زوربا
07-12-2005, 09:06 AM
http://www.asharqalawsat.com/2005/07/06/images/art.310084.jpg
الإسرائيليون.. كيف يروننا، وكيف يخططون للمنطقة؟
بيروت: سمير شمس
تحت شعار «أعرف كيف يفكّر الإسرائيليون»، عرّبت مكتبة مدبولي كتاب الكاتب الإسرائيلي «إيال زيسر» الصادر بالعبرية حديثاً من دون باقي اللغات، لكاتب معروف بأنه يكتب باللغة الإنكليزية، ذلك لأن الكتاب موجّه لصانع القرار الإسرائيلي، ويهدف إلى التأليب على دور الرئيس السوري والتشكيك بقدراته.
يعكس هذا الكتاب وجهة نظر إسرائيلية خطيرة عن دور سورية الإقليمي والدولي، ويتنبأ بما يحدث حالياً في لبنان من خروج القوات السورية وتفكيك الأجهزة الأمنية. واللافت في هذا العرض كمية المعلومات الهائلة المتوفرة عند الإسرائيليين عن تفاصيل السياسة والأنظمة العربية. فقد حشد المؤلف معلومات تفصيلية كثيرة عن العالم العربي، قد لا تكون في متناول المواطنين العرب، ووظّفها ضد سورية.
يحلل الكتاب سنوات حكم الرئيس السوري بشّار الأسد منذ تسلّم الحكم بعد وفاة والده في يونيو (حزيران) 2000، وحتّى نهاية عام 2004، كما يعرض للسنوات العشر الأخيرة من حكم الرئيس حافظ الأسد والإرث الذي تركه لابنه، فيصفه بأنه «سياسي كان من أبرز ميزاته السلبية وغياب المبادرة وحتى الارتداع والخوف من الإقدام على الفعل». وأنه «آثر الانقطاع والتخفي في التسعينات، وكان يجد صعوبة في الحفاظ على الاستماع والتركيز خلال اللقاءات». وقد علل اعتكاف الأسد بخشيته على حياته بعد محاولة اغتياله عام 1980.
يتناول المؤلف الدولة السورية فيصفها «بأنها فاقدة الجذور والشرعية منذ تأسيسها» وأن تركيبتها الديمغرافية مصدر قلق دائم لانقسامها إثنياً وطائفياً. لكنه يعود فيقول: «النظام السوري الذي أسسه الأسد، وعلى الرغم من ضعفه، كان ولا يزال راسخاً»!! و«أن التطور الأخطر يكمن في أن النظام السوري لم يعد يمثل في مواقفه وسياساته المجتمع السوري». هذا هو الإرث الذي تركه الوالد الرئيس لابنه الرئيس، «دولة معزولة مفككة لا شرعية لها تحمل في باطنها أمراضا تفتك بها».
ينتقل المؤلف فيصف شخصية بشار الأسد بأنه كتاب مغلق هادئ وخجول ومتروٍ ومنغلق. خطط والده لتوريثه الحكم، وكان باستطاعته ذلك لأن الحكم الذي أسسه الأسد كان حكماً فردياً يعرف من خلال من يقف على رأسه. وقد اعتمد الرئيس الأسد تكتيكاً موارباً لإيصال بشّار فأسس له قاعدة داخل المؤسسة العسكرية بترقية ضباط علويين صغار من المتوقع أن يمنحوا بشار التأييد المطلوب. ويقول المؤلف أن بشار قدّم إلى الجمهور بواسطة وسائل الإعلام كشاب مفعم بالحيوية ودينامي، وتم التركيز على جهوده لإدخال التحديث والانفتاح إلى سورية، وأنه السيد النظيف الذي يصغي إلى تطلعات الجمهور المطالب بخوض نضال لا هوادة فيه ضد الفساد.
وفي نهاية التسعينات، وعندما اعتاد الجميع على وجود بشار في مقدمة المسرح، بدأ والده بمنحه صلاحيات سلطوية خصوصاً في مجالات العلاقات الخارجية كي لا يرتبط اسمه بالقضايا الداخلية المرهقة، كما عمل على حياكة شبكة من العلاقات مع أبناء جيله أولياء العهد في دول الخليج. كما وضع بين يديه في عام 1998 الملف اللبناني بسبب أهمية هذا الملف بالنسبة إلى سورية.
