المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سنــوات صــدام ... مذكرات بقلم المترجم الخاص له



كونتا كونتي
03-28-2020, 10:43 PM
https://pbs.twimg.com/media/BvmbmbbIYAA7udr.jpg


سنــوات صــدام مذكرات بقلم المترجم الخاص سامان عبد المجيد ـ الحلقة الاولى

سامان عبد المجيد - المترجم الخاص بصدام حسين

سلسلة من الأخطاء الفادحة والتصرفات الارتجالية في مؤسسة الرئاسة حتى آخر لحظة، ظننتُ أن الحرب قد لا تنشب، فبعد أن ظلّ لزمنٍ طويل يرفض تقديم أيَّ تنازلٍ.. قبل صدّام حسين في نهاية المطاف أن يخفّف من غُلوّه وعناده، فأمر بتدمير صواريخ «الصمود»، وسمح للطائرة الاستكشافية الأميركية من طراز «يو2» بأن تُحلّقِ في أجواء العراق. كنتُ على اقتناع بأن صدّام سيخرج من جعبته ورقته الأخيرة، وبأنّ الأزمة ستنتهي إلى مخرج نهائي على نحو ما انتهت الأزمات السابقة.

لقد ظللتُ أعمل إلى جانبه خلال الفترة التي تعقّدت فيها الأزمة، وكنت أعلم أنّ صدّام كان أقدر على التصرف بكثير من البراغماتية على الرغم من تصوره التقليدي للشرف والعزّة، وكنت أعرف أيضاً، بفضل المعلومات التي كنا ننقلها إليه، أنه كان يعي خطورة الوضع.. حق الوعي. في الغالب كان صدّام ينهض في حدود الخامسة صباحاً، وقد شعرنا حقاً خلال الشهور الستة التي سبقت الحرب أنه لم يذق طعم الراحة قط. كان يُرسل إلينا بريده بواسطة حرّاسه، في أي ساعة من ساعات الليل أو النهار.

كان جهاز نقل الرسائل مُروّضاً ترويضاً مُتقناً، ففي الأوقات العادية كان رجلٌ من رجال الأمن يحمل رسائلنا إلى الرئيس فيسلّمها إلى مكتب الاستقبال في بناية سرّية تقع خارج القصر، فيتكفّل رجلٌ ثانٍ من الأمن بنقلها إلى سكرتير الرئيس الخاص، عبد حمود الذي كان يضطلع بفتحها، ولا شيء من كل هذا تغيّر أثناء الأزمة، فقد ظل صدّام يُمسك بزمام العراق حتى النهاية. أما نُهى زوجتي فقد كانت على اقتناع بأن المأساة قادمة لا محالة، ولذلك ما فتئت تذكّرني:

- يجب أن نفكر في جلب مخزون من المؤونة الغذائية.

كنت أراها عند كل عودةٍ من القصر، في ساعات الليل المتأخرة، تُعدّ العدّة تأهباً لأي طارئ، فأحاول في كل مرة لطمأنتها، فقد كنت على اقتناع بأنَّ الحرب لو قامت فعلاً فلن تكون إلا حرباً طفيفة وبعيدة. كنت أحدّث نفسي بأن الصّراع لو قدّر له أن ينفجر، فإن المقاومة العراقية سوف تصمد لأسابيع عديدة، فلا يمكن للنظام أن ينهار كما ينهار قصرٌ من ورق.

ولا أخفيكم أنني من الناحية العملية لم أستبق الأحداث بأي حال، فلم أكن قد أعددتُ أيّ شيء، حين طلب جورج بوش من الرئيس صدام مغادرة البلاد قبل بداية الصراع بأيام. ومع ذلك، فقد جعلني هذا الإنذار الأخير أدرك أن الحرب قائمة لا محالة، لكنّ الرئيس ما كان ليقبل بمثل هذا الإذلال ولا ليرضى بالمنفى بديلاً، وقد كان الأميركيون يدركون ذلك حين وضعوا السكين على رقبته.

أنا وزوجتي وأطفالي الثلاثة غادرنا الشقة الوظيفية التي أقمنا فيها منذ ما يقارب الأربع سنوات في شارع أبو نواس على طول نهر دجلة. كان ذلك قبل قيام الحرب بيومين فقط، كنا آخر من يهرب من سكان العمارة، وأقمنا عند أخت زوجتي في حي الضباط بالزيونة.

وقد تركت معظم أغراضي بالبيت، ما عدا التلفزيون والحاسوب، فلم نحمل معنا إلا الأشياء الضرورية. وقد حرصتْ زوجتي على أن تُتلف كل ما من شأنه أن يعرضنا للخطر.

لم أفهم في الحال السبب الذي جعلها تفكُّ من على الجدار الصّورَ التي كنت أرافق فيها الرئيس.

- لماذا تفعلين هذا؟

- لا ينبغي أن يعرف أحدٌ أنك كنت تعمل مع صدّام، سيعرّضنا ذلك لكثير من المتاعب!

قلتُ لها مؤكداً:

- اسمعي! الوضعُ على أيّ حال لن يتدهور إلى هذا الحدّ!

كانت نُهى تحسّ بما كان سيأتي من أحداث، من نهبٍ وتخريب وسرقة وعنف، كانت تعلم أنّ السكان سينتقمون من عملاء النظام القديم.

في المواقع البديلة

كانت رئاسة الجمهورية تمتلك العديد من المساكن والعمارة الفارغة في بغداد، وحتى يحبط القصف الأميركي الذي ما فتئ ينهال على العاصمة العراقية على مدى عشر سنوات، تعوّد النظام على ترحيل المكاتب في حالات الخطر، فكان تارة يستقر لبعض الوقت في بنايات عادية، وكان الموظفون وأهم أصحاب المقام يقيمون في عمارة عادية للغاية، مثلما كان الأمر أثناء القصف الذي تعرضت له بغداد في شهر ديسمبر عام 1998.

وكنا نسمّي تلك المساكن بالمواقع البديلة. لقد كان القادة يعون جيداً المخاطر التي كانت تحدق بهم، فحرصوا على أن ينظموا أنفسهم حتى لا يمسّهم أي أذى، كان ذلك على أي حال ما يمكن أن يعتقده أي مراقب خارج النظام، لكنّ الواقع كان مختلفاً كل الاختلاف.

في شهر أكتوبر 2002 تلقت الوزارات الأمر بالشروع في ترحيل أرشيفاتها، كان العراق قد قبل للتو عودة خبراء منظمة الأمم المتحدة في نزع السلاح، مبرزاً بذلك إرادته الطيبة ونيته الحسنة في تهدئة الأزمة القائمة بينه وبين الولايات المتحدة. كان علينا أن نخفي الملفات المهمة قبل وصول المفتشين إلى بغداد.

كنا نعلم أن معظم أولئك المفتشين كانوا جواسيس حقيقيين، فقد قدموا إلى العراق من أجل البحث عن عتاد محظور، ولكن أيضاً من أجل الاستحواذ على الوثائق.

لقد وضعنا إذن أرشيفنا في مكان آمنٍ، ليس من أجل إخفاء المعلومات التي من شأنها أن تعرضنا للخطر في مجال التسلح، ولكن لأننا لم نكن نرغب في أن يكتشف الأميركيون أسرار دواليب الرئاسة. وقد تلقينا الأمر أيضاً بإخفاء حواسيبنا للحيلولة دون حصول الأميركيين على نسخ من الأقراص الصلبة.

وأذكر أنني حاولت التدخل لدى أعضاء أمن القصر لثنيهم عن هذا الأمر، إيماناً مني بأن إخفاء الحواسيب قد يكون أكثر الأمور إثارة للشبهات من منظور المفتشين، فإن نحن وضعنا أنفسنا في حالة دفاع فإن ذلك يعني اعترافنا بالتهم الموجهة إلينا. بداية كلِّف شخصان بفرز الوثائق، وبعد مرور يومين نقل الرجلان كل الوثائق بلا تمييز إلى مكانٍ بديل، وهو المكان نفسه الذي لجأنا إليه أثناء القصف في ديسمبر 1998.

وقد ضمّت هذه الوثائق، على الخصوص، محاضر جلساتِ لقاءاتِ الرئيس بما فيها اللقاءات غير المسبوقة. ولم تتصل هذه الوثائق من قريب أو بعيد بأسلحة الدمار الشامل! ولذلك فقد حيّرني إخفاء هذا النوع من المعلومات. لقد كان الأمن كلما سألت سؤالاً في هذا الشأن ردّ قائلا:

- ولماذا نعطيهم هذه الوثائق؟

وقد أمر صدّام أيضاً بأن يلتزم موظفو الرئاسة كافة بتدريب عسكري صارم.

