كونتا كونتي
08-02-2020, 10:55 PM
https://manshoor.com/uploads/thumbs/d86/d86c440bd18e7df699b9131d1578aa1a.jpg
لقد هرمنا ... جعفر رجب
2/8/2020
قبل أيام قال لي"رجل القانون" بعد ان استجوبني حول تهمة المساس بشرف وكرامة" مؤسسة" "هل لديك اضافة على اقوالك"؟
كانت عندي اضافات لكني قلت دون اهتمام :لا.
ثم أتصل على رجل الامن ليأخذ أوراقي لإخلاء سبيلي، قال هامسا: تعال استلم اوراق المتهم.. انتبهت الى همسه بكلمة "المتهم"، ولاحظ الشاب الخلوق الذي حقق معي ذلك فقال لي مستدركا ليخفف عني: انها مجرد كلمة روتينة..قلت له : لا عادي تعودت!
لقد كذبت، كان لدي ما اقوله بس "ماكان لي خلق اقول"، كنت اود القول: يا ولدي ...
بين اول دخولي للمؤسسات الأمنية والقانونية أكثر من ثلاثين سنة و" ثلاثون ....فقدت فيها الكثيرين ممن احب" وفقدت فيها الكثير مما أحب، وكرهت الكثير مما احببت،"وما عاد قلبي يلام" ولم اعد اهتم كثيرا بما حصل ويحصل فكله الى زوال.
أول تعرفي ودخولي الى المؤسسات الامنية، كان قبل الغزو، كانت التهمة على راي المحقق " توزيع المناشير" وكان يقصد تلك الاوراق التي كنا نوزعها على الطلبة في الثمانينات بالجامعة مطالبين بعودة الحياة النيابية، - كان من صجنا نظن ان مشكلتنا الوحيدة في البلاد عدم وجود مجلس أمة –، في امن الدولة جلست في غرفة الانتظار، كانت عند باب الدخول، غرفة مربعة بكرسي خشبي عريض ومرتفع، مبلط بـ"كاشي" بناء قبيح جدا،وبعد ساعات من الانتظار الممل – ايامها ما كانوا مخترعين الموبايل- دخلت مكتب التحقيق وكان "شيخا" نظيفا جدا وكأنه خارج هو وملابسه من المصبغة قبل دقيقة، وكان محترما جدا كتب على الملف امامه بقلمه الفاخر بعض الكلمات بعد ان سأل بعض الاسئلة الروتينية لشاب ذو مظهر داعشي... نصحني ببعض الكلمات مع تهديد مبطن ولكنه باحترام، وخرجت ايضا محترما دون ان اسمع كلمة نابية -حظي كان زين- ومشاعري كانت عادية عندما دخلت المبنى، وعندما خرجت تخيلت نفسي " شاه مسعود" وهو عائد الى " بنچ شير" من معركة من معاركه الكبرى ضد السوفيت، أو انني أحد رفاق كاسترو وجيفارا وبقية الملتحين في مسيرتهم نحو اسقاط الديكتاتورية.
مرت السنوات دخلت فيها عشرات المرات الى هذه المؤسسات بسبب مقالات ورسومات وتغريدات وكل مرة اذهب واخرج وكاني ذاهب الى الجمعية – ماكو احساس- كنت استسخف هذه القضايا التي ليست سوى محاولة لقمع جوهر الانسان الذي صنع الكلمات واخترع اللغات ليعبر عن حريته قبل ان يعبر عن مخاوفه.
كنت اود القول عندما سألني هل لديك ما تقوله، نعم لدي، "لقد هرمنا" بين اول دخولي لهذه المؤسسات - قبل ان تزور هذه الدنيا- وبين آخر تحقيق لي، في الاولى خرجت وانا "متوهم" باني مناضل وبين خروجي الان وانا اشعر باني مجرد متهم مثل الالف المتهمين الذي يجهلون جريمتهم.
نعم لدي يا ولدي ما اقوله، لم اشعر بمرارة كلمة المتهم بقدر مرارتي وانا شاهد على مئات الفتيان والفتيات يقادون للتحقيق مع اولياء امورهم لأنهم كتبوا او علقوا على صورة او خبر،في وضع لا يمكن ان تشاهده حتى في اعتى الدول قمعا ودكتاتورية بسب قانون مسخ قدمته الحكومة وبصم عليه نواب "افاضل"!
