيرة التي تركها فهي تتراوح ما بين صفحات ومجلدات مثل «أعلام الورى بمن ولى من الأتراك بدمشق الشام الكبرى»، و «الثغر البسام فيمن ولي قضاء الشام»، و «القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية» وغيرها التي نشرت وتعتبر من مصادر دراسة دمشق وبلاد الشام في الفترة الانتقالية المملوكية -العثمانية.
ومع ذلك يبقى كتابه «مفاكهة الخلان» هو المصدر الأهم بالنسبة الى القهوة وغيرها، اذ انه يجمع ما بين تأريخ الحوادث اليومية مع ما فيها من مستجدات بطبيعة الحال والترجمة لشخصيات عرفها ولها علاقة بالموضوع.
وهكذا، من حيث التأريخ لظهور القهوة وانتشارها، يذكر ابن طولون في حديثه عن أحد علماء الحجاز، الا وهو ابن الضياء قاضي مكة وشيخ الحرم فيها (توفي 942هـ/ 1534م)، الذي أقام فترة في دمشق، أنه خلال وجوده في دمشق لسماع المولد لدى الشيخ علي الكيزواني شرب مع الجماعة القهوة، «المتخذة من البن» ثم يعلق ابن طولون على ذلك بقوله: «ولا أعلم أنها شربت في بلدنا قبل ذلك».
ويمدنا ابن طولون بمعطيات أخرى عن بداية انتشار القهوة والمقاهي في دمشق خلال حديثه عن عالم آخر من الحجاز ألا وهو الشيخ علي بن محمد الشامي. فقد ذهب الشامي الى الأناضول وعاد الى دمشق في 947هـ/ 1539، حيث «أشهر شرب القهوة فاقتدى به الناس وكثرت يومئذ حوانيتها». ولهذا النص، كما هو واضح، أهمية خاصة نظراً لأنه يحدد من مؤرخ معاصر الفترة التي انتشرت فيها القهوة والمقاهي أو «حوانيت القهوة» كما عرفت حينئذ.
وفي ما يتعلق بالفقه والفتوى يمدنا الجزء الثاني من «مفاكهة الخلان» بنص مهم أخذه من هذا الجزء المفقود موسى بن يوسف الأيوبي الأنصاري (توفي بعد 1003هـ/ 1597م) في كتابه «الروض العاطر فيما تيسّر من أخبار القرن السابع الى ختام القرن العاشر» الذي توجد منه نسخة فريدة بخط المؤلف في مكتبة الدولة ببرلين، والذي ينتظر صدوره قريباً في دمشق.
وقد أخذ الأنصاري من كتاب ابن طولون نصاً بكامله من حوادث سنة 941 هـ/ 1535م له علاقة بالقهوة. وفي الحقيقة أن النص يتضمن رسالة من محدث مكة آنذاك الشيخ جار الله بن فهد الى ابن طولون يمده فيها بمعلومات عن موقف الفقهاء في الحجاز واليمن ومصر من القهوة، وهكذا يذكر له ابن فهد غالبية من الفقهاء الذين ألفوا في تحريم القهوة ومنهم أحمد الكارزوني الشافعي «عين الأطباء بمكة» الذي ألف رسالة في تحريم القهوة سند 917هـ/ 1511م، ومكي بن الزبير العدوي الذي ألف «قمع الامارة بالسوء عن الشهوة: بيان حرام شرب القهوة»، وحسن بن كثير الحضرمي المكي الذي ألف «قمع الشهوة عن شرب القهوة»، ومحمد القطان الشافعي خطيب المدينة المنورة الذي ألف «زلة القدم والهفوة ممن يتعاطى شرب القهوة».
ويذكر ابن فرج أيضاً أنه ورد في الحجاز «سؤال من الديار المصرية» حول شرب القهوة الذي أفتى في تحريمها كوكبة من الفقهاء مثل شيخه ابن أبي شريف الشافعي وشيخ القراء عبدالحق السنباطي الشافعي وقاضي القضاء السري ابن الشحنة الحنف» وشيخ الشيوخ» ابراهيم بن موسى الطرابلسي وقاضي القضاء الشرفي يحيى الدميري المالكي وغيرهم.
