المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أهكذا نقابل إحسان بريطانيا بقتل أبنائها الأبرياء



فاتن
07-19-2005, 09:26 AM
مسلمو ليدز الممتنون لكرم جيرانهم المسيحيين يحذرون من تفجر الموقف إذا وقع اعتداء آخر


وسط تساؤلاتهم المستمرة عن سر تورط ثلاثة من الشباب المسلمين الذين فتحت البلاد صدرها لهم ولعائلاتهم الباكستانية المهاجرة، في الارهاب الذي استهدف لندن قبل 12 يوماً، حذر امس اهل مدينة ليدز (شمال انجلترا) من ان العنصرية ستطل قريبا برأسها الكريه. صحيح ان الاعتداءات ذات الطابع العنصري لم ترتفع في ليدز كما كان متوقعا مباشرة في اعقاب الكشف عن ان الارهابين الثلاثة عاشوا ودرسوا في منطقة بيستن بجنوب المدينة، وذلك خلافا لما حصل في انحاء بريطانيا حيث سُجل اكثر من 550 اعتداء في الايام العشرة الاخيرة. ومع ان مسلمي المدينة لا يترددون بالاشادة بموقف غالبية ابناء ليدز وشرطتها، فإنهم وجيرانهم المسيحين والسيخ الخ.. لا يتوقعون ان يبقى «الحزب القومي البريطاني» صامتا لوقت طويل.
الباكستاني الاصل ظافر اقبال، 26 عاما، بدا متحمسا لإغداق المديح على ليدز وأبنائها، رغم احساسه بخوف حقيقي. وقال لـ«الشرق الأوسط» ان «مدينتا دافئة واهلها يقابلوننا بالود، لكن من يدري ما الذي قد يحصل اذا جرى اعتداء آخر، او حاول العنصريون اثارة القلاقل». واضاف «لقد هوجم سائق تاكسي قبل ثلاثة ايام، كما اعتدى بعضهم على سيدة مسلمة بعد يومين من الكشف عن تورط هؤلاء الثلاثة بتفجيرات لندن». وهل يشعر بالضيق من اسلوب تعاطي الشرطة معه، لا سيما ان الحكومة قررت تطبيق سياسة التوقيف بقصد التفتيش بصرامة أشد ؟

أجاب الشاب «لم اشعر بأي تحامل من قبلهم، وهم لا يوقفون ذوي البشرة السمراء من امثالي فقط بل كثيرا ما يعمدون الى توقيف الانجليز ذي البشرة البيضاء بقصد تفتيشهم». ولفت الى انه لم يلاحظ في الايام الاخيرة نشاطا متزايدا لناشطي «الحزب القومي البريطاني» المعروف بتشدده اليميني وتحامله البالغ على الاسلام والمسلمين. واشار اقبال الى انه وامثاله من الشباب المسلمين، الذين ولدوا في هذه البلاد، يعانون من مشكلة حقيقية تتعلق بالهوية. وقال «لقد ولدت هنا ولا اريد ان اعيش في باكستان التي لم ازرها في حياتي سوى مرتين او ثلاث». واضاف « بيد اني مع ذلك لا اشعر اني انتمي الى هذه البلاد، خصوصا انه كلما حصل شيء يُشار الي بالبنان كشخص وافد، او قل كأجنبي الى درجة ما».

ولاحت علامات الألم على وجه الشاب ذي الاصل الباكستاني حين بدأ يتحدث عن الارهابيين الثلاثة محمد صديق خان، 30 عاماً، وشيهزاد تنوير، 22 عاماً، وحسيب حسين، 18 عاماً. وقال «غريب أمر هؤلاء الذين يوصفون بالشباب الطيبين، وكل من عرفهم يثني على اخلاقهم». واضاف «كيف يقومون بعمل بشع الى هذه الدرجة باسم الدين الذي يحض على السلام ويحرم قتل النفس البشرية». وزاد «والأدهى ان لهذه البلاد فضلا كبيرا عليهم وعلى عائلاتهم»، متابعاً «أهكذا نقابل المعروف بالإثم، وبدل ان نحسن للبلاد التي احسنت الينا نقتل ابناءها الابرياء ؟».