«التغيير في ظل الاستمرار والاستقرار» كان عنوان الخطوات الدراماتيكية التي أعقبت وفاة الرئيس حافظ الأسد ونقل السلطة إلى ولده. فكيف يدير بشار الأسد نظامه ؟ سؤال يطرحه المؤلف ليجيب «بأن بشار الأسد تسلم جهازاً سلطوياً وسياسياً قادراً على أداء عمله، وإن كان يصدر صريراً متآكلاً». غير أن بشار لم يكن يريد طرح بديل لنموذج النظام الذي أرساه والده، أي النظام المتحلق حول هيئة وشخصية القائد. فحاول في سنوات حكمه أن يؤسس لنفسه مكانة الأول بين متساويين.
وفي حين يستعرض المؤلف ملاحظات بعض الصحافيين والساسة الغربيين التي تشيد بالرئيس الأسد كصحيفة الأوبزرفر اللندنية، وبعض الزعماء الأوروبيين الذين التقوه ووجدوا فيه شاباً مثقفاً بسيطاً ملماً يحاول إدخال الاصلاحات إلى سورية، ومتقيد بالاستمرارية والالتزام بإرث الأب، ورائد في التقدم والتحديث، ومتفانٍ في الانفتاح والقرب من الناس، ومثقف ومفكر، ملتزماً بعروبته.
ويرى المؤلف أن بشار الأسد الذي كان مرشح اللاخيار «لم يستطع أن يحقق الاصلاحات لأن النظام السوري متداع بما يكفي لتطيح به ركلة واحدة»، لذلك حافظ على هيكلية النظام الذي ورثه عن الحرس القديم.
يضع المؤلف سورية اقتصادياً في أسفل دول الشرق الأوسط، ويقول إن الأرقام الرسمية المنشورة عن ازدياد المنشآت الصناعية، وازدياد استغلال الأراضي المروية للزراعة، ومحاصيل القمح والقطن، وعدد طلاب الجامعات وعدد الأسرة في المشافي وغيرها هي أرقام مضللة. لكنه يعود بعد صفحات معدودة ليقول ان سورية استطاعت توفير احتياجاتها في مجالات الطاقة والغذاء والماء من دون الارتهان للخارج، كما اعتمدت سياسة حكيمة في توزيع السكان وعدم انتقالهم من الريف إلى المدينة. ونجحت في تأسيس شبكة من الضمانات الاجتماعية تقوم بتقديم الخدمات التعليمية والصحية والضمان الاجتماعي، وأنها استطاعت تخصيص الموارد لاحتياجات الأمن القومي ومواجهة التهديدات الخارجية على وجودها. لكنه يعزو هذه الإنجازات إلى قضية حظ، فيقول: «يصعب إيجاد تحليل اقتصادي متماسك لتفسير ولشرح أداء الاقتصاد السوري. وتعتمد التفسيرات، بشكل خاص، على قضية الحظ!». فإثر حرب الخليج حصلت سورية على مساعدات سخية، وفي ذلك الوقت بالذات تم اكتشاف النفط شرقي البلاد، وهطلت الأمطار بشكل غزير في غير موعدها مما مكَّن النظام من اتخاذ خطوات لتشجيع النشاط الاقتصادي ولخلق مصادر دخل جديدة.
إن الفشل العربي يعود في نظر الإسرائيليين دائماً إلى الإنسان العربي الفاشل والجاهل والمتخلف والكسول، أما النجاحات العربية فهي دائماً نتيجة مصادفات وضربة حظ.
وبالنسبة إلى سياسة بشّار الخارجية، ومثلما هو حال سياسته في مجالات أخرى، فقد دلت على التمسك بالوضع الراهن ومسلمات الماضي. وهي سياسة تقوم على الخوف من الولايات المتحدة، والاندماج في النظام العالمي الجديد، والحنين إلى النظام القديم. يقول المؤلف: «إن بشّار يظهر كحاكم شاب عديم الخبرة، لكنه يبدي شجاعة بعيدة المدى، مقارنة بسياسة والده الحذرة». في الملف العراقي، قبل الغزو الأميركي، امتنعت سورية من تحويل علاقاتها مع العراق إلى علاقات استراتيجية، كما رفضت استئناف العلاقات الديبلوماسية بين الدولتين، بالرغم من تحول العراق إلى بقرة حلوب بالنسبة للسوريين بفضل الازدياد الذي طرأ على حجم التجارة بين الدولتين، والذي وصل إلى أكثر من أربعة مليارات في عام 2002. أما بعد الغزو الأميركي، فقد أعلن السوريون عن امتناعهم عن التعاون مع النظام الموالي للغرب في بغداد، لكنهم عادوا واستضافوا في دمشق أعضاء مجلس الحكم الذي أقامته الولايات المتحدة، كما زادوا من اتصالاتهم مع الكتل الكردية في شمال العراق والشيعية في جنوبها. من هنا يبدو أن المصالح السورية هي التي ستملي موقف دمشق من المسألة العراقية.
