لمياء
07-07-2005, 05:27 PM
لحم الإبل يمتاز عن اللحوم الحمراء بغنى البروتينات وقلة الدهون فيه
تغنّى الشعراء من أهل البادية قديماً وحديثاً، بالناقة والجمل، وبلغت لديهم العناية بالإبل والحرص عليها شأواً بعيداً، وكلما أثار ذلك استغراب الناس زاد أهل البادية في مديحها والتعبير عن تعلقهم بها ولسان مقالهم هو المثل الشعبي «اللي ما يعرف الصقر يشويه!». والحقيقة أن من أمعن النظر في شأن الإبل، وجد فيها ما يستحق الكثير من العناية والرعاية من الناس عامة، وعلى وجه الخصوص من قِبل أهل الطب، ذلك أن الاهتمام الجاد بدراستها والبحث على أسس علمية في فوائدها، أثبت أموراً لا يمكن تجاهلها.
الجمل من الحيوانات الضخمة العجيبة الخصائص لأعضاء جسمها في التكيف مع ظروف موطنها الصحراوي البيئية ومناخه القاسي، واليوم يلتفت الباحثون من الأطباء وأرباب علم الغذاء في مناطق عدة من العالم إلى لحم وحليب الإبل،ش بشيء من الاهتمام، لنشر الاستفادة من تناول لحمها وشرب لبنها في كافة أنحاء العالم، الأمر الذي ما زال محدوداً.
لحوم الإبل
* يفضل الذواقة من متناولي لحوم الإبل صغار السن من ذكورها، ممن لم يتجاوز عمره سنة، أو ما كان بعد الفطام مباشرة، نظراً لسهولة طبخه وخفة طعمه ويسر هضمه، وإن كانت الأنواع الأكبر سناً لا تفقد الكثير من ذلك.
ولو تأملنا لحم الإبل نجد حقيقتين:
الأولى، أن كمية اللحم الناتجة عن نحر الجمل أكثر من ذبح البقر مثلاً، ففي حين يبلغ صافي ما يبقى من ذبح البقرة التي تزن 500 كيلوغرام، وبعد إزالة الجلد والأعضاء الداخلية، ما نسبته 48%، تبلغ النسبة في الجمل الذي يزيد عمره عن خمس سنوات ووزنه 550 كيلوغراما، ما بين 55 إلى %60، وقس على هذا الجمل البالغ سنة واحدة من العمر بوزن 180 كيلوغراما، أو الجمل الذي عمره أقل من خمس سنوات البالغ وزنه 350 كيلوغراما، أي أن نسبة كمية اللحم في الجمل أكثر مما هي في البقر، وبديهي أكثر من الضأن والماعز.
الثانية، والأهم، أن لحم الإبل يمتاز عن اللحوم الحمراء الأخرى بأنه أقل دهناً وأكثر بروتيناً. فلو أخذنا شريحة نيئة بوزن 100 غرام من لحم الجمل، وقارناها بلحوم أخرى، نجد أن الدهن يبلغ 1.8 غرام في لحم الإبل، و12 غراما في لحم البقر، أي ستة أضعاف، وفي لحم الضأن أو الدجاج ثمانية أضعاف، وفي لحم الخنزير 14 ضعفاً!.
كذلك الكوليسترول، ففي نفس الكمية من لحم الجمل 60 ملغ، وفي لحم البقر 70 ملغ، والضأن والدجاج ما بين 80 إلى 100 ملغ، والخنزير 120 ملغ، ولا يوجد ما هو أقل من لحم الجمل سوى الأسماك التي بها 40 ملغ كوليسترول لكل 100 غرام من لحمها الصافي.
