فاطمي
07-27-2005, 08:58 AM
ورفضت تصويري في المسجد
بيروت - من حاتم الزين
المكان مخصص للنزلاء المسافرين، انغام هادئة تنبعث في قاعة الدخول من بيانو تداعبه يدا عازف شاب، لكن مسافرا عربيا لا هوية لفكره، يخترق شاعرية المشهد، ليلقي برأسه على وسادة من دون ان ينسى مرارة الاتهام بالردة في بلده المهاجر منه، وبعيدا عن الضوضاء، كان اللقاء في الطابق الأول, وبرغم انه استمر ساعة تقريبا، الا انه اختصر ازمنة فكرية طارحا اشكاليات وآليات نسجت منهجا ورؤى تلقي بظلالها على الجالس معه فيخشى نظرة الردة لمجرد التواطؤ المكاني، انه الدكتور نصر حامد أبو زيد الذي خص «الرأي العام» بمقابلة عن موضوع دراسته للنص الديني وقصة تكفيره، وفي ما يلي نص الحوار:
ما المنطلقات التي انطلقت منها في فهم النص الديني؟
- ان النص الديني، بعيدا عن اي تعريفات، هو نص لغوي، واللغة خطاب وبما هو خطاب فلا تستطيع تجاهل البعد الانساني، والانساني هنا بمعان مختلفة: بالمعنى اللغوي، بالمعنى الانثربولوجي حتى بالمعنى اللاهوتي، لانه عندما نقول انه خطاب الهي المخاطب الاساسي فيه البشر، فان اي خطاب هو بالضرورة عنصر التزام المتكلم والمخاطب، لان الخطاب هو فعل تواصلي، واذا تكلم المتكلم خطابا لا يدمج فيه المخاطب ينتفي مفهوم التواصل، وكلمة وحي في القرآن الكريم تتضمن مفهوم التواصل، من هذا المنطلق، انا اتكل على هذه الارض الاساسية بالتعامل مع النص الديني باعتبار ان الخطاب هو فعل تواصل.
هنا، تبدو الاسئلة كثيرة وحرجة جدا عن المعنى وعن الدلالة وعن السياق وعن التركيب, وهي اسئلة تم التعامل معها في اطار الثقافة الإسلامية قديما بشكل ناجز الى حد كبير، ولكن وفقا للمعطيات العلمية التي كانت متاحة لأسلافنا, ولم يكن اسلافنا بعيدين عن المعطيات الانسانية في الفكر سواء عن اليونان ام الفرس ام الهنود، لذا الواجب الملقى علينا ايضا ان نعيد ربط فكرنا اللغوي والتاريخي بالفكر الانساني المعاصر.
اذا عاش اجدادنا معاصرتهم فلا يجب ان نظل مسجونين في معاصرتهم، انما يجب ايضا ان نعيش معاصرتنا, وهذا ما طرح الكثير من الاشكاليات التي تسبب سوء فهمها في استغلالها للدعاية المضادة من قبل بعض الذين يريدون ان يسجنوننا في اطار معاصرتهم لنا.
يجب ان نضع في اعتبارنا تدني مستوى شعوبنا العربية, هكذا ارى القضية، وانا هنا لا ادعي اني قمت بما لم يقم به احد بل اني مع باحثين اخرين مهمومين ومشغولين بالقضايا نفسها.
هل ان المناهج العربية لدراسة النصوص يمكن ان تستخدم كما هي مع ان اللغة العربية متميزة بتطورها عن باقي اللغات الأخرى؟
- لا يوجد منهج يزعم لنفسه انه يؤخذ في حال تطبيق الياته يخضع للتغيير, وهذا لا يحدث فقط عند الباحثين بل عند المقلدين ايضا، ان المنهج مجموعة اجراءات فحين تنتقل من مجال إلى آخر لابد ان تخضع من قبل الباحث وليس لتغيير مبدئه.
لكن اللغة العربية على مستوى البنية، على مستوى الاسلوب، لابد ان ننجز تطويرا للآليات, أنا اقول هنا التزاوج او التفاعل بين عبدالقاهر الجرجاني وبين علماء اللغة المعاصرين لانه يمنحني ادوات في التحليل لا يمكن تجاهلها واقول انها تنتمي اليه.