أما في الملف التركي، يقول المؤلف ان بشار أفلح في تحسين علاقاته مع تركيا. لكن من الصعب التوصل إلى تسوية شاملة للمشاكل العالقة، كاقتسام مياه الفرات، ولواء الأسكندرون. وعلى الرغم من الزيارة التي قام بها بشار لتركيا عام 2004 إلاّ أن تأسيس حلف ودي بين أنقرة ودمشق يبدو مستبعداً.
بالنسبة لإسرائيل، شكلت انتفاضة الأقصى فرصة ذهبية لبشار لتدعيم مكانته الشخصية والسياسية كزعيم لمعسكر الرفض العربي. ويرى المؤلف أن الرئيس السوري ظهر خلال ردوده على استعار النزاع الإسرائيلي الفلسطيني المتجدد شخصاً تعوزه التجربة، يخفي وجهة نظر معادية لإسرائيل. وأن رؤيته مبنية على مكونات: نكران شرعية إسرائيل، والتشكيك في مدى رغبتها في السلام. والاعتراف بتفوقها العسكري، والنضال ضدها عن طريق إدارة صراع محدود لا يمكِّنها من إظهار كافة قدراتها.
شكل موقفه من حزب الله خيبة أمل إسرائيلية، خصوصاً بعد أن امتنع عن دعوة هذا الحزب لوقف نشاطاته ضد إسرائيل و«حل الغضب والإزدراء على نقص تجربته»، «فالطبيب المزعوم» لا يسيطر أبداً على ما يجري في سورية، ويخصص أغلب وقته لألعاب الكومبيوتر.
أما في الملف اللبناني، فيستعرض المؤلف الحرب اللبنانية (1975 ـ 1989)، والعوامل التي مكّنت سورية بعد اتفاق الطائف من السيطرة على لبنان. ويعدد المكاسب السورية من هذه الهيمنة: المكاسب السياسية، بإملاء سياسة لبنان الخارجية. المكاسب الاقتصادية. يرى المؤلف أنه إلى جانب الخوّات التي دخلت جيوب الضباط والساسة السوريين التي أخذوها من التجار والاقتصاديين اللبنانيين الذين حققوا أرباحاً عن طريق التهريب وزراعة المخدرات والاتجار بها، فإن تشغيل مئات الآلاف من العمال السوريين في لبنان، خفف أزمة البطالة في سورية التي بلغت في بداية سنة ألفين 20%، وقد بلغت الأموال التي أدخلها العمال السوريون في لبنان ثلاث مليارات دولار في العام.
ورأى أن انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان في عام 2000 وضع مشكلة لم تكن متوقعة أمام السوريين. فقد سحبت من يدهم ورقة المساومة ضد إسرائيل، وانصرف الانتباه اللبناني والإقليمي والدولي عن الوجود الإسرائيلي إلى الوجود السوري، فتآكلت شرعية وجوده وازداد احتجاج اللبنانيين وشكلوا جبهة ضدهم تألفت من البطريرك الماروني، والطلاب المسيحيين، والليبراليين والأحرار، ووليد جنبلاط.
ورد السوريون على أصوات الاحتجاج بضبط نفس، إلاّ أن الصراع الذي أداره المسيحيون ضد الوجود السوري نقل إلى الصعيد الدولي وتفاقمت الأمور على الرغم من محاولتهم استمالة الأطراف الرافضة لوجودهم. على ذلك فإن العد التنازلي لخروج السوريين من لبنان قد بدأ فعلاً.
كتاب مثير، وقراءته جزء من محاولتنا لنرى كيف يروننا، وكيف يخططون للمنطقة، وكيف يطمسون الحقائق ويحورونها لصالح مخططاتهم، وكيف يعتمون على الجانب المشرق في العالم العربي ويؤلبون الرأي العام ضد الفكرة العربية والقادة العرب.
على القارئ العربي أن يقرأ هذا الكتاب بحذر وانتباه، فعلى الرغم من أنه يؤرشف المعلومات ويشير إلى المصادر والمراجع التي يستقي منها، إلاّ أن انتقائية المعلومة، وتجزئتها وحذف بعضها، وتمويه بعضها الآخر يضلل الرؤية ويعبث بقناعات القارئ مما يوجب الحذر.