أما البروتين فنسبته في لحم الجمل أعلى من البقر، خاصة ما كان عمره فوق 5 سنوات، أما ما هو أقل سناً كالجمل الصغير، فهو أقل دهناً وبروتيناً وأكثر ماء من الجمل الأكبر سناً ومن البقر. وطبيعي أن يكون الدهن أكثر في بعض أجزاء الجمل من دون أجزاء أخرى منه كباقي الحيوانات، لكن هذا لا يهم ما دام الفرق شاسعاً بين ما يحتويه لحم الجمل بشكل عام وما تحتويه اللحوم الأخرى، فمن أي جزء من الجمل تناولنا اللحم فهو أقل دهوناً.
إن هنا حقيقة بسيطة جداً هي ان لحم الجمل المتوفر في أسواقنا، الذي قد لا يلقي له البعض بالاً يحتوي كمية من الدهن والكوليسترول ليس فقط أقل مقارنة مع ما تحتويه اللحوم الأخرى، بل أقل بمقدار كبير، فتناوله يعطي المستقبل سلامة من أمراض الشرايين والسمنة، خاصة لدى تغذية الأطفال والشباب، ناهيك عن تخفيفه من حالة من لديه أمراض الشـــرايين أو السمنة أو هو عــــرضة لها، كما صرحت به المؤسسة القومية للقلب الأسترالية التي أولته اهتماماً خاصاً. هـــذا بالإضافة إلى أننا في وقــــت طال الحديث عن جنون البقر ومضاعفاته ومل الناس من محاولات الحد من انتشاره بلا جدوى ملموسة، وبعض الدراسات بدأت تهمس بوجود حالات من جنون الماعز وأمراض أخرى، وأمراض الدجاج، في هـــــذا الوقــــت بالذات، ربما كان لنا في الإبل مصدر أمن للحوم ونفس الوقت صحي بكافة المعايير.
حليب الإبل
* يأخذ اليوم هذا الجانب اهتماماً متصاعداً لاعتبارات عدة، أهمها غزارة الإنتاج وسبل الاستفادة الأمثل منها، والثاني الحديث عن تميز حليب الإبل عن باقي حليب أنواع الأنعام الأخرى. فالناقة تعتبر غزيرة العطاء للحليب، وهو ما عرفته كشيء طريف أوروبا في القرون الماضية، إذ تذكر بعض التعليقات أن أحد المطاعم أثناء حصار البلاروسيين لباريس عام 1870، كتبت على «منيو» قائمة الطعام «الناقة المعتنى بها وبغذائها بشكل جيد، تعطي 10 غالونات من الحليب في اليوم، وهو ما يساوي ما تعطيه البقرة الحلوب من نوع «هولستن» سواء بسواء!»، وبرغم بحثي لم أجد تبريراً لهذه العبارة، وفي ذلك المكان والزمان بالذات. والملاحظ على حليب الإبل ستة أمور، هي:
الأول: هو اختلاف كمية وتركيب الحليب الذي تنتجه الناقة بناء على كمية تناولها من الماء، ففي الظروف العادية تعطى حوالي 10 لترات تزيد إلى 20 لتراً بالعناية لتزويدها بكمية كافية من ماء الشرب، وتصل قدرة بعض السلالات منها، كما في باكستان والجزيرة العربية، لإعطاء 35 لتراً يومياً. وكلما كان المناخ حاراً والماء شحيحاً، زاد تركيز الحليب، وهو ربما كان غير مناسب للتناول من قِبل من يعيش نفس الجو في الصحراء، لكنه مفيد لغيره.
الثاني: عدم تبني الوسائل العلمية في الحصول على كمية وتركيب جيد للحليب، فمن المعلوم أن الأبقار الحلوب تنال من الرعاية الغذائية وتهيئة الظروف في مزارع الأبقار للحصول على حليب بمواصفات مدروسة عالية الفائدة، فلو تمت هذه الأمور للنوق، لحصلنا بشكل خاص على حليب أفضل مما هو متوفر بشكل غير مدروس.