- نحن على وشك أن نواجه العدو!

علينا أن نعدّ أنفسنا، وأنتم الذين تلازمون الرئيس يجب أن تحاربوا حتى آخر رجل! هكذا كانوا يقولون لنا.

وهكذا شارك أعضاءٌ من أمن الرئيس الخاص في تدريبات فدائية جد قاسية. فقد كان عليهم أن يقطعوا مشياً على الأقدام مسافة تزيد على عشرة كيلو مترات كل يوم.... وأن يتدربوا على سائر أنواع الأسلحة: كلاشينكوف، قاذفات صاروخية من طراز ار. بي. جي وأسلحة الدفاع المضاد للطائرات الخ...

وإذا كان تكوين هؤلاء مكثفاً وفي غاية الجدية والصرامة، فلم يكن ذلك شأن موظفي القصر الآخرين. أما فيما يخصنا نحن، فقد كان مقرراً أن نتلقى على مدى ثلاثة أشهر ساعتين من التدريب العسكري صباحاً والقدر نفسه من التدريب عصراً، أما أنا فلم أحضر هذه الدروس إلا ثلاثة أيام فقط، فسرعان ما أعفي عدد كبير من الموظفين رفيعي المستوى من هذه التدريبات، فقد كان إعداد البرنامج سيّئاً.

وقد أضحت التمارين عديمة الجدوى: لقد علّمونا في الأسبوع الأول السير بخطى ثابتة، وفي الثاني تركيب الكلاشينكوف وتفكيكه، وفي الثالث لم نجد شيئاً نفعله، وقد كان مقرراً لنا درسٌ في تقنيات حرب العصابات داخل المدن، لكنّ حتى ضباط الصف كانوا يقرّون بأن في الأمر مضيعة للوقت، وكنا كلما ذهبنا إلى ميدان الرمي لم يكن في حوزة كل واحد منّا سوى ثلاث طلقات. قبل اندلاع العمليات العسكرية، كان الموظفون يعيشون في حالة من نفاد الصبر ومن القلق بسبب الخطر الوشيك، فكانوا يسألونني:

- لماذا لا نغادر مكاتبنا؟

بعد الإنذار الأخير الذي أطلقه جورج بوش في اتجاه صدّام، توجهتُ على الفور إلى علي عبدالله، سكرتير الرئيس الصحافي بذلك السؤال، فقال لي:

- لا يمكنكم أن تتخذوا قرار الإخلاء من طرف واحد، فسوف يقال عنكم إنكم جبناء..

فقلت له:

- لكن الأميركيين سوف يقصفون العراق وسوف نكون أهدافاً مميّزة!.
لكن عبد حمود، سكرتير صدّام الخاص ما لبث أن رخص لنا بنقل مكاتبنا في اليوم التالي لذلك الإنذار، أي قبل الحرب بيومين، فقد تلقينا في الأخير الأمر بالتراجع نحو الموقع البديل الذي أُعِدَّ لنا خصّيصاً في حي الحارثية الرئاسي، ليس بعيداً عن قصر السلام الرئاسي، الذي قصفه الأميركيون بعد ذلك نحو خمس أو ست مرات.

تصرفات ارتجالية

كنت قبل الحرب قد ذهبت للتعرف على المكان.

كان المكان عبارة عن فيلا واسعة من طابق واحد، طُليت جدرانها باللون الأمغر، تقع بشارع الزيتون، وهي بيت مجهول في حي ثري من أحياء العاصمة. كان هذا البيت في السابق ملكاً لصلاح عمر العلي التكريتي وهو قريب لصدام وسفير سابق في الولايات المتحدة حتى تاريخ ارتداده العام 1982، فبعد فراره قامت الدولة بمصادرة بيته.

وهنا أيضاً كم كانت التصرفات ارتجالية! قبل عمليات القصف الأميركية العام 1998 كنا ورثنا بيتاً في مجمّع الوزراء بحي المنصور حيث كان يُقيم أكثر من خمسين من مسؤولي العراق رفيعي المستوى. كان المكان غير لائق للاحتماء، فقد اكتشفنا بعد الازمة أن المساكن المجاورة كانت قد أُخليت من قبل سكانها لأنّ الحيّ كان يأوي معسكراً لتدريب الأمن الخاص بالرئيس!!.

لذلك لم ينجُ هذا الحيّ من القصف المكثف، فهذا الاختيار دليل على مدى حماقة القادة العراقيين في اتخاذ القرارات التي تقع على عاتقهم، كلّما كان الأمر لا يمت بصلة مباشرة بحياة الرئيس شخصياً. فحين جاء عابد حمود في شهر فبراير يقترح علينا الرجوع إلى المجمّع الوزاري بالمنصور، لم نتردّد في رفض هذا العرض، فلم يجد بداً من أن ينصحنا بالتوجه إلى مسؤول إدارة المواقع البديلة حتى يدلنا على مكان آخر نأوي إليه.

وقد بدا لنا حيّ الحارثية الذي لجأنا إليه في الأخير هادئاً ساكنا، فقد كان البيتُ متوارياً خلف أحد الأسوار ممّا يجعله خفياً عن الأنظار، لكن ما لبثنا أن علمنا بعد حين أن عدداً كبيراً من مسؤولي البعث - الحزب الوحيد في سلطة بغداد - ومنهم طه ياسين رمضان، الرجل الوفي لصدام، كانوا يُقيمون على بعد خمسين متراً فقط عن ذلك المكان.

وكان الحي يأوي أيضاً مدرسة للحزب، وهو ما يعني أننا كنا محاطين بأهداف كامنة. وقد كان هذا البيت الذي أمكننا أن نقوم فيه بواجبنا حتى لحظة سقوط بغداد قد أُعِدَّ ملجأً لرئيس الديوان الذي رفض العودة إليه بسبب موقعه غير الآمن، فما دام الأمر كذلك فما الذي جعلهم يمنحوننا إياه؟ والسبب في ذلك بلا شك عدم كفاءة أحد مسؤولي الرئاسة ومتابعةٍ سيئة للملفات، فضلاً عن أن مكتب إعلامنا لم يكن بالأهمية ذاتها للأمن المقرب من الرئيس.

في الوقت ذاته نُقلت مصالح الرئاسة الأخرى إلى الضفة الأخرى من نهر دجلة، ليس بعيداً عن الحارثية، في أحياء اليرموك والمنصور، أما المصالح الأقل أهمية، المرتبطة أساساً بالشرطة فقد تم إخفاؤها في إحدى المدارس، ولم ننقل أيّ عتاد، وقد ظل الموظفون يتردّدون على مكاتبهم حتى تحت القصف.

ولم يتوقف الارتجال عند هذا الحدّ، فقد جاء سائقان مكلفان بنقل البريد إلى الرئيس يشكوان من أن هذه الترتيبات الأمنية لم تشملهما حيث لم يقترح عليهما أحدٌ أيّ موقع بديل يلجآن إليه، ولما كانا يعيشان على مقربة من القصر الجمهوري فقد خشيا كثيراً على حياتهما. كنتُ على استعداد لإيوائهما، لكنّ علي عبدالله لم يوافق على ذلك.

وعلى الرغم من أن عملهما كان وثيق الصلة بعملنا فقد ظل علي عبدالله يعتبر أنهما لا يمثلان جزءاً من مكتبنا. فلأسباب الأمن والسريّة لم يكن من حقّهما أن يعرفا من كان يدخل ويخرج من بيتنا في الحارثية، فلم يجد هؤلاء بدّاً من العودة إلى بناياتهم التي تعرضت للصواريخ الأميركية الأولى التي استهدفت القصر منذ بداية الحرب. وقد عاد إلينا أحد السائقين الذي تعرض لجروحٍ، معصوب الرأس، متوسلاً إلينا أن نأويه في محلاتنا، وأخيراً وضع السكرتير الصحافي تحت تصرفهما غرفة معزولة.

وقد استغرق ترحالنا الكثير من الوقت، غير أنه على الرغم ممّا أصابنا من قلق وجزع فلم نكن على عجلة من أمرنا، كنا نعتقد جميعاً أننا سنتحاشى الحرب، فلم ننقل إلا العتاد الضروري لعملنا، كالحواسيب مثلاً، أما الأسرة والكراسي والمكيفات وأفران الطبخ فقد استعادتها الرئاسة.