كنت اود ان اقول له، لماذا لدينا المادة 36، لماذا لا نضعها في الحوض مع اسماك الزينة، لقد كنت اكذب على طلبتي وانا احدثهم عن الدستور وحقوق الانسان، واتمنى ألا يكون احد منهم صدق أكاذيبي.
كنت اود ان اقول له، لماذا يصعد المرتزقة والشذاذ والنصابين والسرسرية على ظهورنا بشهادات مزروة، وشعارات مزيفة، وانساب مشبوهة، واموال مغسولة، وتورايخ أحداث مكذوبة... ويساق البسطاء والشرفاء الى اجهزة الامن كمجرمين.
نعم اود ان اقول، أليس غريبا إن هذا المواطن:
يسخر منه هتاك بتهمة الشرف!
ويعاقبه لص بتهمة الامانة!
ويلاحقه وضيع بتهمة السمو!
ويحاسبه فداوي بتهمة الحرية!
ويتهمه بليد بتهمة الوعي!
ويهينه منافق بتهمة الكرامة!
ويشتمه أحمق بتهمة التفكير!
ويلعنه جبان بتهمة الشجاعة!
ويكفره وعاض السلاطين بتهمة الايمان!
اردت ان اقول له، لماذا ادافع عن نفسي، "أساسا انا شقاعد اسوي هني عندك"،ولكن "سولون" كان محقا عندما قال بان القانون كشباك العنكبوت لا يصطاد الا الطرائد الصغيرة، ونحن من الصغار لاننا لم ننافق حتى نكون مثل "السامري" لا يمس..نحن بتنا مثل يوسف الصديق نحلم ونخاف ان نقصص رؤيانا حتى لا يكيدوا لنا،ويكون مصيرنا غياهب الجب، ونباع بثمن بخس!
اردت ان اقول له، رحم الله الشهداء الذي ضحوا من اجل وطن اجمل فصار الوطن يحاسب على جملة، ويعتقل على كلمة، ويسجن على حرف... بين أول مرور واخر مرور على أجهزة الامن اكثر من ثلاثين سنة..
هل يستحق الأمر..؟
لا!
لقد هرمنا ... جعفر رجب
2/8/2020
قبل أيام قال لي"رجل القانون" بعد ان استجوبني حول تهمة المساس بشرف وكرامة" مؤسسة" "هل لديك اضافة على اقوالك"؟
كانت عندي اضافات لكني قلت دون اهتمام :لا.
ثم أتصل على رجل الامن ليأخذ أوراقي لإخلاء سبيلي، قال هامسا: تعال استلم اوراق المتهم.. انتبهت الى همسه بكلمة "المتهم"، ولاحظ الشاب الخلوق الذي حقق معي ذلك فقال لي مستدركا ليخفف عني: انها مجرد كلمة روتينة..قلت له : لا عادي تعودت!
لقد كذبت، كان لدي ما اقوله بس "ماكان لي خلق اقول"، كنت اود القول: يا ولدي ...
بين اول دخولي للمؤسسات الأمنية والقانونية أكثر من ثلاثين سنة و" ثلاثون ....فقدت فيها الكثيرين ممن احب" وفقدت فيها الكثير مما أحب، وكرهت الكثير مما احببت،"وما عاد قلبي يلام" ولم اعد اهتم كثيرا بما حصل ويحصل فكله الى زوال.
أول تعرفي ودخولي الى المؤسسات الامنية، كان قبل الغزو، كانت التهمة على راي المحقق " توزيع المناشير" وكان يقصد تلك الاوراق التي كنا نوزعها على الطلبة في الثمانينات بالجامعة مطالبين بعودة الحياة النيابية، - كان من صجنا نظن ان مشكلتنا الوحيدة في البلاد عدم وجود مجلس أمة –، في امن الدولة جلست في غرفة الانتظار، كانت عند باب الدخول، غرفة مربعة بكرسي خشبي عريض ومرتفع، مبلط بـ"كاشي" بناء قبيح جدا،وبعد ساعات من الانتظار الممل – ايامها ما كانوا مخترعين الموبايل- دخلت مكتب التحقيق وكان "شيخا" نظيفا جدا وكأنه خارج هو وملابسه من المصبغة قبل دقيقة، وكان محترما جدا كتب على الملف امامه بقلمه الفاخر بعض الكلمات بعد ان سأل بعض الاسئلة الروتينية لشاب ذو مظهر داعشي... نصحني ببعض الكلمات مع تهديد مبطن ولكنه باحترام، وخرجت ايضا محترما دون ان اسمع كلمة نابية -حظي كان زين- ومشاعري كانت عادية عندما دخلت المبنى، وعندما خرجت تخيلت نفسي " شاه مسعود" وهو عائد الى " بنچ شير" من معركة من معاركه الكبرى ضد السوفيت، أو انني أحد رفاق كاسترو وجيفارا وبقية الملتحين في مسيرتهم نحو اسقاط الديكتاتورية.