الثالث: تختلف نسب المواد الغذائية في حليب الإبل بناء على الأمرين السابقين، وأمور أخرى، أهمها السلالة المنتجة له، وهو ما يبرر ارتفاع أثمان بعض الإبل من دون غيرها، ليس حسب شكلها فقط، بل ولإنتاجها من اللحم والحليب، الأمر الذي يبرر التباين بين الدراسات المختلفة التي تناولت تحليل محتويات حليب الإبل مناطق مختلفة في العالم وفي مراحل زمنية مختلفة بعد ولادة الناقة وبدئها مرحلة الرضاعة وإنتاج الحليب، مثل «اللبا»، وهو أول حليب خفيف تنتجه الناقة، ثم حليب أول الشهور، ثم بعد ستة أشهر، وهكذا، لكن المجمع عليه أن كمية الدهن وكمية سكر الحليب أو «اللكتوز»، كذلك كمية البروتين، هي أقل في حليب الناقة مقارنة بحليب البقر أو الماعز، وأيضاً أغنى محتوى من فيتامين «سي»، إذ كميته في حليب الناقة ثلاثة أضعاف ما بحليب البقر، وبه مركب يشبه هورمون «الأنسولين»، يمكن للأمعاء امتصاصه ولا يتأثر بعصارات الجهاز الهضمي، بيد أنه من غير الحاسم اليوم من الدراسات المتوفرة، تأثيره على مرضى السكري بشكل واضح تبنى عليه نصيحة طبية.
الرابع: بالنظر على الدهن في حليب الإبل، فإن المصادر تؤكد تدني نسبته مقارنة بغيره من حليب الأنعام الأخرى، كالبقر والماعز، إذ هو أقل بمقدار الثلث تقريباً في حليب الإبل عن البقر وحجم أجزاء الدهون أصغر، لكن هذا ليس مهماً بقدر التنبه إلى أن تزويد الناقة لشرب كمية كافية من الماء، هو ما يقلل نسبة الدهن ويقلل الأملاح، خاصة الصوديوم، ويزيد كمية البروتين فيه بشكل أكبر بما يوجب العناية بهذا الشأن، إن أردنا الحصول على حليب أقل دهناً وملوحة، وأكثر بروتيناً، كما أشارت إليه تقارير منظمة الفاو عن حليب الإبل في عام 2001.
الخامس: الاعتقاد الشائع أن ليس بالإمكان سوى شرب حليب الناقة طازجاً، ولا توجد منتجات يمكن تصنيعها منه، خاصة الزبد، نظراً لأن مركبات الدهن صغيرة الحجم فيه، هو ما تنفيه جهود كثير من الباحثين، وعرض تقرير منظمة الفاو هذا الأمر، وبيّن بالتفصيل كيفية إنتاج الزبد والجبن بالذات، الأمر الذي يحتاج إلى مزيد من البحوث لتعميمه في منطقة الشرق الأوسط، خاصة إذا تصورنا إنتاج الناقة الواحدة خلال فترة الرضاعة الذي يتجاوز 4000 لتر، وهو ما لا يمكن توفيره للمستهلك على هيئة حليب فقط، إضافة إلى القناعة الراسخة باستحالة الحصول على الجبن من حليب الناقة، مما أكده كثيرون من أصحاب الإبل!.
الإبل مصدر جيد للحم والحليب يتمتع بصفات صحية ذات قيمة غذائية مفيدة تستحق النظر والاعتبار والتنمية والتشجيع لزيادة إنتاجها كثروة حيوانية مهمة، فوق هذا تستحق مزيدا من الدراسة والبحث.
الإبل.. تاريخ عريق
* يوجد نوعان رئيسان من الإبل، الأول هو النوع العربي ذو السنام الواحد الأكثر انتشاراً، إذ يفوق عددها حسب الإحصاءات 18 مليون رأس في العالم، ترعى 14 مليون رأس في افريقيا، والباقي في آسيا وأستراليا. والنوع الثاني يدعى جمل «بكتريان»، أو الجمل ذو سنامين، ويوجد منه في العالم ما يزيد على مليون رأس فقط، تنتشر في مناطق وسط آسيا. وفي الماضي وجد نوع هجين في أواسط آسيا يجمع صفات كلا النوعين يتميز بسنامين أحدهما أكبر من الآخر وكان يعتمد عليه في حمل الأثقال بشكل رئيس.