ربما قد تكون الرؤية الكلية للجرجاني هي التي كانت محصورة في مكانها، لكن ادواته في التحليل ونظرية النظم عنده هي على قدر كبير من الاهمية، لانها تعطيني ادوات التحليل من داخل بنية اللغة، اذ اخذت الاسلوبية واستخدمت ادوات النظم ولكن في اطار منظوم اوسع هو الاسلوبية، هنا محلولة مسألة الحداثة والمعاصرة.
أحس بنوع من الفخر انا ابن هذه الثقافة، احاول ان انظر خارجها، لكن لا اقلد التراث ولا المناهج الغربية ولكن خلال عملي ابدع طرائق ربما الاخرون يتحدثون عنها, مرة اخرى هناك توتر خلاق في عملية البحث العلمي.
تاريخ الفكر والتفسير
ما هو الصحيح برأيكم، الانطلاق من النص الى المجتمع ام العكس؟ ولماذا؟.
- اذا عدنا الى نقطة البداية كان المجتمع اولا, وهنا نتتبع في القرآن: «يسألونك، قل/ قالوا,,,،» إذاً ندرك ان النص يتجاوب مع الواقع ومشكلاته ويتجادل معه الى حد كبير، لكن في التاريخ اصبح لهذا النص سياقه التداولي والتفسيري التأويلي الذي لم يعزل ابدا عن المجتمعات، في الوقت عينه لا نستطيع الآن ان نقول ذلك, لكن تاريخ التفسير وتاريخ الفكر الديني يدرس باعتباره تاريخ تفاعل بين نصوص وانتاج المعنى.
دعني افرق بين النص وانتاج المعنى، لنأخذ كلمة الإمام علي: «القرآن بين دفتي المصحف لا ينطق وانما ينطق به الرجال»، هذا في مجال خلافه مع المحكمة.
هنا النص موجود قائم حي له وجود فيزيقي واجتماعي وعقلي وفكري، ولكن انتاج المعنى هو بالضرورة ابن الصراعات الاجتماعية، لكن هل المعنى الذي ينتجه المجتمع في القرن العاشر او الحادي عشر مثلا هو معنى انتقاه تماما قبل ذلك في العصور السابقة؟.
لا يجب ان ننظر الى مجتمع ينتج المعنى كأن هذا المعنى ليس له علاقة بالتاريخ، اذا نظرنا مثلا الى الديموقراطية والشورى يعني ان نقبل بالديموقراطية ونجد لها اساسا نصيا وهي الشورى، ويجب على الباحث ان يسأل نفسه، هل كان يمكن للطبري ان يفكر في هذا ان الشورى هي الديموقراطية؟ هذا مستحيل، لم يكن هناك ديموقراطية، فالمعنى يبدو انه معنى المجتمع المعاصر, ان الديموقراطية هي معنى القرن التاسع عشر او العشرين، لكن النص غير غائب عن انتاج هذا المعنى, يبقى اذن ان النص والمجتمع في عملية تفاعل مستمر هذه الفلسفة التي صاغت هذا الوعي، اذ لا وجود لنص خارج الوعي ولا وجود لوعي مستقل عن النصوص ولا وجود للنص والوعي معا خارج التاريخ والمجتمع,
والنصوص هنا بالمعنى السيميولوجي, ولذلك، تصعب مسألة التحليل العلمي.
نحن للأسف في ثقافتنا العربية نميل الى التبسيط والتعامل مع الظواهر بأسهل الطرق الممكنة، وعلينا كمفكرين احيانا ان نخوض الصعب ونبين الصعوبة لكي نعلم عقلنا العربي التفكير المركب وليس التفكير البسيط.
هل يمكن استخدام الانثروبولوجيا كما يقول محمد اركون لدراسة النص الديني؟
- الانثروبولوجيا هي بمعنى البحث عن البعد الانساني, فالخطاب الإلهي متضمن الميتافيزيقي والانثربولوجي اللاهوت والناسوت, نحن نستخدم انثربولوجي بمعنى الناسوت وليس بالمعنى الديني بل بمعنى الكائن الاجتماعي او الفاعل الاجتماعي.