لم نتلق أي تعليمات خاصة حول ما كان ينبغي علينا أن ننقله بالضرورة، ومع ذلك فقد فكروا في الوقت ذاته في تفاصيل ثانوية، ومن ذلك إقامة نظام من صواني الأكل لموظفي الديوان الموزعين عبر العاصمة، لكن الإدارة نسيت أن تخبرنا بذلك، ولم نطّلع على هذا النظام إلا بعد بداية القصف بيومين أو ثلاثة أيام، فكنت كلّ يوم أرسل من ملجئنا أحد السائقين ليأتينا بنحو عشرين من هذه الصواني من الديوان الذي كان ينهال عليه وابلٌ من القنابل.

أخطاء فادحة

كان بحوزتنا جهاز لتوليد الكهرباء، لكنّ علي عبدالله لم يكن يرغب في أن نستعمله كثيراً، فقد أصابه الهذيان بسبب الأحداث حتى صار يخشى من أن يزعج صوتُ مولّد الكهرباء الجيران أو يكشف أمرنا للطائرات الأميركية. وهنا أيضاً كم من أخطاءٍ فادحة ارتكبت من قبل مصالح الرئاسة!

وفي ربيع عام 2002 حصلنا علي عبدالله وأنا على سيارة جديدة لكل واحد منّا، وكانت من نوع »نيسان سيدريك«. هذا النوع من السيارات كان محظوراً بيعه للشعب حيث كان مخصصاً للمسؤولين الكبار في الحزب وللمديرين العامين في الرئاسة. هذه الهدايا لم تكن خافية على الجمهور، لكنّ مأربنا في الحارثية لم يكن يتّسع إلاّ لسيارة واحدة، ولذلك لم أجد بدّاً من أن أركن سيارتي في الشارع.

وكان للسائقين سيارات من نوع »بيك أوب« المخصّصة أيضاً للمقربين من السلطة، فلم نكن إذاً كتومين جدّاً، فكوننا لم نكن قادرين على أن نوقف سياراتنا في مكان آمنٍ وبعيداً عن الأنظار فقد كنا معرضين لمخاطر حقيقية، فقد كنا نخشى أن يكشف أمرنا أحد الجيران، أما أنا شخصياً فقد كانت خشيتي أكثر وأكبر من الجماعات الإرهابية المرتبطة بالمعارضة في الخارج أكثر من خشيتي من القصف الأميركي، ولم يُعيّن المسؤولون أي حارس يحرسنا حول البيت.

وقد أحضرنا كمية من الشموع والمصابيح البترولية تحسّباً لأي انقطاع في الكهرباء، كما أعددنا مخزوناً من البطاريات لتأمين الاستماع للإذاعة، فقد كان الراديو آخر وسيلة إعلامية في متناولنا لإطلاع صدّام بما يطرأ من أخبار، لكننا في الليلة التي انقطعت فيها الكهرباء فوجئنا بعدم توفر المصابيح البترولية لأن العامل المكلّف بالعتاد كان قد نسيها في الرئاسة. وما إن تمكنا من الحصول على المصابيح حتى تعذّر الحصول على البترول، فلم أجد بداً من التوجه إلى بيتنا لأحضر زجاجات من البنزين.

كان الرئيس يلجأ إلى استخدام هذه »النّسخ« كوسائل للخداع، فحين كانت بعض المواكب تعبر المدينة، كانوا يوهمون الناس، من خلال أحد هؤلاء الأشباه، بأن صدّام متواجد في هذه المرسيدس أو تلك، والواقع أن الرئيس كان يتنقل في سيارة عادية لا تثير أي اهتمام، غير أن الرئيس، في المقابل، لم يكن يعهد بالمهمات الخاصة لهذه »النّسخ.

«لقد كان صدّام يحس أنه وحيد. وعلى الرغم من بعض مؤشرات التذبذب والحيرة، فقد ظل صدام يقود البلاد حتى النهاية، فقد كان يلتقي بانتظام بوزرائه ويطلع على بريده. وبينما كانت المعارك على أشدها، استمر صدّام في تجسيد الشخصية اللغز العصيّة الغامضة، التي ما فتئ يمثلها في أعيننننا جميعاً.

وهكذا، وبينما كنا نعيش ساعات مأساوية، دعاني لكي أترجم إلى العربية محاورة من خمس عشرة صفحة كان قد أدلى بها صهره السابق حسين كامل. ويعود تاريخ هذا الحديث لثمانية أعوام مضت، وكانت قد نشرت في الأردن التي كان قد لجأ إليها العام 1995 قبل أن تتم تصفيته في بغداد بعد ذلك بستة أشهر. لم يكن للحوار أي أهمية ولا أي صلة بما كان يحدث من حولنا، فقد كنت منهكاً كثيراً مع الراديو الذي كان علي أن أستمر في الاستماع إليه بلا انقطاع حتى أطلع صدام بما يجدّ من أخبار.

قلت لسكرتيره:

- إنها مضيعة للوقت!

- أنا موافق، ولكنها الأوامر.

تُرى لماذا الاهتمام بهذا الشيء في مثل هذا الوقت؟ لا أحد يدري...

لم يكن سكرتير الرئيس الصحافي الوحيد الذي اصابه الذعر، فبعد مرور أربعة أيام على بداية الحرب أصدر إلينا السكرتير الشخصي لصدام أمراً بعدم استعمال الحواسيب والانترنت، حتى لا يكشف الأميركيون أمرنا، ولذلك اضطررنا لأن نحرّر بخط اليد نشرات الأخبار المخصصة للرئيس، فكنا نستعمل ورق الكربون حتى تظل نسخة من النص في حوزتنا. قرارٌ لا معنى له! ففي بيتنا كنت أشتغل على الأنترنت، وكان ابني يمضي أيامه في السباحة على أمواج الأنترنت، فقلت ذلك للأمن:

- هناك على الأقل مائه ألف حاسوب في بغداد موصولة بالأنترنت، كيف يمكن للأميركيين أن يكشفوا أمرنا؟

- إنها الأوامر، لا داعي للنقاش!

وأعدنا ترتيب أمورنا من جديد، فهيأت نظاماً للعمل بالفريق المحدود، حتى نحدّ من الخسائر في الأرواح البشرية إنْ نحن تعرضنا لأي قصف.كان ستة أو سبعة من الموظفين موجودين بشكل دائم على مدار الساعة، وقد تضاعف عملنا خلال الحرب، لأن الرئيس كان قد اشترط منّا أن نرسل إليه ضعفي أو ثلاثة أضعافٍ من ملخصات الأخبار التي كنا نرسلها في الفترات العادية. كان الجميع يحضر إلى العمل باستثناء موظف في الطباعة كان اضطر لمغادرة بيته الذي كان يتعرض للقصف المتواصل بجانب وزارة الإعلام.

كان قد تأجرّ شقة بالقرب من بيت حماه في بعقوبة الواقعة على بعد ستين كيلو متراً من بغداد، فقد كان يصعب عليه المجيء إلى المكتب، وقد ألححت عليه بأن يواصل العمل معنا، فقد كان قطع المسافة يعرضه للقدر نفسه من المخاطر التي كان يعرضه لها تخليه عن منصبه، ناهيك عن أننا كنّا نخضع لمراقبة مستمرة.

والحق أقول إننا حتى في الأيام التي سبقت سقوط بغداد يوم التاسع من أبريل كنّا أكثر تفاؤلاً. فقد كان العمّال صامدين باستثناء عاملين أو ثلاثة. وكان أكثرهم وجلاً الجاسوس الذي كان يعمل لحساب أمن الرئيس، أما مساعداي فلم يباليا بالأمر كثيراً، فعلى عكس حرب عام 1991 فقد كان القصف متواصلا أناء الليل وأطراف النهار، وكنتُ أخشى عليهم كثيراً.

أثناء الحرب اختيرت فيلتنا كنقطة لالتقاء الشخصيات المدعوة من قبل الرئيس، وكان رسولٌ خاص ينقل لنا الاستدعاءات، وكنا نتصل عن طريق الهاتف بالشخص المعني، وبعد أن دمّر المركز الهاتفي المركزي لماعون قبل انتهاء المعارك بعشرة أيام أرسلنا مُراسلينا لإخبارهم بذلك.

