المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هاشمي رفسنجاني حصان الثورة الأخير.. معتدل بين الراديكاليين ومتشدد بين المعتدلين



فاتن
07-03-2005, 04:08 PM
إلياس حرفوش 02/07/2005

* عندما وصف هاشمي رفسنجاني ترشيحه للرئاسة الايرانية بأنه يشبه تناول السم لكنه مع ذلك مستعد لتناوله خدمة لمصالح الشعب الايراني كما قال، تذكر كثيرون هذه العبارة نفسها التي اطلقها آية الله الخميني زعيم الثورة الايرانية ووصف فيها ما شعر به عندما وافق على وقف اطلاق النار مع نظام صدام حسين بعد 8 سنوات من الحرب بين البلدين.

فرفسنجاني السياسي الداهية ورجل الدين المبالغ في البراغماتية يعرف كيف يوظف العبارات التي تخدم موقعه المتقدم على منافسيه على حلبة الرئاسة.ومن هنا جاء تكراره لهذه العبارة في اشارة الى الحظوة التي كانت له لدى الخميني الذي كان رفسنجاني الشخص الوحيد بين المجموعة المحيطة بقائد الثورة الايرانية الذي استطاع اقناعه بانهاء تلك الحرب المدمرة قبل الوصول الى هدف ايران آنذاك وهو معاقبة النظام العراقي باسقاطه.بعد 8 سنوات على مغادرته الاضواء يعود رفسنجاني الآن الى الواجهة.في السبعين من العمر.يحمل على كتفيه كثيرا من الخصومات والصداقات من سنوات الحكم الماضية لكنه في الوقت ذاته لا يزال اكثر وجوه الحقبة الايرانية الاولى لمعانا ولا تزال صورته الاكثر تداولا بين الوجوه الايرانية في الاعلام الغربي.صحيح أن رفسنجاني ابتعد عن الرئاسة واعتبر الايرانيون، وخصوصا فئة الشباب بينهم، أن فوز خليفته محمد خاتمي (الاصلاحي)كان بمثابة هزيمة لمشروعه.

لكن رفسنجاني لم يكن في الحقيقة بعيدا.فتعيينه من قبل مرشد الثورة آية الله علي خامنئي في موقع رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام كان الهدف منه كسب رضاه بابقائه في الدائرة في موقع حساس ينظم الخلافات بين البرلمان المنتخب والمؤسسة الدينية النافذة.وفي الوقت ذاته أتاح هذا الموقع لرفسنجاني متابعة الخطوات «الانحرافية»التي يمكن أن تقدم عليها الثورة في ظل رئيس منفتح على تيارات الشباب ومشاريع التحديث.سنوات رفسنجاني في الرئاسة التي يصفها مراقبو الشأن الايراني بانها مثلت مرحلة الجمهورية الثانية من عمر الثورة لم تكن خالية من السلبيات خصوصا في المجال الاقتصادي.ارتفاع معدلات الديون الحكومية من الاسواق العالمية والتي بلغت 60 بليون دولار تركت الخزينة الايرانية في وضع صعب في الوقت الذي كانت خطة دعم المواد الاساسية تلقي ايضا اعباء كبيرة وتمنع النمو السليم للحركة الاقتصادية.الى جانب أن ارتفاع معدلات البطالة والتضخم تركت هي ايضا أثرا على عملية النمو.

غير أن المأخذ الاساسي على تلك الفترة من قبل منتقديه كان استمرار اليد الحديدية التي تميزت بها الثورة الايرانية في قمعها للحريات العامة وتشددها مع المعارضين الى حدود القتل على يد رجال الحرس الثوري في بعض الاحيان.مغ ذلك ظل الملالي في ايران الطبقة المستفيدة بامتياز.فمع تأميم النفط وسيطرة الثورة على حسابات العائلات الغنية والمستثمرين الاجانب في المصارف الايرانية بقي لرجال الدين قطاع واسع من الخدمات للاستفادة منه مثل امتلاك الفنادق وشركات السيارات والصناعات الكيماوية والمتاجرة بالمواد الاستهلاكية.هذه القطاعات تم وضعها في يد مؤسسات خيرية اسلامية كان الملالي يشرفون عليها ويحققون من خلالها ارباحا طائلة بعيدا في غالب الاحيان عن اية رقابة نتيجة الوضع الخاص الذي يتمتعون به.ويعتبر رفسنجاني أب مشروع الخصخصة في ايران.

