المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخوارج في جلباب التكـفـيريين



yasmeen
07-11-2005, 10:19 AM
بقلم / نزار جاف

كاتب وصحفي كوردي
مقيم في المانيا



يقول كارل ماركس: (الكاتب البرجوازي يعتاش على كتاباته. والكاتب الثوري يدفع حياته ثمنا لما يكتبه.)، تذكرت هذه المقولة و أنا أحاول التدقيق أكثر في ماهية هؤلاء الذين يسمون أنفسهم دعاة الدين الحق من جماعات حز الرؤوس و مهاجمة الاهداف المدنية و مقارعة كل شكل من أشكال التقدم و الحضارة الانسانية.

إن هذه الزمر الضالة المضلة والتي تعتاش على الدم و كوابيس إرعاب و فناء الاخرين، قد إختطت لنفسها طريقا هو ليس بغريب إطلاقا على التأريخ الاسلامي، إنهم ليسوا سوى كتلك الزمر التي إندفعت"تحت تأثيرات الانفعال النفسي و العصبي"في عهد الخليفة علي أبن أبي طالب حين كان يخوض صراعه المعروف مع معاوية أبن أبي سفيان.

الخوارج الذين نادوا بشعار"لاحكم إلا لله"، قد عاثوا في الارض فسادا و قتلا و خرابا وهم يظنون أنفسهم مصلحين! كانوا في حقيقة الامر ثلة من الافاقين و قطاعي الطرق الذين إتخذوا من مبادئ الدين الاسلامي برقعا و ستارا لهم. وقد كان تعطشهم لسفك الدماء و خراب الحواضر"بحسب ماجاء في تأريخ الطبري و تأريخ اليعقوبي و شرح النهج لإبن أبي الحديد المعتزلي"، مشهودا له بإعمالهم البربرية التي كانوا يظنون أنهم من خلالها يعاقبون الضالين عن جادة الحق بيد و سيف الله!!!

اليوم أيضا بهكذا منطق تخرج علينا الزمر التكفيرية، فيعتبرون كل هدف لهم مباح مهما كانت العوائق و الحواجز. إنهم يعتبرون أنفسهم"خاصة الذات الالهية" و يعتبرون باقي الناس ترابا أو شيئا لاأهمية له قبالة أهدافهم.

صحيح أن هناك في الفقه الاسلامي مبدأ"التزاحم الفقهي"، والذي يجوز بموجبه غض النظر عن بعض العوائق الشرعية في سبيل بلوغ هدف حيوي مهم جدا كالذود عن بيضة الاسلام مثلا، لكن هذا المبدأ تكاد تكون إستخداماته تحت الصفر، ناهيك عن وجوب كون هناك أمام حق يعطي الحق بالاستفادة من ذلك المبدأ، بيد أن التكفيريين المارقين الذين جعلوا سفك الدم و هدم الحضارة الانسانية هدفهم الاساسي، قد إستنوا لنفسهم مبدأ خاص بهم هو أوسع من مبدأ "التزاحم الفقهي"، ألا وهو مبدأ ضرب كل من يخالفهم مهما كان دينه أو عقيدته أو عرقه!

وهم بهذا لايختلفون قيد أنملة عن الخوارج، بل هم في حقيقة الامر وواقعه ليسوا سوى إمتداد طبيعي لهم، وأن إجتثاثهم من الارض التي باتوا كحشرات العث ينتشرون فيها، هو واجب إنساني و حتى أخلاقي.

إنه دفاع عن القيم الانسانية و الحضارية، إنه دفاع التأريخ و الانسان وکل شئ فيه طعم و نكهة الحياة. وأعود لمقولة ماركس، هل أن هؤلاء التكفيريون هم فعلا أناس ثوريون يدفعون حياتهم ثمنا لتجسيد مبادئهم؟

وإستدركت الامر، فالنفس الانسانية هي بطبيعتها بسيطة وشفافة وتجنح الى كل مايلائمها، ومن هنا كنت دوما تقترب من كل فكر أو مبدأ يجسد ذلك البعد. بل وأن الرسول الاكرم حين قال"متعوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلت ملت"، كان يقصد تحديدا هذا البعد.

والسؤال هل أن مايتعاطاه خوارج الالفية الثالثة بعد الميلاد يتفق مع بساطة و شفافية النفس الانسانية؟!


nezarjaff@gmail.com