فاطمي
07-16-2005, 06:20 AM
هاشم صالح
يبدو ان وباء الاصولية والتعصب والاكراه في الدين يستفحل حاليا في العالم العربي والاسلامي كله، بل ويصل بعدواه الى الجاليات الاسلامية المقيمة في الغرب منذ زمن طويل. فاذا صحت الاخبار بان عائلات باكستانية «هادئة» هي التي انجبت المجرمين الذين فجروا انفاق لندن وباصاتها فهذا يعني انه لم يعد احد يسلم من هذا المرض العضال. ولذلك ينبغي ان ندق ناقوس الخطر ونفعل شيئا ما لمواجهة هذا الموضوع الذي لم يعد يحتمل. والشيء الوحيد الذي نستطيع ان نفعله هو ان نبلور فكرا آخر عن الاسلام غير الفكر السائد اليوم. اقصد فكرا منفتحا، متسامحا، عقلانيا. نعم ان التفسير الجديد للعقيدة الاسلامية سوف يدخل في صراع مرير مع التفسير العتيق الراسخ الجذور والذي يعتمد عليه الاصوليون لارتكاب اعمالهم الاجرامية. فهو الذي يقدم لهم المشروعية الدينية والحماية الكافية من الناحية النفسية وإلا لما استطاعوا ارتكاب كل هذه المجازر بحق المدنيين او الابرياء العزل الذين يؤخذون على حين غرة.
وبالتالي فالمسألة فكرية قبل ان تكون سياسية، واذا لم تحسم فكريا فلن تحسم سياسيا يوما ما. وهذا ما اهمله المثقفون العرب او قل معظمهم على مدار السنوات السابقة. وتحضرني بهذا الصدد قصة الفيلسوف الفرنسي فولتير الذي كرس حياته كلها لمحاربة التعصب المسيحي والمتعصبين في وقته وفتح المجال امام التنوير الاوروبي. وقد خاطر بحياته اكثر من مرة من اجل انجاز هذه المهمة العظيمة، التي كان يتوقف عليها مصير الحضارة الاوروبية. ومن كان مثله الاعلى في ذلك؟ انه مدينة لندن وفلاسفتها وعلماؤها!
نعم، لندن التي تضمد الآن جراحها بكل كرامة وشرف وكبرياء. فقد زارها لاول مرة عام (1726) هاربا من فرنسا الاصولية الاستبدادية للويس الخامس عشر بعد ان سجنوه في «الباستيل» لبضعة اشهر. وقد صعقته لندن بتسامحها وحرياتها ومناقشاتها وديمقراطيتها. نعم، منذ ذلك الوقت كانت لندن الجريحة حاليا هي المختبر الاول للحضارة والحداثة في العالم. ولذلك يقال عن انكلترا بانها اعرق ديمقراطية في العالم.. ولم يغادرها الا بعد ثلاث سنوات بعد ان تشبع بفلسفة جون لوك وعلم اسحاق نيوتن، وعاد الى فرنسا وفي داخله يتأجج الغضب العبقري، اقصد الغضب على الاوضاع الفرنسية، فألف كتابه الشهير: رسائل انكليزية الذي اصبح فيما بعد: رسائل فلسفية.
وفيه يقيم مقارنة صريحة بين وضع انكلترا المتقدم ووضع بلاده المتأخر ويصب جام غضبه على فرنسا والفرنسيين لأنهم يأنفون عن سلوك درب العقل والتسامح الديني. ففي فرنسا لا يوجد الا دين واحد او حتى مذهب واحد هو المذهب الكاثوليكي البابوي الروماني وكل ما عداه ممنوع منعا باتا. هذا في حين ان جميع المذاهب والاديان تتعايش في انكلترا بكل سلام ووئام. ولا احد يقتل احدا لأنه يؤمن بدين آخر غير دينه او مذهب آخر غير مذهبه. بل وحتى العقلانيون الذين لا يؤمنون بالطقوس والشعائر يعيشون بأمان في بلاد شكسبير دون ان يؤذيهم احد.
