صحن
08-24-2020, 11:19 PM
https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1597945020307835900/1597945034000/640x480.jpg
21-08-2020
كتب المقال بثينة العيسى
بدأت رحلة تعديل قانون المطبوعات منذ خمس سنوات تقريبًا، في تلك الأيام كان التوجه هو تعديل القانون عن طريق المحكمة الدستورية، لولا أن أشارت المعطيات الى أن الحل السياسي هو الأقرب للإمكان.
بعد السؤال البرلماني الذي وجهه النائب خالد الشطي في 2018 إلى وزير الإعلام بشأن عدد الكتب الممنوعة خلال خمس سنوات، واتضح منع ما يقارب 5000 عنوان في تلك الفترة، أصبح حجم المشكلة واضحا؛ ليس للكتّاب والورّاقين والكتبيين فحسب، بل لوزارة الإعلام نفسها، ولأعضاء مجلس الأمة أيضا.
أنا لا أعرف إن كان يوجد على الأرض نظام رقابي غير متعسف، لا أتحسّس منه على تعدي النظام (أي نظام) على حقوق صغيرة وغير مرئية نمتلكها كأفراد وتصوغ ما نحنُ عليه؛ حقنا في الاطلاع والتعبير، لكنني لم أتخيل أن يكون المنع بهذا الكم، وبهذه الآلية.
ولأنني بائعة كتب، فأنا أعرفُ أن الرقيب يخفق دائما وأن الكتاب ينتصرُ أبدا، وأن القراء يشبهون القراصنة وصيادي الكنوز والمهرّبين، أنهم سيصلون إلى كتبهم في أقاصي الأرض إذا اقتضى الأمر. وأصبح واضحًا أن تعديل آلية النظام الرقابي لا يهدف إلى إنقاذ الكتاب، بقدر ما هو ضروري لإنقاذ سمعة الكويت.
يمتلئ رأسي بصور من تلك الرحلة؛ الاعتصامات في ساحة الإرادة، الحملات على تويتر، وصول وسم #ممنوع_في_الكويت إلى المراكز الأولى أسبوعا بعد أسبوع، الاجتماعات الطويلة مع السادة النوّاب، ومع وزير الإعلام والوكلاء والمديرين ولجان الرقابة بهدف الوصول إلى حل، منذ 2015 وحتى 2020، كانت رحلة مضنية ومليئة بالمحطات المضيئة.
خلال خمس سنوات وبجهود مجموعة من المخلصين نجحنا في تنظيم أنفسنا بما يضمن فعالية أكبر للحراك؛ عمل إحصائي، عمل إعلامي، عمل حقوقي قانوني، وعمل سياسي. عشرات الأسماء التي أخشى لو حاولتُ حصرها أن أغفل منها اسما. لكنها تبدأ في كل الأحوال بنواة صغيرة جدًا من الأصدقاء الرائعين (عبدالله الخنيني، هند فرانسيس، هدى الدخيل، طاهر البغلي، غادة الغانم).
كانت الخلية تنشطر لتشكيل خلايا أخرى، في 2018 شكّلنا مجاميع بعشرات المهتمين الذين ينسقون فيما بينهم للضغط باتجاه الحريات، مع مجموعة من المستنيرين والمخلصين في السلطتين، التشريعية والتنفيذية.
بدأت الأمور في التسارع بعد اجتماعنا برئيس مجلس الأمة، السيد مرزوق الغانم، الذي كان عمليا جدا في اقتراح الحلول ودعم الفريق والتنسيق مع الحكومة والضغط للوصول إلى توافق على مبدأ الرقابة اللاحقة.
ما لم تلتقطه وسائل الإعلام هو ما دار من اجتماعات مطولة على هامش الجلسة منذ العاشرة صباحا وحتى السادسة مساءً، حيث حاولت الحكومة حتى اللحظة الأخيرة تغيير صياغة مواد القانون، لولا تدخل رئيس المجلس والإخوة النواب من أجل المحافظة على صيغة القانون المقترح.
ما حدث بالأمس في قاعدة عبدالله السالم هو خطوة صغيرة يفترض أن تتبعها خطوات، وهي ليست بقدر الطموح، لاسيما بعد ما تعرض له مشروع القانون من تغييرات، لكنها جولة مهمة، تحولت فيها سلطة تحديد مصير الكتاب من وزارة الإعلام إلى القضاء، وأصبح بإمكان الكتب أن تدخل إلى الكويت (هذا البلد الصغير بغليانه الثقافي المدهش) دون تعقيدات، وفي حالة وقوع ضرر، على المتضرر اللجوء للقضاء.
