سلسبيل
07-08-2005, 09:53 AM
ورد على قبري سارتر ودوبوفوار... وتذاكر مترو لعلهما يعودان ليشربا قهوتهما في "دي فلور"
يوحي قبر. جان بول سارتر بالتواضع. وهذا ما اراده الرجل, الذي نسب اليه انه يكره النصب التذكارية ولا يكترث بما يخلفه وراءه. والذين احتفلوا بذكرى وفاته في يونيو الفائت, بزيارة قبره في مونبارناس في باريس, كانوا متواضعين ايضاً في احتفالهم, إذ اكتفوا بوضع طاقة أزهار بلاستيكية وطاقة اخرى من أزهار الخبيزة الفرنجية وخمس وردات وريشة حمامة وعشرات الحصيات وخمس تذاكر مترو غير مستعملة.
وعلى قبر رفيقة عمره, سيمون دو بوفوار, تركوا هذه الكلمات المكتوبة »الى ج. ب .س. و. س. ب عرفاناً بكتاباتكما الصادقة وللمعنى الذي اعطيتماه للحياة.. شكراً للأثر الذي تركتماه على التاريخ«.
ليس مفهوماً لماذا وضعت بطاقات المترو على القبر. ولكن ربما كان البعض يحب لهذين المدفونين ان يعودا الى »مقهى دي فلور« ليشربا القهوة ويدخنا سجائر »الغولواز« ويناقشا حالات الخيانة ويعيدا مناقشة الفرق بين »الوجود والعدم« من منظور جديد.
احتجاج
كان جان بول سارتر فيلسوفا وروائياً وكاتباً مسرحياً وناشطاً سياسياً لا يتوقف عن اثارة القضايا المثيرة للجدل, كما كان العلماني المبشر بالوجودية ونموذج رجل الفكر الفرنسي »الملتزم«. مات قبل 25 سنة, وفي الأسبوع الأخير من يونيو الماضي مرت مئة سنة على ولادته.
يوم وفاته في ابريل 1980 تدفق الى شوارع باريس اكثر من 30 الف شخص »ليحتجوا« كما قال احد المعجبين »على موت سارتر«
خلال العقدين التاليين لوفاة سارتر, تراجعت. مكانته بسبب ما اعتبر اخطاء وتناقضات في مواقفه, مثل تأييده »للستالينية« مطلع الخمسينات و»الماوية« في السبعينات ودفاعه من المذابح ضد المدنيين في الجزائر وعملية ميونيخ في الالعاب الاولمبية في العام 1972 .
والآن يعود ليحتل مكانته كواحد من اهم الكتاب والمفكرين في القرن العشرين ¯ وهذا لايقتصر على بلده فرنسا, وإنما في الاوساط الاكاديمية في الولايات المتحدة التي كان يحتقرها.
وتجد محاولات جان بول سارتر المتعددة, لتحديد ما تعنيه »الحرية« الانسانية, صداها الطيب لدى السود والمرأة والاكاديميين اليساريين الذين اسسوا »جمعية سارتر الاميركية الشمالية«, لقد امدهم جان بول سارتر بالترياق الذي يحتاجونه على شكل كتابات تتميز بالحدة والسلاسة التي تساعدهم في استخدام كلمات مثل »الحرية« و»التحرر« في وسائل نشر الفكر السياسي والثقافة الاعلامية في أيامهم.
وفي فرنسا يحتفل بذكرى مئة سنة على ولادته عبر الاستفاضة في اعادة تقديم تركة سارتر السياسية والفكرية »والتي كان سارتر ذاته قد ازدراها«. وفي هذه المناسبة يقام معرض يستمر حتى 21 اغسطس في المكتبة الوطنية, حيث يمكن رؤية هذا الرجل الصغير الجسم والعظيم الاثر في سلسلة من المشاهد التي يعاد عرضها مرات ومرات من مقابلات تلفزيونية اجريت معه ذات يوم.
