مجاهدون
06-27-2003, 01:37 AM
أمير طاهري - الشرق الأوسط
الخميس 26/6/2003
ها هم آلاف الطلاب يواصلون تظاهراتهم ضد النظام في ايران على امتداد الاسبوعين الماضيين. وقد اتسعت هذه الحركة التي انطلقت من جامعة طهران لتشمل الجامعات في المدن الرئيسية الأخرى. كما انها استقطبت تأييد بعض أفراد الطبقة الوسطى، بينما أعرب عمال المصانع في عدد من المدن عن تضامنهم من خلال توقف رمزي عن العمل.
هذه ليست المرة الأولى التي ينهض خلالها الطلاب الايرانيون ضد النظام الخميني. فقد كانت أولى انتفاضاتهم خلال شهر مارس (آذار) من عام 1979، أي عقب استيلاء الراحل آية الله الخميني على السلطة. حينذاك رد الخميني باغلاق جميع الجامعات لمدة عامين. وها هي آخر سلسلة التظاهرات الطلابية التي بدأت في عام 1998 تتواصل.
هل يمكن القول ان ايران على وشك أن تشهد «ثورة أخرى»، أو حربا أهلية كما يشير الى ذلك بعض المحللين؟
افضل اجابة يمكن التفكير فيها هي: كلا. فالبركان، وان شهد بعض الغليان، الا أنه لن يثور في القريب العاجل. والسبب هو امكانية تشكل حالة من الاجماع في ايران على احداث تغيير سلمي دستوري من خلال تنظيم استفتاء.
والفكرة هنا تكمن في الغاء مادتين من الدستور، وتعديل ست مواد أخرى، بحيث تتسنى تهيئة اجواء سياسية أفضل مما هو ممنوح حاليا لرجال الدين.
ووفقا للمقترحات المطروحة، فقد يلغى منصب «المرجع الأعلى»، الذي يتولاه حاليا علي خامنئي، وهو من ملالي الدرجة المتوسطة، بحيث يسمح لايران أن تصبح جمهورية «عادية» لديها رئيس ومجلس نيابي (برلمان) منتخب، تمكن محاسبته من قبل الشعب.
اليوم، قد يجد المرء صعوبة في التعرف على أي شخص، حتى في أوساط المؤسسة الحاكمة، لديه استعداد للدفاع عن مبدأ «ولاية الفقيه»، الذي يتيح لملا يطلق عليه «المرشد الأعلى»، التمتع بسلطات مطلقة باعتباره خليفة الله في الأرض، بما في ذلك تعطيل بعض الملامح الرئيسية للاسلام بحد ذاته، مستندا الى مكانته التي لا تمس.
يقول عبد الكريم سوروش، أحد المثقفين الخمينيين البارزين الذين انشقوا مؤخرا: «الاسلام دين لا يتطلب الرهبنة. وفي ايران لدينا رهبنة بلا دين».
لم تعد المؤسسة الخمينية بالقوة الكافية لسحق خصومها، كما أمكن لها أن تفعل بشكل دوري خلال الثمانينات والتسعينات. وقد أوضحت أجهزة القوات المسلحة والشرطة بجلاء انها لن تطلق الرصاص على أية تظاهرة معادية للنظام.
وهؤلاء البلطجية الذين استأجرهم النظام ويطلق عليهم «انصار حزب الله»، ليسوا بأعداد هائلة، كما انهم لا يتمتعون بالثقة المطلقة، لكي يلحقوا أذى بالخصوم ويقمعوا المظاهرات.
ويبدو ان مطلب الطلاب الخاص بتعديل الدستور يحظى ببعض التأييد من داخل المؤسسة الحاكمة. فما يزيد على ثلثي أعضاء المجلس الاسلامي (البرلمان) نشروا بدورهم رسالة مفتوحة لخامنئي، دعوه فيها الى دعم الدعوة لاصلاح الأوضاع. وهناك رسالة أخرى مفتوحة، وقعها قرابة 250 مثقفا، لديهم جميعا ارتباطات خمينية، تضمنت الدعوة لتأسيس نظام ديمقراطي على الطريقة الغربية.
لا بد ان النظام الحالي يخشى من انتشار حركة احتجاج أخرى في أوساط قطاع النفط، بحيث يتضرر أهم مصادر دخل الحكومة، ويحرمها من الوسائل التي تمكنها من المحافظة على قاعدة التأييد التي باتت تضيق.
حال ايران اليوم يشبه حال نسر ذي رأسين، كل منهما يسعى للتحليق في اتجاه معاكس للآخر وفي الوقت عينه. أحد هذين الرأسين يمثل الثورة الخمينية بطموحاتها المتعلقة بتصدير نظرية فاسدة واقامة «قوة عظمى» اسلامية، يمكنها التصدي لـ«الشيطان الأكبر» الأميركي، ثم السيطرة على العالم في نهاية المطاف باسم الخمينية.