الإسرائيليون.. كيف يروننا، وكيف يخططون للمنطقة؟
بيروت: سمير شمس
تحت شعار «أعرف كيف يفكّر الإسرائيليون»، عرّبت مكتبة مدبولي كتاب الكاتب الإسرائيلي «إيال زيسر» الصادر بالعبرية حديثاً من دون باقي اللغات، لكاتب معروف بأنه يكتب باللغة الإنكليزية، ذلك لأن الكتاب موجّه لصانع القرار الإسرائيلي، ويهدف إلى التأليب على دور الرئيس السوري والتشكيك بقدراته.
يعكس هذا الكتاب وجهة نظر إسرائيلية خطيرة عن دور سورية الإقليمي والدولي، ويتنبأ بما يحدث حالياً في لبنان من خروج القوات السورية وتفكيك الأجهزة الأمنية. واللافت في هذا العرض كمية المعلومات الهائلة المتوفرة عند الإسرائيليين عن تفاصيل السياسة والأنظمة العربية. فقد حشد المؤلف معلومات تفصيلية كثيرة عن العالم العربي، قد لا تكون في متناول المواطنين العرب، ووظّفها ضد سورية.
يحلل الكتاب سنوات حكم الرئيس السوري بشّار الأسد منذ تسلّم الحكم بعد وفاة والده في يونيو (حزيران) 2000، وحتّى نهاية عام 2004، كما يعرض للسنوات العشر الأخيرة من حكم الرئيس حافظ الأسد والإرث الذي تركه لابنه، فيصفه بأنه «سياسي كان من أبرز ميزاته السلبية وغياب المبادرة وحتى الارتداع والخوف من الإقدام على الفعل». وأنه «آثر الانقطاع والتخفي في التسعينات، وكان يجد صعوبة في الحفاظ على الاستماع والتركيز خلال اللقاءات». وقد علل اعتكاف الأسد بخشيته على حياته بعد محاولة اغتياله عام 1980.
يتناول المؤلف الدولة السورية فيصفها «بأنها فاقدة الجذور والشرعية منذ تأسيسها» وأن تركيبتها الديمغرافية مصدر قلق دائم لانقسامها إثنياً وطائفياً. لكنه يعود فيقول: «النظام السوري الذي أسسه الأسد، وعلى الرغم من ضعفه، كان ولا يزال راسخاً»!! و«أن التطور الأخطر يكمن في أن النظام السوري لم يعد يمثل في مواقفه وسياساته المجتمع السوري». هذا هو الإرث الذي تركه الوالد الرئيس لابنه الرئيس، «دولة معزولة مفككة لا شرعية لها تحمل في باطنها أمراضا تفتك بها».
ينتقل المؤلف فيصف شخصية بشار الأسد بأنه كتاب مغلق هادئ وخجول ومتروٍ ومنغلق. خطط والده لتوريثه الحكم، وكان باستطاعته ذلك لأن الحكم الذي أسسه الأسد كان حكماً فردياً يعرف من خلال من يقف على رأسه. وقد اعتمد الرئيس الأسد تكتيكاً موارباً لإيصال بشّار فأسس له قاعدة داخل المؤسسة العسكرية بترقية ضباط علويين صغار من المتوقع أن يمنحوا بشار التأييد المطلوب. ويقول المؤلف أن بشار قدّم إلى الجمهور بواسطة وسائل الإعلام كشاب مفعم بالحيوية ودينامي، وتم التركيز على جهوده لإدخال التحديث والانفتاح إلى سورية، وأنه السيد النظيف الذي يصغي إلى تطلعات الجمهور المطالب بخوض نضال لا هوادة فيه ضد الفساد.
وفي نهاية التسعينات، وعندما اعتاد الجميع على وجود بشار في مقدمة المسرح، بدأ والده بمنحه صلاحيات سلطوية خصوصاً في مجالات العلاقات الخارجية كي لا يرتبط اسمه بالقضايا الداخلية المرهقة، كما عمل على حياكة شبكة من العلاقات مع أبناء جيله أولياء العهد في دول الخليج. كما وضع بين يديه في عام 1998 الملف اللبناني بسبب أهمية هذا الملف بالنسبة إلى سورية.