فخلال سنوات رئاسته اعيد احياء سوق البورصة وبيعت بعض المؤسسات الحكومية لشركات اجنبية وتم تحرير التجارة الخارجية كما فتح القطاع النفطي امام الاستثمار من قبل الشركات الخاصة.لكن بعض اعضاء غرفة التجارة الايرانية يقولون ان العقود كانت غالبا ما تنتهي في يد رجال الدين وشركائهم ومن بين هؤلاء رفسنجاني نفسه وافراد عائلته.لقد حولت الثورة الايرانية عائلة رفسنجاني الى عائلة نافذة في مجال التجارة.احد اخوته كان يدير اكبر مناجم النحاس في ايران.شقيق آخر اشرف على قطاع التلفزيون الحكومي.زوج احدى شقيقاته تم تعيينه حاكما لمقاطعة كرمان اما ابن عمه فيدير مجموعة تسيطر على تجارة الفستق التي تدر في حدود نصف مليار دولار.أحد ابنائه وحفيد له توليا منصبين مهمين في وزارة النفط.ابن آخر كان يشرف على بناء مشروع قطارات الانفاق في طهران الذي انفق عليه حوالى مليار دولار.ويعتقد ايضا ان عائلة رفسنجاني ومن خلال مؤسسات وشركات مختلفة تدير احدى اكبر شركات التصنيع النفطي وشركة لتجميع سيارات دايوو الكورية للسوق المحلية وشركة طيران ايرانية خاصة.

غير أن رؤية رفسنجاني البعيدة المدى لموقع ايران الاقليمي هي التي تسجل لمصلحته بشكل خاص وتضعه في صف القادة السياسيين الذين تتميز احكامهم بواقعية شديدة لا تلتقي مع التشدد الذي عرف به قادة الثورة الآخرون.وفي خانة رفسنجاني أنه كان اول هؤلاء القادة الذي طوى بهدوء صفحة «تصدير الثورة»التي اقلقت دول الجوار ونشأ بسببها التوتر السياسي في منطقة الخليج على مدى عقد من الزمن.ولم يعد سرا أن مناخ التوتر هذا هو الذي استغله صدام حسين في حربه مع ايران مستفيدا في تلك المرحلة من مساهمة خليجية ضخمة في نفقات حربه مع طهران.

ليس هذا فقط بل ان رفسنجاني بعث برسائل واضحة حول استعداده لفتح صفحة جديدة مع الغرب.ولا بد هنا من التذكير بدوره المهم في مرحلة مقايضة الرهائن الغربيين في بيروت الذين اختطفتهم مجموعات مرتبطة تسليحا وتفكيرا بالثورة الايرانية.وكذلك بالاتصالات السرية التي جرت برعايته مع ادارة الرئيس الاميركي رونالد ريغان وموفده آنذاك الكولونيل اوليفر نورث الذي كان عضوا في مجلس الامن القومي ولعب دورا مهما في صفقة اسلحة الكونترا ورهائن بيروت التي حملت الاسم الشهير «ايران غيت».ولعل هذا الدور الذي لعبه رفسنجاني في تلك المرحلة هو الذي يدفع في الوقت الحاضر بعض القادة الاوروبيين والخبراء في الشأن الايراني الى الرهان عليه باعتباره الرجل الذي يمكن التوصل معه الى تسوية معقولة بالنسبة الى الملف النووي العالق.

وعندما اجتمع وزراء خارجية الترويكا الاوروبية في جنيف في اواخر مايو (ايار)الماضي لمتابعة هذا الملف مع المندوبين الايرانيين كانت كل الاتجاهات تشير الى نية الاوروبيين قطع الوساطة مع الحكومة الايرانية واحالة الملف الى مجلس الأمن.فقد كانت تلك الخطوة متوقعة تحت ضغط الادارة الاميركية وبعد أن أعلنت طهران معاودة عمليات تخصيب اليورانيوم، خلافا لتعهداتها السابقة. غير ان المفاجأة التي انتهى اليها ذلك الاجتماع كانت تراجع طهران عن تهديدها واتاحة الاوروبيين فرصة جديدة امامها لاثبات «حسن نواياها» حسب اللغة الديبلوماسية التي استخدمت آنذاك. غير ان ما لم يقله الاوروبيون علنا ان الاجتماع برمته طغت عليه اجواء الانتخابات الرئاسية والتوقعات السائدة بتغير متوقع في السلوك الايراني على اثرها.ويقول ديبلوماسي بريطاني شارك في ذلك الاجتماع الى جانب وزير الخارجية جاك سترو ان العرض الذي قدمه الاوروبيون يتضمن خطة كاملة للدعم الاقتصادي من شأنها أن تشكل حافزا لايران للتخلي عن برنامجها النووي وذلك بعد الانتخابات الرئاسية.وساعدت على توفير هذا المناخ الايجابي الاحتمالات الجدية بانتخاب هاشمي رفسنجاني التي ساهمت في تجميد التصعيد مع طهران في هذه المرحلة على أمل فتح آفاق جديدة من التعاون معها في المستقبل.

