المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مع زوج مارجريت حسن



فاطمي
07-07-2005, 04:44 PM
روبرت فيسك

جورج بوش يؤمن بالخير والشر، وكذلك يفعل توأمه الروحي أسامة بن لادن، لم أكن في حياتي متأكدا من الشر مثل الآن، لكنني أستطيع أن أؤمن بالخير، أول كتاب أعطته لي أمي لأقرأه وحدي كان مذكرات آن فرانك، وهي الفتاة اليهودية الألمانية التي كانت حياتها وهي مختبئة في أمستردام المحتلة - قبل أن يشي البعض بها وبأسرتها للنازيين - إلهاما للأجيال القادمة. كانت تؤمن بأن جميع الناس كانوا أساسا طيبين، ولكي أكون صادقا، علي أن أعترف أنني في السنوات الثلاثين الأخيرة التي غطيت فيها الحروب في أيرلندا ويوغسلافيا والشرق الأوسط، التقيت مع أشخاص سيئين جدا، قتلة ومغتصبين وجلادين ومعذبين، وبعضهم كان يتمتع بعمله، وهذا سبب يدفعني للاعتراف بطيب رجل عراقي، زوج مارجريت حسن التي قتلها مختطفوها ببشاعة العام الماضي.

لا يزال تحسين حسن يعيش مع زوجته مارجريت في قلبه وعقله، وفي اللحظة التي دخلت فيها منزله في بغداد، لاحظت لماذا هو كذلك، صدقها وإحساسها وذوقها الجميل كان في كل مكان. سجاد "قم" الحريري على الأريكة، والأثاث والصور جميعها كانت من اختيارها، قال تحسين: "مارجريت ما زالت موجودة بالنسبة لي لأنني عشت معها في هذا المنزل واشترت هذا البيت وما زلت أراها تجلس هناك". ويشير تحسين إلى كرسي في جانب غرفة الجلوس والتفت لأرى ما إذا كانت مارجريت فعلا تجلس هناك، ويأخذني تحسين حول الغرفة: "هذه الصورة لمارجريت تم رسمها من الصورة التي في الصالة، إنها صورة جميلة، وتلك صورتها عندما ذهبت إلى نيويورك لتعترض على الغزو، لم يسعد ذلك الأمريكيين والبريطانيين، ذهبت إلى الأمم المتحدة"، كنت قد نسيت حملة مارجريت حسن في أمريكا، لكن هاهي تبتسم للكاميرا وهي على سطح بناية.

تحسين هادئ ورابط الجأش - يتفق معي أن التعبير عن الحزن قد يبدو مبتذلا - لكنه يعترف أنه عانى من أيام سيئة جدا بعد اختطاف زوجته، يقول تحسين: "كنت آتي إلى البيت وأجلس هنا وأبكي... لا أعتقد أن المقاومة فعلوا هذا، لا أعتقد أن عراقيين فعلوا هذا، وللآن، لا أستطيع أن أكون متأكدا أن مارجريت هي التي قتلت"، قلت: إنني لا أستطيع أن أرى الفيديو الذي صوروه، ليس لأنها زوجتي، ولكن لأنني لا أتحمل رؤية شخص يقتل، يبدو أن الشخص الذي في الفيديو كان ملثما، أخو زوجتي ذهب إلى قطر وشاهد الفيديو، اتصل بي وقال: "إنني متأكد أنها مارجريت"، لا أدري كيف؟، لقد عشت معها لأكثر من ثلاثة عقود، ولا أستطيع أن أصدق أنها رحلت بهذه البساطة، لا أستطيع أن أصدق أنها ماتت، قد أكون مخطئا، لقد توسلت لمن اختطفها أن يعيدوا إلي زوجتي حية أو ميتة، إذا كانت ميتة ادفنوها، إذا كانت حية أعطوني إياها".

