فاطمي
07-16-2005, 06:22 AM
توماس فريدمان
قبل سنوات كنت في زيارة للبحرين جالسا في مطعم للسمك مع مجموعة من الاصدقاء عندما ظهر خبر على شاشة التلفزيون حول اختطاف مجموعةٍ من الارهابيين والإرهابيات المسلمين مجموعةً من الرهائن في روسيا. الامر الذي لفت انتباهي هو رد الفعل الغريزي لرجل الاعمال البحريني الجالس الى جواري الذي تمتم قائلا : «لماذا نظهر نحن في كل خبر؟» وكلمة «نحن» التي كان يشير اليها هي «نحن المسلمين».
والإجابة على هذا السؤال واحدة من اهم القضايا المطروحة في مجال الجيوبولتيكيس اليوم. لماذا لا يتردد بعض الشباب المسلم، من لندن الى الرياض ومن بالي الى بغداد، في تفجير انفسهم والآخرين باسم دينهم؟ بالطبع، ليس كل مسلم انتحاريا، فالأمر سيبدو سخيفا لو قلنا ذلك.
ولكن، وفي المقابل، فالانتحاريون، كلهم تقريبا، في الآونة الاخيرة، من المسلمين السنة. هناك العديد من الناس الغاضبين في العالم. مكسيكيون غاضبون، وأفارقة غاضبون، ونرويجيون غاضبون.
ولكن الاشخاص الوحيدين الذين يشعرون بأنهم مخولون ويشجعون على قتل انفسهم وأشخاص ابرياء، من ضمنهم مسلمون آخرون، هم المتطرفون من المسلين السنة. فما الذي يحدث؟
ولا يمكننا، ولا العالم الاسلامي، التهرب من هذا السؤال. وهو امر ينطبق بدقة على اشخاص مثل محمد بوري المواطن الهولندي المغربي الاصل الذي لاحق المخرج الهولندي ثيو فان غوخ، الذي ينتقد التعصب الاسلامي، في شارع في امستردام وأطلق عليه النار 15 مرة وذبحه بسكين جزار. وقال في آخر ايام محاكمته يوم الخميس «اتحمل مسؤولية افعالي كاملة. لقد تصرفت باسم ديني».
من الواضح، ان عدة امور تفاعلت معا. واحد منها هو ان اوروبا ليست بوتقة انصهار ولم تدمج بعد، بطريقة كافية، اقلياتها الاسلامية، الذين، كما وصفتهم صحيفة «فاينانشيال تايمز» يجدون انفسهم عادة «معزولين عن بلادهم ولغتهم وثقافتهم الاصلية» بدون الاندماج في اوروبا، مما يجعلهم فريسة سهلة لدعاة الهوية الجهادية الجديدة.
ومن بين العوامل ايضا صراع الاسلام السني مع الحداثة. فالإسلام يتمتع بتقاليد قديمة من التسامح مع الاديان الاخرى، ولكن من منطلق تفوق الاسلام، وليس المساواة مع الاسلام. فالهوية الذاتية للاسلام تنطلق من انه التعبير المثالي والصادق للوحدانية. ويربى المسلمون على وجهة النظر بأن الاسلام يحتل المرتبة الثالثة تاريخيا والمسيحية المرتبة الثانية واليهودية المرتبة الاولى في الاديان السماوية، وان الهندوسية لا تحتل أية مرتبة على الاطلاق.
وجزء مما كان حادثا لهؤلاء الشبان المسلمين انهم كانوا، من ناحية، قد وقعوا في اغراءات المجتمع الغربي، ويشعرون من الناحية الاخرى بالحياء من هذا الإغراء. ومن ناحية اخرى يشعرون بالذل لأن القرار بحظر الإصلاح وإعادة تفسير الاسلام منذ القرن الثاني عشر خنق روح الابتكار في العالم الاسلامي، وجعله اقل قوة في مجالات التنمية الاقتصادية والتكنولوجيا، وذلك في ظل وجود افتراض سائد بتفوق الحضــارة الاسلامية السنية.