وفي مقابل هؤلاء يذكر ابن فرج فقيهاً واحداً أفتى بتحليل القهوة ألا وهو فخر الدين أبو بكر من أبي زيد المكي الشافعي الذي ألف «ازالة الهفوة بتحريم شرب القهوة».
وبعد هذه الرسالة الطويلة من ابن فرج يختم النص برأي/ فتوى ابن طولون نفسه حيث يقول: «وأنا ممن شربها ولم يرد الضرر منها، لكن النفس تنفر من شربها لقول بعض مشايخي أنها تشبه لقاعة الرذائل، وتضر السوداوي وتنفع البلغمي... والذي أدين الله به أنها مباحة، وتحرم على من تضره أو يضيف اليها ما يحرمها».
محمد م. الأرناؤوط - كاتب سوري.
كان لظهور القهوة في مطلع القرن العاشر الهجري في قلب الحجاز (مكة المكرمة) أثر كبير في تحريك الركود الفقهي والأدبي، اذ اندفع عشرات الفقهاء للكتابة في موضوع القهوة تحليلاً أو تحريماً، كما كان للشعراء صولات مدحاً أو ذماً للقهوة في قصائدهم، وهو ما تعرضت له في دراسة لي بعنوان «من التاريخ الثقافي للقهوة في الحجاز ومصر وبلاد الشام في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي» التي نشرت في مجلة «التاريخ والمستقبل» المصرية (عدد 2/2000).
وأريد اليوم أن أتوقف عند ابن طولون الدمشقي بعد صدور الجزء الثاني المركب من كتابه المهم «مفاكهة الخلان في حوادث الزمان»، الذي يحتوي على معطيات جديدة حول بدايات انتشار القهوة في المشرق، وبالتحديد في الحجاز ومصر والشام. وكان الجزء الأول المعروف من الكتاب قد صدر في القاهرة في جزأين بتحقيق د. محمد مصطفى خلال 1962 – 1964، ثم ظهر في طبعة ممسوخة في بيروت 1978، بينما لم تتوقف الجهود في العثور على الجزء الثاني المفقود من الكتاب. وقد قام الباحث أحمد أييش بتجميع/ تركيب الجزء الثاني من المصادر المختلفة التي أخذت عنه وأصدره أخيراً في دمشق بعنوان «حوادث دمشق اليومية غداة الغزو العثماني للشام – صفحات مفقودة تنشر للمرة الأولى من كتاب مفاكهة الخلان في حوادث الزمان». ومع تقدير الجهد الكبير الذي قام به الباحث اييش فقد كان من الأفضل أن يصدر باعتباره الجزء الثاني بالعنوان الأصلي للمؤلف.
وتجدر الاشارة الى ان ابن طولون يعتبر من أهم علماء دمشق في النصف الأول للقرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي (توفي 953هـ - 1546م) وذلك بالاستناد الى مؤلفاته الكثيرة التي تجاوزت المئة في مختلف المجالات (التاريخ، التراجم، الفقه الخ). وكان ابن طولون قد ولد في أواخر العهد المملوكي في عائلة تركية لها مكانة علمية في دمشق، اذ ان عمه جمال الدين يوسف كان من كبار العلماء وتولى القضاء والافتاء. ويذكر ابن طولون عن نفسه في رسالته «الفلك المشحون في أحوال ابن طولون» العلوم الكثيرة التي قرأها (نحو الأربعين) والتي جعلت منه عالماً معروفاً بمفهوم ذلك الوقت يكتب في مختلف المجالات.
والمهم هنا أن بعض تلاميذه اشتهروا في الفقه والفتوى مثل ابن سلطان مفتي الحنفية بدمشق وشمس الدين العيثاوي مفتي الشافعية بدمشق وغيرهما.
وفي ما يتعلق بالمؤلفات الكثيرة التي تركها فهي تتراوح ما بين صفحات ومجلدات مثل «أعلام الورى بمن ولى من الأتراك بدمشق الشام الكبرى»، و «الثغر البسام فيمن ولي قضاء الشام»، و «القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية» وغيرها التي نشرت وتعتبر من مصادر دراسة دمشق وبلاد الشام في الفترة الانتقالية المملوكية -العثمانية.
ومع ذلك يبقى كتابه «مفاكهة الخلان» هو المصدر الأهم بالنسبة الى القهوة وغيرها، اذ انه يجمع ما بين تأريخ الحوادث اليومية مع ما فيها من مستجدات بطبيعة الحال والترجمة لشخصيات عرفها ولها علاقة بالموضوع.