أما ديفيد، الذي حدثته «الشرق الأوسط» حين كان عابراً قرب «مركز حامارا» الذي واصلت الشرطة امس تفتيشه نظراً لأن الارهابيين ترددوا عليه طويلا، فقد رد على مضض على سؤال عن تكهناته حول مستقبل العلاقات بين المسلمين وغيرهم في ليدز. قال «انا لا اعيش في بيستن، وليست لدي علاقات قوية مع المسلمين». واضاف «لا يمكنك ان تتوقع ان أهل وأصدقاء ضحايا اعتداء آخر سيمارسون سياسة ضبط النفس التي عمد اليها ذوو ضحايا الاعتداءات اللندنية». واعتذر عن عدم الاجابة عن استيضاح جاء صريحا بشكل متعمد عن شعوره كانجليزي تعرض أهله لاعتداءات «ضيوفهم الأجانب». والخوف من جرائم الكراهية العنصرية لا يقتصر على المسلمين، بل يشاطرهم اياه السيخ والهندوس، ليس في ليدز وحدها بل في انحاء البلاد. هاربنز سنغ ساغو، وهو رئيس المعبد السيخي في بيستن، لم يخف قلقه البالغ عندما التقته «الشرق الأوسط» أول من أمس، وقال الرجل الذي تخطى عتبة الستين، بعمامته البيضاء التقليدية ولحيته الطويلة التي خطها الشيب، ان «السيخ كانوا من ضحايا العنصريين خصوصا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (ايلول)»، وأضاف «نعم نحن قلقون على المستوى الوطني، وليس فقط في ليدز، لاننا نشبه بابن لادن الذي يلبس عمامة بيضاء مثلنا، ويرخي لحيته، فالرجل العادي في الشارع ،البريطاني او الاوروبي، لا يستطيع التمييز بين رجل مثلي وبين بن لادن». وأضاف «هذا يستدعي العمل على تثقيف الناس، وهو جهد لا يمكن اتمامه بين ليلة وضحاها». وعما اذا كانت السلطات المحلية في ليدز تهمل حاجات المجموعة الإثنية، الامر الذي يدفع بعض مواطنيها من ذوي الاصول الآسيوية الى التشدد، قال رجل الدين السيخي ان «السلطات لا تهملنا بل هي تستجيب لنا بكل تأكيد». وأضاف «قد يكون النظام بطيئا بعض الشيء بسبب البيروقراطية، وربما كانت سرعة الاستجابة اقل مما نرغب به، لكن الاجهزة المحلية تصغي الينا دائما وتحاول تلبية حاجاتنا».

واعتبر ان الاهمال حتى لو حصل فعلا فانه «لا يبرر الارهاب، لا بل لا شيء يبرر الارهاب». وأردف ان «الارهاب حالة عقلية، فمن يمارسه يكون مسيرا لسبب او آخر بعدما تعرض لعملية غسل دماغ». وشدد على استغرابه «لقيام اشخاص عاشوا هنا وتمتعوا بكل الخدمات التي تتوفر لنا لجهة التعليم والنقل والطبابة الخ.. فكل حاجاتنا متوفرة هنا، بأعمال ارهابية». وتابع «كان ينبغي ان يردعهم العرفان بالجميل، على الاقل، عن ارتكاب هذه الجرائم، فهل هذه هي الطريقة التي نعرب بها عن شكرنا لبريطانيا».

ومن جهته، بدا الكاهن الانغليكاني ديفيد راندولف هوند، سكرتير «ملتقى الحوار بين الاديان في ليدز»، متشائما الى درجة لا بأس بها. وقال لـ«الشرق الأوسط» أول من أمس «ان من المؤسف على الدوام ان يتعرض الابرياء للقتل، واذا حصلت ضربة اخرى، فمن يدري، لكني لا اتوقع ان يكون رد الفعل هنا في ليدز هادئا». وأضاف «انا متأكد من ان هجمات اخرى ستقع، لأني متأكد ان هناك خلايا (ارهابية) اخرى غير هذه». وزاد «يجب ان نكون مستعدين للتصدي لهؤلاء الذين لا يريدون لنا ان نتواصل». وهل هو مطمئن الى ان «الحزب القومي البريطاني» سيفشل في اثارة القلاقل اذا حاول ذلك؟ قال كاهن الكنيسة الرسمية البريطانية «لست مطمئنا الى ذلك على الاطلاق». وتابع «صحيح ان هؤلاء لم يسمعوا صوتهم في الايام الاخيرة (في ليدز)، لكن مع مرور الايام والاسابيع سنجدهم مجددا على عتبات البيوت متربصين بهذا او ذاك».

الى ذلك، ذكر اشخاص تحدثت اليهم «الشرق الأوسط» امس ان بشير احمد، وهو خال شهزاد تنوير وصاحب مطعم السمك والبطاطا المقلية الذي اشتغل فيه الارهابي الشاب، قد تعرض للضرب على ايدي عنصريين من حليقي الرؤوس.

وأفيد بأن هذا الرجل هوجم بعد يوم او يومين من ظهوره على شاشات التلفزيون للإعراب عن دهشته لما فعله ابن اخته وحزنه على ارواح الابرياء الذين سقطوا جراء اعتداءات لندن. غير انه تعذر التأكد من صحة النبأ.