فكانوا كلما وصلوا إلى الحارثية اقتيدوا نحو مكان سريّ، وهناك يغيرون السائق قبل الوصول إلى مكان ثالث حيث يختبئ الرئيس. وقد جاء لزيارتنا مرات عديدة محمد الصحّاف وزير الإعلام المعروف بغليانه، ولطيف نصيف جاسم نائب مدير المكتب العسكري لحزب البعث قبل ان يلتحقا بصدام حسين.


تنقل بلا انقطاع

كان الرئيس يتنقّل بلا انقطاع. في الأيام الأولى أقام في بيت قريب من بيتنا، فقد عرفتُ ذلك لأنّ علي عبدالله كان يقطع المسافة إلى الرئيس في سيارة الأمن في وقت وجيز، وقد كان كثير التردّد على ذلك المكان، حيث كان الرئيس يجتمع بلا انقطاع بأعضاء قيادة الحزب ومسؤولي الجيش.
وأكثر من ذلك، فقد انعقد في الأيام الأولى للحرب اجتماعان في مكان لا يصدّق، في بيت يقع عند مدخل القصر الجمهوري الذي كان قد تعرض للقصف ليلة ذلك اللقاء، وهو ما يؤكد أن نقاط اللقاءات كان يتم اختيارها يوماً بيوم تبعاً للضربات الأميركية.


وكان صدّام بعد ذلك قد قضى أياماً عديدة في فيلا المنصور بالقرب من مطعم الساعة. وقد قام الأميركيون الذين اعتقدوا العثور عليه بذلك المكان بقصف المنطقة يوم السابع من أبريل. وقد كادوا أن يصيبوه في ذلك القصف لأنه لم يكن بعيداً عن ذلك المكان كثيراً.

لقد تعوّد صدام منذ العام 1990 أن يقيم بشكل سريّ في عدد من البيوت العادية في العاصمة، وأذكر أنني توجهتُ العام 1991 عن غير قصد بالقرب من أحد تلك البيوت. فذات مساء، وأنا عائد إلى البيت، أخبرني السائق بأنه سيعرّج على الرئيس حتى يسلّمه بريداً مهماً، فدخلنا في شارع هادئ بحي اليرموك لم نلمس أي إجراء أمنيّ واضح فيه.

فقد كانت الإقامة بعيدة عن الأنظار، غير أنه حين اقتربنا من باب المدخل فوجئنا بحارسين يطلان علينا من وراء إحدى الأشجار. ولم يستغرق تسليمهما البريد الموجّه للرئيس سوى ثوان! قيل مراراً إن صدّام يعتصم في داخل غرف حصينة تحت الأرض. أجل لقد وجدت هذه الحصون بالفعل، لكنّ صدّام لم يتقهقر إليها أثناء الحرب، فقد كان في الواقع يتخفى بين صفوف شعبه.

وكانت وسائل الإعلام الغربية قد أفرطت كثيراً في تصور »نُسخ« الرئيس، مدّعيةً بأنه كان محاطاً بأشخاص مشابهين له، فأنا لم ألتق قط بأي واحد منهم. ويبدو أن أحد أطباء صدّام الفرنسيين قد استقبل يوماً من طرف أحد هؤلاء الأشباه، لكنّ الطبيب لم يتعرّف عليه، بطبيعة الحال.

الدكتور سامان عبد المجيد - المترجم الخاص بصدام حسين

كونتا كونتي
03-28-2020, 10:47 PM
سنــوات صــدام مذكرات بقلم المترجم الخاص سامان عبد المجيد ـ الحلقة الثانية

الرجل ذو النظارة المحرشفة الغليظة، الذي خاطب العراقيين يوم الخميس 20 مارس 2003، كان صدّام حسين بالفعل، وليس أحد أشباهه، كما اعتقد الكثيرون وأكّدوا في تلك الفترة، فقد سجّل الرئيس مداخلته في البيت المجاور لبيتنا، حيث أقام في الأيام الأولى من الأزمة.

في الصباح كنت في المكان عينه ، في حدود التاسعة بشارع الزيتون، كانت سيارة علي عبدالله.

وهي من نوع «نيسان سدريك» مركونة أمام الفيلا، قيل لي إنه كان يقضي الليل بمكاتبنا، وحين استيقظ في حدود العاشرة سألته عن سبب وجوده بذلك المكان، فشرح لي أنه استيقظ في حدود السادسة وكأنه أحس بوجوب الذهاب إلى العمل قبل الموعد المعتاد، وقال ما إن وصلت إلى المكتب حتى أبلغني رجل من الأمن بأن الرئيس قد أرسل في طلبي.

توجه علي عبدالله إلى مكتب الرئيس يرافقه أحد الحراس، وسأله الرئيس الذي اعدّ خطابه في دفتر صغير رأيه في البناء النحوي للنص، وأجرى السكرتير الصحافي بعض التصويبات، ثم سجّل صدام مداخلته التلفزيونية للحرب بعد بدايتها ببضع ساعات. وعلى غير عادته، لبس صدام نظارته فدهش علي عبدالله أن يظهر الرئيس الحريص على مظهره دوماً، بذلك المظهر على الشاشة.

- سيدي الرئيس لماذا تضع النظارة؟

- إننا في حرب يا علي!

كان النهار قد بدأ في الطلوع، لكن الغرفة كانت لا تزال غارقة في العتمة. في العادة كان صدّام لا يحب أن يُظهر أنه حسير البصر، ولذلك اعتقدنا أنا نفسي وأسرتي وأصدقائي أنه شخص آخر، لكنّ علي عبدالله ما لبث أن صحّحني:

- أستطيع أن أؤكد لك مئة بالمئة أنه صدّام حسين.

تذبذب في القيادة

في الأيام الأولى للصراع ساد شيء من التذبذب في قيادة البلاد، الناتج إلى حدّ كبير عن تحرك القيادة وابتعادها، فقد تقلصت مهامنا إلى حدود الأشياء الأساسية، كتحرير أوامر الرئيس المكتوبة ونشرات الأخبار الموجهة إليه. وقد صارت تعليمات صدّام أكثر كثافة مما كانت عليه في العادة.

ففي الأسبوع الأول من الحرب وجّه رسالة من ثلاث صفحات إلى ألفٍ وخمسمئة من مسؤولي الجيش الكبار تسلّموها عن طريق المراسلين. وكان ذلك عملاً هائلاً.

وقد أمرنا عبد حمود سكرتير صدّام الشخصي بطبع هذه الرسائل على حواسبنا، مخالفاً بذلك الأوامر التي كنّا قد تلقيناها قبل بضعة أيام بعدم استعمالها. ومرة أخرى كانت الإجابة الوحيدة التي تلقيتها:

- الأوامر هي الأوامر.

وبعث صدام رسالة أخرى إلى خمسة آلاف عضو في الحزب، وهي رسالة خطية اضطررنا لتصويرها، وأرسل رسالة أخرى إلى شخص يُدعى عادل عبدالله المهدي، قائد المكتب العسكري للحزب بالناصرية في جنوب العراق، حيث كانت المقاومة العراقية صامدة في وجه الجيش الأميركي وحلفائه البريطانيين.

واحبُّ أن أضيف هنا أن هذه الميليشيات قد لعبت دوراً مهماً في إقناع الفرق العسكرية والسكان وبالقوة أحياناً، بأن لا يستسلموا لنداءات الغزاة وبأن لا يتعاونوا معهم.

وأخيراً حرّر صدام رسالة أخيرة موجهة إلى قيادات العشائر وإلى مسؤولي الطوائف فكان العدد بذلك هائلاً، ممّا اضطرنا إلى البحث عن قائمة هؤلاء في مكتب العشائر المنزوي في أحد بيوت حي المنصور. ونظراً لتعقّد أسماء الأسر العشائرية فقد كان إعداد القوائم عملاً غاية في الصعوبة.

في هذه الرسائل كان الرئيس يُقدّم النصائح العسكرية، ويؤجج الرّوح الوطنية للمقاومة. كان يريد أن يُعِدَّ لمعركة بغداد خير إعدادٍ. كيف يمكن تأجيل تقدّم قوات العدو حتى قلب العاصمة؟

كيف يمكن ممارسة حرب العصابات داخل المدن؟ كيف رفض حرب المجابهة واختار الهجوم على الفرق الأميركية بواسطة مجموعات صغيرة من الفدائيين. لقد تطلب منا انجاز المهمة المطلوبة ثلاثة أيام وثلاث ليال. وقد كنت عند الضرورة الملحة أستغني عن العمل بوساطة الفرق.