يقول المؤرخ وكاتب سيرة نجيب محفوظ، ريموند ستوك، ان بعض هؤلاء الشبان المسلمين وقعوا في إغراء حضارة يعتبرونها متدنية اخلاقيا، كما يعتقد ايضا بانهم كانوا يشعرون بالإهانة من جراء حقيقة ان الحضارات الأخرى افضل حالا وتقدما، في الوقت الذي تعلموا فيه ان دينهم هو المتفوق. قال ستوك ايضا انه عندما يتزايد الصراع الداخلي، يجري استغلال البعض وإغراؤهم بالسعي لـ«الشهادة» بمحاربة ما يزعمون انه احتلال غير عادل لأراضي المسلمين، والانهيار في القيم والأخلاق.
الأمر هنا لا يتعلق بالفقر الاقتصادي وإنما بفقر الكرامة وما يثيره ذلك من غضب.
أحد منفذي تفجيرات لندن متزوج وله طفل وتنتظر زوجته طفلا ثانيا. يمكن أن اتفهم، لكنني لا اقبل مطلقا، ان الهجمات الانتحارية في العراق او اسرائيل جزء من صراع له منطلقات ومشاعر قومية. ولكن عندما يفجر مسلم بريطاني، نشأ وتربى في هذا المجتمع، جيرانه على نحو عشوائي، ويترك وراءه طفلا وزوجته الحامل، فلا بد ان يكون تحت تأثير وقبضة طائفة او واعظ يتسم كلاهما بالخطورة، الخطورة على الدين وعلى العالم.
كيف حدث ذلك؟ وصفت صحيفة «الانديبندانت» البريطانية احد منفذي التفجيرات، يدعى حسيب حسين، بأنه تحول بصورة مفاجئة «من بريطاني آسيوي يرتدي الملابس الغربية، الى مراهق متدين يرتدي الزي الاسلامي ويتوقف فقط لإلقاء التحية على المسلمين».
سر قصة هذا الشاب يكمن في هذا التحول، وكذلك في الأزمة داخل الاسلام. فالأشخاص والأفكار التي ادت الى هذا التحول المفاجئ لحسيب حسين ورفاقه ستنتهي بتحول كل مسلم الى مشتبه فيه ، وإلى تحول الإسلام كواحد من أعظم الأديان في العالم الى تصدير الموت.
قبل سنوات كنت في زيارة للبحرين جالسا في مطعم للسمك مع مجموعة من الاصدقاء عندما ظهر خبر على شاشة التلفزيون حول اختطاف مجموعةٍ من الارهابيين والإرهابيات المسلمين مجموعةً من الرهائن في روسيا. الامر الذي لفت انتباهي هو رد الفعل الغريزي لرجل الاعمال البحريني الجالس الى جواري الذي تمتم قائلا : «لماذا نظهر نحن في كل خبر؟» وكلمة «نحن» التي كان يشير اليها هي «نحن المسلمين».
والإجابة على هذا السؤال واحدة من اهم القضايا المطروحة في مجال الجيوبولتيكيس اليوم. لماذا لا يتردد بعض الشباب المسلم، من لندن الى الرياض ومن بالي الى بغداد، في تفجير انفسهم والآخرين باسم دينهم؟ بالطبع، ليس كل مسلم انتحاريا، فالأمر سيبدو سخيفا لو قلنا ذلك.
ولكن، وفي المقابل، فالانتحاريون، كلهم تقريبا، في الآونة الاخيرة، من المسلمين السنة. هناك العديد من الناس الغاضبين في العالم. مكسيكيون غاضبون، وأفارقة غاضبون، ونرويجيون غاضبون.
ولكن الاشخاص الوحيدين الذين يشعرون بأنهم مخولون ويشجعون على قتل انفسهم وأشخاص ابرياء، من ضمنهم مسلمون آخرون، هم المتطرفون من المسلين السنة. فما الذي يحدث؟
ولا يمكننا، ولا العالم الاسلامي، التهرب من هذا السؤال. وهو امر ينطبق بدقة على اشخاص مثل محمد بوري المواطن الهولندي المغربي الاصل الذي لاحق المخرج الهولندي ثيو فان غوخ، الذي ينتقد التعصب الاسلامي، في شارع في امستردام وأطلق عليه النار 15 مرة وذبحه بسكين جزار. وقال في آخر ايام محاكمته يوم الخميس «اتحمل مسؤولية افعالي كاملة. لقد تصرفت باسم ديني».