تذكر الكثير من المصادر العلمية أن أصل الجمل هو أميركا الشمالية، فهي موطنه الأول قبل أكثر من 55 مليون عام على أقل تقدير، وفق ما تؤكده الموسوعة البريطانية، ثم اختفى من أميركا الشمالية لسبب مجهول قبل أن يضرب العصر الجليدي أطنابه بكافة أصقاع الكرة الأرضية في الأزمنة السحيقة، قد يكون انتقالها عبر آلاسكا إلى قارة آسيا أحد الأسباب، حيث ظهرت وانتشرت وتكاثرت، وواصلت رحلتها إلى أن وصلت إلى افريقيا، ولم يبق من الإبل في القارة الأميركية إلا أربعة أنواع استوطنت جنوبي القارة من دون شمالها، أحدها حيوان لاما المعروف. تم استئناس الجمل من قبل البشر منذ ما يفوق سبعة آلاف عام، فلا يوجد اليوم النوع الوحشي إلا من ذي السنامين، حيث يهيم بضع مئات منها في مناطق منغوليا بوسط آسيا. أما قارة أستراليا فقصة دخول الإبل إليها طريفة، إذ جلب أول مرة إليها من باكستان في حدود عام 1840 بغية استخدامها في مراحل شق الطرق عبر تلك القارة البكر آنذاك، وبعد الفراغ من تلك المشاريع والاستغناء عنها تم اطلاق 20 ألف جمل في الصحراء لتغدو اليوم ما يفوق 500 ألف رأس.
شكلت الإبل ولا تزال، عنصراً مهماً لأهل البادية والمناطق الصحراوية في تذليل صعوبات الحياة بتناول لحومها وشرب ألبانها كغذاء وعلاج في نفس الوقت، والاستفادة من أوبارها وجلودها، وفوق هذا كله استخدامها كوسيلة مواصلات لحمل المسافرين والأمتعة والبضائع ضمن القوافل.
تسويق لحوم الإبل وألبانها إلى العالم
* لا عجب حينما تذكر المصادر الأسترالية أن أول عرض تجاري لبيع لحم الإبل في إحدى المدن الأسترالية، كان عام 1988 فقط، برغم مئات الألوف من الإبل التي ترعى في براريهم!، لكن الشأن تطور سريعاً، إذ نفس المصادر تتحدث اليوم وبعد 12 عاماً فقط، في تقرير البرنامج الداعم لمجالات الصناعة المعتمدة على الإبل في أستراليا والصادر عام 2000، عن برنامج طموح جداً لتصدير الإبل، سواء الجمال منها للحمها، أم النوق الحوامل للبنها، إلى دول العالم المختلفة، واقترح البرنامج البدء بأسواق لحوم وألبان الإبل التقليدية في دول الشرق الأوسط والمغرب العربي، كذلك للجاليات العربية والافريقية في أميركا الشمالية، ثم البدء بالأسواق الأخرى العالمية معتــــمداً على عـــــنصر تسويقي رئيس، ألا وهو الفوائد الصحية للحوم الإبل وألبانها، فنحن في عصر يشكل الهاجس الصحي فائدة أو ضررا أهم معيار ينظر الـــناس به إلى المنــــتج الغذائي بدرجة تفوق لديهـــم لذة الطـــعم بمـراحل.
فالباحثون بعد تجاوز مرحلة إثبات الفوائد الصحية العامة للحوم وألبان الإبل وتميزها عن إنتاج باقي بهائم الأنعام، اتجهوا إلى طرح كيفية تصنيع لحومها كمنتجات غذائية فرعية تسهل تسويقها وتنوع للناس تناولها أسوة بغيرها من أنواع اللحوم، وأيضاً إلى التعامل مع ألبان الإبل بهيئة تتجاوز شرب الحليب الطازج إلى تحضير المساحيق المجففة والجبن بالذات والآيسكريم وغيرها.