كنت أعود إلى البيت في ساعات متأخرة، ليس قبل الساعة الحادية عشرة ليلاً في الأحوال كافة، كان الجو العام قد أصبح مريعاً، فقد أصبحت شوارع بغداد خالية، ولم تعد هناك كهرباء، وكانت عاصفة الرمال تزيد من حدّة ذلك الانطباع بالكارثة. لم أكن أُميّز الشيء الكثير وأنا أسوق سيارتي. كنت خائفاً.

كان القصف يهزّ العاصمة هزّاً. كان مسدّسي في متناول يدي، كانت مصالح الأمن قد زودتنا بقطعة كلاشنيكوف، لكن استعمالها في السيارة كان غير عمليّ، فتركتها في المكتب وفضّلتُ الاحتفاظ بمسدسي في متناول اليد.

ومع ذلك كله، فقد ظلت معنوياتي جيدة. وعند نهاية شهر مارس ، وبعد مرور عشرة أيام على بداية الحرب، عاد إلي علي عبدالله واثقاً من نفسه من اجتماع مع الرئيس والمسؤولين العسكريين من الجبهتين الجنوبية والشمالية.

- الوضعية العسكرية على ما يرام. إنهم يعدّون لهجوم مضاد سوف يفاجئ الأميركيين.

هكذا قال لي متحدثاً عن صدّام، لكنني أجبته:

- «بيني وبينك» هذا مستحيل!

بعد لحظات من التأمل قال لي بلا تردّد:

- إنك على حق!

- من المستحيل أن يخسرالأميركيون هذه الحرب.

فإن همُ تعرضوا لأي هزيمة، تصوّروا كم سيكون شعوره بالقوة والعظمة، وهو يهزم أول قوة في العالم. سوف يجعل الخطر يخيّم على المنطقة برمتها، وسوف يثير الرعب في قلب الكثير من العرب. هذا السيناريو، حتى وإن كان في صالح بلادنا، فهو أمرٌ لا يتصوره العقل. ان انتصارنا مستحيل حتماً.

كان علي عبدالله، مثلي تماماً، رجلاً تقنيا في خدمة النظام. هذا الشيعي ، ذو الأصل البابلي، كان يعمل في الديوان منذ ثلاثين عاماً!!. وكان في السنوات العشر الأخيرة سكرتيراً صحافياً للرئيس. كان يحضر كل اللقاءات ما بين صدّام وضيوفه بمن فيهم العراقيين، وكان يحرّر التقارير الرسمية المخصّصة لتلفزيون الدولة، ولكنه لم يكن مغفّلاً، حيث كنا ننتقد النظام أحياناً بصوت خافت، ونحرص في ذلك على ألاّ يسمعنا أحد.

ولم يتردّد هذا المناضل البعثي القديم يوماً في فضح انحراف الحزب منذ وصول صدام إلى السلطة، وكان يأسف لذلك أيّما أسفٍ:

- لم يعد البعث ذلك الحزب الذي انتميتُ إليه في الستينات!

كان علي عبدالله بعثياً تاريخياً ، ولم يكن ذلك شأن التسعين بالمئة من المنخرطين في هذا الحزب، الذين كانوا يأخذون بطاقات الحزب، بدافع الامتثال للقاعدة السارية، وطمعاً في كسب (منصب عمل أو مهنة سريعة أو بعثة تدريبية إلى الخارج). في هذا الشأن كثيراً ما كان يقول لي:

- هل تعرف كيف تُميّز ما بين بعثيّ حقيقي وما بين بعثيّ انتهازي؟ يكفي أن تسأله في أيّ تاريخ كان انخراطه في الحزب.

ومع ذلك، فقد كان علي عبدالله يعتصم ببعض الأمل:

- هل نسيت الصومال؟ ألم يضطر الأميركيون في النهاية إلى الانسحاب منها بعد الفشل الذي لحق بهم؟

قلت له:

- تأجيل نتائج الحرب هو كل ما يمكننا أن نأمل فيه، وأنت تعرف ذلك جيداً يا علي!

عند قراءتي للرسائل التي كان صدام يُوجّهها لقادة الجيش، كنت أحدّثُ نفسي بأن الحرب مسألة من اختصاص المحترفين، والحال أن صدام لم يكن محترفاً، فمعه لم يكن للاختصاصيين أي حق في الكلمة.

فحتى عندما كان يتظاهر بإعطاء العسكريين حرية قيادة العمليات على نحو ما فعل مع الفريق ماهر رشيد، أحد أبطال الحرب العراقية ـ الايرانية.

حيث عينه مستشاراً للقيادة العسكرية، كان هو السيد الآمر الوحيد، فقد كان في الواقع لا يثق بالجيش ولا سيما وزير الدفاع سلطان هاشم، فقد وضعه تحت الإقامة شبه الجبرية قبل الحرب بقليل. فقد كانت سيارة من الأمن الرئاسي تأخذه لحضور اجتماعات القيادة العامة، وهكذا كان الرئيس يراقب عن كثب كل حركاته.

صدام في الأعظمية

كان محمد الصحاف، وزير الإعلام، يشحذ معنوياتنا بتصريحاته الملتهبة، وقد ظل يُبدي الكثير من التفاؤل حتى النهاية. وقد أُخِذ عليه إصراره على الكذب عن قصد، لكنّ الصحّاف لم يكن له أيّ خيار آخر: فإما أن يغادر العراق وإما أن يظل فيه ويتظاهر بأنه يُصدّق ما يقول، فلم يكن الصحّاف أحمق ولا غبياً، على نحو ما كان يحلو لوسائل الإعلام أن تصفه به، وإنما كان يتحدث لغات كثيرة وكان بيته مليئاً بالكتب.

ما لبث ظهور صدّام العلني المفاجئ يوم الجمعة 4 ابريل في حي الأعظمية، الذي كان له فيه أنصار كثر أن شدّد عزمنا، فقد راح بزيّه الأخضر الزيتوني «البيريه» الذي يعتمره يُوزّع الابتسامات ويُحيّي بيده جمعاً من الفضوليين السذّج. كان ذلك أسلوباً من أساليب استهزائه غير المتوقعة بالأميركيين .

وكان هذا الشخص هو صدّام بالفعل وليس «نسخة» من نُسخه كما توهّم العديد من الاختصاصيين الذين أنفقوا الساعات في تفحّص شريط الفيديو الخاص بهذه الجولة المفاجئة، حتى يقيسوا طول أذنيه وأنفه ونسيج شعره وأشياء أخرى، في محاولة يائسة للتمييز ما بين صدام الحقيقي وما بين إحدى نسخه.

لكنّ شيئاً بسيطاً لم ينتبه إليه سوى القليل منا يثبت أن صدّام بذاته هو الذي رآه الجمهور: فقد كان أحد حراسه يرتدي القميص نفسه الذي كان يرتديه ليلة ذلك الظهور حين جاء يسلمنا رسالة من الرئيس، فقد تعرفت على زيّه من مربّعاته الكبيرة اللافتة للنظر، فلم نعتد على رؤية حراس الرئيس بالزيّ المدني، فقد كانوا في العادة يظهرون بالزي الكاكي، يا لهم من مساكين! فقد كانوا يمرون بلحظات عسيرة.

كنا نتعامل مع ثلاثة أو اربعة منهم كانوا الأشخاص أنفسهم دائماً. ذات مرة استأذننا أحُدهم في استعمال الحمّام، فقد كنا نحسّ بأنّ حياتهم كانت غايةً في القساوة.

وحتى لحظة تدمير مركز ماعون كانوا يتدافعون على مكاتبنا لإجراء العديد من المكالمات الهاتفية، لأن ذلك كان متعذّراً عليهم من الموقع الذي كانوا يختبئون فيه مع صدام، فحين كانوا يمرّون لتسلّم البريد أو لتسليمه لم نكن نجرؤ قط على السؤال عن حال الرئيس بشكل مباشر، بل كنا نكتفي بالقول «شلونك؟» أو «شلون الوضع؟».

كان ذلك أسلوبنا في الوصول إلى الجديد من الأخبار. لقد كنا بعيدين عن صدام ولكننا على اتصال به من خلال بريده وكنا نتطلع لمعرفة المزيد عنه.

