الغول سعيد
04-11-2020, 09:10 PM
http://www.manar.com/file-attachs-39195-100-80.jpg
10 أبريل 2020
قال الكاتب في موقع “بلومبيروغ نيوز“، ليام ديننغ، إن السعودية اليوم في مركز السياسة الدولية من ناحية حرب الأسعار التي تخوضها مع روسيا والقمة الافتراضية التي ستعقدها كرئيسة لمجموعة العشرين إلا أن المستقبل يبدو مزعجا، وذلك ضمن مقاله له بعنوان “عالم السعودية الذي لم يكتمل”.
فرغم ما لديها من فرصة للتبختر على المسرح الدولي إلا أن كل هذا يأتي بثمن، فهي مثل بقية الدول المصدرة للنفط تواجه انخفاضا كارثيا في أسعار النفط. ولكن الأمر لا يتعلق بالمال كما يقول كتاب جديد يقدم مزاجا عما سيتركه كوفيد-19 وعالم السعودية الذي يتداعى. ففي كتابه “أمم غير متحدة: التكالب على القوة في عالم لا يحكمه أحد” قال المحلل في شؤون الجيوسياسية بيتر زيهان إن النظام العالمي الذي نشأ في مرحلة ما بعد الحرب ورعته الولايات المتحدة يتفكك.
وبعد سبعة عقود من عملية كبح الإنسانية حتى لا تخوض مرة ثانية في الفوضى العامة، بالتزام قوي بحرية التجارة والضمانات الأمنية الواسعة فإننا أمام مستقبل جديد. ولم تتشكل دول بالطريقة التي شكلت فيها الهيمنة الأمريكية السعودية التي يخصص لها الكاتب فصلا، فهي بلد معظم مساحته صحراوية ومناطق قليلة مأهولة بالسكان. وظهرت من خلال حرب قبلية على ركام الدولة العثمانية. وربما كانت المملكة حديقة خلفية للإمبراطورية الأمريكية لو لم يكن لديها احتياطي هائل من النفط الذي أصبح بضاعة حيوية للطاقة العالمية. وربما كان النفط محلا لاستهداف المملكة من القوى الكبرى لولا وقت ظهور المملكة الذي تزامن مع الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة.
وكان من حسن حظ السعوديين أن أمنهم المطلق ارتبط بأمن أوروبا وأمن شرق آسيا والولايات المتحدة. واليوم فإن العمادين اللذين علما تاريخ المملكة خلال التسعة عقود الماضية- سوق النفط والحماية الأمريكية- ينهاران. فلم يعد النمو الدائم في الطلب على النفط أمرا مضمونا، فيما أصبح كوفيد-19 مثل الحلم المحموم يعبر عن كل الملامح السيئة لهذا. وفي الوقت نفسه ازداد التناقض الأمريكي تجاه الشرق الأوسط من خلال هزيمة العراق وازدهار النفط الصخري. ومع ظهور أمريكا كقوة مهيمنة في مجال الطاقة، فإنها لم تعد تحتاج الشرق الأوسط.
وتحاول السعودية التكيف مع الوضع الجديد، وكانت قادرة على عمل هذا لو كان سعر برميل النفط 100 دولار وليس 30 دولارا، فالنفط يوفر ثلثي الموارد الحكومية. وبحسب حسابات شركة النفط السعودية فقد أدت موارد النفط وضريبة الدخل والأرباح للدولة لزيادة 208 مليارات دولار في العام الماضي، لكن الرقم سينخفض هذا العام بـ 100 مليار دولار حتى مع زيادة إنتاج النفط. كما أن موارد السعودية من شركة أرامكو سينخفض هذا العام وسط الفساد الذي يعيثه كوفيد-19 في سوق النفط والطلب عليه. وبناء على هذا فالسعودية لديها صافٍ من الأرصدة الأجنبية 700 مليار دولار، وهذا يمنحها الوقت وليس المناعة. ومن الصعب التقليل من عمليات إصلاح الاقتصاد المطلوبة. فثلثا القوة العاملة الوطنية (مقابل الوافدين) هم من موظفي الحكومة وبرواتب تأخذ نسبة 40% من النفقات العامة، مما يعني صعوبة تخفيض الميزانية وتنفيذه.
وكما هو الحال فقد جلب النفط ثروات هائلة ولكن على حساب الدينامية الاقتصادية. وأحد ملامحه المهمة هو أن الدعم السعودي للوقود شوه طريقة استهلاكه المحلي. وهذا لا يعطي صورة عن اقتصاد متعاف وحديث يدخل عالما يحاول تخفيض مستويات الكربون. وفي دراسة حديثة قامت على النماذج المالية لدول مجلس التعاون الخليجي أجراها صندوق النقد الدولي توصلت إلى أن الدخول في طريق مستدام يقتضي التكيف السريع المساوي للاقتصاد غير النفطي أو القائم على الغاز الطبيعي. وبعبارات أخرى فهذه الدول تكتب شيكات لا يستطيع جيل المستقبل دفعها.