وفي واحدة منها يوضح سارتر لمحاوره الكندري لماذا رفض جائزة نوبل للآداب العام ,1967 اذ يقول سارتر ان قبوله هذه الجائزة سيمنحه »شيئاً من التميز والقوة الرمزية« التي ستؤدي الى فصله, كإنسان يعمل بعقله, عن بقية افراد طبقة البروليتاريا.
ويضيف سارتر انه حتى مع وجود موهبة فذة كموهبته, لا يجد مبرراً للانغماس في مثل هذه البهرجات البورجوازية.
مقاوم
هذا المفكر العميق, الذي آمن بواجب الفرد في العمل باستمرار على اعادة تحديد معنى طريقه الى الحرية, كان يبيع صحيفة ماوية في شوارع باريس, في السبعينات, تدافع عن الاغتيالات العشوائية لرجال الشرطة والزعماء.
ووقع سارتر في اسر الالمان خلال الحرب العالمية الثانية واصبح في وقت من الاوقات »بطل مقاومة« تمثل دوره في كتابة كراسات لم تنشر وكتابة مسرحيات مليئة بالرموز.
وهذا الرجل الذي لم يمارس اي عمل يدوي في حياته. وقف في العام 1971 امام مصنع سيارات »رينو« يحاضر في عمال المصنع عن »الجنة الماوية« التي كانت بانتظارهم.
وادق وصف لسارتر يرد في السيرة التي كتبها رونالد هايمان: »كان سارتر يشعر بالالفة مع المقاهي والمطاعم حيث يصبح المكان امتداداً له عبر تفوقه في الحديث واسرافه في التدخين..«.
ولكن ما الذي يمكن قوله عن علاقته بالكاتبة وداعية حقوق المرأة سيمون دو بوفوار, التي احبها طوال حياته دون ان ينام معها في السنوات العشرين الاخيرة? عاش كل منهما سلسلة من العلاقات الغرامية, التي كانا يفاخران بها في رسائل تسببت في فضائح لدى نشرها بعد موتهما.
كان سارتر يحب ان يظل محاطاً بالنساء الجميلات اللواتي كانت هوايته اغواءهن, وإن كان يعترف برسائله انه لم يكن يهتم بالجنس أكثر من اهتمامه بتنظيف اسنانه التالفة.
ومن خلال رسائلهما المنشورة في معرض المكتبة الوطنية, يبدو واضحاً الحجم الهائل للاحترام والمحبة المتبادلين بين سارتر وبوفوار. وكانت قد اصرت على ان تدفن معه, مع انه حرمها في وصيته واوصى بأمواله لاخر عشيقاته!
صدمة
ولد سارتر في باريس في العام 1905 وبعد سنة من ذلك توفي والده, وكانت والدته شديدة الرعاية له وكانت تعامله على انه بنت. لكنه صدم بقوة حين تزوجت وهو ابن 12 سنة. كانت طفولته حافلة بكل الدلالات »الفرويدية« التي تعطي مؤشرات على كتاباته..وربما كان هذا ما يفسر كرهه لفرويد واي ايحاء يشير الى ان الطفولة تحدد شخصية ومصير الفرد.
كان لايزال يتلمس طريق الشهرة حين اندلعت الحرب في العام 1939 . وفي ثلاثينية »الدروب الى الحرية« يمنح اناه الاخرى دوراً بطوليا وجودياً من خلال شخصية ماثيو. كان يخدم في وحدة ارصاد جوية فوقع في الاسر العام 1940 ومن خلال وجوده مع اعداد كبيرة في معسكر الاعتقال تعلم الكثير واعلن »ايمانه بالانسان«.
ويعتقد البعض ان هذه التجربة جعلته يختتم مسرحيته بعبارته الشهيرة »الآخر هو الجحيم«.
ومع ان سارتر ساهم في تعميم لفظة »الوجودية« اعتباراً من العام 1946 ثم تخلى عنها لاحقاً, يصعب تحديد ما الذي كان سارتر يؤمن به لأن تفكيره كان حالة من التغير الدائم. الأمر الغريب في هذا الرجل الذي كان الاكثر أهمية في تعزيز التوجه اليساري في الحياة الفكرية الفرنسية انه ظل دائماً يعظم الفرد.
