المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قول الهاشمي وفتواه الأخيرة



Osama
07-05-2005, 09:45 PM
أحمد الجار الله - رئيس تحرير جريدة السياسة


يكفيه انه هاشمي, ويكفي ان مؤسسة آل البيت للفكر الاسلامي هي التي نظمت المؤتمر الاسلامي الدولي, لنقطع الجدل في مرجعية الافتاء والتعريف ولنتوقف عن هذه التغذية السامة لصفوف الساعين بشتى انواع الصراعات والانحرافات العقائدية والاجتهادات الانتقائية القائمة على التكييف المصلحي, وليس لها سند من آية قرآنية, أو حديث شريف.

كلمة الملك عبد الله الثاني بن الحسين في هذا المؤتمر التي القاها امام نحو 170 شخصية من كبار علماء ومفكري الأمة الاسلامية, يمكن اعتبارها كلمة الفصل فيما يختلف عليه المسلمون, نظراً لانتساب العاهل الاردني الى السلالة الشريفة, ونظراً لأن نسبه الشريف يحتم عليه تجاوز القشور الى الجوهر, والتمييز بين مبادئ العقيدة وما لحق بها من تقاليد مكتسبة توافرت بسبب الظروف السياسية, ولم تنطلق من مبادئ الايمان الخمسة.

من هنا تأتي أهمية الكلمة, واهمية الانتقاد, والتي لا يمكن فصلهما عن العواصف الدولية المثارة حول الاسلام, ومدى ارتباط المسلمين بالارهاب, ومدى تأجيجهم لصراع الحضارات, واعتناقهم لأفكار التكفير, وثقافة الولاء والبراء, واحتجاز مفاهيم الأحقية لهم ومنعها عن غيرهم.

الملك عبد الله في هذا المؤتمر اطلق الفتوى الاخيرة, من موقعه المرجعي المنتسب لآل البيت, والتي طالما دار الجدال حولها, ولم يتجرأ أحد على اطلاقها بكل معانيها الظاهرة والباطنة. وفي البداية دعا العاهل الاردني الى التصدي لحملات التشويه والتشكيك والافتراء الظالمة التي يتعرض اليها الاسلام, ولن يكون ممكناً لهذا التصدي أن يكون ناجحاً الا اذا نبذ المسلمون الخلاف فيما بينهم, ووحدوا كلمتهم ومواقفهم, وعرفوا ان من أهم واجبات المسلمين تقديم الاسلام بصورته الحقيقية المشرقة التي تقوم على الوسطية والاعتدال والعلم والمعرفة والتسامح والرحمة ومحاورة الآخرين بالعقل والحجة.

واذا مثلت كلمة العاهل الأردني في بداياتها اطلاقاً لازماً لوضع العناوين, الا انها في التواصل تقدمت الى اعطاء الفتوى, والتي هي بمثابة آلية عمل للمسلمين كي يتمكنوا من التصدي للحملات, وكي يوحدوا صفوفهم, وفي اول الكلمة اشارة الى ان الفرقة بين ابناء الأمة الاسلامية, وأعمال العنف والارهاب التي تمارسها بعض الجماعات والمنظمات, وتبادل تهم التكفير, وقتل المسلمين باسم الاسلام, هي امور مخالفة جملة وتفصيلاً لجوهر الدين الاسلامي والاسلام منها براء, لأن مثل هذه الامور تمنح المبررات لغير المسلمين للحكم على الاسلام من هذا المنظور والتدخل في شؤون المسلمين.

وتبقى الفتوى من مصدرها الهاشمي فهي تتضمن التأكيد على اهمية توحيد مواقف اتباع المذاهب الاسلامية الثمانية: الحنفية, والشافعية, والحنبلية والمالكية والجعفرية والاباضية, والزيدية والظاهرية. وعلى اتباع هذه المذاهب الاعتراف بصحة اسلام بعضهم بعضا, وعدم جواز تكفير بعضهم بعضا.

واكد العاهل الاردني ان كبار علماء المسلمين قد افتوا بصحة هذا المبدأ وجوازه, ذلك ان اتباع هذه المذاهب الثمانية متفقون على المبادئ الاساسية للاسلام من حيث الايمان بالله واحداً أحداً, وبالقرآن كلام الله المنزل, وبسيدنا محمد (صلي الله عليه وسلم) نبياً ورسولاً للبشرية كافة, وعلى أركان الاسلام والايمان. والمهم في هذه الناحية ان الاعتراف بالمذاهب هو اعتراف بمنهجية الافتاء, وتحديد من هو المؤهل لهذه المهمة مما يؤدي الى عدم تكفير بعضنا بعضاً, واغلاق الباب امام الجاهلين الذين يمارسون القتل والارهاب باسم الاسلام.
وفي الفتوى الهاشمية الاخيرة والنهائية ان المذاهب مختلفة على بعض المسائل الفرعية التي ظهرت بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأسباب تتعلق بالخلافة وبعض أمور الدنيا والسياسة.

في رد خلاف المذاهب الى اسبابه الدنيوية والسياسية تكون فتوى العاهل الهاشمي قد نفت هذه الاسباب, بحكم تغير الازمنة والظروف, وحيث ان الدنيا الآن غير الدنيا, والسياسة غير السياسة, اي لم يعد الآن بين المذاهب ما يبرر اختلافها, وان الاختلاف على الماضي اصبح من الماضي.

وفي لحظة اطلاق الحقيقة, وتخليص الدين الاسلامي من الاستخدام في صراعات الدنيا وفي أدوات السياسة, يصبح مفهوماً ان الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الاسلام هي بسبب عدم فهم بعض المسلمين لحقيقة دينهم, وجهل كثير من غير المسلمين بطبيعة الدين الاسلامي وقيمه السامية.

ان كلمة الملك عبد الله التي القاها بحضور 170 عالماً أتوا الى المؤتمر من أربعين دولة, يمكن ادراجها في سياق ضرورات الاصلاح والتصحيح, والتي تنهج الى اعادة الوعي على روح الاسلام وجوهره كرسالة رحمة وتعايش واعتدال ووسطية لكل البشر. ولو أن في كلمة العاهل الاردني ما يمثل خروجاً او تجرؤا لما صمت العلماء والحاضرون ولاعترضوا على مضامين الدعوة فيها.. الكلمة ارتجلها الملك عبد الله. ونجح من خلالها في تقديم صورة المسلم المعاصر, المحاور, والسريع الوصول, بمنطقه الى العقلية الغربية والى قناعة الغربيين وتجرأ على قوله الحق وارجاع خلاف المذاهب الى أسباب الدنيا والسياسة, لا الى مبادئ الدين وجوهره العقيدي والايماني. وربما لهذا السبب كانت متابعة العلماء الحاضرين للكلمة دقيقة, وانصاتهم لكلماتها حساساً, فلم يعترضوا, ورأوا ان الحق أولى ان يتبع, وان هذا الدين اولى بالانصاف وبالفهم, ومن قبل أهله قبل سواهم.

يكفي ان الهاشمي هو الشاهد, وهو المعترف, ففي ذلك ستكون بداية الخطوة الاولى نحو تطهير الاسلام مما علق فيه من شوائب الدنيا, وتوحيد المسلمين, وتحريرهم مما علق بهم من شوائب السياسة والارتهان للماضي, وعقلية التكفير المدمرة.