الفاعل الاجتماعي داخل القرآن في بنيته ماثل طوال الوقت, قل، «يسألونك»، «فإن قالوا»,,, هذه اللغة الجدلية تعني وجود اصوات داخل الخطاب، وهذه الاصوات الى حد كبير انسانية.
ان البحث الانثروبولوجي يبحث عن هذا التعقيد، واذا استبعدت الانثروبولوجيا لا يبقى الا اللاهوت.
ان العقل الاجتماعي في الواقع والجدل الصاخب فيه يساعد الفعل الاجتماعي والصوت عليه, فمن دون الانثربولوجيا كأن الانسان طوال الوقت ليس له فاعلية، لان الانثروبولوجيا هي البحث عن الفاعلية الانسانية في اي ظاهرة، الانثروبولوجيا الثقافية هي دراسة الثقافة من المنظور الفاعل الاجتماعي لمنظومة من الرموز وانتاج المعاني التي يقوم بها الفاعل الاجتماعي , من منظور الفلسفة هي تاريخ الافكار بصرف النظر عن الفاعل الاجتماعي.
ان كلمة انثروبولوجيا تخيف الناس لانها غربية وكأن كلام الله للمسلمين فقط.
الشريعة صامتة ولا تخاطب الجميع في الطريقة نفسها، على حد تعبير الباحث الإيراني عبدالكريم سروش في كتابه «القبض والبسط في الشريعة» ويعتبر ان سؤال الشريعة يتم بما يناسب علوم العصر ويأتي الجواب والفهم منسجما مع العلوم، ما رأيكم في ذلك؟
- أنا على وعي بطروحاته، ولا استطيع ان اختلف معها على المستوى النظري اي الربط بين الشريعة والمعرفة وبالتالي تطور فهم الشريعة مع تطور المعرفة مع تطور الوعي, هذا امر اصبح من البديهيات في الفكر, لذا لا يمكن الاختلاف في المعاني بل ربما يصبح الخلاف عندما يصل الى التفاصيل وهذا امر محمود ويجب ان ينظر اليه نظرة ايجابية.
ان سروش اقرب الى اللغة الصوفية للعالم، كالقبض والبسط ويستخدم كلمة الشريعة كما المتصوفة، وكلمة شريعة عند غير المتصوفة هي القانون: «وهنا تطرح اشكاليات اخرى من القانون والحدود وغيرهما, وعندما يأتي الى التطبيق يبدو سروش مضطرا للتعامل معها بالمعنى القانوني او الوضعي، واذا نظر الى الشريعة بالمعنى الصوفي هذا مجال للبحث، لان الشريعة هناك تقابلها الحقيقية عند المتصوفة وهي عند الفقهاء الاحكام، وهذه الاحكام التي استنبطها الفقهاء هي احكام نهائية وغير تاريخية ويجب ان تطبق في كل زمان ومكان ام لا؟.
من كفركم بالتحديد؟ ومتى؟
- كفرني استاذ جامعي في كلية دار العلوم في القاهرة وكانت القضية سياسية، لانه كان مستشارا لشركة «الريان»، وانا انتقدت هذه الشركة وما فعلته في الناس، اذ كنت في اليابان عام 1993 وكتبت بحثا في نقد الخطاب الديني وكتبت في المقدمة ان الخطاب ينخرط في تحقيق المصالح من خلال فتاوى تبريرية، فاتهمت بالشيوعية والماركسية والوجودية، وكان هذا الاستاذ في اللجنة العلمية في الجامعة لترفيعي الى رتبة استاذ، وكتب بحقي تقريرا تكفيريا وكانت الحكومة حينها مرتبكة من مظاهر الارهاب, ومع ان استاذين قبلا ترفيعي في مقابله ما يعني الغالبية، فلم ارق على اعتبار ان ذلك سيثير الجماعات الارهابية، وهذا كان قتلا للبحث العلمي مع العلم ان مسألة الترقية هي هامشية بالنسبة لي.
وصارت معركة في المجتمع المصري وانقسم الناس الى قسمين: الإسلاميين والعلمانيين واصبحت انا الايقونة التي يتحارب الناس حولها.