وبالتالي فقصة التسامح الانكليزي قديمة وليست حديثة العهد.
ثم يضيف فولتير: في فرنسا يسود حكم اطلاقي مستبد، وطبقة نبلاء اقطاعية مغرورة بنفسها وعاطلة عن العمل. في فرنسا تجد التجارة محتقرة والفلاح مسحوقا يئن تحت وطأة الضرائب المفروضة عليه من قبل الاقطاعيين. وفي انكلترا تجد حكم البرلمان السيد المستقل بعد ان قضوا على الاستبداد من خلال ثورتهم الشهيرة (1666). وتجد التجارة محترمة والفلاح غنيا وفخورا بوضعه وواثقا من نفسه.
في فرنسا تجد الناس غارقين في المناقشات اللاهوتية العقيمة من نوع: هل هذا حلال ام حرام، نجس ام طاهر، مؤمن ام كافر.. الخ. وفي انكلترا تجد المناقشات الفلسفية على طريقة فرانسيس بيكون ومنهجه التجريبي في العلم، او طريقة جون لوك المنطقية المحسوسة لا التجريدية ولا الميتافيزيقية، او طريقة نيوتن، ذلك العبقري العظيم الذي فسر لنا نظام العالم فرفعه الانكليز الى اعلى عليين.
وعلى هذا النحو يواصل فولتير هجومه على الفرنسيين وتمجيده للانكليز. بالطبع فقد اخذ احتياطاته قبل نشر هذا الكتاب ـ الفضيحة الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في وقته. فقد نشره بدون توقيع ثم اختفى تحت الارض لأنه يعرف انهم سيلاحقونه وهذا ما كان، فقد صودر الكتاب فورا وحرق امام القصر العدلي على رؤوس الاشهاد. في ذلك الوقت كانت فرنسا لا تزال تحرق الكتب او تمنعها من الانتشار وتسلط عليها سيف الرقابة كما نفعل نحن الآن. على هذا النحو خاض الفلاسفة معركتهم ضد الاصوليين في فرنسا حتى ربحوها في نهاية المطاف واستأصلوا جذور التعصب الديني من بلادهم.
وبالتالي فنحن بحاجة الى «كاميكاز فكري» من نوعية فولتير لكي نستطيع ان نواجه الكاميكازات التفجيرية لشيوخ الظلام والارهاب من نوعية بن لادن او الظواهري او الزرقاوي او الآلاف من اشكالهم. نحن في معركة مفتوحة ايها السادة، معركة المعارك، أم المعارك. ولن تنتهي الا بغالب ومغلوب. ذلك ان ما ضربه الاصوليون في مدينة لندن العريقة والجميلة هو فكرة الحضارة وطريقة معينة في الحياة والوجود كما قال رئيس الوزراء طوني بلير، ان ما ضربوه هو فكرة الحرية والتعددية الروحية والدينية والسياسية. ان ما ضربوه هو حرية التعبير والتنفس والكلام. وهي الحرية التي يستفيدون منها ويستغلونها لكي يبثوا سمومهم في حديقة الهايد بارك او في الزوايا المعتمة.
وهي نفس الحرية التي يستغلها «الآيديولوجيون العرب» الذين يتعاطفون سرا وعلانية مع بن لادن والزرقاوي وصدام حسين على الرغم من انهم يعيشون في لندن او باريس او برلين، او امستردام ويسرحون ويمرحون، ثم بعد ذلك يدعون انهم يناضلون ضد القمع والديكتاتورية في بلدانهم! فمن يستطيع ان يصدقهم؟ وهل يمكن لشخص يتعاطف، مجرد تعاطف، مع هؤلاء القتلة المجرمين ان يكون مناضلا من اجل الحرية، او الديمقراطية، او الحداثة الفكرية والسياسية؟! والى متى ستستمر هذه الكذبة او تنطلي هذه الحيلة على الناس؟!
حقا لقد سقطت الاقنعة عن الوجوه او اوشكت ان تتساقط.