تغنّى الشعراء من أهل البادية قديماً وحديثاً، بالناقة والجمل، وبلغت لديهم العناية بالإبل والحرص عليها شأواً بعيداً، وكلما أثار ذلك استغراب الناس زاد أهل البادية في مديحها والتعبير عن تعلقهم بها ولسان مقالهم هو المثل الشعبي «اللي ما يعرف الصقر يشويه!». والحقيقة أن من أمعن النظر في شأن الإبل، وجد فيها ما يستحق الكثير من العناية والرعاية من الناس عامة، وعلى وجه الخصوص من قِبل أهل الطب، ذلك أن الاهتمام الجاد بدراستها والبحث على أسس علمية في فوائدها، أثبت أموراً لا يمكن تجاهلها.
الجمل من الحيوانات الضخمة العجيبة الخصائص لأعضاء جسمها في التكيف مع ظروف موطنها الصحراوي البيئية ومناخه القاسي، واليوم يلتفت الباحثون من الأطباء وأرباب علم الغذاء في مناطق عدة من العالم إلى لحم وحليب الإبل،ش بشيء من الاهتمام، لنشر الاستفادة من تناول لحمها وشرب لبنها في كافة أنحاء العالم، الأمر الذي ما زال محدوداً.
لحوم الإبل
* يفضل الذواقة من متناولي لحوم الإبل صغار السن من ذكورها، ممن لم يتجاوز عمره سنة، أو ما كان بعد الفطام مباشرة، نظراً لسهولة طبخه وخفة طعمه ويسر هضمه، وإن كانت الأنواع الأكبر سناً لا تفقد الكثير من ذلك.
ولو تأملنا لحم الإبل نجد حقيقتين:
الأولى، أن كمية اللحم الناتجة عن نحر الجمل أكثر من ذبح البقر مثلاً، ففي حين يبلغ صافي ما يبقى من ذبح البقرة التي تزن 500 كيلوغرام، وبعد إزالة الجلد والأعضاء الداخلية، ما نسبته 48%، تبلغ النسبة في الجمل الذي يزيد عمره عن خمس سنوات ووزنه 550 كيلوغراما، ما بين 55 إلى %60، وقس على هذا الجمل البالغ سنة واحدة من العمر بوزن 180 كيلوغراما، أو الجمل الذي عمره أقل من خمس سنوات البالغ وزنه 350 كيلوغراما، أي أن نسبة كمية اللحم في الجمل أكثر مما هي في البقر، وبديهي أكثر من الضأن والماعز.
الثانية، والأهم، أن لحم الإبل يمتاز عن اللحوم الحمراء الأخرى بأنه أقل دهناً وأكثر بروتيناً. فلو أخذنا شريحة نيئة بوزن 100 غرام من لحم الجمل، وقارناها بلحوم أخرى، نجد أن الدهن يبلغ 1.8 غرام في لحم الإبل، و12 غراما في لحم البقر، أي ستة أضعاف، وفي لحم الضأن أو الدجاج ثمانية أضعاف، وفي لحم الخنزير 14 ضعفاً!.
كذلك الكوليسترول، ففي نفس الكمية من لحم الجمل 60 ملغ، وفي لحم البقر 70 ملغ، والضأن والدجاج ما بين 80 إلى 100 ملغ، والخنزير 120 ملغ، ولا يوجد ما هو أقل من لحم الجمل سوى الأسماك التي بها 40 ملغ كوليسترول لكل 100 غرام من لحمها الصافي.
أما البروتين فنسبته في لحم الجمل أعلى من البقر، خاصة ما كان عمره فوق 5 سنوات، أما ما هو أقل سناً كالجمل الصغير، فهو أقل دهناً وبروتيناً وأكثر ماء من الجمل الأكبر سناً ومن البقر. وطبيعي أن يكون الدهن أكثر في بعض أجزاء الجمل من دون أجزاء أخرى منه كباقي الحيوانات، لكن هذا لا يهم ما دام الفرق شاسعاً بين ما يحتويه لحم الجمل بشكل عام وما تحتويه اللحوم الأخرى، فمن أي جزء من الجمل تناولنا اللحم فهو أقل دهوناً.
