سلسبيل
08-01-2005, 05:01 PM
منى الطحاوى
لا يمكن اعتبار النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني قضية إسلامية، وإنما قضية نزاع على الأرض حول احتلال يجب أن ينتهي، وحول شعب يستحق أن تكون له دولة. لكنه ليس نزاعا دينيا.
فلفترة طويلة جدا ظل افتراض أن هذه القضية نزاعا دينيا بدون أن يثار أي سؤال حوله، فيما رافقت هذه القناعة نتائج خطيرة. قال صديق لاثنين من المشاركين في تفجيرات لندن الأخيرة، واللذين سبّبا قتل 57 شخصا مع قتل نفسيهما، في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست، إنه رأى المهاجمَين الانتحاريين يشاهدان فيلم فيديو على قرص مدمج، يزعم أنه يظهر جنودا إسرائيليين، وهم يقومون بقتل بنت فلسطينية.
ظل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني واحدا من الشعارات المستغلة في العالمين العربي والمسلم، لكن وضعه ضمن أطار ديني لا يخدم مصلحة أي طرف وعلى الأخص الفلسطينيين.
وجهت نكسة 1967 ضربة قوية لفكرة القومية العربية، والتي كانت حتى ذلك الوقت، الأب النصير للقضية الفلسطينية، لكنها فتحت الباب للأصوليين المتطرفين للزعم أن المسألة الإسرائيلية ـ الفلسطينية هي قضيتهم، ومنذ ذلك الوقت راحوا يكيفونها لصالح عمليات قتلهم للناس، وفي هذا السياق علا نجم حماس في فلسطين لتصبح أقرب الى شرطة أخلاق للفلسطيني، ولتستعد لاحقا لتأطير النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس ديني، يكون فيه المسلمون متخندقين ضد اليهود.الى ذلك فكلما أصبحت سياسات الراحل ياسر عرفات الفلسطينية، أقل ديمقراطية وأكثر فسادا، تقدم الطريق «الإسلاموي» إلى وسط الساحة، لتدخل ساسة التفجيرات الانتحارية التي راجت لفترة طويلة.
كل ذلك كان له بالتأكيد صدى في الخارج. حيث بارك رجال الدين في العالم العربي الهجمات الانتحارية، واضعين بذلك طبقة دينية أخرى فوق النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، فيما ظلوا يحاولون اليوم أن يقنعونا بأن العنف باسم الدين خطأ، لكن ذلك المسعى جاء متأخرا جدا، فالتخريب الذي ألحقوه يحتاج إلى سنوات كثيرة كي يتم تجاوزه.
والى ذلك ظلت بعض خطب الجمعة لفترة طويلة تنتهي بلعن «الصهاينة»، وفي الغالب تجمع ما بين الصهيوني واليهودي، وتتوقف عند إشعال العواطف لدى المصلين عن طريق ذكر آخر المهانات والفظائع، التي ارتكبت من قبل الإسرائيليين والفلسطينيين، لذلك فإنه من اللازم عدم الاستغراب بعد سنوات على هذا الأسلوب، حينما تصبح كلمة فلسطين لا تعني صراع أبنائها من أجل التحرر من الاحتلال، وأن تكون لهم دولتهم الخاصة، بعد أن اكتشف بن لادن فجأة أن منجم الذهب يقع تحت النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.
هل انتبه أحد حينما ذهب بريطانيان من أصل باكستاني إلى إسرائيل، لتنفيذ هجوم انتحاري على مرقص ليلي في تل أبيب يوم 30 أبريل 2003؟ فجر عاصف محمد حنيف نفسه في «مايكس بلاس» بتل أبيب، وقتل نفسه مع ثلاثة أشخاص. وبعد أسبوعين تم العثور على جثة مواطن بريطاني آخر هو عمر خان شريف. وقال المحققون الإسرائيليون إنه هرب من البار بعد فشله في تفجير القنبلة، وعثر على جثته في البحر بالقرب من تل أبيب.
