yasmeen
07-11-2005, 10:05 AM
محمد صادق الحسيني
كاتب متخصص في الشؤون الايرانية.
ثمة أخبار وتقارير مقلقة تصل من العاصمة العراقية بغداد، توحي بأن ثمة انحرافاً ما في بوصلة الذين وضعوا أنفسهم أوصياء على مقولة المقاومة!
فرغم وجود قناعة عامة لدى الرأي العام العربي والمسلم وربما بين أحرار العالم أيضاً بحق العراقيين بمقاومة الاحتلال وتقرير مصيرهم بأنفسهم رافضين الوصاية عليهم من أي طرف جاءت، إلا ان اجماعاً آخر بدأ يتبلور بالوضوح والشفافية نفسيها لدى ذلك الرأي العام العالمي، ومفاده ان هناك فرقاً بين مقاومة المحتل كحق كفلته كل الشرائع الدنيوية والأخروية وبين ممارسة العنف و «الارهاب» ضد أشكال الحياة المدنية الفردية والجماعية!
خبران منفصلان في ظاهرهما وقد تتباين أسباب صدور بيان بشأنهما إلا أنهما يصبان في الاتجاه نفسه المقلق. الأول يتعلق باعلان الزرقاوي تشكيل فرقة فدائية (انتحارية) باسم «اللواء عمر» نسبة الى الفاروق عمر بن الخطاب الخليفة الثاني والتي قال الزرقاوي إن هدفها «اجتثاث» فرقة «بدر»، وهي الحزب السياسي أو «الميليشيا» النظامية التابعة للمجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق، والتي كما يعرف الجميع بأنها شيعية الانتماء مئة في المئة. اما الخبر الثاني فيتعلق بإعلان صادر عن القاعدة يفيد بأنها ستنفذ حكم «الردة» بحق الديبلوماسي المصري ايهاب الشريف!
لسنا هنا بصدد مناقشة التحليل أو تقدير الموقف السياسي الذي دفع جماعة «القاعدة» والزرقاوي الى إصدار هذين البيانين أياً تكن أهمية مثل هذه الخلفية، لكن الخطير فيهما هو تلك الايحاءت التي يحملها فحوى البيانين وهو ما تريده جماعة الزرقاوي بالضبط حيث تريد القول في البيان الأول إن الجماعة الشيعية في العراق - على الأقل العاملة مع المجلس الأعلى - انما هي جماعة «ضالة، بل وكافرة وفاسقة، بات دمها مهدوراً وستقوم احدى فرق المسلمين السنية باجتثاثها»!
هذا فيما تريد من خلال البيان الثاني القول إن كل من يخالف أو يعارض توجهات القاعدة والزرقاوي من المسلمين السنة في العراق حتى لو كانوا مَن كانوا، فإن مصيرهم سيكون دون أدنى ريب مصير أهل «الردة»، في اشارة احياء واضحة لحروب الردة على زمن الخليفة الأول. إنها نذر حرب أهلية ليس في العراق فحسب، بل قد يمتد أوراها الى كل أرجاء الوطن العربي والاسلامي.
لست ممن يرتاحون للتقسيمات المذهبية والطائفية والعرقية والعنصرية التي باتت تصنف الناس اليوم في العراق وفي غير العراق للأسف الشديد حسب قوالب جاهزة ولا تقبل من أحد شهادة أو تحليلاً أو موقفاً أو نصيحة ما لم يتمترس في أحد الخنادق الآنفة الذكر، لكن الأحزاب والطبقة السياسية والنجف المثقفة في بلادنا العربية والاسلامية باتت مصنفة ومقسمة ومستقطبة وللأسف الشديد أيضاً على الطريقة أو الخريطة التي يوحي بها الزرقاوي وتوحي بها «القاعدة».
فمنذ غزو العراق الغادر على يد من يصر البعض على تسميته بقوات التحالف رغم كونها قوات احتلال غير مشروعة، قامت بعمل غير مبرر حسب القانون الدولي والأعراف الانسانية، والعاصمة العراقية بغداد تعرض نفسها على المسرح العالمي كعاصمة «غرائزية» بامتياز على حد قول أحد المتابعين الجيدين لأخبار العراق.
فالعراق كان منذ دخول قوات الاحتلال له في الحادي والعشرين من آذار (مارس) العام 2003 وحتى الآن وليمة قتل غرائزية بامتياز من قبل قوات الاحتلال للشعب العراقي.
أكثر من مئة ألف جلهم من المدنيين وغير المحاربين راحوا ضحية هذه «الوليمة» الغرائزية البشعة. مرة باسم الدفاع عن الشيعة واخرى باسم الدفاع عن الأكراد كانوا يتقدمون باتجاه اقامة هذه «الوليمة» أو تلك!
