المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "أحياء التنك" وجبال النفايات تطوق بغداد



قاسم
07-06-2005, 10:42 AM
«علب زيت وسردين ولحوم فارغة تُملأ بالرمل وترصف بالطين لتغدو جدراناً وسقوفاً»... هذا ما يتوافر لسكان مدن الصفيح على أطراف بغداد، لبناء منازلهم الصغيرة التي تجاور مناطق الطمر في المدينة.

عيون الأهالي في احدى مدن الصفيح التي تسمى «أحياء التنك» شرق بغداد، ترصد الغرباء بريبة، فهنا حيث تشيد المنازل والأحلام من علب فارغة ومن نفايات بغداد، لا يهتم السكان كثيراً بالسياسة، ولا يعولون على تشكيل الحكومة أو سقوطها بمقدار اهتمامهم بموظفي أمانة بغداد والتي تهددهم حيناً بالطرد من منازلهم «العشوائية» وتعدهم حيناً آخر بالخدمات الاساسية لمناطقهم التي تعاني تفشي الأوبئة والأمراض كالملاريا والتيفوئيد والتهاب الكبد.

تقارير وزارة الصحة العراقية تعزو تفشي الأوبئة الى وجود ثلث المدن بجوار مناطق طمر النفايات، وعمل معظم ابنائها في «مهنة» نبشها واستخراج مواد مثل البلاستيك والألومنيوم وتصنيفها، ومن ثم بيعها الى تجار. ويزيد انعدام الرعاية الصحية والخدمات تعقيد الأمور، ويعرقل المحاولات للسيطرة على الأمراض. لكن الأهالي الذين يسكن بعضهم في تلك المنازل منذ اكثر من عشرين سنة، يؤكدون ان امتناع الدولة عن تقديم خدمات صحية لهم ساهم في انتشار الأوبئة.

علي الكعبي، مواطن من سكان احدى مدن الصفيح في منطقة التاجي، شمال بغداد، يقول ان الفقر المدقع وعدم تأمين فرص عمل مناسبة، دفعا كثيرين الى مهنة نبش القمامة التي لا تدر ما يكفي للعيش الكريم، خلافاً للاعتقاد السائد. ويمتلك بعض الأهالي منازل داخل المدن، لأنهم لا يبارحون بيوت الصفيح، إما لأنهم اعتادوا العيش فيها، وإما لعدم رغبتهم في الابتعاد عن مصادر رزقهم، قرب مناطق طمر النفايات، بخاصة ان تجارتهم تطورت بعد الحرب.

«تلال الخشب والحديد المستعمل والأواني البلاستيك التي تتوسط تلالها تلك المنازل، استعداداً لبيعها الى تجار يصدرونها الى دول مجاورة لإعادة تصنيعها، لا يجمعها الزبالة فقط» كما يؤكد عدنان راضي أحد التجار، بل هناك مجموعات من الشبان وحتى النساء تخرج يومياً الى احياء بغداد لجمع تلك المواد من المنازل، ويطلق على أفرادها أهالي بغداد «الدوارة».

احدى تلك التلال كانت تحتوي أجزاء من معدات وعجلات ودبابات تعود الى الجيش العراقي السابق الذي تبخرت آلته العسكرية الضخمة، بعد أقل من ثلاثة أشهر على سقوط نظام صدام حسين، وجزءاً يعود الى الجيش الاميركي الذي تتعرض دباباته وناقلاته الى هجمات. أحد «الخبراء» في تفكيك الدبابات الاميركية، يؤكد ان أقل من ساعة يفصل بين استهداف الدبابة وعودة الكوادر الهندسية في الجيش الاميركي لنقلها، وهذه الفترة كافية لتفكيك اي عربة أو آلية عسكرية ونقلها أجزاء، قبل بيعها بالجملة!

اولئك «الخبراء» لا يسكنون عادة مدن الصفيح، بل يتجولون في المناطق الأكثر خطراً التي يتكثف فيها نشاط المجموعات المسلحة، وتتراوح الاسعار بين 50 و200 دولار، بحسب صلاحية الأجزاء المفككة من الآلية، وذلك على امتداد حزام بغداد.

وهم ينطلقون باتجاه الانفجارات، للعثور على ضالتهم، لكن المهنة محفوفة بالخطر، فبعض الشبان قتل على أيدي القوات الاميركية، كما يؤكد سعيد مناشد، ويضيف ان هذه القوات تطلق النار على المتجمهرين قرب آلياتها المحترقة، لذلك فإن السرعة هي الفيصل في ضمان حياتهم.

تفكيك الآليات الاميركية مهنة تدور في فلك مدن الصفيح على أطراف بغداد، لكنها ليست مهنة اساسية لسكانها الذين يبتعدون عادة عن الأقاويل من حولهم، بعد اشاعات عن تحول هذه المدن الى ملاذ آمن لعصابات الجريمة في العاصمة. فتراهم يبتعدون عن الثرثرة، فيما ينبشون بصمت جبال نفايات بغداد.