والاثنان بلا فهم، اذ ان القضية الفكرية غابت وحل محلها الصراع السياسي ووجدت الدولة شاغلا للناس، ورفع الاسلاميون دعوى الى القضاء وهو مخترق، فحكم عليَّ عام 1995 بالردة والتفريق بيني وبين زوجتي، لان المحكمة هي محكمة احوال شخصية، وبعد استئناف الحكم في القضاء الأعلى ثبت الحكم وأيده بعد عام.
هل تعرضت لمحاولات اغتيال؟
- تعرضت لتهديدات فقط وخصوصا من ايمن الظواهري عام 1995 عندما كان في سويسرا بعث فاكسا للصحف المصرية فيه خطابات تهديد، فوضعت تحت الحراسة من قبل الدولة، تضايقت لانني اريد ان ارى الناس، سافرت ثم عدت الى مصر ثم سافرت بعد تأييد القضاء الاعلى للحكم، وانا اعيش الآن في هولندا، اصبحت اقامتي في الخارج الى الابد واصبحت علاقتي ببلدي علاقة مواطن وليس علاقة مفكر رغم وجودي في الحالة الثقافية المصرية, عدت منذ عام الى مصر عندما كان عمري ستين عاما وزرت اهلي.
ما هو موقف زوجتك عندما حكم عليك بالردة وبالتالي انفصالك عنها؟
- رضت زوجتي الحكم، وقالت انا ادرى الناس به، وهو مسلم ومؤمن، ولا اسمح لأحد ان يتدخل في حياتي، انكم تنظرون الى المرأة على اساس انها متعة وتريدون ان تعاقبوه لتحرموه من متعته وانا لست كذلك انا شريكة.
هل تصلي وتصوم وتقوم بواجباتك الدينية؟
- هذا السؤال غير مشروع، وليس من حق اي انسان ان يجعل احدا يبين ايمانه, صحافي زميل لي اراد تصويري في المسجد في مصر بعد الحكم عليَّ رفضت الذهاب الى المسجد وصلاة الجمعة، لانني لا أريد ان يصوروني في ظل اتهامي وكأنني مطالب بذلك، نعم انا مسلم اصلي واصوم.
ان الايمان شيء والعلاقة بين الانسان وربه يمكن تحقيقها بطرق شتى لكنني كمسلم هناك طريقة لي.
بيروت - من حاتم الزين
المكان مخصص للنزلاء المسافرين، انغام هادئة تنبعث في قاعة الدخول من بيانو تداعبه يدا عازف شاب، لكن مسافرا عربيا لا هوية لفكره، يخترق شاعرية المشهد، ليلقي برأسه على وسادة من دون ان ينسى مرارة الاتهام بالردة في بلده المهاجر منه، وبعيدا عن الضوضاء، كان اللقاء في الطابق الأول, وبرغم انه استمر ساعة تقريبا، الا انه اختصر ازمنة فكرية طارحا اشكاليات وآليات نسجت منهجا ورؤى تلقي بظلالها على الجالس معه فيخشى نظرة الردة لمجرد التواطؤ المكاني، انه الدكتور نصر حامد أبو زيد الذي خص «الرأي العام» بمقابلة عن موضوع دراسته للنص الديني وقصة تكفيره، وفي ما يلي نص الحوار:
ما المنطلقات التي انطلقت منها في فهم النص الديني؟
- ان النص الديني، بعيدا عن اي تعريفات، هو نص لغوي، واللغة خطاب وبما هو خطاب فلا تستطيع تجاهل البعد الانساني، والانساني هنا بمعان مختلفة: بالمعنى اللغوي، بالمعنى الانثربولوجي حتى بالمعنى اللاهوتي، لانه عندما نقول انه خطاب الهي المخاطب الاساسي فيه البشر، فان اي خطاب هو بالضرورة عنصر التزام المتكلم والمخاطب، لان الخطاب هو فعل تواصلي، واذا تكلم المتكلم خطابا لا يدمج فيه المخاطب ينتفي مفهوم التواصل، وكلمة وحي في القرآن الكريم تتضمن مفهوم التواصل، من هذا المنطلق، انا اتكل على هذه الارض الاساسية بالتعامل مع النص الديني باعتبار ان الخطاب هو فعل تواصل.