مرت السنوات دخلت فيها عشرات المرات الى هذه المؤسسات بسبب مقالات ورسومات وتغريدات وكل مرة اذهب واخرج وكاني ذاهب الى الجمعية – ماكو احساس- كنت استسخف هذه القضايا التي ليست سوى محاولة لقمع جوهر الانسان الذي صنع الكلمات واخترع اللغات ليعبر عن حريته قبل ان يعبر عن مخاوفه.
كنت اود القول عندما سألني هل لديك ما تقوله، نعم لدي، "لقد هرمنا" بين اول دخولي لهذه المؤسسات - قبل ان تزور هذه الدنيا- وبين آخر تحقيق لي، في الاولى خرجت وانا "متوهم" باني مناضل وبين خروجي الان وانا اشعر باني مجرد متهم مثل الالف المتهمين الذي يجهلون جريمتهم.
نعم لدي يا ولدي ما اقوله، لم اشعر بمرارة كلمة المتهم بقدر مرارتي وانا شاهد على مئات الفتيان والفتيات يقادون للتحقيق مع اولياء امورهم لأنهم كتبوا او علقوا على صورة او خبر،في وضع لا يمكن ان تشاهده حتى في اعتى الدول قمعا ودكتاتورية بسب قانون مسخ قدمته الحكومة وبصم عليه نواب "افاضل"!
كنت اود ان اقول له، لماذا لدينا المادة 36، لماذا لا نضعها في الحوض مع اسماك الزينة، لقد كنت اكذب على طلبتي وانا احدثهم عن الدستور وحقوق الانسان، واتمنى ألا يكون احد منهم صدق أكاذيبي.
كنت اود ان اقول له، لماذا يصعد المرتزقة والشذاذ والنصابين والسرسرية على ظهورنا بشهادات مزروة، وشعارات مزيفة، وانساب مشبوهة، واموال مغسولة، وتورايخ أحداث مكذوبة... ويساق البسطاء والشرفاء الى اجهزة الامن كمجرمين.
نعم اود ان اقول، أليس غريبا إن هذا المواطن:
يسخر منه هتاك بتهمة الشرف!
ويعاقبه لص بتهمة الامانة!
ويلاحقه وضيع بتهمة السمو!
ويحاسبه فداوي بتهمة الحرية!
ويتهمه بليد بتهمة الوعي!
ويهينه منافق بتهمة الكرامة!
ويشتمه أحمق بتهمة التفكير!
ويلعنه جبان بتهمة الشجاعة!
ويكفره وعاض السلاطين بتهمة الايمان!
اردت ان اقول له، لماذا ادافع عن نفسي، "أساسا انا شقاعد اسوي هني عندك"،ولكن "سولون" كان محقا عندما قال بان القانون كشباك العنكبوت لا يصطاد الا الطرائد الصغيرة، ونحن من الصغار لاننا لم ننافق حتى نكون مثل "السامري" لا يمس..نحن بتنا مثل يوسف الصديق نحلم ونخاف ان نقصص رؤيانا حتى لا يكيدوا لنا،ويكون مصيرنا غياهب الجب، ونباع بثمن بخس!
اردت ان اقول له، رحم الله الشهداء الذي ضحوا من اجل وطن اجمل فصار الوطن يحاسب على جملة، ويعتقل على كلمة، ويسجن على حرف... بين أول مرور واخر مرور على أجهزة الامن اكثر من ثلاثين سنة..
هل يستحق الأمر..؟
لا!