إن هنا حقيقة بسيطة جداً هي ان لحم الجمل المتوفر في أسواقنا، الذي قد لا يلقي له البعض بالاً يحتوي كمية من الدهن والكوليسترول ليس فقط أقل مقارنة مع ما تحتويه اللحوم الأخرى، بل أقل بمقدار كبير، فتناوله يعطي المستقبل سلامة من أمراض الشرايين والسمنة، خاصة لدى تغذية الأطفال والشباب، ناهيك عن تخفيفه من حالة من لديه أمراض الشـــرايين أو السمنة أو هو عــــرضة لها، كما صرحت به المؤسسة القومية للقلب الأسترالية التي أولته اهتماماً خاصاً. هـــذا بالإضافة إلى أننا في وقــــت طال الحديث عن جنون البقر ومضاعفاته ومل الناس من محاولات الحد من انتشاره بلا جدوى ملموسة، وبعض الدراسات بدأت تهمس بوجود حالات من جنون الماعز وأمراض أخرى، وأمراض الدجاج، في هـــــذا الوقــــت بالذات، ربما كان لنا في الإبل مصدر أمن للحوم ونفس الوقت صحي بكافة المعايير.
حليب الإبل
* يأخذ اليوم هذا الجانب اهتماماً متصاعداً لاعتبارات عدة، أهمها غزارة الإنتاج وسبل الاستفادة الأمثل منها، والثاني الحديث عن تميز حليب الإبل عن باقي حليب أنواع الأنعام الأخرى. فالناقة تعتبر غزيرة العطاء للحليب، وهو ما عرفته كشيء طريف أوروبا في القرون الماضية، إذ تذكر بعض التعليقات أن أحد المطاعم أثناء حصار البلاروسيين لباريس عام 1870، كتبت على «منيو» قائمة الطعام «الناقة المعتنى بها وبغذائها بشكل جيد، تعطي 10 غالونات من الحليب في اليوم، وهو ما يساوي ما تعطيه البقرة الحلوب من نوع «هولستن» سواء بسواء!»، وبرغم بحثي لم أجد تبريراً لهذه العبارة، وفي ذلك المكان والزمان بالذات. والملاحظ على حليب الإبل ستة أمور، هي:
الأول: هو اختلاف كمية وتركيب الحليب الذي تنتجه الناقة بناء على كمية تناولها من الماء، ففي الظروف العادية تعطى حوالي 10 لترات تزيد إلى 20 لتراً بالعناية لتزويدها بكمية كافية من ماء الشرب، وتصل قدرة بعض السلالات منها، كما في باكستان والجزيرة العربية، لإعطاء 35 لتراً يومياً. وكلما كان المناخ حاراً والماء شحيحاً، زاد تركيز الحليب، وهو ربما كان غير مناسب للتناول من قِبل من يعيش نفس الجو في الصحراء، لكنه مفيد لغيره.
الثاني: عدم تبني الوسائل العلمية في الحصول على كمية وتركيب جيد للحليب، فمن المعلوم أن الأبقار الحلوب تنال من الرعاية الغذائية وتهيئة الظروف في مزارع الأبقار للحصول على حليب بمواصفات مدروسة عالية الفائدة، فلو تمت هذه الأمور للنوق، لحصلنا بشكل خاص على حليب أفضل مما هو متوفر بشكل غير مدروس.