أما الرأس الآخر فيمثل الأمة الايرانية، التي تعد واحدة من أقدم الأمم في العالم، والتي لا تبدو مهتمة كثيرا بالتنظير الديني، فما بالكم بتحويل الدين الى سلاح. الدولة الايرانية ترغب في استعادة مكانتها داخل العالم المتطور وفي أن تصبح طرفا رئيسيا في الشؤون الاقليمية والدولية.
وقد كشف استطلاع للرأي أجرته شركة تملكها الدولة في طهران، خلال شهر فبراير (شباط) الماضي، عن ان 70 في المائة من الايرانيين لديهم وجهات نظر لا تمقت الولايات المتحدة. (وهكذا يبدو ان شعبية الولايات المتحدة في ايران أفضل من شعبيتها في بريطانيا، ناهيكم من فرنسا والمانيا).
الجدير بالذكر ان أعمار أكثر من 60 في المائة من سكان ايران، البالغ عددهم 70 مليونا، تقل عن 30 عاما. ولما كانت البلاد قد عانت من النمو الاقتصادي السلبي خلال العقد الماضي، فانها لم تتمكن من توفير فرص التعليم والتسلية والعمل التي يحتاجها شبابها.
وفي ما يتعلق بمستوى دخل الفرد يبدو ان الايراني العادي بات اليوم أفقر بنسبة 50 بالمائه عما كان عليه في عام 1977. ووفقا لتقرير أصدره صندوق النقد الدولي حول «نزيف العقول»، احتلت ايران المرتبة الأولى ضمن 91 دولة نامية. فكل عام يقرر قرابة 180 الف ايراني حصل على تعليم عال، الهجرة الى الخارج، غالبا الى أميركا الشمالية. (عدد الأطباء الايرانيين في كندا أكثر من عددهم في ايران نفسها).
ومن بين 140 خريجا حصلوا على مراكز متقدمة من جامعة طهران خلال عام 2000، هاجر أكثر من 90 الى الولايات المتحدة. وتتراوح نسبة البطالة في اوساط الشباب عند 30 في المائة.
اما زعم خامنئي، الذي طرحه الاسبوع الماضي، والمتعلق بأن «المرتزقة الأميركيين» هم الذين رتبوا للمظاهرات ، فيمكن اعتباره مؤشرا اوليا على قلق قيادة مرعوبة.
ومنذ ذلك الحين يبدو ان الحكمة في طريقها للانتصار. فحتى بعض المحسوبين على خامنئي، باتوا يعترفون اليوم بأن حركة تأييد الديمقراطية باتت متسعة الى الحد الذي يصعب التعامل معها فقط على انها جزء من الضغوط التي تمارسها ادارة بوش على نظام طهران.
كما لقي تعبير الرئيس جورج بوش عن دعم الحركة المؤيدة للديمقراطية، استقبالا حسنا بشكل عام في أوساط الايرانيين.
يقول حامد أتاري، أحد زعماء الطلاب: «هذه هي المرة الأولى التي يدعم فيها زعيم الولايات المتحدة مطالب الشعب الايراني بدلا من السعي للحصول على تنازلات بشأن قضايا السياسية الخارجية فقط. وآمل ان يدرك زعماء أوروبا أيضا ان حركة الاصلاح في بلادنا تجاوزت الرئيس محمد خاتمي ومحاولاته الوجلة للتغيير».
الوجود الأميركي في دول مجاورة لايران، وخاصة العراق وأفغانستان، لا بد انه أصاب المؤسسة الخمينية بالخوف. لكن هذا لا يعني ان هناك أي تأييد لمسار عنيف قد تتبناه الولايات المتحدة. فالتهديد بعمل عسكري أميركي قد يؤتي نتائج عكسية باثارته للمشاعر القومية الايرانية.
مع بلوغ ايران مرحلة حساسة في تطور أوضاعها السياسية الداخلية، من المهم ان يتحد الموقف الأميركي والأوروبي بشأن التعامل مع طهران. ويجب أن يكون الضغط المتعلق بقضايا كالتخصيب النووي والارهاب، مصحوبا بدعم حركة التوجه نحو الديمقراطية، وبوعود تقديم الدعم والتجارة مقابل إحداث اصلاحات.
التعامل مع ايران اليوم يتطلب الحكمة والصبر. ويمكن القول بشكل عام ان ايران باتت تمضي في الطريق الصحيح، رغم انه لا يمكن استبعاد حدوث تعرجات وربما بعض التراجعات المؤقتة.