«التغيير في ظل الاستمرار والاستقرار» كان عنوان الخطوات الدراماتيكية التي أعقبت وفاة الرئيس حافظ الأسد ونقل السلطة إلى ولده. فكيف يدير بشار الأسد نظامه ؟ سؤال يطرحه المؤلف ليجيب «بأن بشار الأسد تسلم جهازاً سلطوياً وسياسياً قادراً على أداء عمله، وإن كان يصدر صريراً متآكلاً». غير أن بشار لم يكن يريد طرح بديل لنموذج النظام الذي أرساه والده، أي النظام المتحلق حول هيئة وشخصية القائد. فحاول في سنوات حكمه أن يؤسس لنفسه مكانة الأول بين متساويين.
وفي حين يستعرض المؤلف ملاحظات بعض الصحافيين والساسة الغربيين التي تشيد بالرئيس الأسد كصحيفة الأوبزرفر اللندنية، وبعض الزعماء الأوروبيين الذين التقوه ووجدوا فيه شاباً مثقفاً بسيطاً ملماً يحاول إدخال الاصلاحات إلى سورية، ومتقيد بالاستمرارية والالتزام بإرث الأب، ورائد في التقدم والتحديث، ومتفانٍ في الانفتاح والقرب من الناس، ومثقف ومفكر، ملتزماً بعروبته.
ويرى المؤلف أن بشار الأسد الذي كان مرشح اللاخيار «لم يستطع أن يحقق الاصلاحات لأن النظام السوري متداع بما يكفي لتطيح به ركلة واحدة»، لذلك حافظ على هيكلية النظام الذي ورثه عن الحرس القديم.
يضع المؤلف سورية اقتصادياً في أسفل دول الشرق الأوسط، ويقول إن الأرقام الرسمية المنشورة عن ازدياد المنشآت الصناعية، وازدياد استغلال الأراضي المروية للزراعة، ومحاصيل القمح والقطن، وعدد طلاب الجامعات وعدد الأسرة في المشافي وغيرها هي أرقام مضللة. لكنه يعود بعد صفحات معدودة ليقول ان سورية استطاعت توفير احتياجاتها في مجالات الطاقة والغذاء والماء من دون الارتهان للخارج، كما اعتمدت سياسة حكيمة في توزيع السكان وعدم انتقالهم من الريف إلى المدينة. ونجحت في تأسيس شبكة من الضمانات الاجتماعية تقوم بتقديم الخدمات التعليمية والصحية والضمان الاجتماعي، وأنها استطاعت تخصيص الموارد لاحتياجات الأمن القومي ومواجهة التهديدات الخارجية على وجودها. لكنه يعزو هذه الإنجازات إلى قضية حظ، فيقول: «يصعب إيجاد تحليل اقتصادي متماسك لتفسير ولشرح أداء الاقتصاد السوري. وتعتمد التفسيرات، بشكل خاص، على قضية الحظ!». فإثر حرب الخليج حصلت سورية على مساعدات سخية، وفي ذلك الوقت بالذات تم اكتشاف النفط شرقي البلاد، وهطلت الأمطار بشكل غزير في غير موعدها مما مكَّن النظام من اتخاذ خطوات لتشجيع النشاط الاقتصادي ولخلق مصادر دخل جديدة.
إن الفشل العربي يعود في نظر الإسرائيليين دائماً إلى الإنسان العربي الفاشل والجاهل والمتخلف والكسول، أما النجاحات العربية فهي دائماً نتيجة مصادفات وضربة حظ.
وبالنسبة إلى سياسة بشّار الخارجية، ومثلما هو حال سياسته في مجالات أخرى، فقد دلت على التمسك بالوضع الراهن ومسلمات الماضي. وهي سياسة تقوم على الخوف من الولايات المتحدة، والاندماج في النظام العالمي الجديد، والحنين إلى النظام القديم. يقول المؤلف: «إن بشّار يظهر كحاكم شاب عديم الخبرة، لكنه يبدي شجاعة بعيدة المدى، مقارنة بسياسة والده الحذرة». في الملف العراقي، قبل الغزو الأميركي، امتنعت سورية من تحويل علاقاتها مع العراق إلى علاقات استراتيجية، كما رفضت استئناف العلاقات الديبلوماسية بين الدولتين، بالرغم من تحول العراق إلى بقرة حلوب بالنسبة للسوريين بفضل الازدياد الذي طرأ على حجم التجارة بين الدولتين، والذي وصل إلى أكثر من أربعة مليارات في عام 2002. أما بعد الغزو الأميركي، فقد أعلن السوريون عن امتناعهم عن التعاون مع النظام الموالي للغرب في بغداد، لكنهم عادوا واستضافوا في دمشق أعضاء مجلس الحكم الذي أقامته الولايات المتحدة، كما زادوا من اتصالاتهم مع الكتل الكردية في شمال العراق والشيعية في جنوبها. من هنا يبدو أن المصالح السورية هي التي ستملي موقف دمشق من المسألة العراقية.