هنا، تبدو الاسئلة كثيرة وحرجة جدا عن المعنى وعن الدلالة وعن السياق وعن التركيب, وهي اسئلة تم التعامل معها في اطار الثقافة الإسلامية قديما بشكل ناجز الى حد كبير، ولكن وفقا للمعطيات العلمية التي كانت متاحة لأسلافنا, ولم يكن اسلافنا بعيدين عن المعطيات الانسانية في الفكر سواء عن اليونان ام الفرس ام الهنود، لذا الواجب الملقى علينا ايضا ان نعيد ربط فكرنا اللغوي والتاريخي بالفكر الانساني المعاصر.
اذا عاش اجدادنا معاصرتهم فلا يجب ان نظل مسجونين في معاصرتهم، انما يجب ايضا ان نعيش معاصرتنا, وهذا ما طرح الكثير من الاشكاليات التي تسبب سوء فهمها في استغلالها للدعاية المضادة من قبل بعض الذين يريدون ان يسجنوننا في اطار معاصرتهم لنا.
يجب ان نضع في اعتبارنا تدني مستوى شعوبنا العربية, هكذا ارى القضية، وانا هنا لا ادعي اني قمت بما لم يقم به احد بل اني مع باحثين اخرين مهمومين ومشغولين بالقضايا نفسها.
هل ان المناهج العربية لدراسة النصوص يمكن ان تستخدم كما هي مع ان اللغة العربية متميزة بتطورها عن باقي اللغات الأخرى؟
- لا يوجد منهج يزعم لنفسه انه يؤخذ في حال تطبيق الياته يخضع للتغيير, وهذا لا يحدث فقط عند الباحثين بل عند المقلدين ايضا، ان المنهج مجموعة اجراءات فحين تنتقل من مجال إلى آخر لابد ان تخضع من قبل الباحث وليس لتغيير مبدئه.
لكن اللغة العربية على مستوى البنية، على مستوى الاسلوب، لابد ان ننجز تطويرا للآليات, أنا اقول هنا التزاوج او التفاعل بين عبدالقاهر الجرجاني وبين علماء اللغة المعاصرين لانه يمنحني ادوات في التحليل لا يمكن تجاهلها واقول انها تنتمي اليه.
ربما قد تكون الرؤية الكلية للجرجاني هي التي كانت محصورة في مكانها، لكن ادواته في التحليل ونظرية النظم عنده هي على قدر كبير من الاهمية، لانها تعطيني ادوات التحليل من داخل بنية اللغة، اذ اخذت الاسلوبية واستخدمت ادوات النظم ولكن في اطار منظوم اوسع هو الاسلوبية، هنا محلولة مسألة الحداثة والمعاصرة.
أحس بنوع من الفخر انا ابن هذه الثقافة، احاول ان انظر خارجها، لكن لا اقلد التراث ولا المناهج الغربية ولكن خلال عملي ابدع طرائق ربما الاخرون يتحدثون عنها, مرة اخرى هناك توتر خلاق في عملية البحث العلمي.
تاريخ الفكر والتفسير
ما هو الصحيح برأيكم، الانطلاق من النص الى المجتمع ام العكس؟ ولماذا؟.
- اذا عدنا الى نقطة البداية كان المجتمع اولا, وهنا نتتبع في القرآن: «يسألونك، قل/ قالوا,,,،» إذاً ندرك ان النص يتجاوب مع الواقع ومشكلاته ويتجادل معه الى حد كبير، لكن في التاريخ اصبح لهذا النص سياقه التداولي والتفسيري التأويلي الذي لم يعزل ابدا عن المجتمعات، في الوقت عينه لا نستطيع الآن ان نقول ذلك, لكن تاريخ التفسير وتاريخ الفكر الديني يدرس باعتباره تاريخ تفاعل بين نصوص وانتاج المعنى.
دعني افرق بين النص وانتاج المعنى، لنأخذ كلمة الإمام علي: «القرآن بين دفتي المصحف لا ينطق وانما ينطق به الرجال»، هذا في مجال خلافه مع المحكمة.
هنا النص موجود قائم حي له وجود فيزيقي واجتماعي وعقلي وفكري، ولكن انتاج المعنى هو بالضرورة ابن الصراعات الاجتماعية، لكن هل المعنى الذي ينتجه المجتمع في القرن العاشر او الحادي عشر مثلا هو معنى انتقاه تماما قبل ذلك في العصور السابقة؟.