بدأ التوجه الوجودي لدى سارتر في اعماله المبكرة مثل »الغثيان« 1938 و»الوجود والعدم« 1934 من خلال اكتشاف الانسان على انه نوع من البطل التراجيدي.
العدم »يفسر« الوجود. والوجود يفسر كل شيء ¯ ولاشيء ¯ ليس هناك حقائق مطلقة, لا في الدين ولا في علم النفس ولا في الشرط الاجتماعي ولا في العمل الميكانيكي للتاريخ, يمكنها تقديم حقائق كونية او توضيح كيف يجب ان يتصرف الفرد. على كل فرد ان يجد طريقه الخاص الى »الحرية« حرية الانعتاق من القيم المتفق عليها.
وتالياً, فإن كل شيء مقرف, لكنه رائع ايضاً, لان الحياة عبارة عن تحد ابدي, عمل دائم من البطولة العقلية ولكن اذا لم يكن هناك طريق صحيح ولم يكن هناك اخلاق, ما الذي يمنع البشرية من الانحطاط الى البربرية?
الحرية
سؤال لم يجد له جواباً. وبدلاً عن ذلك لجأ الى حكم »بليك«: »الايمان هو ان لا تؤمن بأي شيء«. كان سارتر منسجماً مع فلسفته في ان لا يكون مؤمناً بأي شيء. لقد اعتقد ان على كل شخص ان يحدد ويعيش نسخته الخاصة من الحرية .
وكان يؤمن ان هذا يتحقق فقط من خلال الحرية السياسية والجنسية والاقتصادية للجنس البشري كله.
ان الحالة الروحانية السليمة عند الفرد تفرض عليه واجب العمل ضد كل اشكال القمع. وبما ان المجتمع الرأسمالي والبرجوازي كان القامع الاكبر, فإن الشيوعية, بل الستالينية الشيوعية, كانت بالنسبة لسارتر جزءاً من الطريق الى الحرية. وفي هذا الشأن كان يرى في حركات التحرر المناهضة للاستعمار في الجزائر وفيتنام عملاً مشروعاً.
ولانه كان يعتبر العنف جزءاً من مؤسسات المجتمعات الرأسمالية والاستعمارية التي تضطهد الجنس البشري, نظر الى العنف الثوري على انه ضرورة لمقاتلة العنف الرجعي وتمهيد الطريق الى الحرية.
مثل هذه الآراء المتطرفة قللت من أهمية سارتر كمفكر في الاوساط الاكاديمية الفرنسية. الا ان السنوات الاخيرة شهدت اهتماماً متزايداً باعماله في كل من فرنسا والمانيا وخصوصاً »الغيثان« و»الوجود والعدم« لما فيها من فلسفة شاعرية في طرحها للاسئلة المتعلقة بالوجود الانساني ومعنى الحياة.
اما في الولايات المتحدة فقد أعيد اكتشاف سارتر. كسياسي ملتزم كان يحتقر الولايات المتحدة. وقد شدهم بشكل خاص بحثه الدؤوب عن معنى »الحرية« ومفهومه عن »العنف المؤسسات« وبالنسبة الى المرأة والسود والاكاديميين الراديكاليين كان سارتر واحداً من الاوائل الذين طرحوا الاسئلة التي تثيرها »الحرب على الارهاب« والعولمة والاستخدام الاميركي المحافظ والفضاض لكلمة »الحرية«.
يتساءل هل هؤلاء: هل »للحرية« بالمعنى الاميركي العادي اي معنى اذا كانت تفرض البؤس على الآخرين? وهل لها اي معنى سوى انها »عقيدة سيئة« إذا كانت ستتحقق على حساب ارتفاع حرارة الارض واضطهاد المرأة والأقليات العرقية?.
مع ذلك يبدو ان الاهتمام يتركز على سارتر الكاتب والفنان, وليس سارتر المفكر السياسي, فقد كان اقرب الى الفوضوية منه الى السياسي العملي.