الثالث: تختلف نسب المواد الغذائية في حليب الإبل بناء على الأمرين السابقين، وأمور أخرى، أهمها السلالة المنتجة له، وهو ما يبرر ارتفاع أثمان بعض الإبل من دون غيرها، ليس حسب شكلها فقط، بل ولإنتاجها من اللحم والحليب، الأمر الذي يبرر التباين بين الدراسات المختلفة التي تناولت تحليل محتويات حليب الإبل مناطق مختلفة في العالم وفي مراحل زمنية مختلفة بعد ولادة الناقة وبدئها مرحلة الرضاعة وإنتاج الحليب، مثل «اللبا»، وهو أول حليب خفيف تنتجه الناقة، ثم حليب أول الشهور، ثم بعد ستة أشهر، وهكذا، لكن المجمع عليه أن كمية الدهن وكمية سكر الحليب أو «اللكتوز»، كذلك كمية البروتين، هي أقل في حليب الناقة مقارنة بحليب البقر أو الماعز، وأيضاً أغنى محتوى من فيتامين «سي»، إذ كميته في حليب الناقة ثلاثة أضعاف ما بحليب البقر، وبه مركب يشبه هورمون «الأنسولين»، يمكن للأمعاء امتصاصه ولا يتأثر بعصارات الجهاز الهضمي، بيد أنه من غير الحاسم اليوم من الدراسات المتوفرة، تأثيره على مرضى السكري بشكل واضح تبنى عليه نصيحة طبية.
الرابع: بالنظر على الدهن في حليب الإبل، فإن المصادر تؤكد تدني نسبته مقارنة بغيره من حليب الأنعام الأخرى، كالبقر والماعز، إذ هو أقل بمقدار الثلث تقريباً في حليب الإبل عن البقر وحجم أجزاء الدهون أصغر، لكن هذا ليس مهماً بقدر التنبه إلى أن تزويد الناقة لشرب كمية كافية من الماء، هو ما يقلل نسبة الدهن ويقلل الأملاح، خاصة الصوديوم، ويزيد كمية البروتين فيه بشكل أكبر بما يوجب العناية بهذا الشأن، إن أردنا الحصول على حليب أقل دهناً وملوحة، وأكثر بروتيناً، كما أشارت إليه تقارير منظمة الفاو عن حليب الإبل في عام 2001.
الخامس: الاعتقاد الشائع أن ليس بالإمكان سوى شرب حليب الناقة طازجاً، ولا توجد منتجات يمكن تصنيعها منه، خاصة الزبد، نظراً لأن مركبات الدهن صغيرة الحجم فيه، هو ما تنفيه جهود كثير من الباحثين، وعرض تقرير منظمة الفاو هذا الأمر، وبيّن بالتفصيل كيفية إنتاج الزبد والجبن بالذات، الأمر الذي يحتاج إلى مزيد من البحوث لتعميمه في منطقة الشرق الأوسط، خاصة إذا تصورنا إنتاج الناقة الواحدة خلال فترة الرضاعة الذي يتجاوز 4000 لتر، وهو ما لا يمكن توفيره للمستهلك على هيئة حليب فقط، إضافة إلى القناعة الراسخة باستحالة الحصول على الجبن من حليب الناقة، مما أكده كثيرون من أصحاب الإبل!.
الإبل مصدر جيد للحم والحليب يتمتع بصفات صحية ذات قيمة غذائية مفيدة تستحق النظر والاعتبار والتنمية والتشجيع لزيادة إنتاجها كثروة حيوانية مهمة، فوق هذا تستحق مزيدا من الدراسة والبحث.
الإبل.. تاريخ عريق
* يوجد نوعان رئيسان من الإبل، الأول هو النوع العربي ذو السنام الواحد الأكثر انتشاراً، إذ يفوق عددها حسب الإحصاءات 18 مليون رأس في العالم، ترعى 14 مليون رأس في افريقيا، والباقي في آسيا وأستراليا. والنوع الثاني يدعى جمل «بكتريان»، أو الجمل ذو سنامين، ويوجد منه في العالم ما يزيد على مليون رأس فقط، تنتشر في مناطق وسط آسيا. وفي الماضي وجد نوع هجين في أواسط آسيا يجمع صفات كلا النوعين يتميز بسنامين أحدهما أكبر من الآخر وكان يعتمد عليه في حمل الأثقال بشكل رئيس.