من الواضح، ان عدة امور تفاعلت معا. واحد منها هو ان اوروبا ليست بوتقة انصهار ولم تدمج بعد، بطريقة كافية، اقلياتها الاسلامية، الذين، كما وصفتهم صحيفة «فاينانشيال تايمز» يجدون انفسهم عادة «معزولين عن بلادهم ولغتهم وثقافتهم الاصلية» بدون الاندماج في اوروبا، مما يجعلهم فريسة سهلة لدعاة الهوية الجهادية الجديدة.
ومن بين العوامل ايضا صراع الاسلام السني مع الحداثة. فالإسلام يتمتع بتقاليد قديمة من التسامح مع الاديان الاخرى، ولكن من منطلق تفوق الاسلام، وليس المساواة مع الاسلام. فالهوية الذاتية للاسلام تنطلق من انه التعبير المثالي والصادق للوحدانية. ويربى المسلمون على وجهة النظر بأن الاسلام يحتل المرتبة الثالثة تاريخيا والمسيحية المرتبة الثانية واليهودية المرتبة الاولى في الاديان السماوية، وان الهندوسية لا تحتل أية مرتبة على الاطلاق.
وجزء مما كان حادثا لهؤلاء الشبان المسلمين انهم كانوا، من ناحية، قد وقعوا في اغراءات المجتمع الغربي، ويشعرون من الناحية الاخرى بالحياء من هذا الإغراء. ومن ناحية اخرى يشعرون بالذل لأن القرار بحظر الإصلاح وإعادة تفسير الاسلام منذ القرن الثاني عشر خنق روح الابتكار في العالم الاسلامي، وجعله اقل قوة في مجالات التنمية الاقتصادية والتكنولوجيا، وذلك في ظل وجود افتراض سائد بتفوق الحضــارة الاسلامية السنية.
يقول المؤرخ وكاتب سيرة نجيب محفوظ، ريموند ستوك، ان بعض هؤلاء الشبان المسلمين وقعوا في إغراء حضارة يعتبرونها متدنية اخلاقيا، كما يعتقد ايضا بانهم كانوا يشعرون بالإهانة من جراء حقيقة ان الحضارات الأخرى افضل حالا وتقدما، في الوقت الذي تعلموا فيه ان دينهم هو المتفوق. قال ستوك ايضا انه عندما يتزايد الصراع الداخلي، يجري استغلال البعض وإغراؤهم بالسعي لـ«الشهادة» بمحاربة ما يزعمون انه احتلال غير عادل لأراضي المسلمين، والانهيار في القيم والأخلاق.
الأمر هنا لا يتعلق بالفقر الاقتصادي وإنما بفقر الكرامة وما يثيره ذلك من غضب.
أحد منفذي تفجيرات لندن متزوج وله طفل وتنتظر زوجته طفلا ثانيا. يمكن أن اتفهم، لكنني لا اقبل مطلقا، ان الهجمات الانتحارية في العراق او اسرائيل جزء من صراع له منطلقات ومشاعر قومية. ولكن عندما يفجر مسلم بريطاني، نشأ وتربى في هذا المجتمع، جيرانه على نحو عشوائي، ويترك وراءه طفلا وزوجته الحامل، فلا بد ان يكون تحت تأثير وقبضة طائفة او واعظ يتسم كلاهما بالخطورة، الخطورة على الدين وعلى العالم.
كيف حدث ذلك؟ وصفت صحيفة «الانديبندانت» البريطانية احد منفذي التفجيرات، يدعى حسيب حسين، بأنه تحول بصورة مفاجئة «من بريطاني آسيوي يرتدي الملابس الغربية، الى مراهق متدين يرتدي الزي الاسلامي ويتوقف فقط لإلقاء التحية على المسلمين».
سر قصة هذا الشاب يكمن في هذا التحول، وكذلك في الأزمة داخل الاسلام. فالأشخاص والأفكار التي ادت الى هذا التحول المفاجئ لحسيب حسين ورفاقه ستنتهي بتحول كل مسلم الى مشتبه فيه ، وإلى تحول الإسلام كواحد من أعظم الأديان في العالم الى تصدير الموت.