وفي نفس الوقت يتلاشى الدعم الأمريكي، فأمريكا لم تنسحب بالكامل، ولكن رسائل الكونغرس المهددة كشفت على أنه لا يمكن الاعتماد عليها. ومن هنا فمحاولة ربط أمريكا ببرنامج جديد لإدارة السوق هي محاولة للحفاظ على كتلة متداعية من القوى.
وبدلا من الرد بحذر شديد على كل هذا يتوقع زيهان أن ترد السعودية بعدوانية كبيرة. وستحاول السعودية التي لديها جيش ضعيف استغلال تشتت عدوها وثروتها لدعم جماعات وكيلة تابعة لها. والفكرة هي افتعال حروب صغيرة في المنطقة لكي تتجنب مواجهة مدمرة. وهو ما يطلق عليه زيهان “تخريب جيوسياسي”.
ويصف الكاتب كتاب زيهان بأنه مثير للانقباض، ومع أنه لا يزال سيناريو إلا أنه ليس مجرد تكهنات. فالسعودية تدخلت في النزاعات الأخرى من أفغانستان إلى سوريا، وتبنت سياسة قوية في اليمن ومع قطر في ظل الحاكم الفعلي ولي العهد محمد بن سلمان. ويقول زيهان إن ظهور محمد بن سلمان يمثل قفزة من جيل الحكام الكبار في العمر إلى حكام جيل الألفية. وما تبع ذلك من مركزة للسلطة في يديه لم يكن إلا تحولا رمزيا.
والملمح المهم هو تبنيه الشعبوية التي دفعته لمكافحة الفساد وتخفيف بعض القيود على المرأة. وفي مقال مثير لكريستين ديوان من واشنطن فقد وضعت هذه التحركات ضمن سياق أوسع نحو تبني القومية كوسيلة لشرعنة الدولة.
وبدا هذا واضحا في اكتتاب شركة أرامكو والتي انتهت كتمرين في العزة القومية أكثر منها جمع أموال. فمن خلال تشجيع الدولة المواطنين على اقتراض المال فإنها كما تقول كريستين: ضاعفت من معرفة الناس حول مخاطر النفط وضخمت من ثمن الانكماش الحالي.
وقد لا تكون التضحية الأخيرة التي ستطلبها الدولة السعودية من المواطنين. ولو تدهور الاقتصاد أكثر فستعتمد الدولة على السرد الوطني لتشجيع العمل القوي والأخلاق والاعتماد على النفس. ومن الإنصاف القول إن حاكما عنيدا لا يخضع للرقابة ويقوم بتعزيز الحماس الوطني لمواجهة الصعوبات الاقتصادية ليس نموذجا يؤدي إلى نتائج ناضجة.
*عربي 21
10 أبريل 2020
قال الكاتب في موقع “بلومبيروغ نيوز“، ليام ديننغ، إن السعودية اليوم في مركز السياسة الدولية من ناحية حرب الأسعار التي تخوضها مع روسيا والقمة الافتراضية التي ستعقدها كرئيسة لمجموعة العشرين إلا أن المستقبل يبدو مزعجا، وذلك ضمن مقاله له بعنوان “عالم السعودية الذي لم يكتمل”.
فرغم ما لديها من فرصة للتبختر على المسرح الدولي إلا أن كل هذا يأتي بثمن، فهي مثل بقية الدول المصدرة للنفط تواجه انخفاضا كارثيا في أسعار النفط. ولكن الأمر لا يتعلق بالمال كما يقول كتاب جديد يقدم مزاجا عما سيتركه كوفيد-19 وعالم السعودية الذي يتداعى. ففي كتابه “أمم غير متحدة: التكالب على القوة في عالم لا يحكمه أحد” قال المحلل في شؤون الجيوسياسية بيتر زيهان إن النظام العالمي الذي نشأ في مرحلة ما بعد الحرب ورعته الولايات المتحدة يتفكك.
وبعد سبعة عقود من عملية كبح الإنسانية حتى لا تخوض مرة ثانية في الفوضى العامة، بالتزام قوي بحرية التجارة والضمانات الأمنية الواسعة فإننا أمام مستقبل جديد. ولم تتشكل دول بالطريقة التي شكلت فيها الهيمنة الأمريكية السعودية التي يخصص لها الكاتب فصلا، فهي بلد معظم مساحته صحراوية ومناطق قليلة مأهولة بالسكان. وظهرت من خلال حرب قبلية على ركام الدولة العثمانية. وربما كانت المملكة حديقة خلفية للإمبراطورية الأمريكية لو لم يكن لديها احتياطي هائل من النفط الذي أصبح بضاعة حيوية للطاقة العالمية. وربما كان النفط محلا لاستهداف المملكة من القوى الكبرى لولا وقت ظهور المملكة الذي تزامن مع الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة.