يبدو ان وباء الاصولية والتعصب والاكراه في الدين يستفحل حاليا في العالم العربي والاسلامي كله، بل ويصل بعدواه الى الجاليات الاسلامية المقيمة في الغرب منذ زمن طويل. فاذا صحت الاخبار بان عائلات باكستانية «هادئة» هي التي انجبت المجرمين الذين فجروا انفاق لندن وباصاتها فهذا يعني انه لم يعد احد يسلم من هذا المرض العضال. ولذلك ينبغي ان ندق ناقوس الخطر ونفعل شيئا ما لمواجهة هذا الموضوع الذي لم يعد يحتمل. والشيء الوحيد الذي نستطيع ان نفعله هو ان نبلور فكرا آخر عن الاسلام غير الفكر السائد اليوم. اقصد فكرا منفتحا، متسامحا، عقلانيا. نعم ان التفسير الجديد للعقيدة الاسلامية سوف يدخل في صراع مرير مع التفسير العتيق الراسخ الجذور والذي يعتمد عليه الاصوليون لارتكاب اعمالهم الاجرامية. فهو الذي يقدم لهم المشروعية الدينية والحماية الكافية من الناحية النفسية وإلا لما استطاعوا ارتكاب كل هذه المجازر بحق المدنيين او الابرياء العزل الذين يؤخذون على حين غرة.
وبالتالي فالمسألة فكرية قبل ان تكون سياسية، واذا لم تحسم فكريا فلن تحسم سياسيا يوما ما. وهذا ما اهمله المثقفون العرب او قل معظمهم على مدار السنوات السابقة. وتحضرني بهذا الصدد قصة الفيلسوف الفرنسي فولتير الذي كرس حياته كلها لمحاربة التعصب المسيحي والمتعصبين في وقته وفتح المجال امام التنوير الاوروبي. وقد خاطر بحياته اكثر من مرة من اجل انجاز هذه المهمة العظيمة، التي كان يتوقف عليها مصير الحضارة الاوروبية. ومن كان مثله الاعلى في ذلك؟ انه مدينة لندن وفلاسفتها وعلماؤها!
نعم، لندن التي تضمد الآن جراحها بكل كرامة وشرف وكبرياء. فقد زارها لاول مرة عام (1726) هاربا من فرنسا الاصولية الاستبدادية للويس الخامس عشر بعد ان سجنوه في «الباستيل» لبضعة اشهر. وقد صعقته لندن بتسامحها وحرياتها ومناقشاتها وديمقراطيتها. نعم، منذ ذلك الوقت كانت لندن الجريحة حاليا هي المختبر الاول للحضارة والحداثة في العالم. ولذلك يقال عن انكلترا بانها اعرق ديمقراطية في العالم.. ولم يغادرها الا بعد ثلاث سنوات بعد ان تشبع بفلسفة جون لوك وعلم اسحاق نيوتن، وعاد الى فرنسا وفي داخله يتأجج الغضب العبقري، اقصد الغضب على الاوضاع الفرنسية، فألف كتابه الشهير: رسائل انكليزية الذي اصبح فيما بعد: رسائل فلسفية.
وفيه يقيم مقارنة صريحة بين وضع انكلترا المتقدم ووضع بلاده المتأخر ويصب جام غضبه على فرنسا والفرنسيين لأنهم يأنفون عن سلوك درب العقل والتسامح الديني. ففي فرنسا لا يوجد الا دين واحد او حتى مذهب واحد هو المذهب الكاثوليكي البابوي الروماني وكل ما عداه ممنوع منعا باتا. هذا في حين ان جميع المذاهب والاديان تتعايش في انكلترا بكل سلام ووئام. ولا احد يقتل احدا لأنه يؤمن بدين آخر غير دينه او مذهب آخر غير مذهبه. بل وحتى العقلانيون الذين لا يؤمنون بالطقوس والشعائر يعيشون بأمان في بلاد شكسبير دون ان يؤذيهم احد.
