مجاهدون
07-30-2005, 09:26 AM
النفايات تقتحم الشوارع.. الكهرباء 3 ساعات والماء طحالب
البصرة - نزار حاتم
البصرة آمنة اذا ماقيست بغيرها من المحافظات العراقية الاخرى لاسيما العاصمة بغداد، فلا مفخخات، ولا انتحاريون، ولا قنابل موقوتة، يمكنك التحرك في شوارعها حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، كما يزيدك اطمئنانا في مثل هذا الوقت انتشار مفارز الشرطة بكثافة حتى ينبلج عمود الفجر.
عودة الكورنيش
عند المساء تزدحم الاسواق والمقاهي والمطاعم بالمريدين، فيما يستأنف الشباب البصريون عاداتهم بشكل لافت في التمشي على كورنيش شط العرب.
ذلك ما لحظناه عن كثب خلال جولة قادتنا الى كل هذه الاماكن وغيرها من المشاهد البصرية التي احسست خلالها ان الناس مثلي فرحون بهذه الاجواء التي يعيشونها بعيدا عن هواجس الخوف والقلق التي تتملك قلوب الجميع في زمن النظام السابق الذي اعتاد ألا يترك مكانا دون ان يزرع الذين كانوا يسترقون السمع، ويراقبون المواطنين ليحبسوا عليهم انفاسهم لعل احدا منهم قد زل لسانه وذكر القائد الضرورة، أو أيا من أزلامه بحكاية أو نكتة عابرة فتتسبب في اقتياده الى مديرية الأمن ليلقى من وسائل الرعب على يد الجلاوزة فيها ما لم يخطر على بال.
القتل في الظلام
اذن البصرة ليست آمنة من الأرهاب الذي يعصف بالعراقيين - راهنا فحسب - بل توارت عنها أشباح الرعب البعثية التي كانت سائدة، كما ان كل العناصر التي كانت تعاونت مع أجهزة الدوائر الاستخبارية التابعة لنظام صدام حسين في هذه المحافظة لا صوت لهم ولا نفس ،فالخوف بات رفيقهم الوحيد بسبب التصفيات الجسدية التي تطالهم خلسة في جنح الظلام.
يتحدث كثيرون في الشارع او المقهى «البارحة عثروا على جثة فلان، في حديقة الساعي، في الداكير، في المعقل، في الجمهورية صادوا فلان اللي كان يكسر رقاب الناس بتقاريره للدوائر الأمنية»، الخ من العبارات التي تملأ الذهن قناعة في أن البعثيين ومن والاهم قد أصبحوا في دائرة القتل والملاحقة.
لاشك في أن الذين قتل أبناؤهم على يد النظام السابق على وجه التحديد مسرورون لهذه الظاهرة، فيما يتحفظ عقلاء القوم عليها باعتبارها ظاهرة خارجة على القانون الذي ينبغي ان يأخذ مجراه بحق هؤلاء في الساحة القضائية.
لكن السؤال الجوهري الذي يأخذ مداه الحقيقي بعد الانتهاء من الاستغراق في كل هذه المشاهد هو: هل البصرة والبصريون بخير في الزمن الراهن؟
لقد التقينا الناس من مختلف الشرائح والطبقات فلم نجد ما يقودنا الى الاجابة بـ«نعم» عن هذا السؤال.
من وراء الفساد
النفايات تقتحم كل الشوارع والأزقة المؤدية الى «العشّار»، الكهرباء تأتي ثلاث ساعات، وتنقطع ثلاثا في ظل حرارة الصيف التي تتعدى الدرجة الخمسين، الماء متقطع الأنفاس مليء بالطحالب لا يصلح حتى لغسل الجسم، فما بالك بمن يشربونه وهم من ليس لهم القدرة على شراء المياه المعدنية التي يتعين عليك التأكد من أنها ليست مغشوشة قبل ان تعمد الى فتح القنينة لأن احتمالات تعبئة القناني بالمياه غير الصحية امر عادي مادام الحصول على المال يأتي بأي وسيلة حتى لو تفتك بالآخرين فهذا أمر عادي أيضا.
ولا غرابة في ذلك اذا ما تعرفت عن قرب على التكالب المادي بصورة بشعة بين جميع القوى والأحزاب المهيمنة على مقاليد الامور.
الأسبوع الماضي قتل سكرتير نائب المحافظ على يد عنصر تابع لاحد الأحزاب بسبب خلاف بينهما على مبلغ اربعة ملايين دولار.
.. تهريب النفط
تهريب النفط - هو حديث الشارع البصري ايضا- على يد سماسرة بالاتفاق مع متنفذين.
أناس يتقاتلون ويتصارعون على ملايين الدولارات، وآخرون يبيتون مع اطفالهم جوعى.