لا يجب ان ننظر الى مجتمع ينتج المعنى كأن هذا المعنى ليس له علاقة بالتاريخ، اذا نظرنا مثلا الى الديموقراطية والشورى يعني ان نقبل بالديموقراطية ونجد لها اساسا نصيا وهي الشورى، ويجب على الباحث ان يسأل نفسه، هل كان يمكن للطبري ان يفكر في هذا ان الشورى هي الديموقراطية؟ هذا مستحيل، لم يكن هناك ديموقراطية، فالمعنى يبدو انه معنى المجتمع المعاصر, ان الديموقراطية هي معنى القرن التاسع عشر او العشرين، لكن النص غير غائب عن انتاج هذا المعنى, يبقى اذن ان النص والمجتمع في عملية تفاعل مستمر هذه الفلسفة التي صاغت هذا الوعي، اذ لا وجود لنص خارج الوعي ولا وجود لوعي مستقل عن النصوص ولا وجود للنص والوعي معا خارج التاريخ والمجتمع,
والنصوص هنا بالمعنى السيميولوجي, ولذلك، تصعب مسألة التحليل العلمي.
نحن للأسف في ثقافتنا العربية نميل الى التبسيط والتعامل مع الظواهر بأسهل الطرق الممكنة، وعلينا كمفكرين احيانا ان نخوض الصعب ونبين الصعوبة لكي نعلم عقلنا العربي التفكير المركب وليس التفكير البسيط.
هل يمكن استخدام الانثروبولوجيا كما يقول محمد اركون لدراسة النص الديني؟
- الانثروبولوجيا هي بمعنى البحث عن البعد الانساني, فالخطاب الإلهي متضمن الميتافيزيقي والانثربولوجي اللاهوت والناسوت, نحن نستخدم انثربولوجي بمعنى الناسوت وليس بالمعنى الديني بل بمعنى الكائن الاجتماعي او الفاعل الاجتماعي.
الفاعل الاجتماعي داخل القرآن في بنيته ماثل طوال الوقت, قل، «يسألونك»، «فإن قالوا»,,, هذه اللغة الجدلية تعني وجود اصوات داخل الخطاب، وهذه الاصوات الى حد كبير انسانية.
ان البحث الانثروبولوجي يبحث عن هذا التعقيد، واذا استبعدت الانثروبولوجيا لا يبقى الا اللاهوت.
ان العقل الاجتماعي في الواقع والجدل الصاخب فيه يساعد الفعل الاجتماعي والصوت عليه, فمن دون الانثربولوجيا كأن الانسان طوال الوقت ليس له فاعلية، لان الانثروبولوجيا هي البحث عن الفاعلية الانسانية في اي ظاهرة، الانثروبولوجيا الثقافية هي دراسة الثقافة من المنظور الفاعل الاجتماعي لمنظومة من الرموز وانتاج المعاني التي يقوم بها الفاعل الاجتماعي , من منظور الفلسفة هي تاريخ الافكار بصرف النظر عن الفاعل الاجتماعي.
ان كلمة انثروبولوجيا تخيف الناس لانها غربية وكأن كلام الله للمسلمين فقط.
الشريعة صامتة ولا تخاطب الجميع في الطريقة نفسها، على حد تعبير الباحث الإيراني عبدالكريم سروش في كتابه «القبض والبسط في الشريعة» ويعتبر ان سؤال الشريعة يتم بما يناسب علوم العصر ويأتي الجواب والفهم منسجما مع العلوم، ما رأيكم في ذلك؟
- أنا على وعي بطروحاته، ولا استطيع ان اختلف معها على المستوى النظري اي الربط بين الشريعة والمعرفة وبالتالي تطور فهم الشريعة مع تطور المعرفة مع تطور الوعي, هذا امر اصبح من البديهيات في الفكر, لذا لا يمكن الاختلاف في المعاني بل ربما يصبح الخلاف عندما يصل الى التفاصيل وهذا امر محمود ويجب ان ينظر اليه نظرة ايجابية.