وكان من حسن حظ السعوديين أن أمنهم المطلق ارتبط بأمن أوروبا وأمن شرق آسيا والولايات المتحدة. واليوم فإن العمادين اللذين علما تاريخ المملكة خلال التسعة عقود الماضية- سوق النفط والحماية الأمريكية- ينهاران. فلم يعد النمو الدائم في الطلب على النفط أمرا مضمونا، فيما أصبح كوفيد-19 مثل الحلم المحموم يعبر عن كل الملامح السيئة لهذا. وفي الوقت نفسه ازداد التناقض الأمريكي تجاه الشرق الأوسط من خلال هزيمة العراق وازدهار النفط الصخري. ومع ظهور أمريكا كقوة مهيمنة في مجال الطاقة، فإنها لم تعد تحتاج الشرق الأوسط.
وتحاول السعودية التكيف مع الوضع الجديد، وكانت قادرة على عمل هذا لو كان سعر برميل النفط 100 دولار وليس 30 دولارا، فالنفط يوفر ثلثي الموارد الحكومية. وبحسب حسابات شركة النفط السعودية فقد أدت موارد النفط وضريبة الدخل والأرباح للدولة لزيادة 208 مليارات دولار في العام الماضي، لكن الرقم سينخفض هذا العام بـ 100 مليار دولار حتى مع زيادة إنتاج النفط. كما أن موارد السعودية من شركة أرامكو سينخفض هذا العام وسط الفساد الذي يعيثه كوفيد-19 في سوق النفط والطلب عليه. وبناء على هذا فالسعودية لديها صافٍ من الأرصدة الأجنبية 700 مليار دولار، وهذا يمنحها الوقت وليس المناعة. ومن الصعب التقليل من عمليات إصلاح الاقتصاد المطلوبة. فثلثا القوة العاملة الوطنية (مقابل الوافدين) هم من موظفي الحكومة وبرواتب تأخذ نسبة 40% من النفقات العامة، مما يعني صعوبة تخفيض الميزانية وتنفيذه.
وكما هو الحال فقد جلب النفط ثروات هائلة ولكن على حساب الدينامية الاقتصادية. وأحد ملامحه المهمة هو أن الدعم السعودي للوقود شوه طريقة استهلاكه المحلي. وهذا لا يعطي صورة عن اقتصاد متعاف وحديث يدخل عالما يحاول تخفيض مستويات الكربون. وفي دراسة حديثة قامت على النماذج المالية لدول مجلس التعاون الخليجي أجراها صندوق النقد الدولي توصلت إلى أن الدخول في طريق مستدام يقتضي التكيف السريع المساوي للاقتصاد غير النفطي أو القائم على الغاز الطبيعي. وبعبارات أخرى فهذه الدول تكتب شيكات لا يستطيع جيل المستقبل دفعها.
وفي نفس الوقت يتلاشى الدعم الأمريكي، فأمريكا لم تنسحب بالكامل، ولكن رسائل الكونغرس المهددة كشفت على أنه لا يمكن الاعتماد عليها. ومن هنا فمحاولة ربط أمريكا ببرنامج جديد لإدارة السوق هي محاولة للحفاظ على كتلة متداعية من القوى.
وبدلا من الرد بحذر شديد على كل هذا يتوقع زيهان أن ترد السعودية بعدوانية كبيرة. وستحاول السعودية التي لديها جيش ضعيف استغلال تشتت عدوها وثروتها لدعم جماعات وكيلة تابعة لها. والفكرة هي افتعال حروب صغيرة في المنطقة لكي تتجنب مواجهة مدمرة. وهو ما يطلق عليه زيهان “تخريب جيوسياسي”.
ويصف الكاتب كتاب زيهان بأنه مثير للانقباض، ومع أنه لا يزال سيناريو إلا أنه ليس مجرد تكهنات. فالسعودية تدخلت في النزاعات الأخرى من أفغانستان إلى سوريا، وتبنت سياسة قوية في اليمن ومع قطر في ظل الحاكم الفعلي ولي العهد محمد بن سلمان. ويقول زيهان إن ظهور محمد بن سلمان يمثل قفزة من جيل الحكام الكبار في العمر إلى حكام جيل الألفية. وما تبع ذلك من مركزة للسلطة في يديه لم يكن إلا تحولا رمزيا.
والملمح المهم هو تبنيه الشعبوية التي دفعته لمكافحة الفساد وتخفيف بعض القيود على المرأة. وفي مقال مثير لكريستين ديوان من واشنطن فقد وضعت هذه التحركات ضمن سياق أوسع نحو تبني القومية كوسيلة لشرعنة الدولة.
وبدا هذا واضحا في اكتتاب شركة أرامكو والتي انتهت كتمرين في العزة القومية أكثر منها جمع أموال. فمن خلال تشجيع الدولة المواطنين على اقتراض المال فإنها كما تقول كريستين: ضاعفت من معرفة الناس حول مخاطر النفط وضخمت من ثمن الانكماش الحالي.
وقد لا تكون التضحية الأخيرة التي ستطلبها الدولة السعودية من المواطنين. ولو تدهور الاقتصاد أكثر فستعتمد الدولة على السرد الوطني لتشجيع العمل القوي والأخلاق والاعتماد على النفس. ومن الإنصاف القول إن حاكما عنيدا لا يخضع للرقابة ويقوم بتعزيز الحماس الوطني لمواجهة الصعوبات الاقتصادية ليس نموذجا يؤدي إلى نتائج ناضجة.
*عربي 21