عندما سيطر الأميركيون على المطار في اليوم التالي لظهور صدام في العلن يوم 5 ابريل، أخبرني أحد الأصدقاء أن العديد من جنود العدو قد لقوا حتفهم في المعارك، وقد رفع ذلك معنوياتي قليلاً، لكن الوضع ما لبث أن انقلب في اليوم التالي وظل يسير من سييء إلى أسوأ.

ومنذ ذلك الوقت صرنا معزولين عن صدام، وصار البريد الذي كنا نرسله إليه يعود إلينا بعد بضع ساعات من دون أن يكون قد اطلع عليه أحد، فقد كان السائقون الذين كنا نعهد إليهم به يقولون لنا إنهم لم يعثروا على أي شخص في المواقع المرصودة لاستلام هذا البريد، فلا شك أن صدّام قد اضطر لأسباب أمنية أن يغيّر ملاجئه باستمرار.

وأن لا يخبر بذلك إلاّ أقل عدد ممكن من الناس، فلم يعد حرّاسه الذين كانوا سعاته يعرفون أماكن وجوده، فقد كان يقال قبل الحرب إن الشخصين الوحيدين اللذين كانا يعرفان مكان وجوده باستمرار هما ابنه الأصغر قصيّ، وارثه والمسؤول عن حرسه الخاص، ثم عبد حمود ذراعه اليمنى.

وكون أن البريد لم يكن يصله فذاك أمر تعودنا عليه في الماضي وكان مردّه لتشوّش في الإدارة، أما هذه المرة فقد كان الأمر مثار قلق وحيرة، حيث أحسست أن الوضع على غير ما يرام.

في السابع من ابريل ذهبت إلى مكتبي لآخر مرة. وعلى الرغم من أننا كنا فقد فقدنا الصلة مع الرئيس فلا شيء كان ينبئ بالهزيمة الوشيكة، فقد قيل لي إن صدّام كان قد عقد اجتماعين مع المقربين إليه، فالاتصال إذن لم ينقطع ما بين القادة العراقيين. أحد هذين اللقاءين جمع ما بين أعضاء من أسرته.

حيث داعب صدّام هؤلاء ومازحهم على ما يبدو، وكان يحمل حزاماً من المتفجرات حول خصره، مثلما كان يفعل قصيّ وعديّ. ويقال إنه داعب عليّاً نجل الفريق حسين رشيد، وهو رجل من رجال أمنه الأقوياء، حيث قال له ضاحكاً:

- كم لك من الأطفال يا علي؟ وأنت يا حسين كيف حالك؟

وقد تركوا صدّام، وهم يشعرون أنه أراد أن يوهمهم بأنه، على الرغم من خطورة الوضع القصوى، لم يفقد رباطة جأشه، وكان قبل ساعات من ذلك الاجتماع قد اصطحب أصيل زوجة قصي واطفالها الثلاثة لكي يودّعوا أطفال رغد ورنا وهالة بنات صدام الثلاثة، وقد افترقوا في حي المنصور.

أين ذهبت الدفاعات؟

في اليوم نفسه قام الأميركيون بقصف المكان ظناً منهم أن صدّام وعائلته موجودون فيه، ومرة أخرى أنقذت الحاسة السادسة حياة الرئيس، لكن الأميركيين لم يضلوا الطريق كثيراً: فقد كان الرئيس يحتل أحد البيوت في الحي، وكان قد استدعى ابنيه قصي وعدي وأهم المسؤولين في الأمن.

وفي لحظة اللقاء المتفق عليها لاحظ أحد المقربين من صدام، اللواء عبدالجليل الحبّوش، غياب قائد الاستخبارات، فراح يتساءل في ذهول عن سبب تأخره، وما لبث أن فهم في تلك اللحظة أن جاسوسه الرئيسي قد غدر به.

وهكذا أدرك صدّام وقصي وعبد حمود أن المؤامرة قد بدأت تحدق بهم، فسارعوا بإخلاء الشقة، وما هي إلا لحظات حتى حوّلت الصواريخ الأميركية البيت إلى انقاض، فلم يبق من البيت سوى فوهة فاغرة، وقد نجا صدام من الموت، لكنه أدرك أن الخيانة باتت تحاصره وأن سلطته قد بدأت تتأرجح من الداخل.

وعندما رأيت في اليوم نفسه على القناة الأميركية «فوكس نيوز» صور المدرعات وهي تتوغل في قلب بغداد، دون أن تعترضها أي مواجهة من الجيش العراقي لم تُصدق عيناي تلك الصور والمشاهد، فقد كانت الدبابات تمر أمام أحد المساجد.

وكانت جثث الشهداء ملقاة على الطريق. وقد كانت هذه القوات آتية من المطار تتقدم بسرعة ثمانين كيلو متراً في الساعة من دون أن يعترض سبيلها أي عائق من العوائق. كنا في المكتب نتابع تلك المشاهد بكثير من الذهول، لكننا كنا نثق في الحرس الجمهوري وفي الحرس الخاص للرئيس، ونعلم أنهما كانا قد نصبا القذائف والصواريخ دفاعاً عن العاصمة.

لكنّ أحد السائقين ما لبث أن سألنا في ريبة وذهول:

- ولكن أين ذهبت دفاعات بغداد؟ وأين وصلت هذه المدرعات الأميركية المجنونة؟

قلت له:

- إنها بالقرب من تمثال شواف.

- مستحيل! لقد ملأت خزّان السيارة بالبنزين هناك! لم أر أي مدرعة!

- لعل الأمر مجرد تركيب صور.

كان الأميركيون بالفعل يُظهرون أنهم قادرون على الدخول إلى بغداد والخروج منها بسهولة وبلا مقاومة، ومن هنا بدأ الذهول يتملكني.

في اليوم التالي، يوم 8 ابريل، تناولت فطوري في البيت. كانت زوجتي لا ترغب في أن أذهب إلى العمل، وظللت أنتظر حتى الساعة الحادية عشرة، وظل القصف متواصلاً، لكنني لم أكن أستطيع أن أتأخر أكثر من ذلك عن عملي.

وفكّرت، عارٌ عليك أن تبقى هنا هادئ البال ورفاقك هناك يقاسون في العمل.

وركبت سيارتي وانطلقت، كان عليّ أن أعبر نهر دجلة حتى أصل إلى المكتب، كان الجسر الأول، جسر الجمهورية، مغلقاً، وكذلك الجسر الثاني والثالث، أما الجسر الوحيد الذي كان لا يزال مفتوحاً للسير فكان يقع بالقرب من المدينة الطبية في الأعظمية. كانت الطرقات على الجانب الآخر من ضفة النهر، خالية، لكنّ أحد الأطفال استوقفني متسائلاً:

- إلى أين يا سيدي؟

- إني ذاهب إلى العمل.. إلى مكتبي،

فقهقه مستغرباً:

- أي مكتب؟ فالأميركيون عند نهاية الشارع.

«هذا مستحيل - قلت لنفسي - أمس فقط كنت هنا، وكذلك الحكومة والجنود العراقيون...».

لم أعد أفهم شيئاً في تلك الوضعية، وبدأت أفكر في داخلي أن لا شيء يمكن أن يفسر هذا التشتت والانهزام سوى الخيانة، ورجعت أدراجي نحو البيت.

لم أكن أنا الوحيد الذي وقع في الحيرة والاضطراب، فقد روى لي أحد الشهود ليلة سقوط بغداد انه رأى وزير الدفاع سلطان هاشم وهو يبكي أمام تقدّم القوات الأميركية، فلم يجد بدّاً بعد محاولاته اليائسة من أن يتقهقر ويُذعن للخصم وهو يقول:

- قُصيّ دمّر الجيش وعبد حمود دمر الدولة!

لم نتلقَّ على الإطلاق أي أوامر بالتفرق. في اليوم التاسع من ابريل مكثت في بيت أخت زوجتي في حي زيونة، الذي كان ملاذي مع الأسرة.

في الصباح حاولت مرة أخرى أن ألتحق بالمكتب لكن دون جدوى، فقد ظللت مشدوداً إلى الإذاعات الأجنبية الناطقة بالعربية، البي بي سي أو إذاعة مونتي كارلو، التي ما لبثت أن أكدت سقوط النظام خلال عصر ذلك اليوم. وبذلك دقت ساعة فرار أهم القادة العراقيين.