تذكر الكثير من المصادر العلمية أن أصل الجمل هو أميركا الشمالية، فهي موطنه الأول قبل أكثر من 55 مليون عام على أقل تقدير، وفق ما تؤكده الموسوعة البريطانية، ثم اختفى من أميركا الشمالية لسبب مجهول قبل أن يضرب العصر الجليدي أطنابه بكافة أصقاع الكرة الأرضية في الأزمنة السحيقة، قد يكون انتقالها عبر آلاسكا إلى قارة آسيا أحد الأسباب، حيث ظهرت وانتشرت وتكاثرت، وواصلت رحلتها إلى أن وصلت إلى افريقيا، ولم يبق من الإبل في القارة الأميركية إلا أربعة أنواع استوطنت جنوبي القارة من دون شمالها، أحدها حيوان لاما المعروف. تم استئناس الجمل من قبل البشر منذ ما يفوق سبعة آلاف عام، فلا يوجد اليوم النوع الوحشي إلا من ذي السنامين، حيث يهيم بضع مئات منها في مناطق منغوليا بوسط آسيا. أما قارة أستراليا فقصة دخول الإبل إليها طريفة، إذ جلب أول مرة إليها من باكستان في حدود عام 1840 بغية استخدامها في مراحل شق الطرق عبر تلك القارة البكر آنذاك، وبعد الفراغ من تلك المشاريع والاستغناء عنها تم اطلاق 20 ألف جمل في الصحراء لتغدو اليوم ما يفوق 500 ألف رأس.
شكلت الإبل ولا تزال، عنصراً مهماً لأهل البادية والمناطق الصحراوية في تذليل صعوبات الحياة بتناول لحومها وشرب ألبانها كغذاء وعلاج في نفس الوقت، والاستفادة من أوبارها وجلودها، وفوق هذا كله استخدامها كوسيلة مواصلات لحمل المسافرين والأمتعة والبضائع ضمن القوافل.
تسويق لحوم الإبل وألبانها إلى العالم
* لا عجب حينما تذكر المصادر الأسترالية أن أول عرض تجاري لبيع لحم الإبل في إحدى المدن الأسترالية، كان عام 1988 فقط، برغم مئات الألوف من الإبل التي ترعى في براريهم!، لكن الشأن تطور سريعاً، إذ نفس المصادر تتحدث اليوم وبعد 12 عاماً فقط، في تقرير البرنامج الداعم لمجالات الصناعة المعتمدة على الإبل في أستراليا والصادر عام 2000، عن برنامج طموح جداً لتصدير الإبل، سواء الجمال منها للحمها، أم النوق الحوامل للبنها، إلى دول العالم المختلفة، واقترح البرنامج البدء بأسواق لحوم وألبان الإبل التقليدية في دول الشرق الأوسط والمغرب العربي، كذلك للجاليات العربية والافريقية في أميركا الشمالية، ثم البدء بالأسواق الأخرى العالمية معتــــمداً على عـــــنصر تسويقي رئيس، ألا وهو الفوائد الصحية للحوم الإبل وألبانها، فنحن في عصر يشكل الهاجس الصحي فائدة أو ضررا أهم معيار ينظر الـــناس به إلى المنــــتج الغذائي بدرجة تفوق لديهـــم لذة الطـــعم بمـراحل.
فالباحثون بعد تجاوز مرحلة إثبات الفوائد الصحية العامة للحوم وألبان الإبل وتميزها عن إنتاج باقي بهائم الأنعام، اتجهوا إلى طرح كيفية تصنيع لحومها كمنتجات غذائية فرعية تسهل تسويقها وتنوع للناس تناولها أسوة بغيرها من أنواع اللحوم، وأيضاً إلى التعامل مع ألبان الإبل بهيئة تتجاوز شرب الحليب الطازج إلى تحضير المساحيق المجففة والجبن بالذات والآيسكريم وغيرها.