المحافظة لا تمتلك معدات لنقل النفايات، فلا سبيل سوى ان يعتمد المسؤولون على المقاولين الذين يستأجرون سيارات ويحسبون لسائقيها أجورهم على أساس عدد المرات التي قام بها في نقل النفاية من هذه المنطقة او تلك، ويعمد هؤلاء السائقون الى نقلها الى أقرب نقطة، اي من المحلة الفلانية الى محلة قريبة منها، ليضمن لنفسه أكبر عدد ممكن من الذهاب والاياب لتبقى المحافظة في دورة متراكمة من الأوساخ والروائح التي تزكم الأنوف.
أين الفضيلة؟!
واحد وعشرون من مجموع اثنين واربعين عضوا في مجلس المحافظة علقوا عضويتهم احتجاجا على ما وصفوه بالتصرفات غير السليمة واوصاف اخرى لمحافظ البصرة الذي
ينتمي لحزب الفضيلة، ولا احد يدري ما اذا تم استبدال هذا المحافظ، هل سيكون الخلف خيرا من السلف؟
لا أحد يمكنه التنبؤ بذلك ما دامت «الفزعة» قائمة على اساس خذ موقعا في السلطة لتملأ جيوبك بالدولارات والق الحبل على الغارب.
يمكنك الحصول على جواز السفر وأنت في منزلك خلال ساعات اذا ما دفعت رشوة (ورقة مائة دولار) والا سيستمر انتظارك عدة شهور وقد لا تحصل بعدها على هذا الحق الطبيعي.
المجالس البلدية شكا بعض اعضائها لـ«القبس» من مصادرة صلاحياتهم، فالمقاول الذي يتعين عليه الحصول على موافقة المجلس البلدي ليبدأ بانشاء مشروع ما صغيرا كان او كبيرا، يمكنه تجاوز هذا المجلس من خلال موافقة يستحصلها من أحد المسؤولين في المحافظة مقابل مبلغ من المال لهذا المسؤول اللا مسؤول.
وا أسفاه على مدينة السياب، وتاريخها المضيء بالثقافة والحضارة والشعر.
الممارسات البشعة التي تحاصر هذه المدينة الوادعة اذا ما استمرت ستطفئ حلمها، ستحيل كل نخلة من نخلاتها المليون الى شاهد صادق على اللصوصية، وعلى بشاعة الادعاء بالوطنية وعشق الدين والمبدأ والتراب.
والأرث الحضاري والثقافي الذي تتكئ عليه هذه المحافظة لا يسمح لها بالصمت الطويل حيال هذا التشويه الذي يتعرض له وجهها الجميل على يد أناس لهم من الادعاءات العريضة والطويلة ما يجعل البصرة مدهوشة ازاء التناقض المر الذي ستقول كلمتها فيه في زمن ليس بعيدا لأنها قصيدة خضراء ترفض القراصنة.
البصرة - نزار حاتم
البصرة آمنة اذا ماقيست بغيرها من المحافظات العراقية الاخرى لاسيما العاصمة بغداد، فلا مفخخات، ولا انتحاريون، ولا قنابل موقوتة، يمكنك التحرك في شوارعها حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، كما يزيدك اطمئنانا في مثل هذا الوقت انتشار مفارز الشرطة بكثافة حتى ينبلج عمود الفجر.
عودة الكورنيش
عند المساء تزدحم الاسواق والمقاهي والمطاعم بالمريدين، فيما يستأنف الشباب البصريون عاداتهم بشكل لافت في التمشي على كورنيش شط العرب.
ذلك ما لحظناه عن كثب خلال جولة قادتنا الى كل هذه الاماكن وغيرها من المشاهد البصرية التي احسست خلالها ان الناس مثلي فرحون بهذه الاجواء التي يعيشونها بعيدا عن هواجس الخوف والقلق التي تتملك قلوب الجميع في زمن النظام السابق الذي اعتاد ألا يترك مكانا دون ان يزرع الذين كانوا يسترقون السمع، ويراقبون المواطنين ليحبسوا عليهم انفاسهم لعل احدا منهم قد زل لسانه وذكر القائد الضرورة، أو أيا من أزلامه بحكاية أو نكتة عابرة فتتسبب في اقتياده الى مديرية الأمن ليلقى من وسائل الرعب على يد الجلاوزة فيها ما لم يخطر على بال.
القتل في الظلام
اذن البصرة ليست آمنة من الأرهاب الذي يعصف بالعراقيين - راهنا فحسب - بل توارت عنها أشباح الرعب البعثية التي كانت سائدة، كما ان كل العناصر التي كانت تعاونت مع أجهزة الدوائر الاستخبارية التابعة لنظام صدام حسين في هذه المحافظة لا صوت لهم ولا نفس ،فالخوف بات رفيقهم الوحيد بسبب التصفيات الجسدية التي تطالهم خلسة في جنح الظلام.
يتحدث كثيرون في الشارع او المقهى «البارحة عثروا على جثة فلان، في حديقة الساعي، في الداكير، في المعقل، في الجمهورية صادوا فلان اللي كان يكسر رقاب الناس بتقاريره للدوائر الأمنية»، الخ من العبارات التي تملأ الذهن قناعة في أن البعثيين ومن والاهم قد أصبحوا في دائرة القتل والملاحقة.