ولم يقصر رفسنجاني من جانبه في توجيه الرسائل الايجابية الى المجتمع الدولي سواء عبر وسائل الاعلام الايرانية او الاعلام الاجنبي.وفي الحديث الذي خص به مجلة «تايم» الاميركية عشية الانتخابات كان واضحا في تأكيده ان الهدف الاساسي وراء موافقته على دخول المعركة هو أنه مقتنع باهمية عدم ترك الساحة مفتوحة «للعناصر المتطرفة» كما وصفها.وقال:«ان الذين اقنعوني بالترشيح يعتقدون ان سيطرة مناخ معتدل على البلاد من شأنه ان يحسن علاقاتنا مع العالم وانا مقتنع بهذا المنطق».وبالنسبة الى الموضوع النووي قال:«اننا مستعدون لتوفير ضمانات اكبر للعالم باننا لن نحيد عن التكنولوجيا النووية لاغراض سلمية الى اغراض عسكرية.واذا كنا سنحتاج الى وقت ومفاوضات لتوفير هذه الثقة فنحن مستعدون لذلك.والاساس في سياستنا هو ان العالم يتجه نحو نزع شامل للسلاح النووي».
ولا يمثل انتخاب رفسنجاني املا للمجتمع الدولي وحده في انهاء ازمته مع ايران بطرق سلمية.غير ان المجتمع الايراني ايضا ينظر الى هذا السياسي المخضرم بما يشبه القناعة انه الوحيد القادر على اخراج ايران من النفق الذي تتخبط فيه بعد تجربة ثماني سنوات من حكم الرئيس محمد خاتمي الذي كان يوصف بالاصلاحي لكنه انتهى اسير النفوذ الكبير الذي ظل يمارسه آية الله علي خامنئي على المؤسسات بكاملها بما فيها مؤسسة الرئاسة.

وذلك على الرغم من الحشد الشعبي الذي لقيه خاتمي وخصوصا في اوساط الشباب خلال الدورتين اللتين تولى فيهما منصب الرئاسة.ويعود هذا النفوذ الى الدستور الايراني الذي ينظم العلاقات بين المؤسستين (ولاية الفقيه والرئاسة)ولكنه يعود ايضا بدرجة كبيرة الى شخصية خاتمي نفسه.فهذا الرجل المثقف والمتفتح على افكار وتيارات فكرية متعددة وغير المنغمس في عالم التجارة والاعمال، لم يحارب من اجل مواقفه وظل لينا في تعامله مع وجوه التيار المحافظ فخسر الكثير من اوراقه واصبح الانطباع عنه انه مجرد «رجل كلام» ولا حيلة له امام القوى التي خاصمت مشروعه واتهمت مؤيديه في بعض الاحيان بالانحراف بالثورة عن مبادئها الاساسية.

رغم ذلك تغير المجتمع الايراني منذ ترك رفسنجاني مقعد الرئيس سنة 1997.طبعا ليست رئاسة محمد خاتمي هي صاحبة الفضل في هذا التغيير.فالعالم كله يتغير وفي مجتمع ولد اكثر من نصفه بعد الثورة ولم يسمع عن الخميني الا من خلال اليافطات لا تستطيع ان تنتظر رؤية الحشود التي رافقت صعود الثورة في بداياتها.وهكذا يمكن القول إن هاشمي رفسنجاني في رئاسته الجديدة الثالثة (جدد له مرتين)سوف يمثل استمرارا لنهج سابق ولكنه في الوقت ذاته ينتظر أن يدخل ايران في مرحلة سياسية جديدة.

صحيح أن الرجل كبير في السن وقد تجاوز بالتالي المرحلة التي يستطيع فيها تغيير جلده.غير ان هذا السبعيني الشاب يعرف كيف يتجاوز الحواجز بما فيها حاجز نقمة الشباب الذين يشكلون اكثرية المجتمع الايراني على المؤسسة الدينية الحاكمة التي يعتبر رفسنجاني احد ابرز رموزها، فهو الوحيد القادر على تقديم وعود قابلة للتصديق بحكم موقعه النافذ وقدرته الخاصة على التأثير على خامنئي.فباستثناء رفسنجاني هناك قلة في ايران من داخل المؤسسة من السياسيين او رجال الدين الايرانيين ممن يتجرأون مثلا على القول ان نظرية ولاية الفقيه لم تعد تلائم العصر ولا تتناغم مع مفهوم الديموقراطية!