في هذه الأثناء لم تتوان القوى السياسية المتحالفة مع قوات الاحتلال من التنظير للقتل والتحضير للولائم اليومية للقتل مرة باسم «اجتثاث» هذا الفكر السياسي أو ذاك ومرة باسم تهيئة هذا الفضاء الأمني والسياسي أو ذاك، وهكذا تم قتل وجهاء ورموز و «علماء» ورجال دين و «زعماء» وجماعات من هذه الطائفة أو تلك ومن هذا العرق أو ذاك في ولائم غرائزية بامتياز، في ما تمت استضافة قادة النظام السابق، والذين باسم القضاء عليهم و «اجتثاثهم» تم تدمير العراق، في سجون حقوق الانسان من الدرجة الأولى إذا ما قورنت بمعاملة قادة هذا النظام المخلوع للناس من كل الاجناس في زمن حكمهم الظالم.
لقد ظل العالم العربي والاسلامي وللأسف الشديد يتفرج بامتياز طوال السنتين الماضيتين على ولائم القتل «الغرائزية» بحق العراقيين من كل لون وطائفة ومذهب ودين، كانت خلاله القوات الغازية تشجع وتشوق وتحرض وتستفز وتحرك كل الغرائز التي يمكن ان تخطر ببال أحد ضد «الآخر» بحجة اطلاق الحريات العامة وتعميم ثقافة الديموقراطية، فيما هي كانت في الواقع العملي تطلق النار وبقوة على أي مذهب اعتدالي يحاول ان يظهر وينمو لدى هذه الجهة العراقية أو تلك، فعندما يسود منطق القوة والقتل الغرائزي وبلا حدود لا يمكن منع ردود فعل مضادة له بالاتجاه لكنها من جنسه الغرائزي نفسه وان ظهر وكأنه معادياً له أو مقاوم!!
انها السنة الكونية التي لا خروج عليها ولا مناص من الإقرار في قدريتها. انه زمن لمراجعة وإعادة النظر في كل ما جرى للعراق وكيف تم تدميره ونهيه واحراقه أمام أعيننا جميعاً ونحن نتفرج! وها هو الوجه الآخر للعملة يظهر اليوم وكأنه يريد الإجهاز على ما تبقى من أمل فيه. فهل من يتعظ من أهل العراق وجواره؟!
كاتب متخصص في الشؤون الايرانية.
ثمة أخبار وتقارير مقلقة تصل من العاصمة العراقية بغداد، توحي بأن ثمة انحرافاً ما في بوصلة الذين وضعوا أنفسهم أوصياء على مقولة المقاومة!
فرغم وجود قناعة عامة لدى الرأي العام العربي والمسلم وربما بين أحرار العالم أيضاً بحق العراقيين بمقاومة الاحتلال وتقرير مصيرهم بأنفسهم رافضين الوصاية عليهم من أي طرف جاءت، إلا ان اجماعاً آخر بدأ يتبلور بالوضوح والشفافية نفسيها لدى ذلك الرأي العام العالمي، ومفاده ان هناك فرقاً بين مقاومة المحتل كحق كفلته كل الشرائع الدنيوية والأخروية وبين ممارسة العنف و «الارهاب» ضد أشكال الحياة المدنية الفردية والجماعية!
خبران منفصلان في ظاهرهما وقد تتباين أسباب صدور بيان بشأنهما إلا أنهما يصبان في الاتجاه نفسه المقلق. الأول يتعلق باعلان الزرقاوي تشكيل فرقة فدائية (انتحارية) باسم «اللواء عمر» نسبة الى الفاروق عمر بن الخطاب الخليفة الثاني والتي قال الزرقاوي إن هدفها «اجتثاث» فرقة «بدر»، وهي الحزب السياسي أو «الميليشيا» النظامية التابعة للمجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق، والتي كما يعرف الجميع بأنها شيعية الانتماء مئة في المئة. اما الخبر الثاني فيتعلق بإعلان صادر عن القاعدة يفيد بأنها ستنفذ حكم «الردة» بحق الديبلوماسي المصري ايهاب الشريف!
لسنا هنا بصدد مناقشة التحليل أو تقدير الموقف السياسي الذي دفع جماعة «القاعدة» والزرقاوي الى إصدار هذين البيانين أياً تكن أهمية مثل هذه الخلفية، لكن الخطير فيهما هو تلك الايحاءت التي يحملها فحوى البيانين وهو ما تريده جماعة الزرقاوي بالضبط حيث تريد القول في البيان الأول إن الجماعة الشيعية في العراق - على الأقل العاملة مع المجلس الأعلى - انما هي جماعة «ضالة، بل وكافرة وفاسقة، بات دمها مهدوراً وستقوم احدى فرق المسلمين السنية باجتثاثها»!
