المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاجتهاد دعوة إلى التجديد ........الشيخ حسن الصفار



جمال
07-18-2005, 09:36 AM
الشيخ حسن الصفار

تحتاج الأمة إلى التجديد في الاجتهاد في الفكر والفقه، في كل عصري وزمان، وخاصةً أمام المنعطفات، فإذا كانت هناك منعطفات كبيرة في حياة البشرية وتحديات تواجهها الأمة فإن الحاجة للتجديد تكون أكثر إلحاحاً، لماذا؟

لأن الفقهاء السابقين أعطوا آراءهم من خلال وضع كانوا يعيشونه، و بيئة كانوا يتفاعلون معها، ولكن مع تغير الأوضاع والتطورات في العالم، يجب الاجتهاد بجرأة وانفتاح، فلعلّ المتغيرات والتطورات تفتح المجال للتفكير بشكلي آخر.

ولا شك أن كثيراً من موضوعات الأحكام الشرعية قد استجدت أو تغيّرت عما كانت عليه في زمن الفقهاء السابقين، مما يعني تغيراً في الحكم تبعاً لتغيّر الموضوع. كما أن فرص الفقيه في استقصاء النصوص الشرعية، والاطلاع على الآراء الفقهية وأدلتها، أصبحت أكبر وأفضل، فإن الفقيه في الزمن الماضي كان يصرف وقتاً وجهداً كبيراً لجمع النصوص والآراء من كتب مخطوطة، أو محدودة التداول والانتشار، بينما يستطيع اليوم الاطلاع على أكبر عدد من النصوص والآراء عبر جهاز الحاسوب، وبجهد بسيط لا يذكر.

ولا يمكن تجاهل تأثير التراكم العلمي والمعرفي، فأمام فقيه العصر نتاج علمي معرفي هائل في مختلف مجالات العلوم، بما فيها العلوم الشرعية، حيث أثراها علماء العصور الماضية باجتهاداتهم وآرائهم، فرصيد المعرفة والعلم والخبرة والتجربة المتوفر اليوم أعظم وأضخم مما كان متوفراً في الأزمنة السابقة.
صحيح أن الفقهاء في العصور المتقدمة يمتلكون ميزة القرب من عصر النص، لكنهم يفتقدون ما أشرنا إليه من امتيازات معاصرة.

وقد تنتصب أمام الفقيه عوائق مختلفة تعترض طريقه لتجديد الرأي والنظر فيما هو موروث مشهور، أو سائد متداول من الآراء الفكرية والفقهية.
وأبرز تلك العوائق: سيطرة الأجواء المحافظة التي ترفض الرأي الآخر، ووجهة النظر المخالفة، في الحوزات العلمية والأوساط الدينية غالباً.
حيث ينظر البعض إلى الرأي الجديد وكأنه بدعة أو خروج عن الإطار الشرعي، أو تهديد للعقيدة والأصالة وثوابت الدين.

وقد تدخل الأغراض الشخصية والمصلحية على الخط، فيتداخل الاختلاف في الرأي مع التضارب في المصلحة أو النزاع على المكانة والموقعية.
وهنا يُشهر سلاح الاتهام والتشكيك تجاه صاحب الرأي المخالف الجديد، وتستثار عواطف ومشاعر الجمهور ضده.
هذه المعاناة عادة ما يواجهها الفقهاء المجددون، وقد أخذ الشيخ ابن إدريس حظه من هذه المعاناة.

فقد اتهموه بترك أخبار أهل البيت والإعراض عنها، كما ذكر ابن داود الحلي في رجاله، حيث قال: «محمد بن إدريس العجلي الحلي، كان شيخ الفقهاء بالحلة، متقناً في العلوم، كثير التصانيف، لكنه أعرض عن أخبار أهل البيت».

فهل يعقل أن يُعرض فقيه شيعي عن أخبار أهل البيت عليهم السلام؟ ثم ان للشيخ ابن إدريس كتاباً جمع فيه كثيراً من الأحاديث والأخبار عن أهل البيت عليهم السلام بعنوان (مستطرفات السرائر)، كما أن كتابه (السرائر) مملوء بأخبار أهل البيت، وفي كثير من الموارد حرص على نقل متون الأخبار بعينها.

ولكن تحوّل الخلاف من نهجه العلمي إلى الخصام الشخصي ينتج مثل هذه الاتهامات.
كما اتُهم ابن إدريس وقُدح فيه باعتباره قد أهان الشيخ الطوسي وطعن فيه، بل قال بعضهم: إن ابن إدريس توفى في سن مبكرة من عمره جزاءً له على توهينه وإساءته الأدب مع الشيخ الطوسي!! حسب نقل الشيخ محمد المازندراني في منتهى المقال.

وقد ناقش هذه التهمة باحث معاصر، واستقصى كتاب (السرائر) للشيخ ابن إدريس ليرى كيفية تعامله مع شخصية الشيخ الطوسي، فاكتشف أنه مع مناقشته الجادة لآراء الشيخ الطوسي، لكنه يذكره بكل احترام وتقدير وتجليل، ورصد هذا الباحث أربعة عشر شكلاً لذكر الشيخ الطوسي في كتاب ابن إدريس، ليس في شيء منها أي إساءة أو توهين، حيث يعبر عنه بمثل قوله: «شيخنا أبو جعفر»، «شيخنا السعيد أبو جعفر»، «الشيخ الفقيه»، «رضوان الله عليه»، «رحمه الله»، «رضي الله عنه»، «الشيخ السعيد الصدوق أبو جعفر رضي الله عنه وتغمده الله تعالى برحمته».

بل إن الشيخ ابن إدريس حينما وجد قولاً نقله الشيخ الطوسي عن السيد المرتضى، مع عدم وجود ذلك القول في أي من كتب السيد المرتضى أو مصنفاته، بل المنقول خلافه، فإن ابن إدريس يبرر للشيخ الطوسي بقوله: «ولعل شيخنا أبا جعفر سمعه من المرتضى في الدرس، وعرفه منه مشافهة، دون المسطور، وهذا هو العذر البيّن، فإن الشيخ ما يحكي بحمد الله تعالى إلا الحق اليقين، فإنه أجل قدراً، وأكثر ديانة من أن يحكي عنه ما لم يسمعه ويحققه منه».

ويلاحظ في بعض الحالات التي يذكر فيها ابن إدريس كلاً من الشيخ الطوسي والشيخ المفيد والسيد المرتضى أن تعابيره في حق الشيخ الطوسي تكون أكثر احتراماً وتقديرا.
مع كل ذلك فإن تهمة الإهانة والطعن على الشيخ الطوسي قد ألصقت بالشيخ ابن إدريس، بسبب جرأته على طرح الرأي الآخر.