يوحي قبر. جان بول سارتر بالتواضع. وهذا ما اراده الرجل, الذي نسب اليه انه يكره النصب التذكارية ولا يكترث بما يخلفه وراءه. والذين احتفلوا بذكرى وفاته في يونيو الفائت, بزيارة قبره في مونبارناس في باريس, كانوا متواضعين ايضاً في احتفالهم, إذ اكتفوا بوضع طاقة أزهار بلاستيكية وطاقة اخرى من أزهار الخبيزة الفرنجية وخمس وردات وريشة حمامة وعشرات الحصيات وخمس تذاكر مترو غير مستعملة.
وعلى قبر رفيقة عمره, سيمون دو بوفوار, تركوا هذه الكلمات المكتوبة »الى ج. ب .س. و. س. ب عرفاناً بكتاباتكما الصادقة وللمعنى الذي اعطيتماه للحياة.. شكراً للأثر الذي تركتماه على التاريخ«.
ليس مفهوماً لماذا وضعت بطاقات المترو على القبر. ولكن ربما كان البعض يحب لهذين المدفونين ان يعودا الى »مقهى دي فلور« ليشربا القهوة ويدخنا سجائر »الغولواز« ويناقشا حالات الخيانة ويعيدا مناقشة الفرق بين »الوجود والعدم« من منظور جديد.
احتجاج
كان جان بول سارتر فيلسوفا وروائياً وكاتباً مسرحياً وناشطاً سياسياً لا يتوقف عن اثارة القضايا المثيرة للجدل, كما كان العلماني المبشر بالوجودية ونموذج رجل الفكر الفرنسي »الملتزم«. مات قبل 25 سنة, وفي الأسبوع الأخير من يونيو الماضي مرت مئة سنة على ولادته.
يوم وفاته في ابريل 1980 تدفق الى شوارع باريس اكثر من 30 الف شخص »ليحتجوا« كما قال احد المعجبين »على موت سارتر«
خلال العقدين التاليين لوفاة سارتر, تراجعت. مكانته بسبب ما اعتبر اخطاء وتناقضات في مواقفه, مثل تأييده »للستالينية« مطلع الخمسينات و»الماوية« في السبعينات ودفاعه من المذابح ضد المدنيين في الجزائر وعملية ميونيخ في الالعاب الاولمبية في العام 1972 .
والآن يعود ليحتل مكانته كواحد من اهم الكتاب والمفكرين في القرن العشرين ¯ وهذا لايقتصر على بلده فرنسا, وإنما في الاوساط الاكاديمية في الولايات المتحدة التي كان يحتقرها.
وتجد محاولات جان بول سارتر المتعددة, لتحديد ما تعنيه »الحرية« الانسانية, صداها الطيب لدى السود والمرأة والاكاديميين اليساريين الذين اسسوا »جمعية سارتر الاميركية الشمالية«, لقد امدهم جان بول سارتر بالترياق الذي يحتاجونه على شكل كتابات تتميز بالحدة والسلاسة التي تساعدهم في استخدام كلمات مثل »الحرية« و»التحرر« في وسائل نشر الفكر السياسي والثقافة الاعلامية في أيامهم.
وفي فرنسا يحتفل بذكرى مئة سنة على ولادته عبر الاستفاضة في اعادة تقديم تركة سارتر السياسية والفكرية »والتي كان سارتر ذاته قد ازدراها«. وفي هذه المناسبة يقام معرض يستمر حتى 21 اغسطس في المكتبة الوطنية, حيث يمكن رؤية هذا الرجل الصغير الجسم والعظيم الاثر في سلسلة من المشاهد التي يعاد عرضها مرات ومرات من مقابلات تلفزيونية اجريت معه ذات يوم.