هذا فيما تريد من خلال البيان الثاني القول إن كل من يخالف أو يعارض توجهات القاعدة والزرقاوي من المسلمين السنة في العراق حتى لو كانوا مَن كانوا، فإن مصيرهم سيكون دون أدنى ريب مصير أهل «الردة»، في اشارة احياء واضحة لحروب الردة على زمن الخليفة الأول. إنها نذر حرب أهلية ليس في العراق فحسب، بل قد يمتد أوراها الى كل أرجاء الوطن العربي والاسلامي.
لست ممن يرتاحون للتقسيمات المذهبية والطائفية والعرقية والعنصرية التي باتت تصنف الناس اليوم في العراق وفي غير العراق للأسف الشديد حسب قوالب جاهزة ولا تقبل من أحد شهادة أو تحليلاً أو موقفاً أو نصيحة ما لم يتمترس في أحد الخنادق الآنفة الذكر، لكن الأحزاب والطبقة السياسية والنجف المثقفة في بلادنا العربية والاسلامية باتت مصنفة ومقسمة ومستقطبة وللأسف الشديد أيضاً على الطريقة أو الخريطة التي يوحي بها الزرقاوي وتوحي بها «القاعدة».
فمنذ غزو العراق الغادر على يد من يصر البعض على تسميته بقوات التحالف رغم كونها قوات احتلال غير مشروعة، قامت بعمل غير مبرر حسب القانون الدولي والأعراف الانسانية، والعاصمة العراقية بغداد تعرض نفسها على المسرح العالمي كعاصمة «غرائزية» بامتياز على حد قول أحد المتابعين الجيدين لأخبار العراق.
فالعراق كان منذ دخول قوات الاحتلال له في الحادي والعشرين من آذار (مارس) العام 2003 وحتى الآن وليمة قتل غرائزية بامتياز من قبل قوات الاحتلال للشعب العراقي.
أكثر من مئة ألف جلهم من المدنيين وغير المحاربين راحوا ضحية هذه «الوليمة» الغرائزية البشعة. مرة باسم الدفاع عن الشيعة واخرى باسم الدفاع عن الأكراد كانوا يتقدمون باتجاه اقامة هذه «الوليمة» أو تلك!
في هذه الأثناء لم تتوان القوى السياسية المتحالفة مع قوات الاحتلال من التنظير للقتل والتحضير للولائم اليومية للقتل مرة باسم «اجتثاث» هذا الفكر السياسي أو ذاك ومرة باسم تهيئة هذا الفضاء الأمني والسياسي أو ذاك، وهكذا تم قتل وجهاء ورموز و «علماء» ورجال دين و «زعماء» وجماعات من هذه الطائفة أو تلك ومن هذا العرق أو ذاك في ولائم غرائزية بامتياز، في ما تمت استضافة قادة النظام السابق، والذين باسم القضاء عليهم و «اجتثاثهم» تم تدمير العراق، في سجون حقوق الانسان من الدرجة الأولى إذا ما قورنت بمعاملة قادة هذا النظام المخلوع للناس من كل الاجناس في زمن حكمهم الظالم.
لقد ظل العالم العربي والاسلامي وللأسف الشديد يتفرج بامتياز طوال السنتين الماضيتين على ولائم القتل «الغرائزية» بحق العراقيين من كل لون وطائفة ومذهب ودين، كانت خلاله القوات الغازية تشجع وتشوق وتحرض وتستفز وتحرك كل الغرائز التي يمكن ان تخطر ببال أحد ضد «الآخر» بحجة اطلاق الحريات العامة وتعميم ثقافة الديموقراطية، فيما هي كانت في الواقع العملي تطلق النار وبقوة على أي مذهب اعتدالي يحاول ان يظهر وينمو لدى هذه الجهة العراقية أو تلك، فعندما يسود منطق القوة والقتل الغرائزي وبلا حدود لا يمكن منع ردود فعل مضادة له بالاتجاه لكنها من جنسه الغرائزي نفسه وان ظهر وكأنه معادياً له أو مقاوم!!
انها السنة الكونية التي لا خروج عليها ولا مناص من الإقرار في قدريتها. انه زمن لمراجعة وإعادة النظر في كل ما جرى للعراق وكيف تم تدميره ونهيه واحراقه أمام أعيننا جميعاً ونحن نتفرج! وها هو الوجه الآخر للعملة يظهر اليوم وكأنه يريد الإجهاز على ما تبقى من أمل فيه. فهل من يتعظ من أهل العراق وجواره؟!