وهكذا، من حيث التأريخ لظهور القهوة وانتشارها، يذكر ابن طولون في حديثه عن أحد علماء الحجاز، الا وهو ابن الضياء قاضي مكة وشيخ الحرم فيها (توفي 942هـ/ 1534م)، الذي أقام فترة في دمشق، أنه خلال وجوده في دمشق لسماع المولد لدى الشيخ علي الكيزواني شرب مع الجماعة القهوة، «المتخذة من البن» ثم يعلق ابن طولون على ذلك بقوله: «ولا أعلم أنها شربت في بلدنا قبل ذلك».
ويمدنا ابن طولون بمعطيات أخرى عن بداية انتشار القهوة والمقاهي في دمشق خلال حديثه عن عالم آخر من الحجاز ألا وهو الشيخ علي بن محمد الشامي. فقد ذهب الشامي الى الأناضول وعاد الى دمشق في 947هـ/ 1539، حيث «أشهر شرب القهوة فاقتدى به الناس وكثرت يومئذ حوانيتها». ولهذا النص، كما هو واضح، أهمية خاصة نظراً لأنه يحدد من مؤرخ معاصر الفترة التي انتشرت فيها القهوة والمقاهي أو «حوانيت القهوة» كما عرفت حينئذ.
وفي ما يتعلق بالفقه والفتوى يمدنا الجزء الثاني من «مفاكهة الخلان» بنص مهم أخذه من هذا الجزء المفقود موسى بن يوسف الأيوبي الأنصاري (توفي بعد 1003هـ/ 1597م) في كتابه «الروض العاطر فيما تيسّر من أخبار القرن السابع الى ختام القرن العاشر» الذي توجد منه نسخة فريدة بخط المؤلف في مكتبة الدولة ببرلين، والذي ينتظر صدوره قريباً في دمشق.
وقد أخذ الأنصاري من كتاب ابن طولون نصاً بكامله من حوادث سنة 941 هـ/ 1535م له علاقة بالقهوة. وفي الحقيقة أن النص يتضمن رسالة من محدث مكة آنذاك الشيخ جار الله بن فهد الى ابن طولون يمده فيها بمعلومات عن موقف الفقهاء في الحجاز واليمن ومصر من القهوة، وهكذا يذكر له ابن فهد غالبية من الفقهاء الذين ألفوا في تحريم القهوة ومنهم أحمد الكارزوني الشافعي «عين الأطباء بمكة» الذي ألف رسالة في تحريم القهوة سند 917هـ/ 1511م، ومكي بن الزبير العدوي الذي ألف «قمع الامارة بالسوء عن الشهوة: بيان حرام شرب القهوة»، وحسن بن كثير الحضرمي المكي الذي ألف «قمع الشهوة عن شرب القهوة»، ومحمد القطان الشافعي خطيب المدينة المنورة الذي ألف «زلة القدم والهفوة ممن يتعاطى شرب القهوة».
ويذكر ابن فرج أيضاً أنه ورد في الحجاز «سؤال من الديار المصرية» حول شرب القهوة الذي أفتى في تحريمها كوكبة من الفقهاء مثل شيخه ابن أبي شريف الشافعي وشيخ القراء عبدالحق السنباطي الشافعي وقاضي القضاء السري ابن الشحنة الحنف» وشيخ الشيوخ» ابراهيم بن موسى الطرابلسي وقاضي القضاء الشرفي يحيى الدميري المالكي وغيرهم.
وفي مقابل هؤلاء يذكر ابن فرج فقيهاً واحداً أفتى بتحليل القهوة ألا وهو فخر الدين أبو بكر من أبي زيد المكي الشافعي الذي ألف «ازالة الهفوة بتحريم شرب القهوة».
وبعد هذه الرسالة الطويلة من ابن فرج يختم النص برأي/ فتوى ابن طولون نفسه حيث يقول: «وأنا ممن شربها ولم يرد الضرر منها، لكن النفس تنفر من شربها لقول بعض مشايخي أنها تشبه لقاعة الرذائل، وتضر السوداوي وتنفع البلغمي... والذي أدين الله به أنها مباحة، وتحرم على من تضره أو يضيف اليها ما يحرمها».