لم تعد وزارة الإعلام هي الخصم والحكم فيما يتعلق بالكتب، وأعتقد أن هذا هو الإنجاز الأهم، الذي نأمل ونعمل على أن تتبعه مكتسبات أخرى لتحقيق مزيد من الحريات عن طريق تعديل مواد العقوبات والمحظورات، ليس في قانون المطبوعات فقط، بل جميع قوانين الحريات (المرئي والمسموع، الإعلام الإلكتروني، الجرائم الإلكترونية...).
الجولة التي كسبناها أمسْ لم تكن لتتحقق لولا دعم وتأييد رئيس مجلس الأمة، السيد مرزوق الغانم الذي تبنى المشروع بإخلاص وجعل تحققه على الأرض ممكنا.
وأشكر النائب خالد الشطي، ليس فقط لأنه فجر قنبلة تعسف الرقابة في الكويت، بل لتبنيه مشروع القانون وصياغة بنوده والذود عنه حتى آخر لحظة. النواب الأفاضل الذين قدموا مشروع القانون (خالد الشطي، راكان النصف، د. عودة الرويعي، أحمد نبيل، مبارك الحريص)، والنواب المؤيدين الذين تحملوا اجتماعاتنا الطويلة بسعة صدر؛ وأبرزهم محمد الدلال وعمر الطبطبائي وعودة الرويعي ويوسف الفضالة وخليل أبل وعبدالوهاب البابطين وصفاء الهاشم وصالح عاشور، الـ 20 نائبا الذين سعوا حتى آخر لحظة لتعديل بند العقوبات، والـ 40 صوتا موافقا لإقرار القانون بأغلبية مبشّرة بمزيد من الحريات في المستقبل، والجندي المجهول عامر فردان مستشار رئيس مجلس الأمة.
الشكر أيضا موصول لرابطة الأدباء والجمعية الثقافية النسائية، جمعية الخريجين، رابطة الاجتماعيين، جمعية الخط الإنساني ومجموعة صوت الكويت والمجتمع المدني على الحراك العنيد، الشكر للذين احتشدوا في ساحة الإرادة أسبوعا بعد أسبوع، على كل من كتب ولو تغريدة واحدة للمطالبة بعودة هذا الحق، وعلى الفريق التطوعي المدهش الذي برهن أن العمل المنظم يمكنه أن يدفع الأمور في الاتجاه الصّحيح.
https://www.aljarida.com/articles/1597938368717536300/
21-08-2020
كتب المقال بثينة العيسى
بدأت رحلة تعديل قانون المطبوعات منذ خمس سنوات تقريبًا، في تلك الأيام كان التوجه هو تعديل القانون عن طريق المحكمة الدستورية، لولا أن أشارت المعطيات الى أن الحل السياسي هو الأقرب للإمكان.
بعد السؤال البرلماني الذي وجهه النائب خالد الشطي في 2018 إلى وزير الإعلام بشأن عدد الكتب الممنوعة خلال خمس سنوات، واتضح منع ما يقارب 5000 عنوان في تلك الفترة، أصبح حجم المشكلة واضحا؛ ليس للكتّاب والورّاقين والكتبيين فحسب، بل لوزارة الإعلام نفسها، ولأعضاء مجلس الأمة أيضا.
أنا لا أعرف إن كان يوجد على الأرض نظام رقابي غير متعسف، لا أتحسّس منه على تعدي النظام (أي نظام) على حقوق صغيرة وغير مرئية نمتلكها كأفراد وتصوغ ما نحنُ عليه؛ حقنا في الاطلاع والتعبير، لكنني لم أتخيل أن يكون المنع بهذا الكم، وبهذه الآلية.
ولأنني بائعة كتب، فأنا أعرفُ أن الرقيب يخفق دائما وأن الكتاب ينتصرُ أبدا، وأن القراء يشبهون القراصنة وصيادي الكنوز والمهرّبين، أنهم سيصلون إلى كتبهم في أقاصي الأرض إذا اقتضى الأمر. وأصبح واضحًا أن تعديل آلية النظام الرقابي لا يهدف إلى إنقاذ الكتاب، بقدر ما هو ضروري لإنقاذ سمعة الكويت.
يمتلئ رأسي بصور من تلك الرحلة؛ الاعتصامات في ساحة الإرادة، الحملات على تويتر، وصول وسم #ممنوع_في_الكويت إلى المراكز الأولى أسبوعا بعد أسبوع، الاجتماعات الطويلة مع السادة النوّاب، ومع وزير الإعلام والوكلاء والمديرين ولجان الرقابة بهدف الوصول إلى حل، منذ 2015 وحتى 2020، كانت رحلة مضنية ومليئة بالمحطات المضيئة.