الخميس 26/6/2003
ها هم آلاف الطلاب يواصلون تظاهراتهم ضد النظام في ايران على امتداد الاسبوعين الماضيين. وقد اتسعت هذه الحركة التي انطلقت من جامعة طهران لتشمل الجامعات في المدن الرئيسية الأخرى. كما انها استقطبت تأييد بعض أفراد الطبقة الوسطى، بينما أعرب عمال المصانع في عدد من المدن عن تضامنهم من خلال توقف رمزي عن العمل.
هذه ليست المرة الأولى التي ينهض خلالها الطلاب الايرانيون ضد النظام الخميني. فقد كانت أولى انتفاضاتهم خلال شهر مارس (آذار) من عام 1979، أي عقب استيلاء الراحل آية الله الخميني على السلطة. حينذاك رد الخميني باغلاق جميع الجامعات لمدة عامين. وها هي آخر سلسلة التظاهرات الطلابية التي بدأت في عام 1998 تتواصل.
هل يمكن القول ان ايران على وشك أن تشهد «ثورة أخرى»، أو حربا أهلية كما يشير الى ذلك بعض المحللين؟
افضل اجابة يمكن التفكير فيها هي: كلا. فالبركان، وان شهد بعض الغليان، الا أنه لن يثور في القريب العاجل. والسبب هو امكانية تشكل حالة من الاجماع في ايران على احداث تغيير سلمي دستوري من خلال تنظيم استفتاء.
والفكرة هنا تكمن في الغاء مادتين من الدستور، وتعديل ست مواد أخرى، بحيث تتسنى تهيئة اجواء سياسية أفضل مما هو ممنوح حاليا لرجال الدين.
ووفقا للمقترحات المطروحة، فقد يلغى منصب «المرجع الأعلى»، الذي يتولاه حاليا علي خامنئي، وهو من ملالي الدرجة المتوسطة، بحيث يسمح لايران أن تصبح جمهورية «عادية» لديها رئيس ومجلس نيابي (برلمان) منتخب، تمكن محاسبته من قبل الشعب.
اليوم، قد يجد المرء صعوبة في التعرف على أي شخص، حتى في أوساط المؤسسة الحاكمة، لديه استعداد للدفاع عن مبدأ «ولاية الفقيه»، الذي يتيح لملا يطلق عليه «المرشد الأعلى»، التمتع بسلطات مطلقة باعتباره خليفة الله في الأرض، بما في ذلك تعطيل بعض الملامح الرئيسية للاسلام بحد ذاته، مستندا الى مكانته التي لا تمس.
يقول عبد الكريم سوروش، أحد المثقفين الخمينيين البارزين الذين انشقوا مؤخرا: «الاسلام دين لا يتطلب الرهبنة. وفي ايران لدينا رهبنة بلا دين».
لم تعد المؤسسة الخمينية بالقوة الكافية لسحق خصومها، كما أمكن لها أن تفعل بشكل دوري خلال الثمانينات والتسعينات. وقد أوضحت أجهزة القوات المسلحة والشرطة بجلاء انها لن تطلق الرصاص على أية تظاهرة معادية للنظام.
وهؤلاء البلطجية الذين استأجرهم النظام ويطلق عليهم «انصار حزب الله»، ليسوا بأعداد هائلة، كما انهم لا يتمتعون بالثقة المطلقة، لكي يلحقوا أذى بالخصوم ويقمعوا المظاهرات.
ويبدو ان مطلب الطلاب الخاص بتعديل الدستور يحظى ببعض التأييد من داخل المؤسسة الحاكمة. فما يزيد على ثلثي أعضاء المجلس الاسلامي (البرلمان) نشروا بدورهم رسالة مفتوحة لخامنئي، دعوه فيها الى دعم الدعوة لاصلاح الأوضاع. وهناك رسالة أخرى مفتوحة، وقعها قرابة 250 مثقفا، لديهم جميعا ارتباطات خمينية، تضمنت الدعوة لتأسيس نظام ديمقراطي على الطريقة الغربية.
لا بد ان النظام الحالي يخشى من انتشار حركة احتجاج أخرى في أوساط قطاع النفط، بحيث يتضرر أهم مصادر دخل الحكومة، ويحرمها من الوسائل التي تمكنها من المحافظة على قاعدة التأييد التي باتت تضيق.
حال ايران اليوم يشبه حال نسر ذي رأسين، كل منهما يسعى للتحليق في اتجاه معاكس للآخر وفي الوقت عينه. أحد هذين الرأسين يمثل الثورة الخمينية بطموحاتها المتعلقة بتصدير نظرية فاسدة واقامة «قوة عظمى» اسلامية، يمكنها التصدي لـ«الشيطان الأكبر» الأميركي، ثم السيطرة على العالم في نهاية المطاف باسم الخمينية.