أما في الملف التركي، يقول المؤلف ان بشار أفلح في تحسين علاقاته مع تركيا. لكن من الصعب التوصل إلى تسوية شاملة للمشاكل العالقة، كاقتسام مياه الفرات، ولواء الأسكندرون. وعلى الرغم من الزيارة التي قام بها بشار لتركيا عام 2004 إلاّ أن تأسيس حلف ودي بين أنقرة ودمشق يبدو مستبعداً.
بالنسبة لإسرائيل، شكلت انتفاضة الأقصى فرصة ذهبية لبشار لتدعيم مكانته الشخصية والسياسية كزعيم لمعسكر الرفض العربي. ويرى المؤلف أن الرئيس السوري ظهر خلال ردوده على استعار النزاع الإسرائيلي الفلسطيني المتجدد شخصاً تعوزه التجربة، يخفي وجهة نظر معادية لإسرائيل. وأن رؤيته مبنية على مكونات: نكران شرعية إسرائيل، والتشكيك في مدى رغبتها في السلام. والاعتراف بتفوقها العسكري، والنضال ضدها عن طريق إدارة صراع محدود لا يمكِّنها من إظهار كافة قدراتها.
شكل موقفه من حزب الله خيبة أمل إسرائيلية، خصوصاً بعد أن امتنع عن دعوة هذا الحزب لوقف نشاطاته ضد إسرائيل و«حل الغضب والإزدراء على نقص تجربته»، «فالطبيب المزعوم» لا يسيطر أبداً على ما يجري في سورية، ويخصص أغلب وقته لألعاب الكومبيوتر.
أما في الملف اللبناني، فيستعرض المؤلف الحرب اللبنانية (1975 ـ 1989)، والعوامل التي مكّنت سورية بعد اتفاق الطائف من السيطرة على لبنان. ويعدد المكاسب السورية من هذه الهيمنة: المكاسب السياسية، بإملاء سياسة لبنان الخارجية. المكاسب الاقتصادية. يرى المؤلف أنه إلى جانب الخوّات التي دخلت جيوب الضباط والساسة السوريين التي أخذوها من التجار والاقتصاديين اللبنانيين الذين حققوا أرباحاً عن طريق التهريب وزراعة المخدرات والاتجار بها، فإن تشغيل مئات الآلاف من العمال السوريين في لبنان، خفف أزمة البطالة في سورية التي بلغت في بداية سنة ألفين 20%، وقد بلغت الأموال التي أدخلها العمال السوريون في لبنان ثلاث مليارات دولار في العام.
ورأى أن انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان في عام 2000 وضع مشكلة لم تكن متوقعة أمام السوريين. فقد سحبت من يدهم ورقة المساومة ضد إسرائيل، وانصرف الانتباه اللبناني والإقليمي والدولي عن الوجود الإسرائيلي إلى الوجود السوري، فتآكلت شرعية وجوده وازداد احتجاج اللبنانيين وشكلوا جبهة ضدهم تألفت من البطريرك الماروني، والطلاب المسيحيين، والليبراليين والأحرار، ووليد جنبلاط.
ورد السوريون على أصوات الاحتجاج بضبط نفس، إلاّ أن الصراع الذي أداره المسيحيون ضد الوجود السوري نقل إلى الصعيد الدولي وتفاقمت الأمور على الرغم من محاولتهم استمالة الأطراف الرافضة لوجودهم. على ذلك فإن العد التنازلي لخروج السوريين من لبنان قد بدأ فعلاً.
كتاب مثير، وقراءته جزء من محاولتنا لنرى كيف يروننا، وكيف يخططون للمنطقة، وكيف يطمسون الحقائق ويحورونها لصالح مخططاتهم، وكيف يعتمون على الجانب المشرق في العالم العربي ويؤلبون الرأي العام ضد الفكرة العربية والقادة العرب.
على القارئ العربي أن يقرأ هذا الكتاب بحذر وانتباه، فعلى الرغم من أنه يؤرشف المعلومات ويشير إلى المصادر والمراجع التي يستقي منها، إلاّ أن انتقائية المعلومة، وتجزئتها وحذف بعضها، وتمويه بعضها الآخر يضلل الرؤية ويعبث بقناعات القارئ مما يوجب الحذر.