وفي واحدة منها يوضح سارتر لمحاوره الكندري لماذا رفض جائزة نوبل للآداب العام ,1967 اذ يقول سارتر ان قبوله هذه الجائزة سيمنحه »شيئاً من التميز والقوة الرمزية« التي ستؤدي الى فصله, كإنسان يعمل بعقله, عن بقية افراد طبقة البروليتاريا.
ويضيف سارتر انه حتى مع وجود موهبة فذة كموهبته, لا يجد مبرراً للانغماس في مثل هذه البهرجات البورجوازية.
مقاوم
هذا المفكر العميق, الذي آمن بواجب الفرد في العمل باستمرار على اعادة تحديد معنى طريقه الى الحرية, كان يبيع صحيفة ماوية في شوارع باريس, في السبعينات, تدافع عن الاغتيالات العشوائية لرجال الشرطة والزعماء.
ووقع سارتر في اسر الالمان خلال الحرب العالمية الثانية واصبح في وقت من الاوقات »بطل مقاومة« تمثل دوره في كتابة كراسات لم تنشر وكتابة مسرحيات مليئة بالرموز.
وهذا الرجل الذي لم يمارس اي عمل يدوي في حياته. وقف في العام 1971 امام مصنع سيارات »رينو« يحاضر في عمال المصنع عن »الجنة الماوية« التي كانت بانتظارهم.
وادق وصف لسارتر يرد في السيرة التي كتبها رونالد هايمان: »كان سارتر يشعر بالالفة مع المقاهي والمطاعم حيث يصبح المكان امتداداً له عبر تفوقه في الحديث واسرافه في التدخين..«.
ولكن ما الذي يمكن قوله عن علاقته بالكاتبة وداعية حقوق المرأة سيمون دو بوفوار, التي احبها طوال حياته دون ان ينام معها في السنوات العشرين الاخيرة? عاش كل منهما سلسلة من العلاقات الغرامية, التي كانا يفاخران بها في رسائل تسببت في فضائح لدى نشرها بعد موتهما.
كان سارتر يحب ان يظل محاطاً بالنساء الجميلات اللواتي كانت هوايته اغواءهن, وإن كان يعترف برسائله انه لم يكن يهتم بالجنس أكثر من اهتمامه بتنظيف اسنانه التالفة.
ومن خلال رسائلهما المنشورة في معرض المكتبة الوطنية, يبدو واضحاً الحجم الهائل للاحترام والمحبة المتبادلين بين سارتر وبوفوار. وكانت قد اصرت على ان تدفن معه, مع انه حرمها في وصيته واوصى بأمواله لاخر عشيقاته!
صدمة
ولد سارتر في باريس في العام 1905 وبعد سنة من ذلك توفي والده, وكانت والدته شديدة الرعاية له وكانت تعامله على انه بنت. لكنه صدم بقوة حين تزوجت وهو ابن 12 سنة. كانت طفولته حافلة بكل الدلالات »الفرويدية« التي تعطي مؤشرات على كتاباته..وربما كان هذا ما يفسر كرهه لفرويد واي ايحاء يشير الى ان الطفولة تحدد شخصية ومصير الفرد.
كان لايزال يتلمس طريق الشهرة حين اندلعت الحرب في العام 1939 . وفي ثلاثينية »الدروب الى الحرية« يمنح اناه الاخرى دوراً بطوليا وجودياً من خلال شخصية ماثيو. كان يخدم في وحدة ارصاد جوية فوقع في الاسر العام 1940 ومن خلال وجوده مع اعداد كبيرة في معسكر الاعتقال تعلم الكثير واعلن »ايمانه بالانسان«.
ويعتقد البعض ان هذه التجربة جعلته يختتم مسرحيته بعبارته الشهيرة »الآخر هو الجحيم«.
ومع ان سارتر ساهم في تعميم لفظة »الوجودية« اعتباراً من العام 1946 ثم تخلى عنها لاحقاً, يصعب تحديد ما الذي كان سارتر يؤمن به لأن تفكيره كان حالة من التغير الدائم. الأمر الغريب في هذا الرجل الذي كان الاكثر أهمية في تعزيز التوجه اليساري في الحياة الفكرية الفرنسية انه ظل دائماً يعظم الفرد.