وبالتالي فقصة التسامح الانكليزي قديمة وليست حديثة العهد.
ثم يضيف فولتير: في فرنسا يسود حكم اطلاقي مستبد، وطبقة نبلاء اقطاعية مغرورة بنفسها وعاطلة عن العمل. في فرنسا تجد التجارة محتقرة والفلاح مسحوقا يئن تحت وطأة الضرائب المفروضة عليه من قبل الاقطاعيين. وفي انكلترا تجد حكم البرلمان السيد المستقل بعد ان قضوا على الاستبداد من خلال ثورتهم الشهيرة (1666). وتجد التجارة محترمة والفلاح غنيا وفخورا بوضعه وواثقا من نفسه.
في فرنسا تجد الناس غارقين في المناقشات اللاهوتية العقيمة من نوع: هل هذا حلال ام حرام، نجس ام طاهر، مؤمن ام كافر.. الخ. وفي انكلترا تجد المناقشات الفلسفية على طريقة فرانسيس بيكون ومنهجه التجريبي في العلم، او طريقة جون لوك المنطقية المحسوسة لا التجريدية ولا الميتافيزيقية، او طريقة نيوتن، ذلك العبقري العظيم الذي فسر لنا نظام العالم فرفعه الانكليز الى اعلى عليين.
وعلى هذا النحو يواصل فولتير هجومه على الفرنسيين وتمجيده للانكليز. بالطبع فقد اخذ احتياطاته قبل نشر هذا الكتاب ـ الفضيحة الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في وقته. فقد نشره بدون توقيع ثم اختفى تحت الارض لأنه يعرف انهم سيلاحقونه وهذا ما كان، فقد صودر الكتاب فورا وحرق امام القصر العدلي على رؤوس الاشهاد. في ذلك الوقت كانت فرنسا لا تزال تحرق الكتب او تمنعها من الانتشار وتسلط عليها سيف الرقابة كما نفعل نحن الآن. على هذا النحو خاض الفلاسفة معركتهم ضد الاصوليين في فرنسا حتى ربحوها في نهاية المطاف واستأصلوا جذور التعصب الديني من بلادهم.
وبالتالي فنحن بحاجة الى «كاميكاز فكري» من نوعية فولتير لكي نستطيع ان نواجه الكاميكازات التفجيرية لشيوخ الظلام والارهاب من نوعية بن لادن او الظواهري او الزرقاوي او الآلاف من اشكالهم. نحن في معركة مفتوحة ايها السادة، معركة المعارك، أم المعارك. ولن تنتهي الا بغالب ومغلوب. ذلك ان ما ضربه الاصوليون في مدينة لندن العريقة والجميلة هو فكرة الحضارة وطريقة معينة في الحياة والوجود كما قال رئيس الوزراء طوني بلير، ان ما ضربوه هو فكرة الحرية والتعددية الروحية والدينية والسياسية. ان ما ضربوه هو حرية التعبير والتنفس والكلام. وهي الحرية التي يستفيدون منها ويستغلونها لكي يبثوا سمومهم في حديقة الهايد بارك او في الزوايا المعتمة.
وهي نفس الحرية التي يستغلها «الآيديولوجيون العرب» الذين يتعاطفون سرا وعلانية مع بن لادن والزرقاوي وصدام حسين على الرغم من انهم يعيشون في لندن او باريس او برلين، او امستردام ويسرحون ويمرحون، ثم بعد ذلك يدعون انهم يناضلون ضد القمع والديكتاتورية في بلدانهم! فمن يستطيع ان يصدقهم؟ وهل يمكن لشخص يتعاطف، مجرد تعاطف، مع هؤلاء القتلة المجرمين ان يكون مناضلا من اجل الحرية، او الديمقراطية، او الحداثة الفكرية والسياسية؟! والى متى ستستمر هذه الكذبة او تنطلي هذه الحيلة على الناس؟!
حقا لقد سقطت الاقنعة عن الوجوه او اوشكت ان تتساقط.