رفسنجاني قال ذلك في حديث لاحدى الصحف الايرانية في اطار حملته الانتخابية وبدون أن يغيب عن ذهنه بدون شك مدى تجاوب الفئات الشابة مع طرح جريء من هذا النوع يفتح الباب امام اعادة النظر في الاسس التي قامت عليها الثورة الايرانية (50بالمئة من الايرانيين تحت سن الـ 25).ويجب ألا ننسى ان الرجل الذي كان بعيدا عن أي منصب منتخب ظل محتفظا بمنصب مهم لقيمته الرمزية وهو رئاسة مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي عينه خامنئي على رأسه بهدف رسم السياسات الاستراتيجية وليبقيه قريبا منه ويبقي في الوقت ذاته عينيه مفتوحتين على سلوك خاتمي.

رفسنجاني هو الوحيد ايضا من خارج صف الاصلاحيين في ايران الذي لا يرى أي مبالغة في الحديث عن امكانية تطبيع العلاقات الايرانية الاميركية في وقت لا تزال شعارات التنديد بـ «الشيطان الاكبر» تغطي جدران طهران. ولك أن تقارن ذلك مثلا بموقف الرئيس خاتمي الذي اضطر سنة 2000 خلال حضوره جلسات الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك أن يطلب اذنا من آية الله علي خامنئي ليصافح الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون لكن خامنئي رفض منحه الإذن فامتنع خاتمي عن مصافحة كلينتون.ويروي صحافيون ايرانيون ان رفسنجاني وعلى عكس خاتمي لا يتردد في مواجهة خامنئي عندما يشعر أن مواقعه معرضة للاهتزاز.ويذكرون مثلا على ذلك ان رفسنجاني رد على دعوة خامنئي التي وجهها اليه بصورة غير مباشرة مطالبا اياه بسحب ترشيحه للرئاسة فقال:انا واحد من اعمدة هذه الثورة ولست بحاجة الى إذن من أحد لأرشح نفسي!

كذلك لا يمانع رفسنجاني في تلميع صورته الاصلاحية امام الغرب ولو بلغ الامر به حد المبالغة التي يصعب تصديقها.ففي حديثه الذي اشرنا اليه سابقا مع مجلة «تايم» لم يتردد في القول انه مستعد لانتاج فيلم دعائي لحملته الانتخابية بالتعاون مع كمال تبريزي مخرج فيلم «السقاية» The Lizard الذي آثار ضجة واسعة في ايران ومنعت الرقابة عرضه بسبب تعرضه بالتهكم من رجال الدين.ويحاول رفسنجاني الوقوف في الوسط بين الخط الاصلاحي الداعي الى تطوير النظام وتحديثه والاهتمام بالشأن الداخلي على حساب الطموحات الخارجية التي شغلت مهندسي السياسة الايرانية خلال ربع القرن الماضي وبين الخط المحافظ الذي يرى أن طروحات الخميني واهداف ثورة 1979 لا تزال بحاجة الى الدفاع عنها اليوم كما كان الحال آنذاك.

ومع أن من الصعب منطقيا العثور على مقعد للجلوس عليه وسط هذين الخطين فان هاشمي رفسنجاني البراغماتي المحنك والعارف بمداخل السياسة والسياسيين في ايران وبمخارجهم لا يرى هذه المهمة صعبة عليه بل هو يعتقد أن مصدر قوته يكمن في موقعه كأحد مؤسسي هذا النظام ورفاق الخميني الاوائل في قم ومن ثم فهو قادر على الوقوف موقف الند الى جانب خامنئي.اما من الجهة الثانية فهو يستطيع ان يقنع الاصلاحيين بأنه قادر على تلبية طموحاتهم اكثر مما فعل خاتمي وذلك بحكم موقعه القوي في الجهاز الحاكم.

لكن اين رفسنجاني الحقيقي بين كل ذلك؟ يروي ابراهيم يزدي احد وجوه المعارضة الايرانية وامين عام حركة «حرية ايران» ان رفسنجاني ارسل اليه مستشاره الخاص حسن حبيبي الذي كان نائبا للرئيس عندما كان رفسنجاني رئيسا في المرة السابقة ليستطلع رأي يزدي في ترشيحه ويحاول اقناعه بدعم الاصلاحيين لهذا الترشيح.وسئل يزدي بعد ذلك عن موقفه من رفسنجاني فقال: انه يتبع طريقة ماكيافيلي في السياسة.فهو يتعمد سياسة غامضة دائما لكنه في النهاية محسوب على المحافظين باعتباره اولا واخيرا واحدا منهم .