تحسين مرتاح لوجود ابن أخيه رامي الذي يحضر لنا الشاي، لكن هناك هدوءاً كبيراً في البيت، وتحسين يتحدث بنعومة كبيرة، يقول تحسين: "لقد أرادوا أن يقتلوها فقط ليسكتوها، إذا حدث هذا، إذا كانت مارجريت قد قتلت، من يقف وراء ذلك؟ من يستفيد من مقتل هذه المرأة؟، لقد كرست حياتها للعراقيين، كانت امرأة لطيفة جدا... كانت منظمة "كير" التي تعمل مارجريت فيها قلقة على سلامتها وعرضوا أن يعطوها سيارة مدرعة، لكنها قالت: "ماذا عن زملائي؟ هل سيحصلون على سيارات مدرعة أيضا"، لقد كانت هدفا سهلا جدا، كانت تتجول في جميع أنحاء العراق: الفلوجة، العمارة، البصرة...".

كان آخر مشروعات مارجريت حسن افتتاح عيادة لإعادة تأهيل جرحى الحرب في بغداد قرب مبنى الأمم المتحدة القديم، وزارة الصحة طلبت منها أن تفعل ذلك، زودت جميع المرضى بكراس متحركة وأسِرّة ومكيفات. كانت تزور العيادة كل يوم، يتحدث تحسين عن مارجريت بصيغة الماضي والحاضر في محاولة منه ليحتفظ بها حية ومن ثم يتركها ترحل بلطف، يتذكر حياتهما معا بالترتيب الزمني - كيف تزوجا في لندن - كان رئيس محطة الخطوط العراقية في مطار هيثرو - وانتقل إلى بغداد عام 1972 طرد من عمله - لأنه كان قد تزوج من أجنبية، لكنه عمل مع الخطوط الإيطالية، عملت مارجريت في قسم الأخبار الإنجليزية في التلفزيون العراقي، وعملت في المركز البريطاني إلى أن تم إغلاقه بعد غزو العراق للكويت عام 1990م.

وكذلك أغلق مكتب الخطوط الإيطالية في بغداد، ولكن بعد ذلك عملت مارجريت في "كير" وأنقذت أرواحا عراقية، بما في ذلك ضحايا أطفال مصابون بمرض اللوكيميا وغيرهم. "كانت تتمتع بشخصية قوية جدا وكانوا ينادونها باسم مارجريت تاتشر الثانية، لأنها كانت قوية. وكانوا يحترمونها كثيرا، أراها هنا وهناك، تجلس هناك، تتحدث إلى الفتيات، إنني فعلا أفتقدها كثيرا، اتصلت بي شقيقتي وقالت: متى ستأتي إلى إنجلترا؟ قلت لا أعتقد أنني سأترك بغداد إلى أن أعرف مصير مارجريت، لا أدري ماذا حدث لزوجتي، هل ماتت؟ هل ما زالت على قيد الحياة؟ لا أصدق أن هذه المرأة الطيبة تختفي بهذه البساطة".

لا يستطيع أن يتذكر تاريخ اختطاف مارجريت، لا يتحدث عن أشرطة الفيديو التي ظهرت فيها مارجريت حسن تتألم وتبكي وتتوسل، ولا عن الشريط الذي لم يره للمرأة شبه الملثمة التي أطلقت النار على رأسها. يوم اختطافها، مشى إلى بوابة المنزل ليودعها، تماما مثلما مشى معي ليودعني، يقول تحسين: "ليس هناك جثة... إنهم لا يهتمون، يستطيعون أن يرموا الجثة في الشارع، لكنني ما زلت آمل أن تكون على قيد الحياة، وأسمي أملي هذا خيطي الصغير".

أخذ الخاطفون جوال مارجريت حسن، وما زال رقمها مسجلا في دفتر هاتف تحسين، وإذا اتصلت بالرقم تسمع صوتا يقول: "لا يسمح لك بإجراء هذا الاتصال"، الهاتف مقطوع، ممزق مثل الناس الطيبين. أتمنى بصدق لو أنني أستطيع أن أؤمن بـ"خيط تحسين القصير".

* نقلا عن صحيفة "الوطن" السعودية