كان صدام يحتفظ بثلاثة سائقين لم يكن أيّ منهم يعرف الآخرين، كان أحدهم ينتمي لعشيرة العزة وآخر لعشيرة الدليمي والثالث للعشيرة الرئاسية من التكريتيين. فقبل الحرب بقليل، كان الرئيس قد حصرهم في ثلاثة مواقع مختلفة من بغداد، وكان العديد من الحراس يراقبونهم، وظني أن صدّام قد لجأ إلى أحدهم حتى يفرّ من بغداد الواقعة لتوها في قبضة الأميركيين.

كان استسلام المدينة يجري في أجواء غريبة، فما زلنا نذكر تفكيك تمثال الرئيس في ساحة الفردوس في قلب بغداد، لكن صور الحدث تعرضت للكثير من التلاعب.

فهناك كان عدد الصحافيين الذين هلّلوا وصفقوا للحدث يفوق عدد العراقيين بكثير، وباستثناء الأحياء الشّيعية الفقيرة، التي تعرضت لقمع النظام في السابق، فلم تكن البهجة على موعد مع ذلك الحدث، على الرغم من أن الأغلبية الساحقة من العراقيين كانت مسرورة بما كان يجري من أحداث.

وبينما كانت مشاهد النهب تتضاعف عبر البلاد تحت أنظار الأميركيين اللاّمبالية ، كانت مشاعر الخشية والفزع من تقلبات ما بعد صدّام قد بدأت تدب في النفوس.

وفي عصر التاسع من ابريل، كان محمد الصحاف وزير الإعلام لا يزال في استوديوهات القناة التلفزيونية الفضائية العراقية، حين تلقى رسالة مكتوبة من طرف الرئيس. وقد قرأ مقطعاً قصيراً منها أمام الموظفين الباقين معه.

- إن الرئيس سيزورنا بعد قليل.

بعد ذلك بلحظات مرت ثلاث سيارات دون التوقف أمام الاستوديوهات، فقد كانت تنطلق نحو الشمال في اتجاه تكريت، وبذلك فهم الصحاف أن كل شيء قد انتهى فأطلق بدوره ساقيه للريح.

وفي يوم السبت 12 ابريل مرّ الصحاف ثانية بالقرب من استوديوهات التلفزيون ، التي كانت قد تحولت إلى أنقاض، وتوجه نحو بيت مقابل كان يأوي معهداً للتكوين السمعي البصري. وكان حارسه الخاص يراقب مدخل المكان عن كثب، كان الصحّاف يمسك بيده كمية من الأشرطة.

وكان يبحث عن مهندس لتركيبها، فوجد هناك نجل ابن عمتي، مقدم البرامج الإذاعية باللغة الكردية، الذي قدّم له يد المساعدة. كان الأمر يتعلق بخطاب لصدام يقول فيه الرئيس «إنّ المعركة لم تنته...». في تلك الأثناء كانت سيارة «التويوتا 44»، التي جاء فيها محمد الصحاف قد فُككت وجُرّدت من كل مكوناتها!!!.

نيويورك تايمز: خطة اميركية لتدمير الميليشيات الشيعية المدعومة من ايران في العراق

واشنطن - أمرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) القادة العسكريين بالتخطيط لتصعيد القتال الأمريكي في العراق، وأصدرت توجيهات الأسبوع الماضي لإعداد حملة لتدمير ميليشيا مدعومة من إيران هددت بمزيد من الهجمات ضد القوات الأمريكية.

لكن القائد الأعلى للولايات المتحدة في العراق حذر من أن مثل هذه الحملة قد تكون دموية وتؤدي إلى نتائج عكسية وتهدد بالحرب مع إيران.

وفي مذكرة فظة الأسبوع الماضي كتب القائد، الفريق روبرت ب. وايت، أن الحملة العسكرية الجديدة ستتطلب أيضًا إرسال آلاف القوات الأمريكية الأخرى إلى العراق وتحويل الموارد عما كانت عليه المهمة العسكرية الأمريكية الرئيسية هناك والتي تتمحور على تدريب القوات العراقية على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.

وقد وصف العديد من المسؤولين الأمريكيين تفاصيل توجيه البنتاغون ورد فعل الجنرال وايت - كلاهما اتصالات عسكرية داخلية سرية - بسبب معرفتهم المباشرة بمحتوياتهما.

يأتي التبادل وسط قتال محتدم داخل إدارة ترامب حول السياسة تجاه إيران ومسار الحرب الأمريكية في العراق، والذي بدأ قبل أكثر من 17 عامًا.

بعض كبار المسؤولين، بما في ذلك وزير الخارجية مايك بومبيو وروبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي، يضغطون من أجل عمل جديد عدواني ضد إيران وقواتها بالوكالة - ويرون ان الفرصة سانحة لمحاولة تدمير الميليشيات المدعومة من إيران في العراق لان قادة إيران منشغلون بسبب أزمة وباء كورونا في بلادهم.

وكان القادة العسكريون، بمن فيهم وزير الدفاع مارك إسبر والجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، قلقين من التصعيد العسكري الحاد، محذرين من أنه قد يزيد من زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط في الوقت الذي كان فيه الرئيس ترامب قال إنه يأمل في تقليص عدد القوات الأمريكية في المنطقة.

ومع ذلك، قال المسؤولون الأمريكيون أن السيد إسبر أذن بالتخطيط لحملة جديدة داخل العراق - حتى مع تقليل الجيش من وجوده في مكافحة الإرهاب هناك - لتوفير خيارات للسيد ترامب في حالة تصعيد الميليشيات المدعومة من إيران هجماتها ضد القوات الأمريكية وفق ما قاله اثنان من كبار مسؤولي الإدارة.

وخلال اجتماع المكتب البيضاوي في 19 مارس ، لم يتخذ ترامب قرارًا بشأن ما إذا كان قد يأذن بالحملة الجديدة في العراق ، ولكنه سمح بالتخطيط للاستمرار ، وفقًا لمسؤولين أمريكيين.

ورفض متحدث باسم مجلس الأمن القومي التعليق.

وقال شون روبرتسون، المتحدث باسم البنتاغون، في بيان: "عملية العزم المتأصل موجودة في العراق بدعوة من الحكومة العراقية وتظل تركز على الشراكة مع قوات الأمن العراقية من أجل الهدف المشترك المتمثل في هزيمة فلول داعش بشكل دائم ولن نناقش الافتراضات أو المداولات الداخلية ".

يجري النقاش في الوقت الذي يعرب فيه كبار مسؤولي البنتاغون وكبار القادة في جميع أنحاء العالم عن مخاوف متزايدة بشأن حالات فيروس كورونا التي تتسع بسرعة في صفوفهم، مما قد يهدد قدرة الجيش على إرسال قوات جاهزة للقتال.

وقال العديد من المسؤولين الأمريكيين إنهم صُدموا بالنبرة الحادة لمذكرة الجنرال وايت - التي أُرسلت في 16 مارس، بعد يوم من تلقيه تعليمات البنتاغون لبدء التخطيط - والتي قالوا إنها أكدت التكاليف والمخاطر ضد محاولة محاولة تدمير جماعة ميليشيا تعرف باسم كتائب حزب الله.

وأشارت المذكرة أيضا إلى أن مثل هذه الحملة قد تخالف الاتفاق الحالي مع الحكومة العراقية الذي يسمح للقوات الأمريكية بالعمل في البلاد.

وما هو ابعد من ذلك، من المرجح أن تضع القيادة العراقية وخاصة جيشها في موقع الاضطرار إلى الاختيار بين حلفائها الأمريكيين - البعيدون عنهم - والإيرانيين،غير المحبوبين من قبل العديد من كبار القادة العراقيين ولكنهم يعتقدون أن عليهم العيش معهم لأنهم جيران.

وقال كريم النوري، وهو شخصية بارزة في منظمة بدر، وهي ميليشيا مدعومة من إيران
"لا يمكن أن يكون العراق ضحية للصراع الاميركي الايراني، إن ذلك سينتهي الأمر لصالح إيران »، مما يعني أنها ستجبر العراق على الاقتراب من إيران.


لطالما استخدمت إيران مجموعات الميليشيات الشيعية في العراق كقوات بالوكالة لمحاربة القوات الأمريكية والعراقية وممارسة النفوذ السياسي داخل الحكومة.

وقال العديد من المتخصصين الإقليميين إن كتائب حزب الله، مثل حزب الله اللبناني، لها مكونات عسكرية وعمليات سياسية على حد سواء، ولها روابط بالسياسيين والشركات والمؤسسات الخيرية والعديد من الشبكات الأخرى.