أما الرأس الآخر فيمثل الأمة الايرانية، التي تعد واحدة من أقدم الأمم في العالم، والتي لا تبدو مهتمة كثيرا بالتنظير الديني، فما بالكم بتحويل الدين الى سلاح. الدولة الايرانية ترغب في استعادة مكانتها داخل العالم المتطور وفي أن تصبح طرفا رئيسيا في الشؤون الاقليمية والدولية.
وقد كشف استطلاع للرأي أجرته شركة تملكها الدولة في طهران، خلال شهر فبراير (شباط) الماضي، عن ان 70 في المائة من الايرانيين لديهم وجهات نظر لا تمقت الولايات المتحدة. (وهكذا يبدو ان شعبية الولايات المتحدة في ايران أفضل من شعبيتها في بريطانيا، ناهيكم من فرنسا والمانيا).
الجدير بالذكر ان أعمار أكثر من 60 في المائة من سكان ايران، البالغ عددهم 70 مليونا، تقل عن 30 عاما. ولما كانت البلاد قد عانت من النمو الاقتصادي السلبي خلال العقد الماضي، فانها لم تتمكن من توفير فرص التعليم والتسلية والعمل التي يحتاجها شبابها.
وفي ما يتعلق بمستوى دخل الفرد يبدو ان الايراني العادي بات اليوم أفقر بنسبة 50 بالمائه عما كان عليه في عام 1977. ووفقا لتقرير أصدره صندوق النقد الدولي حول «نزيف العقول»، احتلت ايران المرتبة الأولى ضمن 91 دولة نامية. فكل عام يقرر قرابة 180 الف ايراني حصل على تعليم عال، الهجرة الى الخارج، غالبا الى أميركا الشمالية. (عدد الأطباء الايرانيين في كندا أكثر من عددهم في ايران نفسها).
ومن بين 140 خريجا حصلوا على مراكز متقدمة من جامعة طهران خلال عام 2000، هاجر أكثر من 90 الى الولايات المتحدة. وتتراوح نسبة البطالة في اوساط الشباب عند 30 في المائة.
اما زعم خامنئي، الذي طرحه الاسبوع الماضي، والمتعلق بأن «المرتزقة الأميركيين» هم الذين رتبوا للمظاهرات ، فيمكن اعتباره مؤشرا اوليا على قلق قيادة مرعوبة.
ومنذ ذلك الحين يبدو ان الحكمة في طريقها للانتصار. فحتى بعض المحسوبين على خامنئي، باتوا يعترفون اليوم بأن حركة تأييد الديمقراطية باتت متسعة الى الحد الذي يصعب التعامل معها فقط على انها جزء من الضغوط التي تمارسها ادارة بوش على نظام طهران.
كما لقي تعبير الرئيس جورج بوش عن دعم الحركة المؤيدة للديمقراطية، استقبالا حسنا بشكل عام في أوساط الايرانيين.
يقول حامد أتاري، أحد زعماء الطلاب: «هذه هي المرة الأولى التي يدعم فيها زعيم الولايات المتحدة مطالب الشعب الايراني بدلا من السعي للحصول على تنازلات بشأن قضايا السياسية الخارجية فقط. وآمل ان يدرك زعماء أوروبا أيضا ان حركة الاصلاح في بلادنا تجاوزت الرئيس محمد خاتمي ومحاولاته الوجلة للتغيير».
الوجود الأميركي في دول مجاورة لايران، وخاصة العراق وأفغانستان، لا بد انه أصاب المؤسسة الخمينية بالخوف. لكن هذا لا يعني ان هناك أي تأييد لمسار عنيف قد تتبناه الولايات المتحدة. فالتهديد بعمل عسكري أميركي قد يؤتي نتائج عكسية باثارته للمشاعر القومية الايرانية.
مع بلوغ ايران مرحلة حساسة في تطور أوضاعها السياسية الداخلية، من المهم ان يتحد الموقف الأميركي والأوروبي بشأن التعامل مع طهران. ويجب أن يكون الضغط المتعلق بقضايا كالتخصيب النووي والارهاب، مصحوبا بدعم حركة التوجه نحو الديمقراطية، وبوعود تقديم الدعم والتجارة مقابل إحداث اصلاحات.
التعامل مع ايران اليوم يتطلب الحكمة والصبر. ويمكن القول بشكل عام ان ايران باتت تمضي في الطريق الصحيح، رغم انه لا يمكن استبعاد حدوث تعرجات وربما بعض التراجعات المؤقتة.