خلال خمس سنوات وبجهود مجموعة من المخلصين نجحنا في تنظيم أنفسنا بما يضمن فعالية أكبر للحراك؛ عمل إحصائي، عمل إعلامي، عمل حقوقي قانوني، وعمل سياسي. عشرات الأسماء التي أخشى لو حاولتُ حصرها أن أغفل منها اسما. لكنها تبدأ في كل الأحوال بنواة صغيرة جدًا من الأصدقاء الرائعين (عبدالله الخنيني، هند فرانسيس، هدى الدخيل، طاهر البغلي، غادة الغانم).
كانت الخلية تنشطر لتشكيل خلايا أخرى، في 2018 شكّلنا مجاميع بعشرات المهتمين الذين ينسقون فيما بينهم للضغط باتجاه الحريات، مع مجموعة من المستنيرين والمخلصين في السلطتين، التشريعية والتنفيذية.
بدأت الأمور في التسارع بعد اجتماعنا برئيس مجلس الأمة، السيد مرزوق الغانم، الذي كان عمليا جدا في اقتراح الحلول ودعم الفريق والتنسيق مع الحكومة والضغط للوصول إلى توافق على مبدأ الرقابة اللاحقة.
ما لم تلتقطه وسائل الإعلام هو ما دار من اجتماعات مطولة على هامش الجلسة منذ العاشرة صباحا وحتى السادسة مساءً، حيث حاولت الحكومة حتى اللحظة الأخيرة تغيير صياغة مواد القانون، لولا تدخل رئيس المجلس والإخوة النواب من أجل المحافظة على صيغة القانون المقترح.
ما حدث بالأمس في قاعدة عبدالله السالم هو خطوة صغيرة يفترض أن تتبعها خطوات، وهي ليست بقدر الطموح، لاسيما بعد ما تعرض له مشروع القانون من تغييرات، لكنها جولة مهمة، تحولت فيها سلطة تحديد مصير الكتاب من وزارة الإعلام إلى القضاء، وأصبح بإمكان الكتب أن تدخل إلى الكويت (هذا البلد الصغير بغليانه الثقافي المدهش) دون تعقيدات، وفي حالة وقوع ضرر، على المتضرر اللجوء للقضاء.
لم تعد وزارة الإعلام هي الخصم والحكم فيما يتعلق بالكتب، وأعتقد أن هذا هو الإنجاز الأهم، الذي نأمل ونعمل على أن تتبعه مكتسبات أخرى لتحقيق مزيد من الحريات عن طريق تعديل مواد العقوبات والمحظورات، ليس في قانون المطبوعات فقط، بل جميع قوانين الحريات (المرئي والمسموع، الإعلام الإلكتروني، الجرائم الإلكترونية...).
الجولة التي كسبناها أمسْ لم تكن لتتحقق لولا دعم وتأييد رئيس مجلس الأمة، السيد مرزوق الغانم الذي تبنى المشروع بإخلاص وجعل تحققه على الأرض ممكنا.
وأشكر النائب خالد الشطي، ليس فقط لأنه فجر قنبلة تعسف الرقابة في الكويت، بل لتبنيه مشروع القانون وصياغة بنوده والذود عنه حتى آخر لحظة. النواب الأفاضل الذين قدموا مشروع القانون (خالد الشطي، راكان النصف، د. عودة الرويعي، أحمد نبيل، مبارك الحريص)، والنواب المؤيدين الذين تحملوا اجتماعاتنا الطويلة بسعة صدر؛ وأبرزهم محمد الدلال وعمر الطبطبائي وعودة الرويعي ويوسف الفضالة وخليل أبل وعبدالوهاب البابطين وصفاء الهاشم وصالح عاشور، الـ 20 نائبا الذين سعوا حتى آخر لحظة لتعديل بند العقوبات، والـ 40 صوتا موافقا لإقرار القانون بأغلبية مبشّرة بمزيد من الحريات في المستقبل، والجندي المجهول عامر فردان مستشار رئيس مجلس الأمة.
الشكر أيضا موصول لرابطة الأدباء والجمعية الثقافية النسائية، جمعية الخريجين، رابطة الاجتماعيين، جمعية الخط الإنساني ومجموعة صوت الكويت والمجتمع المدني على الحراك العنيد، الشكر للذين احتشدوا في ساحة الإرادة أسبوعا بعد أسبوع، على كل من كتب ولو تغريدة واحدة للمطالبة بعودة هذا الحق، وعلى الفريق التطوعي المدهش الذي برهن أن العمل المنظم يمكنه أن يدفع الأمور في الاتجاه الصّحيح.
https://www.aljarida.com/articles/1597938368717536300/