ان سروش اقرب الى اللغة الصوفية للعالم، كالقبض والبسط ويستخدم كلمة الشريعة كما المتصوفة، وكلمة شريعة عند غير المتصوفة هي القانون: «وهنا تطرح اشكاليات اخرى من القانون والحدود وغيرهما, وعندما يأتي الى التطبيق يبدو سروش مضطرا للتعامل معها بالمعنى القانوني او الوضعي، واذا نظر الى الشريعة بالمعنى الصوفي هذا مجال للبحث، لان الشريعة هناك تقابلها الحقيقية عند المتصوفة وهي عند الفقهاء الاحكام، وهذه الاحكام التي استنبطها الفقهاء هي احكام نهائية وغير تاريخية ويجب ان تطبق في كل زمان ومكان ام لا؟.
من كفركم بالتحديد؟ ومتى؟
- كفرني استاذ جامعي في كلية دار العلوم في القاهرة وكانت القضية سياسية، لانه كان مستشارا لشركة «الريان»، وانا انتقدت هذه الشركة وما فعلته في الناس، اذ كنت في اليابان عام 1993 وكتبت بحثا في نقد الخطاب الديني وكتبت في المقدمة ان الخطاب ينخرط في تحقيق المصالح من خلال فتاوى تبريرية، فاتهمت بالشيوعية والماركسية والوجودية، وكان هذا الاستاذ في اللجنة العلمية في الجامعة لترفيعي الى رتبة استاذ، وكتب بحقي تقريرا تكفيريا وكانت الحكومة حينها مرتبكة من مظاهر الارهاب, ومع ان استاذين قبلا ترفيعي في مقابله ما يعني الغالبية، فلم ارق على اعتبار ان ذلك سيثير الجماعات الارهابية، وهذا كان قتلا للبحث العلمي مع العلم ان مسألة الترقية هي هامشية بالنسبة لي.
وصارت معركة في المجتمع المصري وانقسم الناس الى قسمين: الإسلاميين والعلمانيين واصبحت انا الايقونة التي يتحارب الناس حولها.
والاثنان بلا فهم، اذ ان القضية الفكرية غابت وحل محلها الصراع السياسي ووجدت الدولة شاغلا للناس، ورفع الاسلاميون دعوى الى القضاء وهو مخترق، فحكم عليَّ عام 1995 بالردة والتفريق بيني وبين زوجتي، لان المحكمة هي محكمة احوال شخصية، وبعد استئناف الحكم في القضاء الأعلى ثبت الحكم وأيده بعد عام.
هل تعرضت لمحاولات اغتيال؟
- تعرضت لتهديدات فقط وخصوصا من ايمن الظواهري عام 1995 عندما كان في سويسرا بعث فاكسا للصحف المصرية فيه خطابات تهديد، فوضعت تحت الحراسة من قبل الدولة، تضايقت لانني اريد ان ارى الناس، سافرت ثم عدت الى مصر ثم سافرت بعد تأييد القضاء الاعلى للحكم، وانا اعيش الآن في هولندا، اصبحت اقامتي في الخارج الى الابد واصبحت علاقتي ببلدي علاقة مواطن وليس علاقة مفكر رغم وجودي في الحالة الثقافية المصرية, عدت منذ عام الى مصر عندما كان عمري ستين عاما وزرت اهلي.
ما هو موقف زوجتك عندما حكم عليك بالردة وبالتالي انفصالك عنها؟
- رضت زوجتي الحكم، وقالت انا ادرى الناس به، وهو مسلم ومؤمن، ولا اسمح لأحد ان يتدخل في حياتي، انكم تنظرون الى المرأة على اساس انها متعة وتريدون ان تعاقبوه لتحرموه من متعته وانا لست كذلك انا شريكة.
هل تصلي وتصوم وتقوم بواجباتك الدينية؟
- هذا السؤال غير مشروع، وليس من حق اي انسان ان يجعل احدا يبين ايمانه, صحافي زميل لي اراد تصويري في المسجد في مصر بعد الحكم عليَّ رفضت الذهاب الى المسجد وصلاة الجمعة، لانني لا أريد ان يصوروني في ظل اتهامي وكأنني مطالب بذلك، نعم انا مسلم اصلي واصوم.
ان الايمان شيء والعلاقة بين الانسان وربه يمكن تحقيقها بطرق شتى لكنني كمسلم هناك طريقة لي.