لاشك في أن الذين قتل أبناؤهم على يد النظام السابق على وجه التحديد مسرورون لهذه الظاهرة، فيما يتحفظ عقلاء القوم عليها باعتبارها ظاهرة خارجة على القانون الذي ينبغي ان يأخذ مجراه بحق هؤلاء في الساحة القضائية.
لكن السؤال الجوهري الذي يأخذ مداه الحقيقي بعد الانتهاء من الاستغراق في كل هذه المشاهد هو: هل البصرة والبصريون بخير في الزمن الراهن؟
لقد التقينا الناس من مختلف الشرائح والطبقات فلم نجد ما يقودنا الى الاجابة بـ«نعم» عن هذا السؤال.
من وراء الفساد
النفايات تقتحم كل الشوارع والأزقة المؤدية الى «العشّار»، الكهرباء تأتي ثلاث ساعات، وتنقطع ثلاثا في ظل حرارة الصيف التي تتعدى الدرجة الخمسين، الماء متقطع الأنفاس مليء بالطحالب لا يصلح حتى لغسل الجسم، فما بالك بمن يشربونه وهم من ليس لهم القدرة على شراء المياه المعدنية التي يتعين عليك التأكد من أنها ليست مغشوشة قبل ان تعمد الى فتح القنينة لأن احتمالات تعبئة القناني بالمياه غير الصحية امر عادي مادام الحصول على المال يأتي بأي وسيلة حتى لو تفتك بالآخرين فهذا أمر عادي أيضا.
ولا غرابة في ذلك اذا ما تعرفت عن قرب على التكالب المادي بصورة بشعة بين جميع القوى والأحزاب المهيمنة على مقاليد الامور.
الأسبوع الماضي قتل سكرتير نائب المحافظ على يد عنصر تابع لاحد الأحزاب بسبب خلاف بينهما على مبلغ اربعة ملايين دولار.
.. تهريب النفط
تهريب النفط - هو حديث الشارع البصري ايضا- على يد سماسرة بالاتفاق مع متنفذين.
أناس يتقاتلون ويتصارعون على ملايين الدولارات، وآخرون يبيتون مع اطفالهم جوعى.
المحافظة لا تمتلك معدات لنقل النفايات، فلا سبيل سوى ان يعتمد المسؤولون على المقاولين الذين يستأجرون سيارات ويحسبون لسائقيها أجورهم على أساس عدد المرات التي قام بها في نقل النفاية من هذه المنطقة او تلك، ويعمد هؤلاء السائقون الى نقلها الى أقرب نقطة، اي من المحلة الفلانية الى محلة قريبة منها، ليضمن لنفسه أكبر عدد ممكن من الذهاب والاياب لتبقى المحافظة في دورة متراكمة من الأوساخ والروائح التي تزكم الأنوف.
أين الفضيلة؟!
واحد وعشرون من مجموع اثنين واربعين عضوا في مجلس المحافظة علقوا عضويتهم احتجاجا على ما وصفوه بالتصرفات غير السليمة واوصاف اخرى لمحافظ البصرة الذي
ينتمي لحزب الفضيلة، ولا احد يدري ما اذا تم استبدال هذا المحافظ، هل سيكون الخلف خيرا من السلف؟
لا أحد يمكنه التنبؤ بذلك ما دامت «الفزعة» قائمة على اساس خذ موقعا في السلطة لتملأ جيوبك بالدولارات والق الحبل على الغارب.
يمكنك الحصول على جواز السفر وأنت في منزلك خلال ساعات اذا ما دفعت رشوة (ورقة مائة دولار) والا سيستمر انتظارك عدة شهور وقد لا تحصل بعدها على هذا الحق الطبيعي.
المجالس البلدية شكا بعض اعضائها لـ«القبس» من مصادرة صلاحياتهم، فالمقاول الذي يتعين عليه الحصول على موافقة المجلس البلدي ليبدأ بانشاء مشروع ما صغيرا كان او كبيرا، يمكنه تجاوز هذا المجلس من خلال موافقة يستحصلها من أحد المسؤولين في المحافظة مقابل مبلغ من المال لهذا المسؤول اللا مسؤول.
وا أسفاه على مدينة السياب، وتاريخها المضيء بالثقافة والحضارة والشعر.
الممارسات البشعة التي تحاصر هذه المدينة الوادعة اذا ما استمرت ستطفئ حلمها، ستحيل كل نخلة من نخلاتها المليون الى شاهد صادق على اللصوصية، وعلى بشاعة الادعاء بالوطنية وعشق الدين والمبدأ والتراب.
والأرث الحضاري والثقافي الذي تتكئ عليه هذه المحافظة لا يسمح لها بالصمت الطويل حيال هذا التشويه الذي يتعرض له وجهها الجميل على يد أناس لهم من الادعاءات العريضة والطويلة ما يجعل البصرة مدهوشة ازاء التناقض المر الذي ستقول كلمتها فيه في زمن ليس بعيدا لأنها قصيدة خضراء ترفض القراصنة.