قال مايكل نايتس، المحلل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي درس المجموعة لأكثر من عقد من الزمان: "إنها مثل دولة الظل".

ونتيجة لذلك، فإن تنفيذ أي خطة واسعة النطاق لتدمير كتائب حزب الله يشكل مخاطر سياسية وأمنية ضخمة لإدارة ترامب، وتحديات عملية للجيش.

كما أنه سيجهد العلاقات المتوترة بالفعل مع الحكومة المركزية الضعيفة في العراق.

في كانون الثاني / يناير، دعا أعضاء البرلمان العراقي إلى طرد جميع القوات الأمريكية في البلاد بعد غارة الطائرات الأمريكية بدون طيار على مطار بغداد الدولي التي قتلت اللواء قاسم سليماني، وهو قائد إيراني بارز، وكذلك أبو مهدي المهندس ، الزعيم الفعلي لجماعات الميليشيات العراقية.

وحث العديد من كبار المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم السيد بومبيو والجنرال ميلي، قوات الأمن العراقية على قمع الميليشيات الشيعية المارقة التي تهاجم القوات الأمريكية، وإلا ستضطر الولايات المتحدة إلى الانتقام.

وقد أمرت تعليمات البنتاغون المخططين في القيادة المركزية للجيش وفي العراق بوضع استراتيجية لتفكيك عمليات الجماعة، وفقا لعدد من المسؤولين الأمريكيين الذين رأوا الأمر أو أطلعوا عليه.

وقال التوجيه أن القوات شبه العسكرية الإيرانية - أعضاء فيلق الحرس الثوري الإسلامي - يمكن أن تكون أهدافًا مشروعة إذا كانت موجودة مع مقاتلي كتائب حزب الله.

قتلت هجمات كتائب حزب الله الصاروخية جنديين أمريكيين وجندي بريطاني في قاعدة عسكرية هذا الشهر - مما أثار ضربة انتقامية شنتها الطائرات الحربية الأمريكية بعد ذلك بيوم واحد.

ومع ذلك، قال المسؤولون الأمريكيون إنه لا يوجد دليل قوي على أن إيران أمرت بالهجوم من قبل الميليشيا.

لكن السيد بومبيو ومسؤولين كبار آخرين في الأسابيع الأخيرة طالبوا بعمل عسكري عدواني، ليس فقط ضد كتائب حزب الله ولكن أيضًا ضد القوات العسكرية الإيرانية.

خلال اجتماع في البيت الأبيض في 12 مارس، جادل السيد إسبر والجنرال ميلي برد محدود على الهجمات الصاروخية - وهو الرأي الذي ساد السيد ترامب ، الذي أمر بغارات ليلية على خمسة مستودعات أسلحة مشتبه بها في العراق يستخدمها كتائب حزب الله.

وقال العديد من المسؤولين الأمريكيين أن هناك حاجة ملحة متزايدة في التخطيط لخيارات هجوم ضد كتائب حزب الله، حيث هددت الجماعة، ربما مع الميليشيات الشيعية الأخرى، بتكثيف الضربات ضد القوات الأمريكية المتمركزة في القواعد العراقية بعد احتفالات عيد رأس السنة الإيرانية.

وكشفت وكالات المخابرات العسكرية الأمريكية عن دلائل على أن هجمات كبيرة قد تكون قيد التنفيذ، وفقًا لمسؤول عسكري أمريكي كبير تم إطلاعه على بعض خطط الطوارئ في العراق.

وحذرت كتائب حزب الله في بيان يوم الأربعاء مقاتليه من الاستعداد لهجمات محتملة من الولايات المتحدة وهدد بالانتقام من الأمريكيين وأي عراقي يساعدهم.

وقال البيان، بحسب موقع site، وهي شركة خاصة تراقب مواقع الجهاديين ومنشوراتهم "سنرد بكل قوة على جميع منشآتهم العسكرية والأمنية والاقتصادية".

وقال نايتس إن الأهداف المباشرة لحملة البنتاجون ضد كتائب حزب الله ستكون على الأرجح قيادة الجماعة وقواعدها ومستودعات الأسلحة.

بالإضافة إلى مجموعة واسعة من الصواريخ، يعتقد أن المجموعة لديها إمكانية الوصول إلى ترسانة خفية من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى التي وجهتها إيران إلى العراق على مدى الأشهر العديدة الماضية، وفقًا لمخابرات أمريكية ومسؤولين عسكريين.

يمكن لحملة موسعة أن تصيب أهداف الميليشيات عبر مساحات واسعة من العراق وسوريا، وربما ميليشيات شيعية أخرى في العراق تتوافق بشكل فضفاض مع كتائب حزب الله.

قال السيد نايتس: "لا يمكنك فقط ضرب المقاتلين العاديين، يجب أن تضرب القيادة، ومعظمهم قد تفرقوا".

في الوقت نفسه، قال المسؤولون الأمريكيون إن المخاطر المنصوص عليها في مذكرة الجنرال وايت حقيقية، ويعتقد بعض المخططين العسكريين أنه سيكون من الحماقة لإدارة ترامب تصعيد العمليات العسكرية داخل العراق في أي وقت قريب.

ويتمركز أكثر من 5000 جندي أمريكي حاليًا في العراق، معظمهم جزء من مهمة تدريب وتقديم المشورة لقوات الأمن العراقية في المهمة ضد الدولة الإسلامية.

وكان مسؤولو البنتاغون يسعون إلى تقليص هذا الوجود إلى حوالي 2500 جندي في الأشهر المقبلة.

من المرجح أن تستمد أي حملة ضد كتائب حزب الله من حوالي 70.000 فرد عسكري أمريكي منتشرين حاليًا في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك في المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى.

وقد دخل أكثر من 14000 من تلك القوات إلى المنطقة منذ مايو الماضي وسط تصاعد التوترات مع إيران.

كما أرسل البنتاغون بطاريات باتريوت للدفاع الجوي والصواريخ، وقاذفات b-52، ومجموعة حاملة حاملة، وطائرات بدون طيار مسلحة، وغيرهم من أفراد الهندسة والدعم.

وقال مسؤول عسكري أمريكي كبير إن القادة ما زالوا يسرعون في إرسال المزيد من بطاريات باتريوت المضادة للصواريخ والأسلحة الأخرى إلى العراق، لكنهم لا يزالون على بعد أسبوع أو أسبوعين من وضع الأنظمة الدفاعية الإضافية هناك.

في الأسابيع الأخيرة، مع تزايد التهديد من هجمات الميليشيات والتعرض للفيروس التاجي، قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون بتسليم قواعد تحالف أصغر لنظرائهم العراقيين، وإما الانتقال إلى حفنة من القواعد العراقية الأكبر أو مغادرة البلد تماما.

وقال الجنرال كينيث ماكنزي جونيور، قائد القيادة المركزية، في حديث للصحفيين في اليوم التالي لضرب الولايات المتحدة لمستودعات أسلحة حزب الله الخمسة هذا الشهر، أن التهديد من إيران ووكلائها لا يزال "مرتفعا للغاية" وأضاف أن التوترات "لم تنخفض في الواقع" منذ أن قتلت الولايات المتحدة الجنرال سليماني.

في حين يقول المسؤولون الأمريكيون إنه ليس لديهم دليل واضح على أن إيران وجهت بشكل محدد الهجوم القاتل على معسكر التاجي في 11 مارس، إلا أنهم يقولون إن كتائب حزب الله وقوات القدس الإيرانية تنسق بشكل وثيق.

وقال الجنرال ماكنزي إن الولايات المتحدة مستعدة لضرب مواقع تخزين أسلحة إضافية للميليشيات وأهداف أخرى إذا استمرت الهجمات ضد القوات الأمريكية.

وألقى باللوم على كتائب حزب الله في نحو عشرة هجمات صاروخية ضد القوات الأمريكية المتمركزة في العراق في الأشهر الستة الماضية.

واقترح السيد إسبر يوم الأربعاء أن الولايات المتحدة يمكن أن ترد بشكل أكبر على الهجمات الصاروخية للميليشيا ، لكنه لم يقدم تفاصيل.

قال السيد إسبر في مقابلة مع إن بي آر: "أنت لا تقتل أو تجرح الأمريكيين وتفلت من العقاب". "سنرد في الوقت والمكان والطريقة التي نختارها. سنحاسبهم ".