بدأ التوجه الوجودي لدى سارتر في اعماله المبكرة مثل »الغثيان« 1938 و»الوجود والعدم« 1934 من خلال اكتشاف الانسان على انه نوع من البطل التراجيدي.
العدم »يفسر« الوجود. والوجود يفسر كل شيء ¯ ولاشيء ¯ ليس هناك حقائق مطلقة, لا في الدين ولا في علم النفس ولا في الشرط الاجتماعي ولا في العمل الميكانيكي للتاريخ, يمكنها تقديم حقائق كونية او توضيح كيف يجب ان يتصرف الفرد. على كل فرد ان يجد طريقه الخاص الى »الحرية« حرية الانعتاق من القيم المتفق عليها.
وتالياً, فإن كل شيء مقرف, لكنه رائع ايضاً, لان الحياة عبارة عن تحد ابدي, عمل دائم من البطولة العقلية ولكن اذا لم يكن هناك طريق صحيح ولم يكن هناك اخلاق, ما الذي يمنع البشرية من الانحطاط الى البربرية?
الحرية
سؤال لم يجد له جواباً. وبدلاً عن ذلك لجأ الى حكم »بليك«: »الايمان هو ان لا تؤمن بأي شيء«. كان سارتر منسجماً مع فلسفته في ان لا يكون مؤمناً بأي شيء. لقد اعتقد ان على كل شخص ان يحدد ويعيش نسخته الخاصة من الحرية .
وكان يؤمن ان هذا يتحقق فقط من خلال الحرية السياسية والجنسية والاقتصادية للجنس البشري كله.
ان الحالة الروحانية السليمة عند الفرد تفرض عليه واجب العمل ضد كل اشكال القمع. وبما ان المجتمع الرأسمالي والبرجوازي كان القامع الاكبر, فإن الشيوعية, بل الستالينية الشيوعية, كانت بالنسبة لسارتر جزءاً من الطريق الى الحرية. وفي هذا الشأن كان يرى في حركات التحرر المناهضة للاستعمار في الجزائر وفيتنام عملاً مشروعاً.
ولانه كان يعتبر العنف جزءاً من مؤسسات المجتمعات الرأسمالية والاستعمارية التي تضطهد الجنس البشري, نظر الى العنف الثوري على انه ضرورة لمقاتلة العنف الرجعي وتمهيد الطريق الى الحرية.
مثل هذه الآراء المتطرفة قللت من أهمية سارتر كمفكر في الاوساط الاكاديمية الفرنسية. الا ان السنوات الاخيرة شهدت اهتماماً متزايداً باعماله في كل من فرنسا والمانيا وخصوصاً »الغيثان« و»الوجود والعدم« لما فيها من فلسفة شاعرية في طرحها للاسئلة المتعلقة بالوجود الانساني ومعنى الحياة.
اما في الولايات المتحدة فقد أعيد اكتشاف سارتر. كسياسي ملتزم كان يحتقر الولايات المتحدة. وقد شدهم بشكل خاص بحثه الدؤوب عن معنى »الحرية« ومفهومه عن »العنف المؤسسات« وبالنسبة الى المرأة والسود والاكاديميين الراديكاليين كان سارتر واحداً من الاوائل الذين طرحوا الاسئلة التي تثيرها »الحرب على الارهاب« والعولمة والاستخدام الاميركي المحافظ والفضاض لكلمة »الحرية«.
يتساءل هل هؤلاء: هل »للحرية« بالمعنى الاميركي العادي اي معنى اذا كانت تفرض البؤس على الآخرين? وهل لها اي معنى سوى انها »عقيدة سيئة« إذا كانت ستتحقق على حساب ارتفاع حرارة الارض واضطهاد المرأة والأقليات العرقية?.
مع ذلك يبدو ان الاهتمام يتركز على سارتر الكاتب والفنان, وليس سارتر المفكر السياسي, فقد كان اقرب الى الفوضوية منه الى السياسي العملي.