من أقنع هذين الشابين بمغادرة بريطانيا والذهاب إلى إسرائيل للموت من أجل فلسطين؟
بالتأكيد، يجب على إسرائيل أن تنهي احتلالها للضفة الغربية وغزة، وبالتأكيد يستحق الفلسطينيون دولة، لكن العقول الإرهابية المدبرة التي تدفع بالشبان المسلمين الى حتفهم، استغلت النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني لغاياتها. ذلك لأنه وإذا ما كان لهم أن يصبحوا بنفس الدرجة من الحماسة في خطبهم الدينية في اتجاه آخر، لحثوا شباننا في الغرب كي يكونوا أكثر فعالية ضمن جالياتهم، لا العيش وسط عالمين، مسلم داخل بيوتهم وداخل المسجد، وآخر «كافر» خارج هذين المكانين.
وأكثر من ذلك، فالنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، ليس قضية إسلامية لنفس السبب البسيط، الذي يهم المسيحيين أيضا. القدس هي مكان مقدس للمسلمين واليهود والمسيحيين. فالمسلمون ليسوا مالكين للنزاع. هناك الكثير من الفلسطينيين يدينون بالمسيحية، ويعيشون أيضا تحت الاحتلال، ومحنتهم ليست أخف لأنهم مسيحيون. فالجنود الإسرائيليون ودباباتهم لا يميزون بين الفلسطينيين، سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين.
والى ذلك فبالسماح للإسلامويين كي يصادروا النزاع بجعله قضية قابلة لأن تشعل غضب المسلمين في شتى أنحاء العالم، نحن نفقد تعاطف الكثير من الناس، الذين قد يقدمون دعمهم للقضية الفلسطينية، لكنهم يشعرون بالنفور الآن منها مع تزايد تحولها إلى قضية دينية.
كان من اللازم القيام بانتزاع فلسطين من قبضة الإسلامويين قبل فترة طويلة، وهؤلاء شديدو التوق لرفع علمها من أجل أهدافهم السياسية الخاصة. من الضروري إدانة الهجمات الانتحارية في كل مكان ـ إنها خاطئة سواء نفذت في إسرائيل أو بغداد أو لندن أو شرم الشيخ.
كذلك فإن الوقت قد حان كي نقول بصوت عال وواضح إن النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، ليس قضية إسلامية، وإنما قضية إنسانية.
monaeltahawy@yahoo.com
لا يمكن اعتبار النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني قضية إسلامية، وإنما قضية نزاع على الأرض حول احتلال يجب أن ينتهي، وحول شعب يستحق أن تكون له دولة. لكنه ليس نزاعا دينيا.
فلفترة طويلة جدا ظل افتراض أن هذه القضية نزاعا دينيا بدون أن يثار أي سؤال حوله، فيما رافقت هذه القناعة نتائج خطيرة. قال صديق لاثنين من المشاركين في تفجيرات لندن الأخيرة، واللذين سبّبا قتل 57 شخصا مع قتل نفسيهما، في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست، إنه رأى المهاجمَين الانتحاريين يشاهدان فيلم فيديو على قرص مدمج، يزعم أنه يظهر جنودا إسرائيليين، وهم يقومون بقتل بنت فلسطينية.
ظل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني واحدا من الشعارات المستغلة في العالمين العربي والمسلم، لكن وضعه ضمن أطار ديني لا يخدم مصلحة أي طرف وعلى الأخص الفلسطينيين.
وجهت نكسة 1967 ضربة قوية لفكرة القومية العربية، والتي كانت حتى ذلك الوقت، الأب النصير للقضية الفلسطينية، لكنها فتحت الباب للأصوليين المتطرفين للزعم أن المسألة الإسرائيلية ـ الفلسطينية هي قضيتهم، ومنذ ذلك الوقت راحوا يكيفونها لصالح عمليات قتلهم للناس، وفي هذا السياق علا نجم حماس في فلسطين لتصبح أقرب الى شرطة أخلاق للفلسطيني، ولتستعد لاحقا لتأطير النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس ديني، يكون فيه المسلمون متخندقين ضد اليهود.الى ذلك فكلما أصبحت سياسات الراحل ياسر عرفات الفلسطينية، أقل ديمقراطية وأكثر فسادا، تقدم الطريق «الإسلاموي» إلى وسط الساحة، لتدخل ساسة التفجيرات الانتحارية التي راجت لفترة طويلة.
كل ذلك كان له بالتأكيد صدى في الخارج. حيث بارك رجال الدين في العالم العربي الهجمات الانتحارية، واضعين بذلك طبقة دينية أخرى فوق النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، فيما ظلوا يحاولون اليوم أن يقنعونا بأن العنف باسم الدين خطأ، لكن ذلك المسعى جاء متأخرا جدا، فالتخريب الذي ألحقوه يحتاج إلى سنوات كثيرة كي يتم تجاوزه.
والى ذلك ظلت بعض خطب الجمعة لفترة طويلة تنتهي بلعن «الصهاينة»، وفي الغالب تجمع ما بين الصهيوني واليهودي، وتتوقف عند إشعال العواطف لدى المصلين عن طريق ذكر آخر المهانات والفظائع، التي ارتكبت من قبل الإسرائيليين والفلسطينيين، لذلك فإنه من اللازم عدم الاستغراب بعد سنوات على هذا الأسلوب، حينما تصبح كلمة فلسطين لا تعني صراع أبنائها من أجل التحرر من الاحتلال، وأن تكون لهم دولتهم الخاصة، بعد أن اكتشف بن لادن فجأة أن منجم الذهب يقع تحت النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.
هل انتبه أحد حينما ذهب بريطانيان من أصل باكستاني إلى إسرائيل، لتنفيذ هجوم انتحاري على مرقص ليلي في تل أبيب يوم 30 أبريل 2003؟ فجر عاصف محمد حنيف نفسه في «مايكس بلاس» بتل أبيب، وقتل نفسه مع ثلاثة أشخاص. وبعد أسبوعين تم العثور على جثة مواطن بريطاني آخر هو عمر خان شريف. وقال المحققون الإسرائيليون إنه هرب من البار بعد فشله في تفجير القنبلة، وعثر على جثته في البحر بالقرب من تل أبيب.
من أقنع هذين الشابين بمغادرة بريطانيا والذهاب إلى إسرائيل للموت من أجل فلسطين؟
بالتأكيد، يجب على إسرائيل أن تنهي احتلالها للضفة الغربية وغزة، وبالتأكيد يستحق الفلسطينيون دولة، لكن العقول الإرهابية المدبرة التي تدفع بالشبان المسلمين الى حتفهم، استغلت النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني لغاياتها. ذلك لأنه وإذا ما كان لهم أن يصبحوا بنفس الدرجة من الحماسة في خطبهم الدينية في اتجاه آخر، لحثوا شباننا في الغرب كي يكونوا أكثر فعالية ضمن جالياتهم، لا العيش وسط عالمين، مسلم داخل بيوتهم وداخل المسجد، وآخر «كافر» خارج هذين المكانين.
وأكثر من ذلك، فالنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، ليس قضية إسلامية لنفس السبب البسيط، الذي يهم المسيحيين أيضا. القدس هي مكان مقدس للمسلمين واليهود والمسيحيين. فالمسلمون ليسوا مالكين للنزاع. هناك الكثير من الفلسطينيين يدينون بالمسيحية، ويعيشون أيضا تحت الاحتلال، ومحنتهم ليست أخف لأنهم مسيحيون. فالجنود الإسرائيليون ودباباتهم لا يميزون بين الفلسطينيين، سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين.
والى ذلك فبالسماح للإسلامويين كي يصادروا النزاع بجعله قضية قابلة لأن تشعل غضب المسلمين في شتى أنحاء العالم، نحن نفقد تعاطف الكثير من الناس، الذين قد يقدمون دعمهم للقضية الفلسطينية، لكنهم يشعرون بالنفور الآن منها مع تزايد تحولها إلى قضية دينية.
كان من اللازم القيام بانتزاع فلسطين من قبضة الإسلامويين قبل فترة طويلة، وهؤلاء شديدو التوق لرفع علمها من أجل أهدافهم السياسية الخاصة. من الضروري إدانة الهجمات الانتحارية في كل مكان ـ إنها خاطئة سواء نفذت في إسرائيل أو بغداد أو لندن أو شرم الشيخ.
كذلك فإن الوقت قد حان كي نقول بصوت عال وواضح إن النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، ليس قضية إسلامية، وإنما قضية إنسانية.
monaeltahawy@yahoo.com